الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الثلاثاء الحرّ : بعد عام من الزمان

الثلاثاء الحرّ : بعد عام من الزمان

نشرة “الإنسان والتطور”

الثلاثاء: 9-6-2015  

السنة الثامنة

العدد: 2839 

 

الثلاثاء الحرّ :

بعد عام من الزمان(1)

 1-  لو رجعنا الي الوراء فيما قبل تولي السيسي للحكم، وهي الفترة التي سبقت اجراء الانتخابات الرئاسية، والتكهنات حول ما اذا كان السيسي سيقوم بترشيح نفسه للرئاسة‪..  كيف تري الصراع الداخلي الذي كان يعتمل في  نفسه بشأن اتخاذ مثل هذا القرار، خاصة في ظل وصف ما قام به بالانقلاب العسكري، وأنه يرغب في تولي السلطة؟

د. يحيى:

أرى أنه كان صراعا مؤلما قويا عميقا، أتوقعه من أى مصرى شريف مسئول، شاءت له الأقدار أن يعلم ما يجرى أكثر من عامة الناس، فحاول ما يستطيع وهو بجوار السلطة، ونصح بصدق، وأعاد النصح بإلحاح ليتجنب أية هزات خطيرة، أو ضحايا أبرياء، ثم أشار – وهو بنفس الألم والأمل – على الوالى الغائب عن نفسه الجاهل بناسه، أن يرجع للشعب مبكرا وبالصناديق أيضا فلم يسمع له، وكان عليه أن يتخذ قرارا شديد الصعوبة يؤكد له ما وصله من بصيرته المسئولة أمام ربه وناسه، وهو هو القرار الذى يعمق شرف وجوده كإنسان، وشرف انتمائه كمواطن، وشرف مسئوليته كعسكرى ملتزم، وكان يعلم تماما أن حساباته  لو أخطأت واحد فى العشرة آلاف لطارت رقبته، لكنه اتكل على خالقه وشعبه وضميره وفعلها ليكون نموذجا بسيطا لمصرى أدى واجبه

  2- علي مدى عام- هي فترة تولي السيسي للرئاسة – هل لاحظت – بعين الطبيب النفسي- تبدلا او تراوحا في معنويات السيسي، ومشاعره ولغة جسده من خلال الخطابات التي يلقيها في المناسبات المختلفة ؟

د. يحيى:

طبعا لاحظت، لكن ليس بعين الطبيب النفسى، فأنا أخلع منظار الطبيب النفسى بمجرد الخروج من عيادتى أو لقاء مرضاى، ولا أسمح لنفسى بهواية التحليل أو التفسير النفسى وإصدار الأحكام بالارتكاز على مهنتى التى أعرف حدودها، أخلع منظار المهنة كما نصحت الرئيس أن يخلع منظاره الأسود حتى لو كان لسبب صحى – لا قدر الله -، وهو يلتقى بالناس أيا كانوا، ذلك لأن العيون لها لغتها الخاصة فى تبادل الوجدانات وحوارات الوعى، الأمر الذى لا يصح اخفاؤه، وأنا أثق فيما تقوله العيون أحيانا أكثر من الألفاظ، وقد احتججت على الرئيس مبارك حين لبس منظارا ليس فقط اسود لكنه مرآة، وذلك فى مقام لا يجوز فيه  ذلك، فى ساحة المحكمة، إذ من حق القاضى أن ينظر فى عينيه مباشرة كما يرى هو عيون القاضى، ويا حبذا لو وصلت هذه التوصية – مرة أخرى للرئيس الآن، لأنه من حق أىٍّ من الناس أن يقرأ عينه كما يسمع كلماته أو يشاهد تعبير وجهه سواء بسواء.

أما ملاحظاتى الأخرى فهى أنه فى رأيى زادت ثقته بربه، وتعمقت ثقته بشعبه، وتزايدت آلامه بقدر ما وصله من مسئوليات، وزاد حرجه بقدر ما زاد التزامه بتقديس القانون وعدم التدخل، وزادت محاولاته لمد الجسور مع من يحب ومن يكره فى الداخل والخارج كما حماه الله من مضاعفات الكرسى العالى والغرور الغبى.

  3- هل تشعر ان الرئيس لا يفصح عن كل ما بداخله، او ان هناك امورا تزعجه لا يتحدث عنها بشكل صريح ومباشر؟

د. يحيى:

طبعا هناك ما لا يفصح عنه، ولا يصح أن يفصح عنه، فكلام الرئيس المسئول لابد أن يكون منضبطا بقدر المسئولية ومدى الإفادة، وليس مجرد دغدغة مشاعر واستعراض بطولة، عليه أن يفصح عن ما يفيد ويحفز، وأن يحتفظ لنفسه وكاتمى أسراره بما يحتاج لإعادة نظر ومراجعة حسابات، ولابد من فهم الشفافية المستوردة فى حدود وعى ومسئولية البصيرة أمام الله الذى يطلع على الأفئدة، وأمام نفسه “وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ”.

أما أن هناك أمورا تزعجه ولا يتحدث عنها فهذا وارد ومهم وجيد ولعله فى ذلك يقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول “لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا”، هذا شعور انسان جيد وعلامة نضج لها دلالتها.

4 – بشكل عام كيف تصف شخصيته من الناحية النفسية .. بمعني اخر كيف ترسم ” بروفايل نفسي” لشخصيته من ايجابيات وسلبيات؟ وهل تغيرت رؤيتك له علي مدي عام؟

د. يحيى:

قلت مرارا أننى لا أصف شخصيات الرؤساء من الناحية النفسية إلا بصفتى مواطنا مشاركا مسئولا له رقم قومى يلزمه أن يقرأ رئيسه كما يقرأ سائر الناس، وليس كما يقرأ مرضاه مهما سمحت له مهنته بمساحة أوسع قليلا من غيره

 أما حكاية ما يسمى بروفيل نفسى، فرأيى فى حدود الشروط المذكورة حالا هو أنه مواطن مصرى مؤمن يخشى الله أكثر مما يخشى الناس، ويحترم حدوده أكثر مما يستسلم لغرور يلوّح به الكرسى،

 وكلما زادت أيام حكمه ازداد قربا من ربه والتزاما بتصحيح أوضاع ناسه وبلده.

أما أن رؤيته تغيرت، فقد “تغيرت” دون أن “تتحول”، وبديهى أن الرؤية اليقظة المبدعة لابد أن تتغير لأن الموقف الصحى والناضج والصحيح هو الذى يتيح لصاحبه أن يتغير باستمرار مع اختلاف وتطور ما يصله من معلومات وما يمارسه من أعباء لم يعتد عليها وربما لم يتوقعها،

والله تعالى المعين

[1] – نشر أغلبه فى الأهرام اليومى بتاريخ: 8-6-2015

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *