الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الصحة النفسية (27) ماهية الحرية، والصحة النفسية (10): الحرية والناس والتفاؤل المؤلم المسئول

الصحة النفسية (27) ماهية الحرية، والصحة النفسية (10): الحرية والناس والتفاؤل المؤلم المسئول

نشرة “الإنسان والتطور

22-6-2011

السنة الرابعة

 العدد: 1391

4-1-2011

الأساس:الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (34)

 الصحة النفسية (27)

 ماهية الحرية، والصحة النفسية (10)

الحرية والناس والتفاؤل المؤلم المسئول

مقدمة:

جاءت الإشارة التالية فى بداية نشرة 26 يناير 2011 إشارة إلى نشرة  25 يناير يوم بداية الأحداث هكذا:

“كان عنوان نشرة أمس شديد التحدى، جديد الغرابة، …..، يستوى فى ذلك العنوان تحديدا “الجنون هو فعل الحرية لتستحيل” أو ما جاء بالعنوان الفرعى “الجنون مقصلة الحرية” ثم ما جاء أيضا بالمتن يقول: “الحرية تنتحر اختيارا”!، وقد توقعت هجوما مشروعا من تعليقات وتعقيبات تؤكد الصعوبة أو عدم الفهم.(لكن هذا لم يحدث، ربما لأن فيضان الأحداث غمرته).

استكمالا لهذا المفهوم، إنتبهت إلى الاتجاه الآخر، بمعنى النظر فى فرض يقول: إن الحزن اليقظ النابض هو الموقف الدال على التوجه إلى إرساء علاقة حرة بالآخر، برغم الصعوبة (وبسبب الصعوبة)… وهو يتضمن تنازلا عن بعض الحرية فى مقابل إمكان إفامة هذه العلاقة بشكلٍ ما.

 ولقد شعرت من هذا وذاك بما يؤكد ما أريد توصيله عن مفهوم الحرية، ليس بالمعنى السطحى الشائع “حريتى تنتهى عند بدء حرية الآخرين“، وإنما بالمعنى الذى  اقترحته سالفا لنقد هذه المقولة قائلا: “حريتى تبدأ حين تلتحم بحرية الآخرين اختلافا فجدلاً”،

وبعد

حين قامت الأحداث تبينا كيف تجلت الحرية بدءًا من ميدان التحرير فأصبحت أجمل وأعمق فى التحام الناس بعضهم ببعض وذلك حين تجمعوا فى انطلاقه هذا الوعى الجمعى هكذا، حضرنى آنذاك معنى شديد الوضوح عن ضرورة “حضور الآخر فى الوعى الفردى” إذا كان لنا أن نعيش الحرية الحقيقية كما يستأهلها البشر، رحت أمارس مع الناس اختلافا يقربنى إليهم أكثر، حتى لو ابتعدوا وأصروا أن أردد ما يرددون، ثم رحت أتنقل بين المواقف أمارس حرية التراجع والتصحيح، وأستطيع أن أعدد بعض المحطات التى مررت بها، وتوقفت عند بعضها كما يلى:

أولاً: رفض المبالغة فى التصفيق والنفخ ونحن مازلنا فى أول الطريق .

ثانياً: محاولة طرح أسئلة ووصايا على الشباب خاصة (كما ذكرت أمس) حتى بدت وكأنها نوع من التثبيط أو عدم الرؤية حتى اعترض عليها أصدقاء بغضب ولوم حادين

ثالثاً: محاولة توصيل معنى التفاؤل المسئول، و الإلزام بضرورة الوعى بوعى بقية الثمانين مليونا (الآخرين) (الآخر)

رابعاً: الدعوة إلى استيعاب مسئولية الحرية بما فى ذلك تحمل الاختلاف مهما صاحب ذلك من آلام

خامساً: ثم انتهيت من أسبوع إلى توصل ما أعنيه مما أسميته “التفاؤل المؤلم”، يبدو أنه المعادل للاكتئاب النايض والذى أشرت إليه فى المقدمة.

وهكذا:

 “تبينت أن الثمن الذى ندفعه لهذا التنازل الواعى عن سجن الذات الذى يرفع فوق بوابته لافتة الحرية هو هو الثمن الذى نقبضه ونحن نحسب أننا ندفعه، وهو هذا الحزن الحيوى الذى يربطنا بعضنا البعض، فنفرح دون أن نتخلى.

حين انطلق المارد الذى كان محبوسا فى قمقم القهر والزيف والاحتقار والتهميش، لم يصدق المارد نفسه، فى حين راح يصدقه معظم الناس طولا وعرضا، محليا وعالميا.

كانت الفرحة أكبر من وصفها، وكان الإعجاب عبر العالم أكبر من حسابات ما يمكن أن ننتظر.

مصادفة

تصادف – مجرد مصادفة – أننى كنت على الهواء خلال ثمان ساعات على ثلاث لقاءات يوم 11 فبراير، (وكنت الليلة التى قبلها الخميس 10/2/2011 فى ميدان التحرير)، كان ذلك فى قناة الحياة، كان أول لقاء مع اللواء محمد على بلال، ناقشنا فيه الجارى بعد الإحباط البشع من خطاب الرئيس مساء الخميس، وإذا بنا نفاجأ ونحن على الهواء! نفاجأ بهذا الخبر الهام “تنحِّى أو خلع الرئيس” واستمرت فقرات البث حتى كان آخر لقائى بعد الخبر بساعتين مع عينة من شباب التحرير،

 ودار حوار بينى وبينهم أقتطف منه ما يلى (وهو مسجل وموجود بالموقع(

…….

د.يحيى: أولاً متشكرين لشريف إنه إدانى الفرصة دى، ولكم، ولكل من تمثلوهم نيابة عن من هم فى سنى، وعن الـ84 مليون اللى (أنا متصور أنهم) سمحوا لى أنوب عنهم (دلوقتى) متشكرين بجد يعنى بس أنا حانكدّ عليكم يعنى حاقول شوية حاجات كده شاغلاني قوي قوي كنت بقولها لشريف من شويه:

ياتري دي نهايه ولا بداية؟ وبداية ايه؟

د.يحيى (يكمل): هو السؤال التاني، أصل أنا مع الفرحه اللي وصلتني كأني شايفها بعيني مش بس سامعها، وشايفها دلوقتى سواء فى وش رنا او مني او عبدالله او محمد، بس فيه معاها حاجه تانية، مشاعر تانيه مع الفرحه، فرحه قد كده والله غمرتني برضه، بس هي لبني لما كنا بنسجل (من شوية) شافتني مكشر قالتلي انت مكهربها ليه والدنيا كلها ظايطه؟ بصراحة أنا مع الفرحه كان في حاجه تانيه مع الفرحه، هوّا دا السؤال التانى؟

محمد: اكيد

د.يحيي: مش بدالها، معاها، طب ايه يا محمد

محمد: اكيد السؤال اللي بيخطر للناس كلها هو ماذا بعد؟

د.يحيي: لأ انت انت (شخصيا) من جوا، مع الفرحه فيه حاجة تانية؟

محمد: كان فيه عزيمه

د.يحيي: عزيمه طيب، وأنت يا عبدالله

عبد الله : كان فيه أمل

د.يحيي: ومُنَى؟

مني: انا الحاجه اللي فكرت فيها بعد اللي حصل ان ايه هي الخطوط اللي بعدين

د.يحيي: ورنا؟

رنا: لأ انا بصراحه يعني في وقت الفرحه او في اللحظه اللي فيما بعد الفرحه

د.يحيي: احنا دلوقتي ما هي الفرحه لسه موجوده

رنا: فكرت في كيفية اعادة انماء مصر من جديد

****

ثم كتبت بعد ذلك فى (مقال الوفد 25-5-2001 “لم يبق إلا أن يدخلوا امتحان السلطة”)

“…ما حدث قد حدث، وهو جيد جدا، حتى لو انتهى إلى كارثة، فعلينا أن نستمر حتى نجعل من نفس الكارثة ما هو جيد جدا. لم يعد التفاؤل اختيارا، ليس فى مقدور أى واحد يحب هذا البلد، أو مدين له بأى دين مهما صغر، إلا أن يتفاءل، ذلك النوع من التفاؤل الذى يلزم صاحبه أن يساهم فى تحقيقه، بدءًا من الآن، الذى لا يتألم مع مثل هذا التفاؤل لا يعرف مسئولية التفاؤل”.

…….

وأضفت

ولو استطعنا – من موقف التفاؤل المؤلم أيضا – أن نحترم الانطباعات الأوليه التى تصل إلى كل ذى منطق سليم، حتى مع افتراض، أى تآمر مسبق أو تحريف مقصود، فعلينا أن نمضى نحن فى طريقنا ما دمنا نتغنى بكل هذه الديمقراطيه التى يبدو أنها –رغم تحفظاتى الشخصية- هى المعين الآن،

(نفس المقال)

…….

وأيضا

“..على المتفائل المتألم المسئول أن يتمنى ويفترض النجاح لمن سوف يتولى الأمر، كل ما علينا هو أن نصر ومن الآن على إرساء نظام لا يضطرنا إلى خلع هذا المسئول القادم وتثبيته إلا فى ساحة القضاء، أو ساحة الانتخابات”.

…….

وكذلك

“..من يهمه أمر هذا البلد، ويريد أن يساهم طول الوقت بما يستطيع عليه أن يحترم الواقع الحالى ويبدأ منه، ويساهم فى إنجاحه سواء انتمى إلى من يلى السلطة أم لا. نحن لا نحتاج أن نضيع الوقت ونواصل المناقشات النظريه ونحن نحكم على بعضنا البعض بالكلام قبل خوض التجربة، إن من يتصدى لتولى السلطة، وينجح حتى فى الضحك علينا، فليتفضل، وليدفع الجميع ثمن الضحك عليه”.

(نفس المقال)

…….

وأخيرا

“..لكى يتواصل نمو شعب صبر كل هذا الصبر، ودفع كل هذا الثمن، علينا أن نتعلم من الفشل مثلما نتعلم من النجاح كل ذلك يتطلب منا أن نجتهد غاية ما فى وسعنا أن نحدد مقاييس النجاح والفشل، ليست فقط بعدد الملايين فى ميدان التحرير بل بعائد مظاهرات ميدان التحرير”.

وبعد (مرة أخرى)

ما علاقة ما حدث خلال خمسة شهور الآن بهذا الذى أعود إليه الآن، والذى تصادف أنه طب نفسى؟ وبالذات فى هذا الفصل فى هذا السياق: عن “الحرية”

اسمحوا لى، ولو من باب التسخين أوجز رؤوس المواضيع (مع أن أغلبها ورد فى النشرات السابقة عن هذا الموضوع)، التى سوف أعود –غالبا- لنتناولها ونحن نمارس دائما وهو الشعار الجديد “الاقتصاد أولا والإبداع دائما”:

أولا: الديمقراطية ليست مرادفة للحرية

ثانيا: الحرية هى الحركة فى اتجاه الحرية ما أمكن ذلك

ثالثا: الحرية هى حركة داخلية وخارجية معا

رابعا: الحرية هى برنامج بيولوجى ينظم حركة ثمانية، فى اتجاه مزيد من المساحة المتاحة للتخليق الممكن.

خامسا: لا توجد حرية إلا فى وجود شريك منفصل متصل مشارك

سادسا: الحرية ليست فى أن أدعى أنى أدعك حرًّا بأن أوقف حركتى عند حدودك، ولا أن تفعل أنت ذلك مثلى، لكنها تبدأ حين أخترق حدودك لنا نحن الاثنين، فللناس، تحت مظلة عدل حقيقى (فرص متكافئة)

سابعا: الحرية تزدهر حين يتحقق ثانيا لعدد أكبر فأكبر من الناس.

ثامنا: الحرية فرحة محاطة بحزن رائع يعلن حضور الآخر (الآخرين)، وضرورتهم.

تاسعا: حركة الحرية فى الخارج لا تكتمل إلا مع ما يقابلها من حركة جدلية بين مستويات الوعى بالداخل، (بين عقولنا جميعها داخلنا).

عاشرا: الديمقراطية قادرة على تنظيم جماعة من الناس على مستوى الواجبات الظاهرة والمتاح من العدل وهى تختبر المستوى الظاهر من القول الذى هو تحت رحمة العقول الآخرى، وأيضا يمارس حقه على حسابها فى نفس الوقت، ولكنها إشكالة وجود كل فرد على حدة.

حادى عشر: الحرية المطلقة هى وجود وهمى ليس فيه عقول أخرى، ولا آخرين

ثانى عشر: الحرية الكاملة هى آلوهية مستحيلة، وغبية

ثالث عشر: العدل بين الناس هو إتاحة فرص متكافئة لا تقاس بمقاييس ملتبسة.

رابع عشر: التنازل عن الحرية بشروط عادلة هو من أهم تجليات ممارسات الحرية

خامس عشر: الثبات على المبدأ (أى مبدأ) هو ضد الحرية

سادس عشر: الثبات على التوجه بالحركة المغامرة فى كل اتجاه هو الضمان لاستمرار مسيرة الحرية.

سابع عشر: يا ليتنى نستطيع تجنب استعمال لفظ الحرية أصلا

ثامن عشر: الديمقراطية أصلاً

تاسع عشر: اختيار الجنون هو أعظم مظاهر الحرية، وهو ألعنها لأن ثمنه هو الحرمان المطلق من الحرية.

عشرون: الإبداع الحقيقى هو حرية متجددة.

آخر “وبعد”

يا ليتنى أُوفىِ ببعض ذلك حين نواصل تحرير الكتاب “الأساس فى الطب النفسى”.

ربنا يسهل.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *