الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (11) Biorhythmic Psychiatry النظرية التطورية‏ ‏الإيقاعية (6) الإيقاعحيوى: أساس النمو (والإبداع)

الطبنفسى الإيقاعحيوى (11) Biorhythmic Psychiatry النظرية التطورية‏ ‏الإيقاعية (6) الإيقاعحيوى: أساس النمو (والإبداع)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 28-2-2016 

السنة التاسعة

 العدد: 3103 

تمهيد: بدءًا من هذه النشرة لن أرتبط تفصيلا بماجاء فى المقال الأول اللهم إلا كمقتطفات مُتضَمَّنهْ تؤكد أصل الفكرة وتميز الحفاظ على الاتجاه، وبالتالى سوف يتواكب التعقيب مع الأصل بما يسهل التواصل المحتمل.

 الطبنفسى الإيقاعحيوى (11)

Biorhythmic Psychiatry

النظرية التطورية‏ ‏الإيقاعية (6)

الإيقاعحيوى: أساس النمو (والإبداع)(1)

‏تمثل‏ ‏نوابية‏ ‏المرض‏ ‏النفسى ‏والعقلى ‏اضطرابا‏ ‏فى ‏كفاءة‏ ‏واتجاه‏ ‏ونتاج‏ ‏نبضات‏ ‏النمو‏، ‏وخاصة‏ ‏لطور‏ ‏البسط‏، ‏حيث‏ ‏لو‏ ‏كان‏ ‏المحتوى ‏مضطربا‏ ‏ومتداخلا‏ ‏وجامدا‏ ‏فان‏ ‏البسط‏ ‏يعجز‏ ‏عن‏ ‏أداء‏ ‏وظيفته‏ ‏الأساسية‏ ‏بإضافة‏ “‏الكامن‏” ‏الى “الفاعل‏” ‏جدلا وإبداعا، وانما‏ ‏سيكون‏ ‏دفعه‏ ‏هو‏ ‏تنشيط‏ ‏عشوائى ‏لكم‏ ‏هائل‏ ‏من‏ ‏المحتوى ‏المشوش‏ ‏دون‏ ‏أدنى ‏فرصة‏ ‏للاستيعاب‏ ‏والتمثيل‏، ‏مما‏ ‏ينتج‏ ‏عنه‏: ‏توقف‏، ‏أو‏ ‏تفسخ‏، ‏أو‏ ‏تراجع‏ …، ‏ثم‏ ‏مزيد‏ ‏من‏ ‏حشر‏ ‏المعلومات‏ – ‏حتى ‏التى ‏سبق‏ ‏تمثلها‏ ‏جزئيا‏ – ‏فى ‏شكل‏ ‏حشد‏ ‏غير‏ ‏فاعل‏ ‏للمعلومات‏ “‏الجسم‏ ‏الغريب”، ‏وتنقلب‏ ‏بذلك‏ ‏الايقاعية‏ ‏البيولوجية‏ ‏الى ‏إعاقة‏ ‏دورية‏ ‏بديلا‏ ‏عن‏ ‏وظيفتها‏ ‏الطبيعية‏ ‏كدفع‏ ‏الى ‏النماء‏، مِمَّا يُهَدِّد بالتندب والضمور(2)

وكما أشرت فى البداية أن منطلقى كان من ملاحظة نوابية المرض النفسى عامة، وليس فقط جنون الهوس والاكتئاب، فإن هذا يتطلب أن نؤكد أن هذه النوابية تعنى أن الايقاع‏ ‏الحيوى ‏للمخ‏ ‏البشرى ‏ليس‏ ‏مجرد‏ ‏ملء‏ ‏ثم ضخ مثل القلب‏، ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏ليس‏ ‏دائرة‏ ‏مغلقة‏، علما بان محتوى ‏النبضة‏ فى المخ ‏هو‏ ‏جزء‏ ‏منها‏(3)، ‏ومن‏ ‏ثم‏ ‏كان‏ ‏لزاما‏ ‏أن‏ ‏نتقدم‏ ‏خطوة‏ ‏توضح‏ ‏طبيعة‏ “المعلومة‏” ‏فى ‏علاقتها‏ ‏بما‏ ‏يسمى ‏بيولوجي‏.‏

طبيعة المعلومة من منظور الإيقاعحيوى(4)(فى المخ بالذات):

أقصد‏ ‏بالمعلومة‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏يصل‏ ‏إلى ‏الوجود‏ ‏البشرى (‏المخ‏ ‏البشرى ‏فى المقدمة‏) ‏من‏ ‏رسائل‏ ‏ومثيرات‏.

‏تهتم‏ ‏العلوم‏ ‏النفسية‏ (‏والانسانية‏ ‏عامة‏) ‏بذلك‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏المعلومات‏ ‏المتضمنة‏ ‏فى ‏الجهاز‏ ‏الإشارى ‏الرمزى (‏وأهم تجلياته‏: الكلام و‏اللغة‏)، ‏غير‏ ‏أن‏ ‏الدراسة‏ ‏الأعمق‏ – ‏حين‏ ‏تتوفر‏ ‏الامكانيات‏ – ‏ينبغى ‏أن‏ ‏تمتد‏ ‏الى ‏المعلومات‏ ‏غير‏ ‏اللفظية‏ ‏التى ‏تعتبر‏ ‏ذات‏ ‏أهمية‏ ‏قصوى ‏وخاصة‏ ‏فى ‏مراحل‏ ‏الطفولة‏ ‏والنكوص‏ (‏بأنواعه‏).‏

المشكلة‏ ‏الأساسية‏ ‏فى ‏تناول‏ ‏ودراسة‏ ‏موضوع‏ ‏المعلومات‏ (‏مستويات‏ ‏وبنائية‏ ‏التعلـّم‏ للنمو والتطور) ‏تكمن‏ ‏فى ‏الفصل‏ ‏التعسفى ‏بين‏ ‏المعلومة‏ ‏الرمزية‏ ‏المجردة‏، ‏وبين حضورها كجزء من‏ ‏الكيان‏ “‏البيولوجي‏” ‏عامة‏‏، ‏ونحن‏ ‏نفترض‏ انهما واحد ‏وإن‏ ‏تباعدا‏ ‏على ‏مستويات‏ ‏مختلفة‏، ‏وفى ‏مراحل‏ ‏متنوعة‏ ‏من‏ ‏نشاط‏ ‏المخ‏ ‏الايقاعي‏.‏

المصدر‏ ‏الأول‏ ‏للمعلومات‏ ‏هو‏ ‏الذاكرة‏ ‏الجينية‏، ‏وبالتالى ‏فالوراثة‏ ‏لا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏تعتبر‏ ‏حتما‏ ‏تاريخيا‏ ‏بيولوجيا‏، ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏تعتبر‏ ‏مصدرا‏ ‏للمعلومات‏ ‏التى ‏تكثفت‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏خبرات‏ ‏النوع‏ ‏عبر‏ ‏تطوره‏، ‏مع الوضع فى الاعتبار أن هذه الخبرات ليست متماثلة تماما‏ ‏فى ‏قطاعات‏ ‏متنوعة‏ ‏من‏ ‏البشر على اتساع المعمورة، حسب ظروف التطور لكل مجموعة فرعية فى‏ ‏مختلف ‏الظروف‏ ‏والمسار والجغرافية والمحيط‏، ثم يضاف إلى هذه الوراثة التاريخية الوراثة العادية للفرد، ‏باعتبار‏ ‏أن‏ ‏الفرد‏ ‏عند‏ ‏الولادة‏ ‏يكون‏ ‏نتاجا‏ ‏وتلخيصا‏ ‏لهذين‏ ‏الحدثين‏ ‏المتداخلين‏ ‏حتما‏: تاريخ مجموعته بين التقسيمات الفرعية للنوع، وتاريخ عائلته الأقرب، ‏والمهم‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏المدخل‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏نربط‏ ‏الوراثة الأسرية‏ ‏بتعلم‏ ‏غائر‏ ‏سابق‏، ‏تمّ‏ ‏على ‏مستويات‏ ‏مختلفة‏، ‏وعلى ‏مراحل‏ ‏متتالية‏ فى تاريخ التطور، ‏وبالتالى ‏فان‏ ‏معلومات‏ ‏الذاكرة‏ ‏الجينية‏ ‏تختلف من البداية من جماعة إلى جماعة ومن أسرة إلى أسرة، وهى تظل‏ ‏مرتبة‏ ‏فى ‏طبقات‏ ‏تقابل‏ ‏مراحل‏ ‏التطور‏ ‏النوعى ‏والأسرى، ‏وتصبح‏ ‏مسيرة‏ ‏الفرد‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏نبضات‏ ‏إيقاعه الحيوى ‏المختلفة‏ ‏الأطوال‏: ‏هى ‏الوسيلة‏ ‏التى ‏تتقدم‏ ‏بهذه‏ ‏المعلومات‏ ‏خطوة‏ ‏جديدة‏ ‏نحو‏ ‏تشكيل‏ ‏أرقى ‏يستوعب‏ ‏أكثر‏ ‏فأكثر‏ ‏المراحل‏ ‏الناقصة‏ ‏الاستيعاب‏، ‏ويتجاوز‏ ‏البناء‏ ‏إلى ‏ولاف‏ ‏أعلى، ‏ما‏ ‏أمكن‏ ذلك، ‏متفاعلا‏ ‏طول‏ ‏الوقت‏ ‏تفاعلا‏ ‏جدليا‏ ‏مع‏ ‏المعلومات‏ ‏المدخلة‏ ‏من‏ ‏التعلم‏ ‏المكتسب‏ ‏حديثا‏، ‏وبألفاظ‏ ‏أخرى ‏نقول‏: ‏إن‏ ‏وظيفة‏ ‏الايقاع‏ ‏الحيوى هى ‏أن‏ ‏يتقدم‏ ‏بهذه‏ ‏المادة‏ ‏الأولية‏ ‏خطوة‏ ‏تطورية‏ ‏أخرى ‏نحو‏ ‏تشكيل‏ ‏الولاف‏ ‏المحتمل‏ ‏بالتفاعل‏ ‏الجدلى ‏مع‏ ‏المعلومات‏ ‏الجديدة‏، ‏فهو‏ ‏يسمح‏ ‏بالتنشيط‏ ‏للاستعادة‏ ‏كما‏ ‏يحفز‏ ‏للتمثل‏ ‏الولافى ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت فى حالة نجاح مسيرة النمو والتطور‏.‏

جدل الخارج والداخل:

هكذا‏ ‏نستطيع‏ ‏أن‏ ‏نتصور‏ ‏عملية‏ ‏التعلم‏ الإبداعى ‏وهى ‏تتم‏ ‏على “‏مستويات‏” ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏، ‏كما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نميز‏ ‏بين‏ ‏درجات‏ ‏انتظام‏ ‏المعلومة‏ ‏فى ‏الكل‏ ‏البنائى ‏للمخ‏ ‏من‏ ‏أول‏ ‏درجة‏ “‏الجسم‏ ‏الغريب‏” ‏القابل‏ ‏للاجترار‏ ‏المعاوِدْ‏ ‏حتى درجة ‏الالتحام‏ الجدلى ‏الكامل‏ ‏المغيِّر‏ للفرد فالنوع ‏‏ ‏ذاته‏. ‏ويتم‏ ‏الانتقال‏ ‏من‏ ‏المستوى ‏الأسطح‏ ‏إلى ‏المستوى ‏الأعمق‏ ‏أثناء‏ ‏نبضات‏ ‏الايقاع‏ ‏الحيوى ‏الليلنهارى (اليوماوى) ‏وكذلك‏ ‏أثناء‏ ‏نبضات‏ ‏الايقاع‏ ‏الحيوى ‏الأطول‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏البسط‏ ‏والتمدد‏ ‏فى ‏دورات‏ ‏النمو‏، ‏وبأسلوب‏ ‏آخر‏:‏ ‏فان‏ ‏كل‏ ‏معلومة‏ تورث من تاريخ الحياة أو ‏تدخل‏ ابتداءً كجسم‏ ‏غريب‏ ‏ئسبيا‏، ‏تكون‏ ‏عرضة‏ ‏للتنشيط‏ ‏فإعادة‏ ‏الترتيب‏ ‏فاحتمال‏ ‏التمثل‏ ‏الأكمل‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏الإيقاع‏ ‏الحيوى ‏المستمر‏، ‏على ‏أن‏ ‏ثمة‏ ‏معلومات‏ ‏لها‏ ‏دلالة‏ ‏تطورية‏ ‏خاصة‏، ‏وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏لا‏ ‏يستطيع‏ ‏الكيان‏ ‏الفردى ‏تمثلها‏ ‏بالدرجة‏ ‏الكافية‏ ‏أثناء‏ ‏المدى ‏المحدود‏ ‏لحياته‏ ‏كفرد‏، ‏فتصبح‏ ‏قابلة‏ ‏للانتقال‏ ‏عبر‏ ‏الذاكرة‏ ‏الجينية‏ ‏لتتجدد‏ ‏فرصة‏ ‏استيعابها‏ – ‏بعضها‏ ‏أو‏ ‏كلها‏ – ‏من‏ ‏خلال‏ ‏الايقاع‏ ‏الحيوى ‏الممتد‏ ‏عبر‏ ‏الأجيال‏.‏

طبيعة  المعلومة والبيولوجى:

أقصد‏ ‏بالمعلومة‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏يصل‏ ‏الى ‏الوجود‏ ‏البشرى الممثل أساسا فى ‏المخ‏ ‏البشرى والممتدد إلى كل خلية وكل “دنا” DNA، ‏من‏ ‏”رسائل‏” ‏و”مثيرات” وأفضل أن أفرّق بوضوح ‏بين‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏مثير‏ ‏بمعنى Stimulus‏وما‏ ‏هو‏ ‏رسالة‏ ‏بمعنى Message، ‏ففى ‏حين‏ ‏نتوقع‏ ‏أن‏ ‏يثير‏ ‏المثير‏ ‏استجابة‏ ‏ما‏ Response ‏فان‏ ‏الرسالة‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تصل‏ ‏وتستقر‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏تتطلب‏ ‏ردا‏ ‏عاجلا‏، ‏أو‏ ‏آجلا‏،‏ ‏يفيد‏ ‏ناتج‏ ‏التغيير‏ ‏الذى ‏أحدثته‏، ‏وقد‏ ‏يظل‏ ‏الرد‏ ‏مؤجلا‏ ‏بما‏ ‏يتعدى ‏حياة‏ ‏الفرد‏، ‏فتنتقل‏ ‏الرسالة‏ ‏واحتمال‏ ‏الرد‏ ‏الى ‏الجيل‏ ‏اللاحق‏، ‏وهكذا‏، ‏يسرى ‏عليها‏ ‏ما‏ ‏يسرى ‏على ‏الذاكرة‏ ‏الجينية‏ ‏إلتى ‏أشرنا‏ ‏اليها‏ ‏سالفا‏، ‏وقد‏ ‏تستعاد‏ ‏الرسالة‏ ‏المؤجلة‏ ‏بشكل‏ ‏نشط‏ ‏فى ‏أطوار‏ ‏بسط الإيقاعحيوى‏ ‏خاصة،‏ ‏ويكون‏ ‏الرد – بالنمور والتطور -‏ ‏حينذاك‏ ‏أكثر‏ ‏احتمالا‏.‏

‏وتهتم‏ ‏العلوم‏ ‏النفسية‏ (‏والانسانية‏ ‏عامة‏) ‏أكثر بذلك‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏المعلومات‏ ‏المتضمنة‏ ‏فى ‏الجهاز‏ ‏الإشارى ‏الرمزى (‏المسمى ‏غالبا‏: ‏اللغة‏)، ‏غير‏ ‏أن‏ ‏الدراسات‏ ‏الأعمق‏ – ‏حين‏ ‏تتوفر‏ ‏الامكانيات‏ – ‏ينبغى ‏أن‏ ‏تمتد‏ ‏الى ‏المعلومات‏ ‏غير‏ ‏اللفظية‏ ‏التى ‏تعتبر‏ ‏ذات‏ ‏أهمية‏ ‏قصوى ‏وخاصة‏ ‏فى ‏مراحل‏ ‏الطفولة‏ ‏والنكوص‏ (‏بأنواعه‏) فكل الأحياء تبدع و تنمو وتبقى (ما يبقى منها) دون رموز ومقالات وكتب ومحطات فضائية!!

هكذا نميز‏ ‏بين‏ ‏المعلومة‏ “‏الذاكرة‏ ‏المستعادة”، ‏و“المعلومة المشحونة‏ ‏الكامنة”، ‏والمعلومة‏ “الكيان‏ ‏البنائي‏ النمائى الإبداعى”.‏

ثم إن‏ ‏التناسب‏ ‏بين‏ ‏جرعة‏ ‏المعلومات‏ ‏المنشَّطَة‏ ‏والمُدْخَلة‏، ‏وبين‏ ‏قدرة‏ ‏الكائن‏ ‏الحيوى ‏على ‏استيعابها‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏يحدد‏ ‏نوع‏ ‏التعلم‏ ‏من‏ ‏جهة‏، ‏ونتاج‏ ‏النبض‏ ‏الحيوى ‏من‏ ‏جهة‏ ‏أخرى (‏فى ‏مرحلة‏ ‏بذاتها‏)‏.‏ وهنا يجدر‏ ‏بنا‏ ‏أن‏ ‏نراجع‏ ‏ابتداء‏ ‏تدهور‏ ‏كلمة‏ ‏بيولوجى ‏حتى ‏أصبحت‏ ‏مرادفة‏ ‏للفظ‏ ‏كيميائى ‏أو‏ ‏عضوي‏، ‏وأنا‏ ‏أصر‏ ‏على ‏استعمالها‏ ‏بمعناها‏ ‏الشامل‏ ‏الأصلي‏، ‏أى ‏بمعنى ‏حيوي‏، ‏فتشمل‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏يتعلق‏ ‏بما‏ ‏هو‏ “‏حياة‏”‏ ولتأكيد‏ ‏هذا‏ ‏المعنى ‏فانى ‏أستعمل‏ ‏لفظ‏ ‏”التغذية‏ ‏البيولوجية”‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏”تناسُب‏ ‏جرعة‏ ‏ونوع‏ ‏المعلومة‏ ‏مع‏ ‏احتياج‏ ‏المخ‏ ‏للهارمونى ‏والفاعلية“‏ ومن‏ ‏هذا‏ ‏المنطلق‏ ‏فان‏ ‏المعلومة‏: ‏سواء‏ ‏كانت‏ ‏رمزية‏ ‏لغوية‏، ‏أم‏ ‏رسالة‏ ‏حيوية‏ ‏غير‏ ‏لفظية‏، ‏هى ‏المصدر‏ ‏الأساسى ‏والوحدة‏ ‏الأولية‏ ‏لتنظيم‏ ‏الخلية‏، ‏ناهيك‏ ‏عن‏ ‏تنظيم‏ ‏المخ‏ ‏وبنائه‏ ‏وايقاعه‏، ‏وهى ‏جزء‏ ‏لا‏ ‏يتجزأ‏ ‏من‏ “‏تركيب‏ ‏المخ‏” ‏وليست‏ ‏مجرد‏ ‏محتواه‏، ‏فالمخ‏ ‏ليس‏ ‏وعاء‏ ‏به‏ ‏معلومات‏، ‏ولكنه‏ ‏مادة‏ ‏حيوية‏ ‏من‏ ‏معلومات‏ ‏دائمة‏ ‏التشكُّل‏ ‏بمزيد‏ ‏من‏ ‏المعلومات‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏تنشيط‏ ‏الموجود‏، ‏واستيعاب‏ ‏المدخل‏ فى نبض دائم “إيقاعحيوى”.‏

‏وهذا‏ ‏يذكرنا‏ ‏بالمفهوم‏ ‏الأحدث‏ ‏فى ‏علم‏ ‏الاثنولوجيا‏ (علم الأعراق البشرية) ‏لظاهرة‏ ‏البصم‏ Imprinting” ‏كإحدى ‏وسائل‏ ‏التعلم‏، ‏وإن‏ ‏كانت‏ ‏الأبحاث‏ ‏المتعلقة‏ ‏بهذا‏ ‏الموضوع‏ ‏قد‏ ‏ركزت‏ ‏أساسا‏ ‏على ‏كيفية‏ ‏ظهور‏ ‏التعلم‏ ‏المبصوم‏ ‏دون‏ ‏التعمق‏ ‏فى ‏شرح عملية‏ ‏كيفية‏ ‏بصم‏ ‏هذه‏ ‏المعلومة‏ ‏أصلا‏ ‏وليس‏ ‏مجرد‏ ‏اطلاقها‏ ‏من‏ ‏مكمنها‏(5).

فإذا‏ ‏كانت‏ ‏المعلومات‏ ‏تنشط‏ ‏وتفعلن‏ ‏فى ‏مستويات‏ ‏متصاعدة‏، ‏وبدرجات‏ ‏مختلفة‏ ‏نوعيا‏، ‏واذا‏ ‏كان‏ ‏الايقاع‏ ‏الحيوى ‏بطوريه‏ ‏يساهم‏ ‏فى ‏عمليات‏ ‏التنسيق‏ فإن عملية النمو سوف تستمر وتضطرد فى مسارها الطبيعى.‏

وبعد

إن مجرد محاولة استيعاب الطبيعة عامة، والطبيعة البشرية خاصة من خلال مواكبة هذا النشاط الإيقاعحيوى المستمر ليل نهار، حلما ويقظة، خليق بأن يغير نظرتنا إلى الحياة ، أملا فى مواكبة نظامها كما نظمه خالقها، إن الإنسان وجد على هذه الأرض وهو يحمل تاريخ كل الأحياء، ثم ها هو يولد من بطن أمه محملا به أيضا، فيكتشف أنه فى نبض دائم، نبض يتيح له فرصة استيعاب وإبداع كل ما حوى، بالإضافة إلى كل ما يحوى منذ ولادته، فتزيد الأمانة ويتجدد الأمل كل ليلة (الحمد لله الذى أحيانى بعد ما أماتنى وإليه النشور) بل كل ثانية ، فيكون أهلا لما كرمه به ربه.

دعونى اختم اليوم بعرض ما خططته، وما عثرت عليه، لنعرف أمانة ما نحمل – بيولوجيا- فندرك كيف نواصل حمل الأمانة لاستيعابه، وتمثله، وإبداع أنفسنا به إليه

وهل لدينا خيار  آخر؟

27-2-2016_2

[1] – فى هذه السلسلة من النشرات انتبهت إلى غرابة اللغة وصعوبتها وخاصة وأنا أستعمل كلمات مألوفة مثل: “المعلومة” و “البيولوجى” بطريقة خاصة، فمن ناحية: هذه الكلمات ومثلها لها مفهوم ثابت عند كل من العلماء والعامة، وإن اختلف العمق، ومن ناحية أخرى فأنا أستعمل نفس الالفاظ لتفيد معان مختلفة وتقوم بدور آخر، برجاء الملاحظة والتمييز، كما أننى وددت لو وضعت مفتاحا آخر لفك شفرة الاستعمال الخاص للغة الدينية والإيمانية التطورية، لكننى عدلت.

[2] – كنت أترجم كلمة Scarring  بالانجليزية إلى “الاندمال” ثم اكتشفت خطئى الآن وصحة الترجمة هى التَّندُّبْ (من ندب “ندوبا”) وهو التليف، وهو يعنى هنا فقد المرونة والمطاوعة، ومن ثم التوقف عن النمو وهمود النبض (الايقاعحيوى) أو انحرافه، أما الاندمال فهو يعنى الالتئام وهو عكس ما كنت استعمله فيه.

[3] – مرة أخرى: فى ‏حين‏ ‏أن‏ ‏الذى ‏يدفع‏ ‏فى ‏حالة‏ ‏القلب‏ ‏هو‏ ‏العضلة‏، ‏أما‏ ‏المحتوى ‏فهو‏ ‏الدم‏ ‏بلا‏ ‏أى ‏خلط‏ ‏أو‏ ‏تداخل‏ ‏بينهما‏، ‏فان‏ ‏الذى ‏ينبسط‏ ‏فى ‏حالة‏ ‏المخ‏ ‏هو‏ ‏تنشيط دورى إبداعى بما يحتوى‏ ‏من‏ ‏معلومات‏ ‏كامنة‏ مؤقتا (‏جينية‏ ‏أو‏ ‏مدخلة‏)، ‏فالمحتوى ‏هنا‏ ‏هو‏ ‏هو‏ ‏الوعاء‏.‏

[4] – هذه العناوين مضافة فى النشرة بديلا عن الترقيم الذى يصعب متابعته مع النشر الالكترونى على أيام متتالية.

[5] – وقد‏ ‏حاولت‏ ‏أن‏ ‏أنبه‏ ‏على ‏هذه‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏التعلم‏ (‏فى ‏مقابل‏ ‏التعلم‏ ‏الشرطي‏) ‏وخاصة‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏ارتباطه‏ ‏بدلالة‏ ‏المعلومة‏ ‏تطوريا‏ ‏وطور‏ ‏الايقاع‏ ‏الحيوى (‏دليل‏ ‏الطالب الذكى‏: ‏الجزء‏ ‏الأول‏ ‏ص‏ 94 – 99 ‏كما‏ ‏أشرت‏ ‏الى ‏دوره‏ ‏فى ‏السيكوباثولوجى (‏دراسة‏ ‏فى ‏علم‏ ‏السيكوباثولوجى ‏ص‏ 30، 31، 78، 85، 684.‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *