الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعتعة التحرير “المحاكمة السياسية أولا”، شكرا للأستاذ!!

تعتعة التحرير “المحاكمة السياسية أولا”، شكرا للأستاذ!!

نشرة “الإنسان والتطور”

30-1-2012

السنة الخامسة

العدد: 1613

تعتعة التحرير

“المحاكمة السياسية أولا”، شكرا للأستاذ!!

طوال هذا العام: ظل أبنائى وبناتى من الإعلاميين، الشباب خاصة،  يسألوننى مكررا عن “ماذا تغيـّر فى الشعب المصرى؟، فى الأخلاق المصرية؟، فى الشارع المصرى… بعد 25 يناير؟، ولم ينفع فى الإقلال من هذا الإلحاح اعتذارى طول الوقت بصعوبة الإجابة،  والتأكيد على أن الشعوب لا تتغير مثل نقلات “الفيتيس”، وأن أى تغيير حقيقى يحتاج وقتا طويلا ومخاطرة مرعبة، وهو يتعرض لمضاعفات ونكسات بلا حصر….إلخ.

يوم الثلاثاء قبل الماضى دعانى الإبن النابه “خيرى رمضان”  لمناقشة تليفزيونية حول  كتاب الأستاذ الكبير القدير محمد حسنين هيكل عن “مبارك”، وبرغم أنه لم يكن قد صدر إلا المقدمة والجزء الأول، وبرغم من أنه لم يُخطرنى بموضوع اللقاء إلا بعد وصولى للاستديو، شاركتُ محرجا فى الفكرة بشكل عام، واستسمحته فى تأجيل التفاصيل حتى ينتهى الكتاب.

منذ حوالى عشر سنوات  أتيحت لى فرصة أن أناقش حديثا أجراه الأستاذ هيكل مع الإبن الصديق إبراهيم عيسى فى قناة دريم، كتبت عنه مقالا بعنوان “الوثائق والحقائق”  (الوفد 18 فبراير 2002) فرجعت إليه ؟

 ما هذا ؟؟ !!!، الأستاذ هو الأستاذ، والهالة هى الهالة، وأنا هو أنا، والكلام هو الكلام، انقبض قلبى برغم إصرارى على التمسك بتفاؤلى العنيد، عدلت عن كتابة تعليق جديد على ما لم يكتمل فى البرنامج، وفضلت أن أقتطف “ثمان” مقتطفات من المقال القديم لعلها  تصلح الآن، (كل ما سيأتى، قبل كلمة “الخاتمة“،  هو مكتوب ومنشور من عشر سنوات):

(1)  …أعرف أنه ليس هذا وقت الحديث عن شخص، مدحا أو قدحا، نحن فى ماذا أم ماذا؟ …. إن ما تفرضه علينا دماء الشهداء الغالية، … هو أن  نراجع كل شىء. كل فعل، كل حرف، كل كلمة، كل كسل، كل  تبرير، كل منظرة، كل زعيم، كل تقديس بشرى…هذا يستلزم أن نتجاوز اللحظة دون أن نتخلّى عنها، كما يتطلب أن نتجاوز الأشخاص دون أن نبخسهم حقهم وفضلهم.

(2)  نحن جاهزون طول الوقت لصناعة الفرعون، … نستلقط أى قائد، أو شيخ قبيلة، أو متميز فى أى مجال، وهات يا تقديس،وهات يا نفخ، وهات يا تزويق، ثم سرعان ما ننسى، كما ينسى الذى تفرعن، أننا مسئولون عمّا آل إليه. فيصدّق، ونصدّق….إلخ

(3)  الأستاذ هيكل لم يغب عن وعى الناس ولا لحظة، حتى صمته المختار (المزعوم)، كان حضورا كثيفا عند البعض وثقيلا عند آخرين. إن ما يجرى  الآن يلزمنا بأن نتجاوز هذه الظاهرة (فَرْعَنة الأفراد). إن ما يسيل من دماء الشهداء يلزمنا بالكف عن هذه الاعتمادية العبثية، إن الشباب الذين ضحوا ويضحون من أجلنا … هم القادة الحقيقيون لنا الآن ، هم القادرون على تغيير الوعى دون استئذان، على بعث الحياة دون تقديس لفرد بذاته، على تجسيد الحلم دون تأجيل…إلخ.

(4)  إن “ظاهرة هيكل” لها أبعاد ثلاثة، فهو  تاريخ، ومؤسسة، ومدرسة، وكل بعد من هذه الأبعاد يحتاج إلى وقفة ومراجعة ….. مثلا: كيفية التعامل مع الوثائق: هى مسألة منهجية تثير جدلا هائلا حول مصداقيتها وموضوعيتها، حيث تحمل خطر الانحياز العفوى أو الانتقاء المغرض أو الكذب الموثق..إلخ

(5)  ينفى الأستاذ عن نفسه دائما صفتين، أنه أديب، وأنه شريك فى القرارالسياسى،… مما يحتاج إلى مراجعة هادئة، (خاصة مدى مسئوليته بالنسبة للماضى الباكر)..إلخ

(6)  … صفة ثالثة لم ينفها الأستاذ عن نفسه، ألا وهى صفة المحلل النفسي،  فمنذ أن كتب فى أوائل الستينات “بصراحة” عن “العقد النفسية التى تحكم الشرق الأوسط، حتى ما كتبه تفصيلا عن الملوك والسلاطين العرب، وهو يمارس هذه الهواية بحذق شديد يفوق مهارة المختص فى كثير من الأحيان…. إلا أن هذه الهواية تستدرجه غالبا إلى منزلقين الأول: أنها تغريه “بالتداعى الحر”، وله ما له وعليه ما عليه، والثانى:  أنها  تتطلب النظر فى نفسه فى نفس الوقت، فالتحليل رحلة بين الذات والآخر، يترتب على ذلك أنه يقوم بتقديم أهم الشخصيات انطلاقا من مقابلة شخصية، أو انطباع ذاتى، أو فراسة خاصة، مرة أخرى ليس عندى تحفظ مطلق..، لكن هذا المنحنى قد أوصله مرات كثيرة إلى التعسف والشطط، مثلا: … حين يلمّح إلى أثر لون بشرة والدة السادات السوداء، حتى اضطررت  إلى  التنبيه إلى هذا التجاوز، مشيرا إلى أننا  إذا رضينا مثل هذا التأويل فيجدر بنا أن نلحقه بتذكرة أن السيدة الفاضلة زوجة السادات كانت ومازالت بيضاء ومثل القمر، فهل أثّر ذلك فى نفسيته، ومن ثم فى قرارته، وكيف كان ذلك ؟!!

(7)  …لقد وضَعَنَا الشهداء فى  واقع ماثل يتفجر دما وشرفا وكرامة، واقع لا بد أن  يستنفز وعيا آخر، وإبداعا آخر، طول الوقت، بطول الزمن إلى ما بعد نهاية التاريخ حيث ليس للتاريخ نهاية …. ..إلخ

(8)  إن أولادنا وبناتنا وأهلنا وشهداءنا…. قد حددوا بداية أخرى لتاريخ آخر، تاريخٍ ليس له نهاية،  نرجو أن نكون أهلا له ، فهو واعد بكل خير وكرامة للبشر كافة…إلخ

 (انتهت المقتطفات القديمة : 18 فبراير 2002)

الخاتمة:

 أما الآن (الأحد 22 يناير 2012) فدعونى أختم بملاحظتين:

الأولى:  أن التعهد النبيل الذى بدأ به الأستاذ المقدمة بأنه “لن ألزم  نفسى طوال هذه الصفحات بأوصاف للرئيس «حسنى مبارك» من نوع ما يرد على الألسنة والأقلام منذ أزيح عن قمة السلطة ..” .. ، لايتفق مع تكراره صفة “البقرة الضاحكة” حتى لو أوردها على لسان غيره.

الثانية : هى شكر بالغ للأستاذ على تنبيهه الموضوعى الواجب التطبيق، وهو ما ينبغى أن يعرفه كل الناس أهم من تحليل شخصية مبارك وهو: ضروة تقديم “المحاكمة السياسية” عن “المحاكمة الجنائية”، وإثبات أن الرئيس قد أخل بالتزامه الوطنى والسياسى والأخلاقى وأساء إلى شعبه أولا، ثم بعد ذلك يمكن محاكمته  على ما ارتكب حالة كونه لم يعد رئيسا يدافع عن حياته أو عن أمن وطنه. هذه توصية حكيمة هامة خاصة لو أمكن تطبيقها على كل الرؤساء السابقين، فى كل المواقع.

آخر لحظة: (الأحد، الخامسة والنصف صباحا، أذان الفجر): وصلتنى صحف الأحد، وقرأت الحلقة الرابعة، ونصيحتى للأستاذ القدير، بعد إذنه، أن يثق فى ذكاء القارئ وينتبه إلى أنه (الأستاذ) يكشف نفسه وهو يكشف الآخرين (أنظر المقتطف رقم “6”)، أطال الله عمره ومتعه بالصحة، ونفع به،  وبارك فى ذاكرته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *