الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (15) Biorhythmic Psychiatry النظرية التطورية‏ ‏الإيقاعية (10) ملاحظات باقية من ملحق قديم

الطبنفسى الإيقاعحيوى (15) Biorhythmic Psychiatry النظرية التطورية‏ ‏الإيقاعية (10) ملاحظات باقية من ملحق قديم

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 6-3-2016 

السنة التاسعة

 العدد:  3110

 الطبنفسى الإيقاعحيوى (15)

Biorhythmic Psychiatry

النظرية التطورية‏ ‏الإيقاعية (10)

ملاحظات باقية من ملحق قديم

استهلال:

أعذر كل من يجد صعوبة فى أن يتابع هذا المنظور، سواء التطورى أو الإيقاعحيوى، دون أن ينظر حوله لأبسط المخلوقات المحيطة من أول مجموعة ذباب تطن حول صندوق قمامة حتى قطيع من الجمال يهرول فى طريقه إلى المذبح ناهيك عن مملكة النحل أو مؤسسات النمل، لكن ما فائدة  أن يفعل ذلك وهو لا يتساءل كيف بقيت كل هذه الأحياء مثلها مثل الإنسان وجميع من بقى من الأحياء (وهم واحد فى الألف من كل الأحياء)  ثم يسأل نفسه  هل هو فعلا يحترم قدرة كل هؤلاء على البقاء دون حاجة إلى مثل هذا التنظير الذى أكتبه الآن، وطبعا دون الحاجة إلى الطبنفسى أو إلى أى طب أو علوم نفسية أو أى علوم مكتوبة.

لعل هذا هو ما دعا دانيال دينيت صاحب كتاب “أنواع العقول” نحو محاولة فهم الوعى أن يبدأ كتابه هذا بتساؤلاته المثيرة قائلا:

  • هل للنملة عقل؟
  • “ما الذى تفكر فيه النملة”
  • “لماذا لا تحس النسور بالغثيان من الجثث التى تأكلها متعفنة؟
  • هل يمكن للعناكب أن تفكر؟ أو أنها مجرد روبروتات صغيرة الحجم؟

ويظل يتساءل المؤلف هكذا حتى يصل إلى طرح السؤال الشامل الذى يقول:

–         هل يمكن أن تكون كل الحيوانات والنباتات – حتى البكتريا- لها عقول؟

ثم ينقلنا بجرأة أعنف إلى سؤال فرعى يقول:

– هل نحن جِدّ واثقين من أن كل أفراد البشر لهم عقول ؟

ثم هو يطرح عدة أفكار تنبه إلى احتمال الخطأ (الذى يصل إلى درجة أن يكون موقفاً لاأخلاقيا) إذا نحن حكمنا على غيرنا من حيث أنه “يعقل” أو “لايعقل” لمجرد أنه يختلف عنا، أو عن ما نتصوره عن عقولنا (أنظر نشرة 25-12-2007 “أنواع العقول وتعدد مستويات الوعى” و(نشرة 2-1-2008 “أنواع العقول  (وإلغاء عقول الآخرين) الطريق إلى فهم الوعى”).

مقدمة:

بالرغم من أهمية ما تم نشره فى النشرات السابقة  كمقدمة ترِصدُ تاريخ النظرية الإيقاعية الباكرة قبل أن أخطو نحو ما يسمى الطبنفسى الإيقاعحيوى، فقد فضلت أن أختم هذه المقدمة شبة التاريخية ببعض ما جاء فى الملحق (ملحق النظرية) منذ ثلث قرن، وقد تناول هذا الملحق أسباب المرض النفسى من وجهة نظر تطورية بادئة ومتواضعة، ثم عرض كيف يمكن أن يواجه هذه الأسباب، وأكرر أنها أفكار مبدئية آملّة متواضعة، لحقت بعد تسجيل الخطوط العامة للنظرية بسنتين، وقد فضلت أن أثبتها اليوم ربما لأسباب تاريخية أيضا لمتابعة كيف تطورت  الأفكار والفروض حتى نضجت ووصلت إلى المرحلة الحالية، علما بأن التركيز الباكر كان على البعد التطورى دون البعد الإيقاعحيوى.

أسباب المرض النفسى وجذورها فى التطور : وكيف  يمكن مواجهتها ؟؟ (1)

يمكن إيجاز العوامل المسئولة عن ظهور المرض النفسى من الوجهة التطورية كما يلى:

1-‏ عوامل‏ ‏إستعدادية‏ ‏جِبِلِّيَة‏ (‏فردية‏ ‏وعائلية، انتوجينية،‏ ‏ونوعية: فيلوجينية‏) = ‏الوراثة‏ (innate / inherited): ‏وهى ‏التى ‏تشير ‏- ‏كما‏ ‏ذكرنا‏- ‏إلى ‏أمرين‏: (‏ا‏)‏ القوة‏ ‏النسبية‏ ‏لمستوى ‏بذاته‏ من مستويات الوعى (الأمخاخ)، ‏بالإضافة‏ ‏إلى ‏(‏ب‏) مدى وحجم ‏قوة‏ ‏الطاقة‏ ‏الحيوية‏ ‏عامة‏ ‏عند‏ ‏فرد‏ (وأسرة) ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏آخر‏ (وأخرى)، ‏وهذه‏ ‏العوامل‏ ‏تشير‏ ‏ضمنا‏ ‏إلى ‏مدى جاهزية نشاط حركية المعلومات‏ ‏التى ‏يولد‏ ‏بها‏ ‏كل‏ ‏فرد‏ ‏بالنسبة‏ ‏لسلوك‏ ‏بذاته‏، مما يمثل جاهزية لحجم نبض الإيقاعحيوى: فإما زخم النمو والإبداع الفائق وإما المرض.

‏2-‏ عوامل‏ ‏تدعيمية‏: reinforcers ‏وهى ‏العوامل اللاحقة‏ ‏التى ‏تدعم‏ ‏قوة‏ ‏مستوى ‏بذاته‏، ‏فالأم‏ ‏التى ‏تشجع‏ ‏وتنمى ‏أسلوب مواجهة‏ ‏العالم‏ ‏عند‏ ‏طفلها‏ ‏بالانسحاب‏ ‏والذاتوية‏ ‏إنما‏ ‏تدعم‏ ‏المستوى ‏الشيزيدى، ‏فإذا‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏المستوى ‏حاضر بقوة‏ ‏منذ‏ ‏الولادة‏، ‏فإن‏ ‏الوعى ‏والوجدان‏ ‏يصبحان‏ ‏ممتلئان بهذه الجاهزية للتراجع‏ ‏لدرجة‏ ‏تقترب‏ ‏من‏ ‏حد‏ ‏الإنجراح‏ المرضى، فتصله العوامل التدعيمية تستوعبه فى الكل النامى، أو تزيده شحنا فيصبح جاهزا للنشاز المتجاوز.

‏3- ‏عوامل‏ ‏تراكمية‏ :cumulative factors ‏وهى ‏التى ‏تشير‏ ‏إلى ‏كم‏ ‏المعلومات‏ ‏المدخلة‏ ‏قسرا‏، ‏واغترابا‏، ‏وتشويشا‏، ‏وكيفما‏ ‏اتفق(1) ‏أى ‏أن‏ ‏أى ‏معلومة‏ ‏لا‏ ‏يتمثلها‏ ‏الكل‏ ‏البيولوجى، ‏فى “واحدية الذات الممثلة”للوعى ‏الفردى المتواصل إلى ما بعده: ‏تصبح‏ ‏عبئا‏ ‏على ‏الوعى ‏فى ‏الداخل‏ ‏والخارج‏، ‏وبالتالى تعتبر ‏إحدى ‏مقومات‏ ‏”الازدحام العشوائى” مما يزيد فى احتمال نبض إيقاعحيوى جسيم يزيدنا قربا‏ ‏من‏ ‏عتبة‏ ‏الإنجراح‏ المرضى.

‏4- ‏عوامل‏ ‏مُطْلِقة‏ releasers ‏ ‏ ‏وهى ‏العوامل‏ ‏التى ‏تسمح‏ ‏بتخطى ‏عتبة‏ ‏الانجراح‏ ‏بأن‏ ‏تطلق‏ ‏النبضة‏ ‏الجسيمة‏ ‏فى ‏وقت‏ ‏بذاته(2)

‏5- ‏عوامل‏ ‏محوِّرة‏، ‏ومعادلِة‏، ‏ومؤجِّلة‏: (3) ‏وهى ‏العوامل‏ ‏التى ‏تشكل‏ ‏وتحور‏ ‏الناتج‏ ‏المبدئى ‏للنبضة‏ ‏الجسيمة‏ (‏وهى ‏أيضا‏ ‏متأثرة‏ ‏بالوراثة‏ ‏والتدعيم‏ ‏والتراكم‏ ‏جميعا‏)‏

‏6- ‏عوامل‏ ‏دوامية‏، ‏ومُبْقية ‏وهى ‏العوامل المسئولة‏ ‏عن‏ ‏استمرار‏ ‏وتفاقم‏ ‏المرض، ويعتبر الانتباه إلى هذه العوامل الأخيرة من أدق مهام المعالج لأنها الأوْلى  بالإيقاف مع إمكانية ذلك عادة “هنا والآن”.

كيفية مواجهة هذه الأسباب برغم جذورها الجاهزة:

يمكن التعامل مع هذه الأسباب برغم عمقها شبه القدرى على الوجه التالى:

1 – الوارثة: يصعب مواجهة الوراثة بشكل مباشر، إلا أن معرفة قوتها وآثارها قد يوجه إلى بعض الإجراءات ذات الفاعلية النسبية على الأقل مثل تجنب التزاوج من الأقارب فى عائلات رصدت فيها نوعية شحن معين بطاقة جسيمة قد يكون لها جذور فيلوجينية، ثم إن معرفة هذا العامل الوراثى قد ينبه إلى الاهتمام أكثر بالعوامل الأخرى التى يمكن أن تخفف منه أو تحول مساره إلى مآل إيجابى، ومن ذلك أنه إذا أمكن ومنذ الولادة، ومن خلال المعلومات عن الأسرة والأجداد، وحتى عن الثقافة الفرعية استنتاج حجم وزخم الطاقة الجاهزة للحركة  والتنشيط فى مستوى وعى (مخ) معين بغض النظر عن مساره السلبى أو الإيجابى، إذا أمكن ذلك دون أن يقتصر البحث فى التاريخ الأسرى على تاريخ الأمراض النفسية، وإنما يمتد إلى البحث عن الإبداع بين الأقارب وعن أى ظاهرة دورية لحوح فى الأسرة، وكذلك عن أى سمات أو طباع يمكن الاستنتاج منها عن قوة أى مستوى بذاته قد تدعَّم عبر الأجيال وورثه الشخص بنفس نسبيه شحنه، إذا أمكن كل ذلك،  أو أى من ذلك، فإن هذا يمكن أن يشحذ الاستعداد لمواجهته واستيعابه إيجايبا بطرق تنشئة مسئولة.

2- ‏التدعيم‏: ‏يراعى فى كل فرد أثناء تنشئته أن يأخذ كل مستوى من مستويات الوعى (أنواع العقول – حالات العقل) حقه من التدعيم، تجنبا لغلبة مستوى أقدم ناشزا ومستقلا عن المستويات الأحدث خاصة إذا كان الاستعداد الوراثى يمهد لذلك، فمثلا الطفل الذى ولد وعنده ‏‏المستوى ‏الشيزيدى ‏جاهز للتنشيط والتمادى‏ – ‏كما‏ ‏ثبت‏ ‏من‏ ‏دراسة‏ ‏الوراثة‏ ‏والسلوك‏ ‏الأولى ‏منذ‏ ‏الولادة‏- ‏يُعْطَى ‏حقه‏ ‏فى ‏الانسحابية‏ ‏والاعتماد‏، ‏ولكن‏ ‏دون‏ ‏إفراط‏ ‏أو‏ ‏تطويل‏ ‏فى توقيت ‏نقله‏ ‏إلى ‏المستوى ‏التالى (“‏الكر‏ ‏والفر” إلى ما بعده‏) ‏وهكذا‏، وفى نفس الوقت يتم تعهد وتغذية المراحل التالية لحفظ التوازن وتحقيق التآلف.

3- ‏التراكم الإيجابى‏: ‏مع‏ ‏احترام‏ ‏الوراثة‏ ‏والانتباه‏ ‏إلى ضبط ‏جرعات‏ ‏التدعيم‏ ‏المناسب‏ ‏الذى ‏يهدف‏ ‏إلى ‏إعادة‏ ‏تنظيم‏ ‏القوى ‏النسبية‏ ‏بين المستويات‏،  ‏فإنه من اللازم مراعاة ‏نوع المعلومات‏ ‏المدخلة وجرعاتها‏، ‏فكلما‏ ‏كانت‏ ‏المعلومات‏ “‏ذات‏ ‏معنى” ‏كاف‏ٍ ‏ومناسب‏ (4)‏كان‏ ‏ملء مستويات‏ ‏الوعى ‏متناغما: مما يبعدنا تدريجيا‏ ‏عن‏ ‏الاقتراب‏ ‏من‏ ‏عتبة‏ ‏الإنجراح‏، كل هذا يتطلب الانتباه إلى ما يحمله الوالدين من عوامل طبع وراثية أيضا، فعادة يكون أحدهما أو كلاهما ‏حاملين‏ ‏لنفس‏ ‏المستوى ‏المراد‏ ‏تخفيفه‏ مما يصعّب مهمتهم أكثر: ‏

أما إذا أحسن رصد وتخطيط قوة المستويات النسبية عند الجميع فإن ذلك يمكن أن يخفف من الاستهداف للمرض بأى درجة ممكنة.

 ويتم ذلك بأساليب متنوعة مثل:‏

 ‏(1) ‏البعد‏ ‏عن‏  أساليب التربية التى تنمى ‏الاغتراب‏ ‏بأنواعه، ‏أو التقليل منها ما أمكن ذلك

(2) ‏التعليم‏ المرِن ‏الهادف‏، ‏الذى يشمل تنمية خيال الأطفال أو على الأقل الحفاظ على اضطراده، ثم إعطاء الفرص للنقد والحركة والاختلاف فالإبداع.

‏(3) ‏ضبط‏ ‏جرعات‏ ‏المعلومات‏ ‏الداخلة‏ ‏ؤأنواعها‏ ‏المناسبة‏ ‏لكل‏ ‏المستويات‏ فى التوقيت المناسب أولا بأول.

 (4)‏ الحرص على دعم الاستقرار النسبى ‏ ‏لحركية المعلومات المدخلة،‏ دون تجميد مع تنشيط القدرة على التجديد والحفاظ على الدهشة.

 (5) ‏استيعاب‏ ‏المعلومات المدخلة‏ ‏أولا‏ ‏بأول‏ ‏و‏تشغيلها‏ ‏فى إتاحة مجالات وأدوات الإبداع الذاتى والأدائى على مسار النمو‏  طول الوقت ‏

‏(6)‏ ‏الحفاظ‏ ‏على ‏الأفكار‏ ‏المحورية‏ ‏الجاذبة نحو الوعى الجمعى فالوعى المطلق فالمجهول اليقينى‏ بالتوجه الإيمانى الإبداعى الفطرى المضطرد. ‏

‏(7) ‏الارتباط‏ ‏بسلوكيات‏ ‏هادفة‏ ‏معظم‏ ‏الوقت،‏ (‏هادفة‏ ‏لا تعنى محددة شعورية وإنما المقصود هو التوجه الغائى من خلال ثقافة التآلف والامتداد فى دوائر الوعى الممتدة المحكومة بقصدية فطرية سليمة.

 (8) ‏الاهتمام‏ بتوفير ‏العائد‏ ‏لدعم الاتجاه السليم، علما بأن العائد هنا‏ ليس مجرد نجاح جزئى بالمعنى التشريطى Conditioning، وإنما يكون العائد ثريا ووقائيا بقدر تناسب فاعليته مع استمرار تحقيق التوازن واضطراد النمو  نحو الإبداع والإيمان الذى يغذى تواصل وتصعيد مستويات الوعى معا.

5-  ‏إتاحة‏ ‏الفرص‏ ‏لاضطراد إيقاعية‏ ‏النبضحيوى ‏الدورى ‏السليم : ‏فما دامت ‏الوقاية‏ ‏هى ‏أن‏ ‏تمنع‏ ‏نبضة‏ ‏جسيمة‏ ‏أن تقتحم مستوى السلوك الرشيد‏ ‏على ‏حساب‏ ‏الكل‏ ‏الواحد‏، ‏وما‏ ‏دام‏ ‏إلغاء‏ ‏النبض‏ ‏مستحيل لأنه‏ ‏إلغاء‏ ‏الحياة ذاتها، فإن‏ ‏المنظور‏ ‏الإيقاعحيوى ‏يهتم‏ ‏أكبرالاهتمام‏ ‏‏بفرص‏ سلامة وإطلاق النشاط الإيقاعحيوى فى مساره الطبيعى، المتوازن بجرعات مناسبة وذلك بطرق مباشرة وغير مباشرة، منها ما يلى على سبيل المثال:

 (أ)‏ مراعاة سلاسة النبض‏ ‏السوى بدءًا: بالتصالح مع النوم، والسماح لحركية الحلم – من حيث المبدأ – أن ‏ ‏تقوم‏ ‏بدورها‏، من خلال ‏الاهتمام‏ ‏بها‏ ‏والحفاظ على نتائجها التنظيمية والإبداعية دون الاسراع ‏بمسخها‏ ‏بالترميز‏، ‏والتفسير‏، ‏وفحص‏ ‏المحتوى، ‏وبألفاظ أخرى: ترجيح قبول الحلم وآثاره قبل الحكى، والاحترام الغامض قبل التفسير الجاهز.

 (ب) ‏‏السماح‏ ‏بالتناوب‏ ‏فى ‏الحياة‏ ‏العادية‏ ‏بين‏ ‏العمل‏ ‏والراحة‏، ‏بين‏ ‏النوم‏ ‏واليقظة‏، ‏بين‏ ‏الكمون‏ ‏والحركة‏، ‏بين‏ ‏الاقدام ‏والإنسحاب، بين الاستقرار والترحال…الخ. جنبا إلى جنب مع الحرص على مواكبة الإيقاع اليوماوى حيث الليل لباسا والنهار معاشا، فيكون الحرص على النوم ليلا وليس نهارا هو الأكثر اتساقا لمواكبة الإيقاعحيوى للطبيعة وما بعدها.

‏ (جـ) ‏العمل على تنشيط فرص حركية الجدل بين مستويات الوعى البينشخصى والجمعى فالجماعى،‏ ‏ بإتاحة مساحة مناسبة للاختلاف، والحوار، والمراجعة، والتراجع، وزيادة فرص‏ ‏التغذية‏ القابلة للتمثُّل فى ‏طور‏ ‏الملء ‏بالمعلومات ذات المعنى غير‏ ‏المغتربة‏ .

6- ‏تناسب‏ ‏التربية‏ ‏مع‏ ‏الاستعداد‏ ‏الوراثى‏: ‏من‏ ‏منظور فردى متغير‏ ‏إيقاعى ‏تطورى ‏فلا‏ ‏يجوز‏ ‏تصور‏ ‏خطة‏ ‏واحدة‏ ‏لكل‏ ‏البشر‏ ‏تصلح‏ ‏لوقايتهم‏ ‏من‏ ‏المرض‏ ‏النفسى، ‏فالمولود‏ ‏الذى ننتبه أن لديه‏ ‏طاقة‏ ‏دافعة‏‏ ‏جسيمة‏ (‏من‏ ‏واقع‏ ‏التاريخ‏ ‏العائلي‏) ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏إحاطة أكبر‏ ‏وفرص‏ ‏أرحب‏ ‏لإطلاق‏ ‏هذه‏ ‏الطاقة‏ ‏فى ‏مجالات‏ ‏الإبداع‏ ‏أكثر‏ فأكثر، ‏وكلما‏ ‏بـَـعـُدَ‏ ‏المستوى الأكثر شحناً ‏بالوراثة‏ (الفيلوجينية والانتوجينية) ‏عن المستويات الأحدث فالأحدث، ‏زادت‏ ‏الحاجة‏ ‏إلى ‏مساحة‏ ‏أكبرلاستيعاب‏ ‏هذه‏ ‏الطاقة‏ ‏وتوجيهها‏ ‏نحو‏ ‏إبداع‏ ‏أعمق خلاّق‏.‏

7- ‏الاهتمام‏ ‏بالمراحل‏ ‏المفترقية‏: ‏إذا‏ ما ‏انتقلنا‏ ‏إلى ‏مستوى ‏الوقاية‏ ‏الثانوية‏ ‏أمكن‏ ‏القول‏ ‏بأن من‏ ‏أهم‏ ‏ما‏ ‏تعتنى ‏به‏ ‏هذه‏ ‏النظرية‏ ‏هو‏ ‏رصد‏ ‏بدايات‏ ‏حركية النبضة الجسيمة ‏بمجرد‏ ‏البزوغ‏ ‏من‏ ‏عتبة‏ التهديد بالانجراح ‏ ما أمكن ذلك، ‏لأن هذا يعتبر إعلانا ضمنيا‏ ‏أن‏ ‏طاقة‏ ‏كبيرة‏ ‏لم‏ ‏تـُسـْتـَوعب‏، ‏وأن‏ ‏مخزونا‏ ‏زائدا‏ ‏من‏ “‏المعلومات‏ ‏الجسم‏ ‏الغريب”‏ ‏قد‏ ‏تراكم‏، ‏وهنا يكون التشخيص‏ ‏المبكر‏ هو السبيل الأمثل لاحتمال ‏‏تحويل‏ ‏المسار‏ ‏إلى ‏ناتج‏ ‏إيجابى ‏‏من‏ ‏واقع فرض‏ ‏أن‏ ‏المرض‏ ‏النفسى ‏الموروث‏ ‏والمدعم‏ ‏بتربية‏ ‏خاصة‏ ‏هو‏ ‏أساسا ليس مرضا جاهزا، ولكنه استعداد نشط من مستوى معين‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏قوة‏ ‏نمو‏ ‏إذا‏ ‏ظل حضوره ‏جزءا‏ ‏من‏ ‏الكل‏ ‏الواحد‏، ‏فالمهم‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏المرحلة‏ ‏الباكرة‏ ‏هو‏ ‏عدم‏ ‏الإسراع‏ ‏برفضه بمجرد ظهور علامات الحركة البادئة فى التعتعة، ‏وإنما‏ ‏العمل‏ ‏على ‏فهم‏ ‏حركية الطاقة وتهدئة حدتها لإمكان استيعابها بكل وسائل الضبط بدلا من قمعها تماما ودائما، ‏مع التذكرة طول الوقت بأن بداية المرض هكذا هو إعلان حركة فى “مفترق طرق” يمكن بالعلاج الإيقاعحيوى المشارك المسئول اختيار الطريق الأسلم والأقدر إبداعا (انظر بعد)، ومواصلة التقدم حتى تحقيق وعوده.

‏7- ‏التخلص‏ ‏بأسرع‏ ‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏من‏ ‏أى ‏عامل‏ ‏من‏ ‏العوامل‏ ‏المُبقْيِة‏ ‏والمديمة (الدوامية).

وبعـد

أعرف تماما صعوبة كل ما سبق لدرجة اسمح لنفسى معها أن أصفه بالاستحالة، هذا إذا ما أردنا تحويله إلى تعليمات منهجية محددة قابلة للتنفيذ، خاصة بعد أن وصل الإنسان المعاصر إلى ما وصل إليه، ولعل هذه البصيرة هى التى جعلتنى أصنف هذا الطب كنوع من الطبنفسى الطوبائى، والطوبائية عندى موقف سلبى بمقاييس الواقع الجاثم.

إذن‏ ‏فلماذا‏ كل ‏هذا‏ ‏التنظير‏ ‏البديل‏.‏؟

أولا‏ : ‏لأنه‏ ‏نابع‏ ‏من‏ ‏الخبرة‏ ‏الإكلينيكية، فهو حقائق واعدة قبل أن يكون برامج جاهزة

ثانيا‏: ‏لأن‏ ‏التنظيرالتقليدى ‏يتعامل مع‏ ‏المرض‏ ‏النفسى ‏باعتباره نشازا من البداية للنهاية، وهو بذلك يعزف  غالبا عن الاستماع إلى لغته

ثالثا‏: ‏لأنه يمكن أن تثبت صحته على المدى الطويل: لأن‏ قياس ‏الفشل‏ ‏والنجاح‏ ‏فى تطبيق الفكر‏ التطوري يحتاج زمنا أطول جدا من مجرد‏ رصد النتائج المباشرة أو العاجلة فى فرد أو عدة أجيال

رابعا‏: ‏لأنه يمكن الإفادة من خطوطه العامة لتحويل مسار الإنسان – بدءًاً من امتحانه بمحنة المرض، إلى ما خُلِقَ به ومن أجله كحلقة فاعلة من حلقات تسلسل الحياة.

خامساً‏ : ‏لأن‏ ‏من‏ ‏حق‏ ‏العقل‏ ‏البشرى ‏أن‏ ‏يحاول‏، ‏وخاصة‏ ‏متى ‏رأى ‏فشل‏ أو خطر ‏ما‏ ‏هو‏ ‏شائع‏.‏

سادساً: لأن الأحياء التى بقيت (مرة أخرى: واحد فى الألف من كل الأحياء) نجحت أن تبقى إبداعا لذواتها ونوعها دون أن تكتب مثل هذا الكلام، أو أن تضع برامج تفصيلية للوقاية من الانقراض، وعلى الإنسان أن يواصل السير وهو يوظف ما تميز به عن كل هذه الأحياء على نفس الطريق الذى حافظ على بقائها، بدلا من سيره المحتمل – أو الأرجح – فى عكس الاتجاه.

[1] – ‏ مما‏ ‏لا‏ ‏مكان‏ ‏لتفصيله‏ ‏هنا‏ ‏الآن‏ وسوف نعود إليه مع عرض الحالات غالبا

[2] – وهى ‏المقابلة‏ ‏لما‏ ‏يسمى ‏العوامل‏ ‏المرسبة

[3] – ، neutralizing and postponing factors modifiers

[4] – بعكس‏ ‏فقرالمعلومات‏ ‏أو‏ ‏زحمتها‏ ‏بلا‏ ‏استيعاب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *