الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / بريد الجمعة، وحوار الشبكة العربية

بريد الجمعة، وحوار الشبكة العربية

نشرة “الإنسان والتطور”

27-4-2012

السنة الخامسة

 العدد: 1701

بريد الجمعة، وحوار الشبكة العربية

مقدمة:

بقدر ما شعرت بفضل الابن والأخ والزميل د. جمال التركى لجمع شمل النفسيين وتحمل اختلافاتهم والمغامرة الإبداعية لتربيطهم بعضهم ببعض، شعرت بالتقصير الشديد فى المشاركة فى الحوارات التى تطرحها الشبكة منذ إنشائها، والتى تزداد نضجا يوما بعد يوم وخاصة فى الفترة الأخيرة.

تواكب ذلك مع مواصلتى منفردا المثابرة على نشر هذا الجهد الخاص جدا، الذاتى نوعا، فيما اسميته نشرة “الإنسان والتطور”، وبح صوت وقلم وإيميلات الزميل الجميل جمال التركى فى محاولات الدعوة إلى التعقيب أو المشاركة فيما أسماه “فريق البحث أو مجموعة عمل نشرة “الإنسان والتطور” ….الخ” بلا طائل، وقد اعترفت أكثر من مرة أننى السبب فى كل ذلك، وعددت الأسباب، ولا أريد أن أكررها لكنه آن الأوان لمحاولة أن أتلافهاها من ناحيتى.

حين دار الحوار فى الشبكة حول دور الدين والإيمان فى الصحة النفسية والتطبيب النفسى مع ضرورة التميز الثقافى لتأكيد استقلالنا نحن النفسيين العرب، وفى نفس الوقت بدت ملامح الدعوة إلى احتمال تكافلنا وتكاملنا مع ثقافات أخرى تبدو أكثر تقدما، وأسبق إنجازا، وإن لم تكن بالضرورة أكثر حضارة وأعمق إبداعا، كتبت خطوطا عريضة سريعة تلخص موقفى (المستحيل تلخيصه) بشكل أو بآخر،(نشرة: 21-3-2012) وهو الموقف الذى تحدد فى خمس وعشرين نقطة، وإذا بابن عزيز هو د.إدريس الوزانى يأخذ المسألة بجد كاف محترم، ويرسل لى بعض التعقيبات والملاحظات والتساؤلات حول بعض هذه النقاط أساسا، وقد قمت بالرد عبر الشبكة على أول جزء منها، ووعدت بمواصلة الرد على بقيتها بالإضافة إلى ما يستجد منه ومن غيره من الزملاء الأفاضل، وقد استأذنته أن أنشر حوارنا فى موقعى (فضلا عن الشبكة) وقبل مشكورا كريما واعدًا باستمرار التواصل.

فى نفس الوقت كان  قد تم بعض التواصل مع أ.د.صادق السمرائى كان آخرها تعقيب على رأيه فى موضوع دور الإسلام (الدين) الذى أثير أخيرا فى المسألة النفسية، وإن كنت أشك أنه وصل إليه لأننى اعتدت منه ردا موضوعيا طيبا دائما، كما قمت بالتعقيب مؤخرا على تعقيب على رأى أ.د. قدرى حنفى حول شأن يدخل فيما يسمى علم النفس السياسى أو السياسة وعلم النفس أو شىء من هذا القبيل .

بعد كل هذا، وبسببه قلت أجرب اليوم الاقتراح التالى:

أقسم بريد الجمعة إلى قسمين : القسم الأول: هو الحوار المعتاد مع أصدقاء الموقع الطيبين الآخذين فى التناقص (يارب وليس الانقراص)، والقسم الثانى: خاص بحوارات الشبكة النفسية وموقفى منها وردودى عليها ورأيى إزاءها.

****

فى بلدنا أغنية ترددها خالتى هندية تقول “عدّى يا المحبوب وتعالى، وان ما جيتش لاجيلك آنا” وهى ما يقابل أغنية عبد الوهاب تأليف “حسين السيد” يا تجيلى يا تقولّى أروح لك يا تقول أروح منك فين” شعرت أن هذا لسان حالى الآن مع الزملاء فى الشبكة، بمعنى أنه إذا لم يتفضل الزملاء والأصدقاء بالتعقيب والنقد والتصحيح على ما أكتب يوميا، فلأقم أنا بالبدء فى مناقشة بعض ما يصلنى من آراء وفروض ومعلومات تتماس مع ما أريد توصيله عبر نشرة “الإنسان والتطور”.

وأبدأ اليوم بنشر الرد على بعض تعقيبات د. الوزانى مؤجلا الرد على باقى الزملاء ومنهم: د.صادق السامرائى – د. سداد جواد التميمى – د. إبراهيم رجب – د. قاسم العوادى – د. مرسلينا شعبان حسن – د. قاسم حسين صالح، مؤجلا الرد إلى جمعة (أو جمع) لاحقة.

****

القسم الأول:

حوار/بريد الجمعة (كالمعتاد)

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (67)

 الإدراك (28)  (بعد إذن الإدراك) تنويه بادئ: (تأخر كثيرا)

عن الأعراض والأسباب والإمراضية (1 من2)

د. ناجى جميل

بداية موفقة، واتمنى تكملة العمل.

د. يحيى:

توقعت با ناجى أننى كلما اقتربت من اللغة الطبية بالكتابة عن الأعراض والأمراض أن ألقى ترحيبا طيبا من الزملاء الأطباء، وهذا لم يفرحنى كثيرا، لكننى شاكر فعلا، وسوف أحاول أن أوفق بين ما يفرحنى، وما يفرحكم ويفيدكم،

ما أمكن ذلك

****

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية  68

 الإدراك (29) (بعد إذن الإدراك) تنويه بادئ: (تأخر كثيرا)

همسة مقتحِمة:عن الأعراض والأسباب

والإمراضية والغائية  (2 من2)

د. ماجدة صالح

فرحت بعد قراءتى لهاتين اليوميتين وأظن أن سبب فرحتى هو الدخول إلى المضمون بعد طول المقدمات الثرية.

أما بالنسبة للنشر باللغتين العربية والانجليزية فقد وجدته مربكا بعض الشىء وأظن هذه الربكة آتية من قراءتى للنسخة الإنجليزية كاملة فى وقت صدورها وعليه فأنا أعتقد أن من الأفضل الكتابة باللغة العربية والإشارة إلى الموقع الإلكترونى على صفحتكم للنسخة الإنجليزية لمن يرغب . والله أعلم!!

د. يحيى:

شكرا

برجاء قراءة ردى على د. ناجى

لكن ألا ترين أنه برغم إعجابك بالإصدار الأول، وقد كان منظما ومفيدا فعلا إلأ أنه لا يرضيك أن اصدر سنة 2012 ما كتبته سنة 1994 دون تحديث

ادع لى أن أجد حلاًّ مفيدا

أما عن تفضيلك الكتابة بالعربية، فهذا ما أحبذه.

*****

تعتعة الوفد

دعوا الشعب يخطئ ويصحّـح، ولا تتمحكوا بالأوراق

د. مدحت منصور

ثقافة الوصاية ثقافة ترتبط في مصر بالسلطة الأعلى فالأبوان يفرضان الوصاية على الأبناء بصورة محددة للنمو ولا يسمحان للأبناء بالتجربة والتعلم بالخطأ بل نحن شعب في مجمله لا يعرف فضيلة الخطأ وإذا أخطأنا نبادر بالاعتذار ربما دون أن ندرك الخطأ ذاته ومدى تأثيره وعمقه وقدر الاعتذار الواجب عنه وماذا نتعلم منه و كيف لا نعاود الوقوع فيه.

العسكريون براديكاليتهم والتي هي نتيجة للتدريب والحياة العسكرية يظنون أنهم الأكفأ والأكثر إحاطة في أى موقع كان، وتلك مشكلة أخرى في الحكم العسكري فيقومون بفرض وصايتهم على الشعب.

ما أحزنني حقيقة استبعاد مرشح لأنه لم يقدم 31 توكيلا ورغم استعداده لتقديم 400 توكيل من نفس المحافظة بتاريخ سابق لميعاد إغلاق التوكيلات  يعني استبعاد رئيس جمهورية محتمل ومنتظر لمشكلة إدارية مسخرة في حد ذاته ودليل على اليد المرتعشة المتخبطة التي تمسك بذمام البلاد.

د. يحيى:

ومع ذلك، فعلينا أن نحترم القانون ولو كان الناقص توكيلا واحدا، إلا إن كان هناك نص يسمح بالاستثناء لعدد معين، ونص الاستثناء هو من القانون أيضا، هو جزء من القانون

دعنا يا مدحت نحترم محاولات بناء دولة لها شكل، ولها قانون، حتى نعرف ماذا نغيّر إن شئنا التغيير أو قدرنا عليه.

 *****

تعتعة الوفد

كيف نحمل أمانة ومسئولية أننا مسلمون..؟

أ. عبد الحميد عبد التواب

وكيف يصلني الإسلام أو أي دين قبل أن يتشوه

د. يحيى:

هذه مسئوليتك، كما هى مسئوليتى، ولن يدافع عنا يوم نلقاه سبحانه أى من الذين زعموا أنهم أقدر منى ومنك أن يوصلوا لنا رحمة ربنا وهديه – دينه- دون أن يتشوه، وكثير منهم شارك بوصاية ما فى تشويهه

غفر الله للجميع

المسئولية ضخمة لكنها تستأهل

د. أسامة فيكتور

التعتعة كلها رائعة ومحبوكة وكل كلمة تحمل معانى عميقة، توقفت عند عبارة أو موقف:

ثم توقفنا عند تكرار النص.

وربطتها بدعوتك للناس من خلال التعتعة إلى اتخاذ ممارسة مختلفة، وقيم مختلفة، ومسئولية مختلفة و……… الخ.

وتخيلت إن التوقف عند تكرار النص منبعه الاستسهال وعدم القدرة على الإبداع (بمعنى فعل شئ مختلف وتحمل مسئولية هذا الاختلاف)، وربطت ذلك أيضا بالذنب وكأن إحساس الإنسان بفعل شئ مختلف يصحبه الإحساس بالذنب، ومع ذلك فقد تفاءلت وامتلأت ببعض الأمل من خلال كلامك.

د. يحيى:

أنا فرحان أن وصلك هذا يا أسامة بهذا الوضوح

*****

تعتعة التحرير

تغيير لافتة: أمن الدولة

أ. رباب حموده

هل المقصود بتغير اللافته امن الدولة الى الاخوان

مش فاهمه قوى

د. يحيى:

هو بعض المقصود

*****

 قراءة فى كراسات التدريب

نجيب محفوظ   صفحة (72) من الكراسة الأولى

أ. عمر صديق

استاذي العزيز، على الرغم اني اذكر أننى قرأت سابقاً تعليقك على تفسير الرحمن على العرش استوى، وودت لو علقت في ذلك الوقت عليه ولكن لسبب ما لم افعل، ليس لي علاقة بالتكفير وهل انا ضده او معه وبشروط ام بدونها، ولكن احاول فهم من كتب وفسر، مع العلم اني لم اقرأ تفاسير كاملة كثيرة ولا اعلم من كتب هذا التفسير ولكن أقول: هل من الممكن بعد قراءة القرأن بشكل جدّي وتلاوة الايات بمجموعها ومن ثم (ليس كمثله شيء ،ولم يكن له كفواً احد) يقول شخص هو الاستواء العادي والجلوس؟! قد نستطيع ذكر ايات كثيرة عن عظمة الله وقدرته ولكن هل نحن فعلاً قادرين على ان نعرف او ندرك ذات الله؟ ولماذا؟

وهنا السؤال دائماً هل للوصاية وجود؟ واين حدها؟

د. يحيى:

لا أعرف ماذا تقصد بالاستواء العادى، والجلوس العادى، لا يوجد شىء اسمه الاستواء العادى والجلوس العادى بالنسبة للشخص العادى، فما بالك بالنسبة للذات الإلهية، كل اعتراضى هو على “استسهال التكفير”، والعزوف عن الاستلهام المتجدد من هذا الوعى الخالص الذى صيغ فى كلمات موحية بتجديد مستمر.

أ. هالة

ربما يكون هداية الله عز وجل لنا هى رحمة من الله لنا من انفسنا اللهم لا تكلنا الى انفسنا طرفة عين

د. يحيى:

آمين

وغير ذلك مما ذكرنا، ومما لم نذكر، صحيح أيضا

*****

 حوار مع الله (58)

من موقف “المراتب”

د. مدحت منصور

الاستاذ الدكتور  يحيى الرخاوى

المقتطف: “البدايات لا تفيد شيئا إلا إذا أمعنتَ النظر إلى سلامة اتجاه السهم”

التعليق: ولماذا تنظر إلى السهم وقد يضللك وقد حباك الله بوصلة بداخلك ليست كالبوصلة التي نعرفها ولكنها توجهك ذاتيا ودون النظر

 ولماذا لا تسبح في ملكوت الله حرا فقد تعرف ما لم تتعمد أن تعرف.

د. يحيى:

ومن قال أن السهم هو غير البوصلة التى بداخلك

ثم إن البحر عميق، والخبرة قليلة، والمسئولية صعبة، والله سبحانه أعلم بمدى الجدية، وأمانة الاجتهاد.

 ثم إياك يا مدحت أن تنخدع بكلمة “حر” هذه حتى لا تحرم نفسك من مراجعة اتجاه السهم باستمرار.

*****

حوار مع الله (59) : من موقف “نور”

أ. عمر صديق

استاذي العزيز، اول من قرأت عنوان من موقف النور قلت في نفسي لابد ان يكون موضوع مشوق، ولكني اعتقد لاول مرة لم يصلني شيء بهذه الكيفية فالكلام غامض جداً ومتناقض، فقلت في نفسي مرة اخرى عندما اقرأ تعليقك سوف اعرف اكثر فأراني ايضاً لم استوعب شيئاً الا القليل في الاخير… عجيب!

د. يحيى:

عليك يا عمر، مع كل احترامى، أن تتحمل أكثر، وأن تخفف من وصاية عقلك المنطقى الجاهز للفهم الجاهز، ولو قليلا

وما لا تفهمه الآن قد يشرق فى وعيك بعد حين

وإليك كلمة كتاب حكمة المجانين التى أكررها كثيراً، وأعتذر لمن سبق أن قرأها

“مثل‏ ‏البرق‏ ‏بين‏ ‏الغيوم‏ ‏السوداء‏،‏

سوف‏ ‏تخترق‏ ‏كلماتى ‏ظلام‏ ‏فكرك‏،‏

لتصل‏ ‏إلى ‏إحساسك‏ – ‏وجدانك‏ – ‏مباشرة‏،‏

فلا‏ ‏تحاول‏ ‏أن‏ ‏تفهمها‏ ‏جدا‏ ‏جدا‏ ! ….‏

ولسوف‏ ‏تشرق‏ ‏فى ‏فكرك‏ ‏بعد‏ ‏حين

‏.. .. .. .. ..!!!” ‏

أريد يا عمر الآن أن أغير كلمة واحدة فى آخر سطر قائلا:

“وسوف تشرق فى وعيك بعد حين”

ثم إنه مولانا النفرى

ألم تلاحظ مثلا أنه حدد لنا أن الموقف هو فى موقف “نور” وليس “موقف النور” وأننى علقت فرحاً على اختفاء أداة التعريف.

د. هشام عبد المنعم

بيشغلنى مؤخراً، الـ أنا أنا واختلافها عن الـ هو هو وحينما قرأت هذا الحوار شعرت أن مولانا النفرى ينطلق من الـ أنا أنا وعجبنى جداً جداً

– بماذا تقابلت الأضداد بكل التحدى الحى اجتمعت فيك (الجامع الحاوى فى الصفات)

– أنصرف عنها إليك تقينى بك ¬ بالأنا أنا أيضاً

– أحاول أملا تمنحنى أكثر عندما تخرج من الـ هو والـ أنت وتدخل فى الأنا فتصبح المحاولة فى حد ذاتها هى فعل ممارسة الأنا الحاضرة بذاته.

شكراً جداً يا د. يحيى

د. يحيى:

وتستمر الحركة

ويستمر الكدح

فهو الإبداع إليه

*****

أنا واحد ولا كتير

أ. عمر صديق

استاذي العزيز، في حلقات انا واحد ولا كثير، قرأت عن علاقات الحب، وقد كانت جميلة ومثرية جداً ولكن في اثناء اعطائك الامثلة في الصفقات التي تتم, هل هى مع الشخص وذاته أم مع الشخص والطرف الاخر, فقد كنت اتوه،:احياناً تشير الى نفس الشخص وأحياناً كما يبدو من البداية هي علاقة بين شخصين!

د. يحيى:

الأرجح والأغلب أنها بين الشخص والطرف الآخر، لكن هذا لا يمنع من الاحتمال الآخر أحيانا.

*****

عــام

أ. دينا شوقى

صباح الخيريا ابى الفاضل للأسف احس ان مصر الغاليه اصبحت كغنيمة يتقاتلون على الفوز بها دون مراعاة لأية اعتبارات تخص مصر نفسها والحفاظ عليها والنهوض بها،

 لكى الله يا مصر

د. يحيى:

آمين.

أ. دينا شوقى

حضرة الاستاذ العظيم والطبيب الفاضل دكتور يحى الرخاوى اشكر حضرتك على السماح لى بالمشاركة بالرغم من ضعف تعليقاتى اكرر شكرى لشخص حضرتك الكريم

د. يحيى:

ألم نتفق يا دينا – ولو ضمنا- على التوقف عن “الشكر” و”الاعتذار” و”الأسف”؟!!

****

القسم الثانى:

مشاركة فى حوارات الشبكة العربية للعلوم النفسية

هذه هى المحاولة الأولى لتخصيص الجزء الثانى من نشرة بريد الجمعة للحوار مع زملاء الشبكة العربية لعلها تنجح وأبدأ بما سمح بنشره من ردى على بعض تعقيبه الابن الصديق أ.د.إدريس الوزانى مع تكملة بسيطة واعدًا بالرد فيما بعد على بقية تعقيباته، وكذلك مداخلات الزملاء إذا نجحت التجربة.

أ.د.إدريس الوزانى:

الرسالة الأولى كاملة أولا كما وردت حتى لا أقطع السياق:

الرسالة من الزميل الفاضل: أ.د. إدريس الوزانى

ملحوظة: أنصح أى زميل صديق قارىء الآن يريد متابعتنا أن يطلع أولا على ما جاء فى نشرة 21-3-2012، حتى يتمكن من متابعتنا بشكل أفضل.

نص الرسالة الأولى: (23/3/2012)

الإخوة  الزملاء أعضاء الشبكة العربية للعلوم النفسية

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

     الحمد لله الذى قيض لنا هذا المنبر الرائع للتواصل بيننا و مع أقطاب علم النفس و الطب النفسى بعالمنا العربي

     تحية إذاً خاصة للزميل الدكتور جمال التركي

     أما بعد فهذه تحليقة مع الدُرر التى طرّز بها صفحات هذه الشبكة أستاذنا يحيى الرخاوى أقول فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم و صل اللهم على سيدنا محمد و آله و صحبه أجمعين

      سعدت كما سعد أعضاء “شبكة العلوم النفسية العربية” بتفضل والدنا و أستاذنا يحيى الرخاوى بوضع لمساته الغائرة و العميقة على موضوع التأصيل المطروح على صفحات هذه الشبكة المباركة، و أسلوب أستاذنا الحكيم يفهم أحيانا من أوّل وهلة و أحيانا أخرى يستعصى على الفهم و لابد أن يُرجَع للمصدر للتدقيق و الاستفسار.

      استوقفتنى محطات كثيرة فى مقالة الأستاذ الغزير، لكن أتوقف فى هذه المقالة عند نقطة أبهم على مرمى أستاذنا  و ما الذى يعنيه بها، خصوصا و أننا نتكلم عن خطورة المنطلق، و هى قولته:” لأننى أعلنت مرارا أن مصدرى الأول هو مرضاى”…

      فى ميدان إشكالية المرض النفسى و مسبباته و تشخيصه و ملابساته الثقافية و العرقية والبيئية و من خلال واقع العالم المتموج و المتحرك بسرعة مذهلة، لا يصعب تصوّر و فهم أن المريض النفسى هو بالذات مصدر المعلومة و مصدر المعرفة إلى حدّ ما…

       لكن ميدان العلاج النفسى هو ميدان تجريبى بالأساس، يعتمد على نواح متعددة :

 –        أوّلها:   فهم أبعاد العرض النفسى المطروح أمامنا ووضعه فى إطار “علمي”، بمعنى تحليله و شرحه و فهمه فهْماً لا يصعب على باقى البشر استيعابه و اتفاقهم عليه، و هذه كانت روح المدرسة الأمريكية من خلال التقسيم الإحصائى الرابع و كذا التقسيم الدولى العاشر و محاولات أخرى عبر العالم لا أستحضرها الآن.

–       ثانيا:  تلى مرحلة الفهم مرحلة وضع هذا العَرَض فى إطار أرْحب بمقارنته مع أفراد من البشر يعانون شكليا من نفس العرض النفسي، و أظن أنه لابد أن تظهر لنا فوارق عبر القارات فى المعنى العميق للمعاناة لأناس ينطلقون من ثقافات و اعتقادات متنوعة، و هنا فعلاً ميدان علم النفس الإثنى ” ”Ethnopsychology يمثل مصدرا مُهمّاً من المعرفة فى هذا الميدان

–       ثالثا: بعد شرح العرض النفسى أو المعاناة النفسية، ووضعهما فى إطارهما الرحب، تأتى فى رأيى مرحلة مدّ الجسور بين المريض النفسى و المعالج لمحاولة العبور به من وضعية نفسية تتميز بالمعاناة و الألم إلى منطقة يفترض أنها آمنة و خالية من المعاناة.

     هنا أريد أن أستوعب كيف يكون المريض هو المصدر الأساسي، أطرح التساؤل لأفهم حقيقةً لا لأنتقد طودا و صرحا عملاقا مثل أستاذنا الرخاوي، و صدره يتسع بكل تأكيد لكل هذه الملاحظات و الاستفسارات بما عودنا من تواضع و سعة أفق، فأنا أكرر تساؤلى الصادق إن شاء الله:” أن يكون المريض مصدراً و منطلقا لتأسيس خطة علاجية نفسية تخص إشكاليته، هل هذا يعني:

* * * *

–  الفهم الأول: أننى أمام كل مريض أستلهم من خلاله الخطة العلاجية له، و بذلك نكون أمام تصوّر وجودى للعلاج النفسى حسب فهمى المتواضع، و مثل هذا الطرح أظنه موجود فى أدبيات المدرسة الوجودية و الجشطلتية و المركزة على محورية الإنسان كمصدر بل كمشروع يحيا ذاتيا كما عبر عنه “سارتر” ، و الذى قال أيضا أن الإنسان يوجد أوّلاً ثم هو يخلق ماهيته…، هذا فهم..

الفهم الثانى: أننى أستوعب خصوصيات كل مريض و أبتعد عن التعميم لأننى فى مجال إنسانى و كلُّنا بنى الإنسان ندرك حجم العمليات العقلية المعقدة و المتنوعة و المتغيرة على الدوام فى كياننا، مما يجعل مسألة التعميم منهجية تُجْحف بقدر هذا الإنسان المُكرّم. معرفة الخصوصيات تصب فى إطار الاختلافات الفردية و الجماعية المنوه عنها أعلاه.

وإذا افترضْتُ أن هذا الإنسان كمشروع وجودى لا ينبغى أن يكون هو المُلهمِ لى للخطة العلاجية لأنّ ملابسات المعاناة النفسية تفقده جزءا من الرؤية الواضحة بل و من المنطق الصائب، ولأنّه كما أسلفنا سيعانق النظرية الوجودية الموجودة حاليا فى الساحة، بقى على أن أكتشف إذاً طريقا آخر للعبور بهذا المريض من منطقة الألم إلى شاطىء الطمأنينة، هل بمساعدته على الاستبصار بمرضه أعينه على الرؤية الواضحة و بالتالى مناقشة جملة من من الحلول النابعة من كيانه، من تصوّره، أكون أنا كمعالج ساهمْتُ فى بلورة المعطيات الموجودة لديه فى الأصل، فتكون ” المصدرية ” هنا بمثابة نبع الحلول من داخل كيان المريض لا ” إملاء ” خارجيا أو تطبيقا لنظريات ربما تساعد فئات و شرائح أخرى من المرضى و لا تمت لإشكالية هذا المريض و لا لطبيعة معاناته بصلة..

هذه بعض التساؤلات المعروضة بغرض الفهم، و فى الحقيقة كل نقطة من النقاط الخمس و عشرين تطرح تساؤلات جوهرية و أرى جلها يتعلق بالمنطلق، ربما إذا سمح المجال و اتسع صدر الأستاذ نستوضح منه كل هذه النقاط  مستقبلا.

و على الله قصد السبيل.

د. إدريس عبد السلام شاهدى الوزاني

(الرد)

د. يحيى:

الزميل الكريم أ.د.إدريس الوزانى

بعد السلام عليكم

أرجو أن تعذرنى لتأخرى فى الرد، فقد وجدت فى رسالتك الكريمة ما يحتاج إلى تعقيب مفصل، وأيضا روابط كافية، وكذلك تصادف أننى كنت أكتب الحلقة (22&23) فى ملف “الإدراك” الذى أواصل فحصه عبر نشرة “الإنسان والتطور” اليومية (نشرتىْ الثلاثاء والأربعاء) منذ حوالى ثلاثة أشهر، كما تصادف أيضا أن فى هاتين الحلقتين (وما تلاهما) تجسدت – بالصدفة البحتة- عينة مناسبة للرد على تساؤلك الأول حول مسألة “أن المريض النفسى هو مصدرى الأول”.

وقبل أن انطلق فى الرد المبدئى الممكن فى هذه العجالة أشاركك حمد الله الذى قيض لنا هذا المنبر الكريم (الشبكة) للتواصل، كما أشاركك تحية الابن والأخ والزميل الرائع الدكتور جمال التركى، فلولاه ما انطلقت منى هذه  النقاط الخمس والعشرين لاهثة لتلحق بالنقاش القوى الدائر فيها، ولولاه لما واصلت نشر يومية الإنسان والتطور إلى العدد الألف وستمائة وسبعة  نشرة يوميا من أول سبتمبر 2007 وحتى اليوم (الثانى من أبريل 2012)، وقد ظللت مع الدكتور جمال ننتطر مثل هذه المداخلة الجادة والأمينة، وهذا النقد الموضوعى المفيد، طويلا طويلا حتى وصلنى من شخصكم الكريم بهذه الدماثة الطيبة، والعلم الرصين، والأسئلة الذكية التى تكاد تغنى عن الجواب.

إننا – كما تعلم – يا د. إدريس: فى أشد الحاجة إلى “ثقافة السؤال”، أكثر من حاجتنا إلى وُثقانية الإجابات.

ثم إنى أشكرك مرة أخرى أنك بدأت باختيار نقطة واحدة من الـ 25 (وأنا لم أعد أذكر كل النقاط إلا إذا رجعت إليها)، فهذا أدعى للتركيز، وأسمحُ بالتفاهم واحدة، واحدة بفضلك وفضل من يشاء المشاركة فى استجلاء الأمر معنا حتى أوضحه أو أعدله أو أتراجع عنه.

 أكرر شكرى وأبدأ الرد (ملحوظة : هذا كان ردى المبدئى قبل أن تصلنى رسالتك الثانية، وأنا لم أغيره التزاما بالرد نقطة نقطة وإن كان قد أكملته فى آخر الرد)

…….

 النقطة الأولى هى رأيك فى قولى: 

“اولا: لأننى أعلنت مرارا أن مصدرى الأول هو مرضاى” .

الرد: هذه حقيقة عملية (وليست بالضرورة علمية بحتة)، وفى نفس الوقت هى اعتراف بفضل مرضاى على معارفى ونفسى، بما سمح لى أن أسميهم أساتذتى، علما بأننى حذرت مراراً أن يُفهم ذلك على أنه تقييم إيجابى للحل المرضى، وإلا وجدت نفسى أدافع عما هاجمته طول عمرى بشدة وهو ما يطلق عليه مدرسة “ضد الطب النفسى” أو “المدرسة المناهضة للطب النفسى”Anti Psychiatry، فبرغم ما فيها مما يشبه الثورة، فهى ثورة مُجهضة، تماما مثلما أن المرض النفسى (الجنون خاصة) إبداعٌ مُجهض، والثورة المجهضة التى تمثلها هذه المدرسة، كذلك المرض النفسى/العقلى  (المستسلم لمآله المُجهض) هما أبشع وأخطر من السواء المغترب، وليس أمامنا إلا أن نحتويهما فى حضانة النقد أو الرفض، أيهما أنجع، ثم نتولى مسئولية إحياء الجنين الموشك على الإجهاض بالعمل على تحويل مساره فإعادة تشكيله مع صاحبه، لعل المسيرة تستمر حتى يكتمل الحمل فيخرج جنين الإبداع طفلا قادرا على استئناف مسيرة النمو، تماما مثلما نأمل أن تتحول الانتفاضات الجارية عندنا وحولنا إلى ثورة فحضارة فإضافة تنفع الناس، (وهذا ما أراه واجبنا فى المرحلة الراهنة نحو ما  يسمى الربيع العربى، ولكن دع هذا جانبا الآن.

العبارة التى اقتطفتها أنت تقول: “إن مصدرى الأول هو مرضاى” إذن فهو ليس المصدر الأوحد، ولا المصدر الأهم، ولكنه “الأوّل”، أى نقطة الانطلاق، وهذا ما يتوازى مع استعمال تعبير “المُنطلق” الذى تكرر استعماله فى مداخلات الكثيرين من الزملاء الذى ما انطلقت منى خطوط موقفى (الــ 25) إلا تعقيبا على آرائهم الطيبة على اختلافها.

طبعا أنت  تعلم أن من أهم المآخذ التى أخذت على سيجموند فرويد أنه فتح باب التعميم لمشاهداته فى المريض النفسى لتكون أساسا فى تصويره لحياة الأسوياء وأحوالهم، وكثيرا ما قيل أن  هذا غير جائز أصلا، وأنه خطأ منهجى جسيم،  وبرغم اختلافى مع فرويد فى كثير مما ذهب إليه،  إلا أننى اعتبر هذا الذى اعتبروه مأخذا، إنجازا له مكانته المهمة، بل إننى اعتبرته أحيانا من أهم انجازاته (أكثر جدا من عقدة أوديب، وتفسير الأحلام)، وقد مارس فرويد هذا المنهج بحذق وتحايل رائعين، أقول “تحايل” نعم، باعترافه هو حين أنهى كتابه الرائع ” ما فوق مبدأ اللذة” باستشهاده بشعر من “مقامات الحريرى” النسخة المترجمة إلى الألمانية (طبعا لا يسمع عن هذه المقامات أغلب المعاصرين منا، وهى بالعربية!!!)

تقول سيادتكم “لا يصعب تصور وفهم أن المريض النفسى هو بالذات مصدر المعلومة ومصدر المعرفة إلى حد ما”

وقبل أن أفرح بتحفظك وأكاد أوافقك نسبيا على هذا القول المهم، أراك تستدرك بسرعة قائلا “لكن ميدان العلاج النفسى هو ميدان تجريبى بالأساس” ثم تروح تعدد وجهة نظرك بوضوح كاف، وقبل أن أرجع إلى الفقرة الأولى قبل الاستدراك اسمح لى أن أتوقف عند كلمة “تجريبى”، فأخشى ما أخشاه هو أن تختلط هذه الكلمة عند المتلقى مع كلمة خبراتى، كما نخلط أحيانا فى الانجليزية بين  Experimental  وExperiential فالعلاج النفسى ميدان ليس تجريبيا بمعنى ضبط متغيرات التجربة، ثم المشاهدة، ثم الاستنتاج مع الإصرار على إمكان إعادة التجربة لتصدر نفس النتائج إذا أردنا أن ندرج نتائجها تحت مسمى “علم”، لقد وصلنى بوضوح من بقية مداخلتك بعد ذلك أنك لا تعنى هذا تماما، فما  أعيق علم النفس، وكثير من العلوم الإنسانية، إلا بالحرص على  التمسك بهذا التحديد لما هو “تجريبى” وقد احترت فى تسمية ما يجرى فى العلاج الطبنفسى عامة، وفى العلاج النفسى بوجه خاص، ولم أرض بالاكتفاء باستبدال “خبراتى” بـ “تجريبى”، حتى لا يساء فهم كلمة “خبراتى” لما توحى به من جرعة “ذاتية” أو حتى “ذاتوية” حتى اهتديت أثناء ممارستى النقد الأدبى إلى أن العلاج عامة والعلاج النفسى خاصة هو نقد خالص (قبل أن يشوهوا النقد بحشره هو أيضا فيما يسمى “علم النقد الأدبى”) هو نقد خالص بمعنى “إبداع النص المتاح من جديد ولو كان مهددا بالإجهاض”، وبدأت فى استعمال تعبير “نقد النص البشرى” منتبها إلى خطورة الاستسلام لهذا التعبير دون تحفظ، لأن النقد الأدبى الحقيقى هو بمثابة “إعادة تشكيل النص”، وليس من حقنا كأطباء ومعالجين أن نعيد تشكيل النص البشرى مهما بلغ شذوذه أو تناثره، وإذا بى اكتشف أثناء الممارسة أن الفرق بين ما أقوم به فى نقد النص الأدبى وما أقوم به فى نقد النص البشرى، هو أن النص البشرى-دون النص الأدبى- يشترك معى فى نقد نفسه، بل وفى نقد النص البشرى الذى يحاول نقده، وهو شخصى معالجا، (أو أى زميل يمارس فن التطبيب بإبداع مسئول)، وتكون النتيجة الإيجابية هى إعادة تشكيل النصين معا “المريض والمعالج” بما قد يتيح للمريض أن يحول دون اجهاض أزمة تطوره،  بتحويل مسار الاجهاض إلى مسار النمو، كما يتيح للمعالج أن يواصل نموّه شخصيا معالجا وعارفا وإنسانا.

تحتاج هذه النقطة إلى عودة، إذن: على أن اضطر نفسى للإيجاز حتى أستطيع أن أرد على بقية ملاحظاتك فى حدود المتاح.

لكن دعنى أثبت هذه الملاحظات فقرة فقرة – كما ألمحت فى البداية، وكما أفعل عادة فى ردودى فى بريد الجمعة على المداخلات والتعقيبات على نشرات الإنسان والتطور طول الأسبوع، لعل هذا أوْجز وأكثر تركيزا، وليأخذ الرد ما يأخذ من وقت ما دمنا رضينا أن نتواصل بهذه الجدية والمسئولية، تكمل سيادتك بعد الفقرة الأولى:

د. إدريس الوزانى (1) :

لكن ميدان العلاج النفسى هو ميدان تجريبى بالأساس، يعتمد على نواح متعددة:

أولها : فهم أبعاد … العرض النفسى المطروح أمامنا ووضعه فى إطار “علمى”، بمعنى تحليله وشرحه وفهمه فهْماً لا يصعب على باقى البشر استيعابه واتفاقهم عليه، وهذه كانت روح المدرسة الأمريكية من خلال التقسيم الإحصائى الرابع وكذا التقسيم الدولى العاشر ومحاولات أخرى عبر العالم لا أستحضرها الآن.

د. يحيى:

أشكرك أن بدأت بهذه النقطة  هكذا بما يسمح لى أن أبدى طريقتى منذ لاحت لى ملامحها فى باكورة أعمالى “حيرة طبيب نفسى” لمناقشة جدوى، ودور مرحلة التوصيف فالتصنيف فالتشخيص، ثم تطور الأمر بى، فى التدريس والممارسة، إلى التوصية بتأجيل تسمية المرض إلى آخر مراحل الفحص مع التحذير أن يكون التشخيص هو الهدف الأول من الفحص، وأحللت محل التشخيص ما نسميه “الصياغة الختامية “(نشرة: 21-12-2011) (انظر المرفقات) والتى تعنى: إعادة تنظيم المعلومات التى حصلنا عليها من المريض، وعن المريض، بترتيب هيراركى منظم – الأهم فالمهم – ترتيب يرمى إلى تحقيق الهدف من الفحص، إنْ علاجا فعلاج، وإنْ تقريرا شرعيا فهو كذلك وإنْ غير ذلك فهو لغير ذلك،…إلخ، وكان ذلك مواكبا لموقفى العلاجى الذى ألمحت إليه حالا من أنه فن “نقد النص البشرى”، شاملا المريض والمعالج، وهو فن لا تحتاج لوحاته بالضرورة إلى عنوان محدد كبداية.

أما استشهادك بالدليل الأمريكى الرابع (والعقبى للخامس الأكثر شراسة ووصاية) فهو ما أود توضيح موقفى منه بوجه خاص، كمثال لما وصلنا إليه من اغتراب وتنازل عن “فنية صنعتنا” لحساب النظام التشخيصى الأمريكى الجديد (الذى سبق النظام العولمى المالى المفترس الجديد، وإن كان يسخَّر فى خدمته أيضا لحساب شركات الدواء كما سيأتى بعد).

 هذا الدليل جرت عليه أبحاث كثيرة من مؤيديه قبل رافضيه، وانتهت أغلبها إلى نتائج تكاد تكون أقرب إلى “النكتة”: فهو دليل محكم، به “محكات” محددة المعالم، تسمح لنا بالاتفاق على تسمية زملات مرضية، دون الاتفاق على ماهيتها، وهذا ليس رأيى الخاص، بل هو ما انتهت إليه معظم الأبحاث بما فى ذلك أبحاث المتحمسين له عبر العالم دون تراجع عن التمسك به معيارا أول، وأنت تعلم بلا شك أن كل الأبحاث التى تناولت تقييم هذا الدليل قد أثبتت  ارتفاع جدواه فى “الاتفاق” على تثبيت نفس “اللافتة الفلانية” على زملة الأعراض العلانية ذات المحكات كيت وكيت، وهذا ما يسمى معامل الثبات، Reliability، إذن شكرا له جعلنا نتفق!!، لكن عندك!!! نتفق على ماذا؟ نفس الأبحاث كادت تجمع على أننا نتفق على ما لا نعرف ماهيته. إذن ماذا؟ وهذا ما جعل هذه الأبحاث الأمينة (بمشاركة المتحمسين له) أن تعلن الضععف الشديد فى مصداقية Validity هذا الدليل ومثله، فهى –هذه الأبحاث- إذْ تعلن ضعف المصداقية (برغم عظمة ثبات الاتفاق) إنما تعلن عجز هذا الدليل أن يقوم بالمهمة التى وضع لها، وهى التمييز الهادف، ذى المعنى المفيد للعلاج الذى هو مهمتنا الأولى، برغم ما به من محكات جامعة مانعةـ وهكذا وصلنا إلى هذا الوضع العجيب فرحين مهللين أن الأطباء النفسيين اتفقوا على ما يطلقون عليه الاسم الفلانى، دون أن يتفقوا على مضمون “ما يعنيه” هذا الاسم تحديدا. ليس معنى هذا أن أنضم إلى الزاعمين بالتخلى عن التشخيص نهائيا أو الادعاء بأنه لا لزوم للتشخيص أصلا، فالتشخيص له دور  مفيد فى مهمات التسجيل، والإحصاء، والأبحاث الانتشارية المقارنه Epidemiology، والتعويضات وشركات التأمين! لكن بالنسبة للعلاج، حتى الدوائى منه، فإن أهميته تتراجع قليلا بل كثيرا، مقارنة بجدوى التفكير الهادف المستعمل فى “صياغة الحالة” كما ذكرت حالا، انظر المرفق رقم (2)، بعنوان: (الصياغة فى مقابل التشخيص والتصنيف) ولن أتطرق إلى ما عانيته فى تدريسى على كل المستويات وأنا أحاول أن أثنى طلبتى وزملائى فى الاجتماعات العلمية والإشراف الإكلينيكى أن يكون هدفهم من الفحص هو التشخيص أولا، وأن أؤكد لهم أن يكون هدفهم المحورى هو العلاج دائما، ويكون أى تشخيص معين هو من ضمن العوامل المساعدة لرسم التخطيط العلاجى الممتد، على أن يوضع فى ترتيبه المناسب فى هيراركية  الصياغة.

أما التقسيم الدولى العاشر فهو أقل ضررا لأنه يعتمد على خطوط إرشادية  إكلينكية  Guidelines أكثر من مبالغته فى تحديد محكات مغلقة.

وقد ناقشت هذه المسألة فى مقالين افتتاحين فى المجلة العربية للطب النفسى يمكن الرجوع إليهما، واقترحت أبعادا إضافية نابعة من ثقافتنا ونشرت فى مقالين افتتاحيين فى المجلة العربية للطب النفسى:  يمكن لسيادتكم الرجوع إليهما انظر المرفق رقم (3)

Breakthrough the Current Psychiatric Nosology

Part I:  Prospects and Illusions

The Arab Journal of Psychiatry, (1990), 1 : page 81 – 92. (Editorial)

Part II:  Multiaxial vis-a-vis Multidimensional Approach to Psychiatric Nosology

Arab Journal of Psychiatry (1991) Vol. 2 No1.  Page 1-13

كما كتبت كتابا كاملا فى تصنيف الأمراض النفسية  Nosology لم يتح له النشر الورقى لكننى أشرت إليه بشكل ما فى كثير من نشرات “الإنسان والتطور” بتاريخ: 21-12-2011 ، 14-12-2011 ، 13-12-2011 .

د. إدريس الوزانى (2):

تلى مرحلة الفهم مرحلة وضع هذا العَرَض فى إطار أرْحب بمقارنته مع أفراد من البشر يعانون شكليا من نفس العرض النفسي، وأظن أنه لابد أن تظهر لنا فوارق عبر القارات فى المعنى العميق للمعاناة لأناس ينطلقون من ثقافات واعتقادات متنوعة، وهنا فعلاً ميدان علم النفس الإثنى “Ethnopsychology” يمثل مصدرا مُهمّاً من المعرفة فى هذا الميدان

د. يحيى:

فى رأيى أن المسألة لا تقتصر على الاختلاف بين الثقافات ولا هى مرتبطة بعلم النفس الإثنى فقط مع أهميته القصوى، وإنما هى تختلف اختلافا جذريا ودائما بين الأفراد أساسا، فبقدر ما تعلمنا مدى أهمية الفروق الفردية فى الأسوياء حتى أصبحنا نؤكد على أننا نختلف عن بعضنا البعض اختلاف بصمات الأصابع، فإن المرضى مهما وضُعوا  تحت تشخيص واحد يختلفون فيما بينهم واحدا واحدا وواحدة واحدة اختلاف البصمات أيضا، ومرة أخرى إن هذا لا يعنى أنى أوصى بإلقاء التشخيص جانبا كما ذكرت، لكن ليكن عاملا متواضعا تماما فى تحديد خطة العلاج وليس كما يستعمل لخدمة أغراض دوائية أحدث (وأخبث) تلبس أرقام العلم الملتبسة، وهى تحدد عقاراً بذاته لهذا المرض بذاته، ولا أخفى عليك يا سيدى أننى أرسم المريض بتخطيط تطورى بيولوجى محدد، وأصف له العقاقير ضمن خطة العلاج بناء على هذا التشكيل، وأعلّم زملائى الأصغر ومعاونىّ مثل ذلك، وهى طريقة عملية تقاس بنتائجها أولا بأول وباستمرار، وتتعدد المراجعات وتنظيم جرعات العقاقير مع العلاجات الأخرى، وهذه الطريقة تسمح لى أن استعمل عددا من العقاقير لا يزيد عن أصابع اليد الواحدة، وظل ذلك كذلك خلال خمس وخمسين عاما حتى بدأت عملية سحب هذه العقاقير الأرخص والأنجع تحت عنوان الأعراض الجانبية وسياسة السوق…الخ!!

د. إدريس الوزانى (3):

بعد شرح العرض النفسى أو المعاناة النفسية، ووضعهما فى إطارهما الرحب، تأتى فى رأيى مرحلة مدّ الجسور بين المريض النفسى والمعالج لمحاولة العبور به من وضعية نفسية تتميز بالمعاناة والألم إلى منطقة يفترض أنها آمنة وخالية من المعاناة.

د. يحيى:

اسمح لى أيضا أيها الزميل العزيز أن أقول لك إن الجسور لا تاتى بعد شرح العرض النفسى وإن كان لها علاقة بتحديد المعاناة النفسية ومدى قدرة الفنان، أى الناقد، أى “الصنايعى” المعالج على ممارسة فضيلة “المواجدة” (Empathy)، لقد تعلمت حتى تيقنت أن مد الجسور يبدأ من “النظرة الأولى”، وهى ظاهرة ليست مرادفة تماما للحب من أول نظرة، لأن الكره من أول نظره والرفض من أول نظره، (أيضا) قد يمكن أن يكونا بداية رائعة للعلاج النمائى الممتد شاملا جدل كل النظرات معتمدا على الخبرة والعلم والمسئولية والدين والإيمان فى ذات اللحظة، ثم يتطور أى من ذلك لتحقيق هدف العلاج.

ثم أننى – أننا فى ما اعلم وأتعلم- لا أركز تماما أو أساسا أو فقط على العبور من طبيعة تتميز بالمعاناة والألم إلى منطقة يفترض أنها آمنة وخالية من المعاناة، بقدر ما نعمل ونأمل أن نحيل الألم النفسى المعوِّق، إلى طاقة ألم نفسى خلاق لا تستبعد الإبداع (بمعنى دفع النمو أساسا) كما أنه – على حد علمى – لا توجد فى حياتنا، خاصة فى هذه الأيام، منطقة خالية من المعاناة، علما بأن المعاناة ليست ضد الفرحة الحقيقة والجدل الخلاّق. إن الله سبحانه وتعالى خلقنا فى كبد، لنسعى بمعاناة كادحة خلاقة إلى معرفته ونحن نعمر الأرض، بما يمكث فيها وينفع الناس، الأمر الذى تجلى لى فى العلاج الجمعى خاصة، وكان هو “المنطلق” الأساسى لفتح ملف “الإدراك” كما ظهر حتى الآن فى “140” صفحة ومازلنا فى البداية .

(من هنا تكملة للرد على بقية تساؤلات الرسالة الأولى)

د. إدريس الوزانى (4):

     هنا أريد أن أستوعب كيف يكون المريض هو المصدر الأساسى: فأطرح التساؤل لأفهم حقيقةً لا لأنتقد طودا وصرحا عملاقا مثل أستاذنا الرخاوي، و صدره يتسع بكل تأكيد لكل هذه الملاحظات و الاستفسارات بما عودنا من تواضع و سعة أفق، فأنا أكرر تساؤلى الصادق إن شاء الله:” أن يكون المريض مصدراً ومنطلقا لتأسيس خطة علاجية نفسية تخص إشكاليته.

د. يحيى:

تعمدت أن أبدأ فى ملف “الإدراك” الجارى فحصه (نشرتا الثلاثاء والأربعاء باستمرار) بنشر مقتطفات من حالة سبق نشرها فى النشرة بعنوان “فصامى يعلمنا” وذلك فى نشرتى الثلاثاء والأربعاء الماضيين.

ومثال آخر أوردته فى نفس الموقف هو ما تعلمناه من استجابات مجموعة من المرضى أثناء العلاج الجمعى فى لعبة “يا خبر دانا لما ما بافهمشى يمكن…..” وقد أشار د. صادق السمرائى إلى موقفى هذا (التعلم من المرضى) فى رسالته الأخيرة إلى الشبكة بتاريخ 12-4-2012 بعنوان: “ومضات معرفية”

د. إدريس الوزانى (5):

الفهم الأول: أننى أمام كل مريض أستلهم من خلاله الخطة العلاجية له، و بذلك نكون أمام تصوّر وجودى للعلاج النفسى حسب فهمى المتواضع، ومثل هذا الطرح أظنه موجود فى أدبيات المدرسة الوجودية و الجشطلتية و المركزة على محورية الإنسان كمصدر بل كمشروع يحيا ذاتيا كما عبر عنه “سارتر”، والذى قال أيضا أن الإنسان يوجد أوّلاً ثم هو يخلق ماهيته…، هذا فهم.

د. يحيى:

أنا لا استعمل عادة هذه اللغة، وإن كان الكثير ممن يحذقونها يصنفوننى معهم ويتصورون أننى استمد كلماتى من لغتهم ويستعملون الوصف أسولبى ألفاظا مثل “تصور وجودى” و”موقف وجودى”، أو “جشتالتى”، حتى العلاج الجمعى الذى أمارسه، وبه كثير من آليات فردريك لبيرلز ليس هو تماما العلاج الجشتالى الجمعى

مقولة سارتر على عينى ورأسى لكنها ليست مصدر إلهامى ولا هى نهاية مطافى، لأن سارتر يتوقف عند “يخلق ماهيته”، وأنا أتصور كما وصلنى من ثقافتى ودينى أن من يجتهد لتخليق ماهيته هو فى بداية الرحلة لا نهايتها.

د. إدريس الوزانى (6):

الفهم الثاني: أننى أستوعب خصوصيات كل مريض وأبتعد عن التعميم لأننى فى مجال إنسانى وكلُّنا بنى الإنسان ندرك حجم العمليات العقلية المعقدة والمتنوعة والمتغيرة على الدوام فى كياننا، مما يجعل مسألة التعميم منهجية تُجْحف بقدر هذا الإنسان المُكرّم. معرفة الخصوصيات تصب فى إطار الاختلافات الفردية والجماعية المنوه عنها أعلاه.

د. يحيى:

مرة أخرى: أرجو أن تتابع حلقات الثلاثاء والأربعاء الحالية ومحاولة تفسير الحالات والحوارات التى ترد فيها، فهى نموذج حى لمنهج التناول وطبيعة الحوار، والأفضل أن ترجع للأصل نشرات (25-4-2012 =، 24-4-201218-4-201217-4-201211-4-2012 10-4-2012)، إن كان لديك الوقت.

د. إدريس الوزانى (7):

وإذا افترضْتُ أن هذا الإنسان كمشروع وجودى لا ينبغى أن يكون هو المُلهمِ لى للخطة العلاجية لأنّ ملابسات المعاناة النفسية تفقده جزءا من الرؤية الواضحة بل ومن المنطق الصائب، و لأنّه كما أسلفنا سيعانق النظرية الوجودية الموجودة حاليا فى الساحة، بقى على أن أكتشف إذاً طريقا آخر للعبور بهذا المريض من منطقة الألم إلى شاطىء الطمأنينة، هل بمساعدته على الاستبصار بمرضه أعينه على الرؤية الواضحة و بالتالى مناقشة جملة من من الحلول النابعة من كيانه، من تصوّره، أكون أنا كمعالج ساهمْتُ فى بلورة المعطيات الموجودة لديه فى الأصل، فتكون ” المصدرية ” هنا بمثابة نبع الحلول من داخل كيان المريض لا ” إملاء ” خارجيا أو تطبيقا لنظريات ربما تساعد فئات و شرائح أخرى من المرضى ولا تمت لإشكالية هذا المريض و لا لطبيعة معاناته بصلة.

د. يحيى:

الجزء الأخير من تعقيبك شديد الأهمية، وهو قريب جدا لما أحاول توصيله، ولكن اعذرنى إذا أنا أحلتك ثانية للحالة المنشورة الأسبوع الماضى (الثلاثاء والأربعاء) (ويوجد غيرها كثير فى الموقع وغير الموقع تحت عنوان “حالات وأحوال”

آسف إن كان ذلك سيستغرق منك وقتا ثمينا، ولكن “الشىء لزوم الشىء”، ثم إنى لاحظت مرة أخرى استعمالك للفظ وصفة “الوجودى” الذى أكرر أننى لا أشعر أننى أنتمى إليه بشكل مباشر على الأقل.

د. إدريس الوزانى (8):

هذه بعض التساؤلات المعروضة بغرض الفهم، وفى الحقيقة كل نقطة من النقاط الخمس وعشرين تطرح تساؤلات جوهرية وأرى جلها يتعلق بالمنطلق، ربما إذا سمح المجال و اتسع صدر الأستاذ نستوضح منه كل هذه النقاط  مستقبلا.

د. يحيى:

وصلتنى رسالتك التالية عن “الحرف” وقد تناولته كثيرا فى سلسلة تحت عنوان “حوار مع الله” استلهام من مواقف “مولانا النفرى”

وسوف أعود إلى بعض ذلك فى حوار لاحق

وإلى لقاء مع رسائلك ورسائل الأصدقاء كل يوم جمعة إذا سمحتم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *