الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعتعة التحرير : الشعب المصرى الجديد، ومجلس الشعب الجديد

تعتعة التحرير : الشعب المصرى الجديد، ومجلس الشعب الجديد

نشرة “الإنسان والتطور”

20-2-2012

السنة الخامسة

 العدد: 1634

 تعتعة التحرير

الشعب المصرى الجديد، ومجلس الشعب الجديد

بدأت بعض المعالم تتضح إجابة على السؤال الذى تكرر طوال هذا العام، واعتذرت عن الإجابة عنه، عجزاً لا عزوفا، هذا السؤال الذى تنوع فيما بين : “ماذا حدث للشعب المصرى بعد 25 يناير؟” “ماذا حدث لنفسية الشعب المصرى”، “ماذا حدث لطباع الشعب المصرى”؟ ..إلخ، وكنت أعلل اعتذارى بشكل واضح أن الشعوب والأخلاق والنفوس لا تتغير بين يوم وليلة، ولا تتغير بفعل فاعل، ولا تتغير بانتفاضة حق أو انفجار ثورة غضب مهما كانت إشراقاتها ووعودها، وبغض النظر عن دوافعها ومسارها، وكنت أنبه أن تغيير شعب ما ليس مثل تغيير نقلات “فتيس السيارة” أو قنوات محطة التليفزيون. استسهال الحديث عن التغيير هو نفسه ضد التغيير، إن مجرد ذكر كلمة “التغيير” هذه يشير إلى أننا فى مواجهة عملية نمائية دائمة تحتاج وقتا يصل إلى عقود أو قرون، فهى ليست نقلة من نموذج ثابت جاهز إلى نموذج آخر ثابت جاهز أيضا، مهما كان الأول فاسدا قبيحا، والثانى واعدا مضيئا.

ما أشير إليه بتعبير “الشعب المصرى” هنا هو ذلك الوعى التاريخى الجماعى االحضارى معا، وهو وعى ممتد حاضر هنا والآن مهما اختفى تحت السطح،  حاضر الآن فى الشارع والبيوت وأماكن العمل والتعليم والإبداع، وهو ليس قاصرا على ميدان التحرير، ولا هو مجلس الشعب ، ولا هو الألتراس ولا هو الإعلام، وهو فى نفس الوقت كل ذلك!!! أخشى ما أخشاه أن يتصور القارئ أننى أتكلم عن كيان نظرى، أو هلامى، أو ميتافيزيقى، بل بالعكس فإننى أحاول أن أشير إلى ما أسميته مرارا “الوعى الجمعى الشعبى”، وهو الذى يشار إلى بعضه مؤخرا باسم “اللاشعور المجتمعى” social unconscious ، وكما أشار فرويد إلى أن الذبابة التى فوق ظهر الفيل تتصور أنها تقوده وهو يمشى، مشبها فى ذلك “الشعور” بأنه الذبابة، أما الفيل فكان يمثل عنده “اللاشعور” القائد الأصلى، أقول  بنفس القياس، نحن نتصور أن الميدان أو ماسبيرو أو حتى الصناديق أو مجلس الشعب نفسه أو الرئيس هو الذى يقود هذا الشعب، فى حين أنه بقياس التاريخ الأبقى يظل الشعب الكائن الحى يبدل قشرة جلده الواحدة تلو الآخرى ليواصل نموه، اللهم إلا إذا مرت عليه فترات اضمحلال حين تلصق تلك القشرة بجسده فتعوق نموه حتى الهلاك، وهو حينئذ إما أن يمزق هذه القشرة مهما كان سمكها وصلابتها، (فهى الثورة) وإما أن يستسلم عجزا فهو الفناء، فإن نجح فى خلع القشرة المعطلة فعليه فورا فى إفراز قشرة جديدة مرنة قادرة على حماية الجسد ولو مؤقتا، وذلك برغم ظهور البثور، وأحيانا القروح فوقها

 وفيما يلى بعض ما التقطت من إيجابيات هذا الشعب خلال هذا العام، (مع المبالغة)، وذلك قبل رصد القروح (ربنا يستر)

أولا: حوّط هذا الشعب بانتفاضة الشباب – بغض النظر عن القوى التى حركته فكان له فضل التقاطها- ومن ثم احتمال توجيه مسارها لصالحه حتى لو كان التخطيط الأصلى عكس ذلك.

ثانيا: منظر ميدان التحرير ليلة رأس السنة الميلادية والجميع يمارسون فرحة حقيقية معا،  لا هى خواجاتيه، ولا هى حلقة ذكر، ولا هى رقص ماجن، وصلتنى باعتبارها نبض الشعب المصرى يضىء ليل الوطن فى  رحاب الله.

ثالثاً: انطلق هذا الشعب إلى صناديق الاستفتاء، وبرغم كل العيوب والتحفظات على النتائج، وحتى برغم نوعية النتائج فإن مجرد انطلاقه هكذا له معنى ودلالة أن هذا شعب يقظ ومستعد للتجربة وللمراجعة، ولكن ليس للرجوع.

رابعا: بادر هذا الشعب أيضا إلى صناديق انتخاب مجلس الشعب، ومرة أخرى قال ما عنده فيمن يمثله، ومهما كان الحذر والتخوف والخداع، فإن الفضل يرجع لناس هذا الشعب الذين خاضوا تجربة جديدة عليهم، وهم مستعدون لتحمل نتائجها بما فى ذلك تصحيحها.

خامسا: رفض هذا الشعب أن “يلبس مزيكا” فى انتخابات مجلس الشورى ، وأصدر قرارا بنفسه أن يستغنى عن هذا المجلس تماما من واقع الممارسة قبل نصوص الدستور.

 سادسا: رفض هذا الشعب بكل طبقاته وهيئاته أن يدرج قتلة استاد بورسعيد بين ناسه ، حتى لو كانوا يحملون هوية مصرية ، وراح الناس المصريون الحقيقيون يقفون بجوار المتهمين البورسعيدين المصريين الأبرياء، بقدر ما يقفون بجوار أهل الشهداء الأبرار.

سابعا: أفشل أغلب هذا الشعب الدعوة للعصيان المدنى لمجرد الإعاقة والاستعجال، وانصرف إلى عمله متحديا.

وسوف تتوالى الإيجابيات إذا واصلنا رعايتها إيمانا بحقيقة هذا الشعب، وحتى تنجح هذه المهمة علينا أن نرصد السلبيات التى طفت على السطح من بعض فئاته المتحمسة أو الغافلة أو المستعجلة أو المغرضة، لا لندمغها دون النظر فى مبرراتها، ولكن لنحذر من التمادى فيها دون مسئولية أو حساب، ومن هؤلاء :

أولا: الذين أصروا وتمادوا فى وضع أولوية المطالب الفئوية فى المقام الأول، وأحيانا الأخير دون أن ينتبهوا إلى مشاركتهم فى خراب الاقتصاد القومى وأثر ذلك حتى على هذه المطالب نفسها.

ثانيا: الذين استهوتهم الإثارة والتهييج للتهييج، فراحوا يكررون النص (سكريبت) بمقابل أو بدون مقابل !!

ثالثا: الذين غفلوا أو تغافلوا أن تمتد رؤيتهم لربط المحلى بالعالمى، فبالغوا فى التركيز على شكل ومحتوى ظاهر التحركات المحلية، دون ربطها بالمؤامرات العالمية الأخطر والأخبث.

رابعا: المتعجلون الاستجابة دون حساب حتى الوقت اللازم لذلك، مثل الصراخ بتعجيل المحاكمات بغض النظر عن الشرعية القانونية، ودون إصدار قانون خاص يسمح بهذه العجلة بما تحمل من احتمال ظلم.

خامسا: الذين أهانوا القضاء والقضاة بالاعتراض على الأحكام الصادرة  حتى الرفض عن غير طريق الاستئناف والنقض.. الخ وراحواينصبون المحاكم فى الشارع والميادين ويصدرون أحكام إعدام دون محاكمة

سادسا: الذين نسوا الفضل وأنكروا الجميل جملة وتفصيلا، وكأن الخطأ مهما بلغ يمكن أن يمحو كل الفضل والحماية والتصدى والشجاعة

سابعاالذين قبضوا المعلوم من جهات معلومة أو مجهولة لينفذوا ما يعلمون أو ما لا يعلمون ، دون أن يسألوا أنفسهم عن سر هذا الكرم ولمصلحة من؟

وبعد

إذا كان هذا هو “الشعب المصرى الجديد” بجماله وقوته وتلقائيته، وضعفه وأخطائه، فماذا عن مجلس الشعب الجديد؟

انتهت المساحة المتاحة، فحمدت الله، وقلت ننتظر لنرى، ونعطيهم فرصة، مطمئنين لحكم ومراجعة ورقابة شعبنا هذا، (من يدرى؟ ربنا يستر)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *