الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الجزء الثانى من كراسات التدريب (1) صفحة (12) و (13)

الجزء الثانى من كراسات التدريب (1) صفحة (12) و (13)

نشرة “الإنسان والتطور”

11-2-2010

السنة الثالثة

العدد: 895

 

الحلقة العاشرة

الخميس 1/4/1995 ‏

الأنفلونزا‏ ‏تلزمنى ‏الفراش، توفيق‏ ‏صالح‏ ‏يكلمنى ‏بتكليف‏ ‏من‏ ‏الأستاذ‏ ‏لأشارك‏ ‏فى ‏جلسة‏ ‏الحرافيش (المغلقة) يوم الخميس‏، ‏ما‏ ‏زلت‏ ‏أفضل‏ ‏أن‏ ‏أحتفظ‏ ‏بهذه‏ ‏الصورة‏ ‏التى ‏قرأت‏ ‏عنها‏ ‏فى ‏الصحف‏ ‏وفى ‏المجلات‏، ‏أحتفظ‏ ‏بها‏ ‏كما‏ ‏صورها‏ ‏خيالى، أجدها أفضل مما تبقى منها فى هذا الواقع الجديد. ‏مازلت‏ ‏أعتبر‏ ‏نفسى ‏دخيلا‏ ‏عليهم‏، ‏ناس‏ ‏يجلسون‏ ‏مع‏ ‏بعضهم‏ ‏منذ‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏أربعين‏ ‏سنة‏، ‏مالى ‏أنا‏، ‏لكن‏ ‏كلا‏ ‏من‏ ‏توفيق‏ ‏صالح‏ ‏ونقلا‏ ‏عن‏ ‏الأستاذ‏ – ‏يصر‏ ‏على ‏أن‏ ‏أنتسب‏ ‏إليهم‏، ‏فأقبل‏ ‏بشرط‏ ‏التجربة‏ ‏من‏ ‏ناحية‏، ‏ومن‏ ‏ناحية‏ ‏أخرى ‏دون‏ ‏التزام‏، ‏فأنا‏ ‏أعرف‏ ‏نفسي، ‏ولست‏ ‏ناقصا‏، لكن هذه الإنفلونزا اليوم أعفتنى من تكرار مشاعرى الحذرة، اطمأننت أن توفيق هناك، وهو يعرف مداخله ، ومواضيعه بسهولة ويسر وائتناس تعودا عليه دهرا طويلا، بالرغم من كل شىء.

الجمعة‏ 5/1/1995‏

عندى ‏مهمة‏ ‏فى ‏لجنة‏ ‏تابعة‏ ‏للمجلس‏ ‏الأعلى ‏للجامعات‏ ‏بشأن‏ ‏زمالة‏ ‏طب‏ ‏الأسرة‏، ‏محمد‏ ‏ابنى ‏حل‏ ‏محلى ‏مرة أخرى فى ‏صحبة‏ ‏الأستاذ‏، ‏قرأت‏ ‏جدول‏ ‏أعمال‏ ‏هذه‏ ‏اللجنة‏ ‏خطأ‏ ‏فتصورت‏ ‏أنه‏ ‏من‏ ‏الممكن‏ ‏أن‏ ‏ألحق‏ ‏بهم‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏المكان‏، ‏فى ‏الفندق‏ ‏فى ‏أول‏ ‏طريق‏ ‏اسكندرية‏ ‏الصحراوي، ‏وقد‏ ‏كان‏.. ‏

لم‏ ‏أفرح‏، ‏على ‏كثرة‏ ‏ما‏ ‏فرحت‏ ‏بلقاءاته‏ ‏مثلما‏ ‏فرحت‏ ‏باستقباله‏ ‏وهو‏ ‏يرد‏د ‏أنه‏ “‏هكذا‏ ‏اطمأن‏ ‏علىّ، ‏وعلى ‏إنفلونزتي”، ‏وجدت‏ ‏مذيعة‏ ‏دانيماركية‏ ‏تجلس‏ ‏بجواره‏، ‏وتلتقط‏ ‏الصور‏ ‏معه‏، ‏وقد‏ ‏أبلغونى ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏أنه‏ ‏اعتذر‏ ‏عن‏ ‏التسجيل‏ ‏معها‏ ‏بسبب‏ ‏صوته‏، ‏تأكدت‏ ‏من‏ ‏حساسيته‏ ‏تجاه‏ ‏هذه‏ ‏الإعاقة‏ ‏الموجودة‏، هو حين يعتذر، يعتذر بحق، برغم أننى أكره الاعتذار عموما، لكن اعتذاره شىء آخر،  وقد قام ‏ ‏بالتوقيع‏ للمذيعة الضيفة على ‏ما طلبت ‏ ‏بخط‏ ‏لا‏ ‏يقرأ‏ – ‏هو حين‏ ‏يقدم‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏الاعتذارات‏ ‏البسيطة‏ ‏ينسى‏ ‏أنه‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ، ‏ ‏أتذكر‏ مقارنا ‏كل‏ ‏من‏ ‏ينفخ‏ ‏فى ‏صورته‏ ‏وذاته‏ ‏وكرشه‏ ‏وإسمه‏ ‏وهو‏ ‏يتفضل‏ ‏على ‏من‏ ‏حوله‏ ‏برد‏ ‏التحية‏، ‏مجرد‏ ‏رد‏ ‏التحية‏، ‏وأتألم‏ ‏لهم‏ ‏مشفقا‏ ‏وأدعو‏ ‏له‏ ‏بطول‏ ‏العمر‏، ‏وأحمد‏ ‏الله‏.‏

أخبرنى ‏الأستاذ‏ ‏كيف‏ أنه ‏استمتع‏ ‏بحديث‏ ‏إبنى ‏عن‏ ‏رسالته‏ ‏عن‏ “‏الفائض‏ ‏اللغوي”، ‏كنت‏ ‏قد‏ ‏ذكرت‏ ‏له‏ ‏فى ‏حديث‏ ‏سابق‏ ‏موضوع‏ ‏رسالة‏ ‏إبنى ‏يوم‏ ‏أن‏ ‏اعتذرت‏ ‏له‏ ‏لأننى ‏ذاهب‏ ‏لحضور‏ ‏مناقشته‏، ‏وإذا‏ ‏به‏ ‏يلتقط‏ ‏الموضوع‏ ‏فورا‏ ‏ويلخصه‏ ‏كالآتى: “‏يعنى ‏مثلا‏ ‏بدل‏ ‏ما‏ ‏نقول‏ ‏ما‏ ‏قلنا‏ه  ‏منذ‏ ‏قليل‏ ‏فى ‏عشرين‏ ‏جملة‏ ‏نقوله‏ ‏هو‏ ‏هو‏ ‏فى ‏خمسين‏، ‏فيكون‏ ‏الفائض‏ ‏هو‏ ‏ثلاثين، ويبدو أن هذا ليس عيبا خالصا”‏، ‏قلت‏ ‏له‏ “‏الله‏ ‏نور‏، ‏فلماذا‏ ‏البحث‏ ‏وتعب‏ ‏القلب؟‏ وهل هذه الجملة تحتاج إلى بحث دكتوراه لنثبتها”،  ‏وتطرق‏ ‏الحديث‏ – ‏مرة‏ ‏أخرى – ‏إلى ‏تكرار‏ ‏توقيع‏ ‏سلماوى ‏على ‏الحديث‏ ‏معه‏ ‏فى ‏وجهة‏ ‏نظر‏، ‏وطلبت‏ ‏منه‏ ‏أن‏ ‏يشترط‏ ‏قراءة‏ ‏الحديث‏ ‏قبل‏ ‏نشره‏، ‏لأننى أشعر أحيانا أن ثم اقتطاعا قد حدث، مما ‏قد‏ ‏يوصل‏ ‏للناس‏ ‏فكرة‏ ‏مبتورة‏، ‏ورفض الاستاذ مرة أخرى‏، ‏وقال‏ “إن‏ ‏الحديث‏ ينشر‏ ‏بأمانة‏، ‏وأنه‏ ‏لا‏ ‏يريد‏ ‏أن‏ ‏يعقد‏ ‏الأمور”‏، ‏وسكت‏ُّّ ‏على ‏مضض‏.‏

حولت‏ ‏الموضوع‏ ‏مذكرا‏ ‏إياه‏ ‏بموافقته‏ ‏على ‏أن‏ ‏أواصل‏ ‏الدراسة‏ ‏التى ‏بدأتها‏ ‏عن “أصداء‏ ‏السيرة‏ ‏الذاتية”‏ ‏كما‏ ‏هى ‏رغم‏ ‏خطأ‏ ‏الترتيب‏، ‏وأعاد‏ ‏موافقته‏، قلت‏ ‏له‏ ‏إننى ‏لاحظت‏ ‏أن‏ ‏عبد‏ ‏ربه‏ ‏التائه‏ ‏قد‏ ‏ظهر‏ ‏لأول‏ ‏مرة‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏تحدث‏ ‏وأفتى ‏فى ‏حلقة‏ ‏سابقة‏‏، ‏فابتسم‏ ‏قائلا‏ ‏أن‏ ‏ ‏اختلاف‏ ‏الترتيب‏ ‏هذا قد ‏حدث‏ ‏خطأ‏ فى ترتيب النشر فى الأهرام ليس إلا، ‏ثم‏ ‏أضاف‏ ‏أن‏ “بتوع‏ ‏الحداثة” ‏اعتبرو‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏مقصود‏ ‏منه‏، ‏وأنه‏ ‏هكذا‏ ‏أصبح‏ ‏يمثل‏ ‏منتهى ‏الحداثة‏، ‏وخبط‏ ‏بقدمه‏ ‏الأرض‏ ‏ومال‏ ‏إلى ‏الخلف‏ ‏ضاحكا‏ ‏ضحكته‏ ‏الرائعة‏، ‏وفرحت‏ ‏به‏ ‏وأنا‏ ‏أردد‏ ‏تعبيره‏ ‏الطيب‏ (‏بتوع‏ ‏الحداثة‏).‏

ذكرته‏ ‏بهذا‏ ‏العمل‏ ‏المهم‏ ‏الذى ‏يقوم‏ ‏به‏ ‏أحد‏ ‏النقاد‏ ‏فى ‏الخارج‏ ‏إذ‏ ‏يجمع‏ ‏ألفاظ‏ ‏أعماله‏ ‏كلها‏ ‏فى ‏قاموس‏ ‏ألفاظ‏ ‏يسهل‏ ‏للباحث‏ ‏أن‏ ‏يلم‏ ‏بمواقعها‏ ‏عبر‏ ‏أعماله‏ ‏طوليا‏، ‏وقلت‏ ‏له‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏لا‏ ‏يفيد‏ ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏مجرد‏ ‏مفتاح‏ ‏للمقتطف‏، ‏وليس‏ ‏دليلا‏ ‏على ‏موقف‏ ‏بذاته‏ ‏من‏ تكرار ‏لفظ‏ ‏بذاته‏ عددا من المرات هنا أو هناك، ‏فهز‏ ‏رأسه‏ ‏متحفظا‏ ‏وتساءل‏ ‏أليس‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏جهد‏ ‏ضائع؟ ‏وأكدت‏ ‏له‏ ‏أنه‏ ‏مجرد‏ ‏مؤشر‏ ‏وليس‏ ‏فى ‏ذاته‏ ‏عمل‏ ‏خلاق‏، ‏لكن‏ ‏المسألة‏ ‏تتوقف‏ ‏على ‏الخطوة‏ ‏التالية‏ وطريقة الاستفادة منه.

‏(‏عقب‏ ‏محمد إبنى ‏فيما‏ ‏بعد‏ ‏على ‏ضحكته‏ ‏وخبطة‏ ‏الأرض‏ ‏بقدميه‏ ‏ومدى خفة ظله وهو يفعل ذلك ‏وحكى ‏لى ‏تعقيبه‏ ‏على ‏من‏ ‏قال‏ ‏له‏ ‏إن‏ ‏أى ‏واحد‏ ‏فى ‏أمريكا‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يفتح‏ ‏مكتبا‏ ‏للعلاج‏ ‏النفسى ‏أو‏ ‏للمناقشات‏ ‏التوجيهية‏ ‏أو‏ ‏للإرشاد‏ ‏الفلسفى، ‏أو‏ ‏سمِّ‏ ‏أى من ‏ ‏ذلك‏ ‏ما‏ ‏تشاء‏ ‏من‏ ‏أنواع‏ ‏التسمية‏ ‏التى ‏يحددها‏ ‏القانون‏، ‏حتى ‏لو‏ ‏كان‏ ‏صاحب‏ ‏المكتب‏ ‏هو‏ ‏صاحب‏ ‏فلسفة‏ ‏أو‏ ‏عقيدة‏ ‏أو‏ ‏مذهبا‏ ‏خاصا‏، ‏وليس‏ ‏طبيبا‏ ‏نفسيا‏ ‏أو‏ ‏معالجا‏ ‏نفسيا‏، ‏فعقب‏ ‏الاستاذ‏ ‏قائلا‏: “… ‏يعنى ‏مثلا‏ ‏ممكن‏ ‏أن‏ ‏أذهب‏ ‏إلى ‏أحد‏ ‏هؤلاء‏ ‏الفلاسفة‏، ‏وأدفع‏ ‏له‏ ‏أربعين‏ ‏دولارا‏، ‏وأقول‏ ‏له‏ ‏إثبت‏ ‏لى ‏وجود‏ ‏الله‏!!‏؟؟‏.‏)

الأحد‏ 8/1/1995‏

بعد‏ ‏غيبة‏ ‏اضطرارية‏ ‏لمدة‏ 48‏ساعة‏ ‏ذهبت‏ ‏مساءا‏ ‏إليه‏، ‏ووجدته‏ ‏يمشى ‏فى ‏الصالة‏، ‏وحين‏ ‏رآنى ‏هتف‏ “مش‏ ‏معقول”، ‏وأخطرنى ‏كيف‏ ‏راح‏ ‏يبحث‏ ‏عن‏ ‏رقم‏ ‏تليفونى ‏ليسأل‏ ‏عن‏ ‏صحتي، ‏اعتدت‏ ‏هذا‏ ‏الاستقبال‏ ‏وأخذت‏ ‏اعتبره‏ ‏من‏ ‏طبعه‏ ‏وليس‏ ‏لأهميتى ‏الخاصة‏، ‏ومع‏ ‏ذلك‏ ‏لم‏ ‏أستطع‏ ‏بعدُ‏ ‏أن‏ ‏أكتم‏ ‏فرحتى – ‏عن‏ ‏نفسى – ‏فى ‏كل‏ ‏مرة‏ ‏يعطينى ‏فيها‏ ‏هذه‏ ‏الأهمية‏.‏

استفسرت‏ ‏منه‏ ‏عن‏ ‏رأى ‏قرأته‏ ‏له‏، ‏وهو‏ ‏الرأى ‏الذى ‏أرسله‏ ‏لندوة‏ – “نحو‏ ‏مشروع‏ ‏قومى ‏حضاري” ‏والذى ‏عقد‏ ‏بالأهرام‏ ‏يقول‏ ‏فيه‏ ‏إن‏ ‏السبيل‏ ‏إلى ‏نهضتا‏ ‏هو‏ ‏الإسلام‏، ‏فقال‏ ‏لى ‏إنه‏ ‏قال‏ ‏ذلك‏ ‏رابطا‏ ‏إياه‏ ‏بأن‏ ‏يتم‏ ‏هذا‏ ‏فى ‏حوار‏ ‏مع‏ ‏معطيات‏ ‏العلم‏ ‏والآراء‏ ‏الأخرى، ‏فذكرته‏ ‏أن‏ ‏استعمال‏ ‏كلمة‏ ‏الاسلام‏ ‏تعنى ‏عند‏ ‏كل‏ ‏واحد‏ ‏معنى ‏مختلفا عن ما تعنيه عند الآخر‏، ‏وأننى ‏أجادل‏ ‏إبنى ‏وزملاءه‏ ‏منذ‏ ‏عامين‏ ‏على ‏التزامى ‏الإسلامى ‏وأننى ‏مدين‏ ‏للغتى ‏ودينى ‏بكثير من أفكارى بل وإبداعاتى فى كثير من المجالات، ثم سألته مرة أخرى عن كلمته التى أرسلها لهذه الندوة فى الأهرام فحكاها لى واضحة مؤكدة، وسألنى بدوره ‏وهل‏ ‏كنت‏ ‏مشاركا‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الندوة؟ ‏فأجبت‏ ‏بالنفى، ‏لكننى ‏أردفت‏ ‏أن‏ ‏بعض‏ ‏المشاركين‏ ‏قد‏ ‏التقيتهم‏ ‏مساء‏ ‏نفس‏ ‏اليوم‏ فى المجلس الأعلى للثقافة ‏وسألتهم‏ ‏عن‏ ‏كلمته‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏تنشر‏ ‏فقال‏ ‏لى ‏د‏. ‏ميلاد‏ ‏حنا‏ (‏وكان‏ ‏أحد‏ ‏حضور‏ ‏الندوة‏) ‏ماطا‏ ‏شفتيه‏ ‏أن‏ ‏الكلمة‏ ‏كانت‏ ‏ماسخة‏، ‏وأنك‏ ‏لم‏ ‏تقل‏ ‏فيها‏ ‏إلا‏ “أنك‏ ‏مسلم”، وكأنك تتحفظ متراجعا، وذكرتُ‏ ‏له‏ ‏شعورى ‏الرافض‏ ‏هذا‏ ‏الاختزال‏، ‏وخاصة‏ ‏بعد‏ ‏ما‏ ‏قرأت‏ ‏تفاصيل‏ ‏الكلمات‏ ‏فى ‏أهرام‏ ‏الجمعة‏ ‏التالي، ومن بينها كلمته الشاملة، وهى غير هذا الاختزال المخل‏ الذى أبلغنى إياه د. ميلاد،‏ تعجب‏ ‏الأستاذ‏، ‏وصمت‏ ‏كما‏ ‏يفعل‏ ‏حين‏ ‏يفاجأ‏ ‏بما‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏تفكير‏، ‏وقال “ماذا‏ ‏يريدون؟‏ ‏وكأن‏ ‏الأقلية‏ ‏تريد‏ – ‏لكى ‏تشعر‏ ‏بالأمان‏- ‏أن‏ ‏تكفر‏ ‏أربع‏ ‏وخمسين‏ ‏مليون‏ ‏بنى ‏آدم‏، ‏إنهم‏ ‏رغم‏ ‏ذكائهم‏ ‏أغبياء‏، ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏يتصورونه‏ ‏سبيلا‏ ‏لأمانهم‏، ‏إن‏ ‏الأمان‏ ‏لا‏ ‏يأتى ‏إلا‏ ‏حين‏ ‏يمارس‏ ‏الناس‏ ‏ما‏ “هم”، ‏وأغلب‏ ‏الناس‏ ‏فى مصر مسلمون‏، ‏فليمارسوا‏ ‏إسلامهم‏، ‏وحين‏ ‏يمارسونه‏ ‏بطريقة‏ ‏صحيحة‏، ‏فإن‏ ‏الأمان‏ ‏سيعم‏ ‏كلا‏ ‏من‏ ‏الأغلبية‏ ‏والأقلية‏، ‏ولا‏ ‏يوجد‏ ‏سبيل‏ ‏آخر”.‏

قلت‏ ‏له‏، ‏إن‏ ‏المشكلة‏ ‏تتمثل‏ ‏فى ‏حكاية‏ ‏التطبيق‏ ‏السليم‏ ‏هذه‏، ‏من‏ ‏الذى ‏سيطبق‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏الخير؟ ‏ومن‏ ‏له‏ ‏حق‏ ‏وضع‏ ‏مساحة‏ ‏الحركة‏ ‏أو تحديد طول حبل‏ ‏القيود‏، ‏قال‏: ‏هذه‏ ‏هى ‏مشكلة‏ ‏كل‏ ‏القوانين‏ ‏والنظريات‏: ‏التطبيق‏ ‏وليس‏ ‏القانون‏ ‏نفسه‏.‏

وسكتُّ – أيضا – ‏‏على ‏مضض‏.‏

أخبرته‏ ‏أننا‏ ‏غيـّرنا‏ ‏ميعاد‏ ‏الثلاثاء‏ ‏إلى ‏الأربعاء‏ ‏بمناسبة‏ ‏إعلان‏ ‏الحكم‏ ‏ومخاوف‏ ‏بعض‏ ‏الأصدقاء‏، ‏قال‏ ‏ليكن‏ ‏ما‏ ‏ترى، ‏ثم‏ ‏صمت‏ ‏قليلا‏ ‏وأردف‏: ‏أليس‏ ‏بعيدا‏ ‏يوم‏ ‏الأربعاء؟‏

 ‏أدركت‏ ‏لتوى ‏حاجته‏ ‏إلى ‏الهواء‏ ‏والناس‏، ‏وقلت فور‏اً ‏لنخرج‏ ‏غدا‏، حتى لو كنا ‏لا‏ ‏نعرف‏ ‏إلى ‏أين‏.‏

فتهلل‏، ‏وطلب‏ ‏أن‏ ‏أكلم‏ ‏زكى ‏سالم‏ ‏وتوفيق‏ ‏صالح‏ ‏ومن‏ ‏أستطيع‏.‏

*****

الجزء الثانى

من كراسات التدريب (1)

صفحة (12)

نجيب‏ ‏محفوظ

ـــــــ

الله يهدى من يشاء

مصر عليك تحية وسلام

(أو : محمد عليه تحية وسلام)

(لم أتمكن من اختيار أيهما أصح)

صنت نفسى عما يدنس نفسى

 نجيب‏ ‏محفوظ

‏  6/2/1995

 

 

 

 القراءة:

لست متأكدا إذا كان يعنى نفس المعنى، حين يكرر نفس الجملة، أو العبارة، أو المقطع فى أيام تدريب متتالية.

 ناقشت فيما سبق ما وصلنى من كل من “صنت نفسى عما يدنس نفسى” (الحلقة “الخامسة” بتاريخ  7-1-2010) وأيضا، “الله يهدى من يشاء” (الحلقة “الثامنة” بتاريخ 28-1-2010)، أنا – شخصيا- أرجح أنه مهما كرر، فهو يعنى معنى ومعان متنوعة كل مرة، لكننى أشعر أننى أعجز عن إثبات ذلك، ما لم أناقشه فى ذلك، وأنا لم افعل.

كذلك لن أعود للإشارة كم مرة أخرى إلى أنه كتب اسمه فى البداية أم لا، وهل ذكر اسم كريمتيه أم لا مما سبق أن ناقشته بما فيه الكفاية وأيضا هذه الأشكال التى ابتدعها ليدرب يده على الأتساق.

الجملة الجديدة هنا هى “مصر، عليك تحية وسلام”، أو “محمد عليه تحية وسلام”

لست متأكدا، ويمكن للقارئ أن يفك شفرة خط يده بنفسه، وهو يتذكر أنه كثيرا ما تسقط منه آخر مقطع فى الكلمة.

هذا التعبير “عليك تحية وسلام، يقال فى حب الوطن”

وطنى عليك تحية وسلام

ما أشرقت شمس وجن ظلام

لك فى الفؤاد محبة قدسية

فى وصفها قد حارت الأقلام

كما أن هذه التركيبة، قد وردت أيضا بكثرة  فى حب ومديح رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثلا فى موشح أقبل عليك تحية وسلام:

أقبل عليك تحية وسلام

يا ساهراً والغافلون نيام

بالله جـُدُ بتوجهٍ وتعطف

يا سيداً للمرسلين إمام

هذه مجرد إشارة أستطيع أن أدخل منها إلى علاقة شيخى بكل من مصر، ومحمد صلى الله عليه وسلم

إذا كان لى أن أستعمل كلمة “الحب” استعمالا راقيا رائقا، فمن حقى أن اصف كلا العلاقتين بأنهما كانتا علاقة حب، حب حقيقى مثل الذى يتكلم عنه الغارقون فى أمواج الحب بكل مستوياته ودرجاته، حب الأم، حب الأخ، حب الإبن، حب الحبيب،… الخ، من أهم تجليات الحب الذى عايشته مع شيخى حيا، متوهجا، دائما، متجددا، هو أنه كان يحب مصر، ويحب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، ويحب الله، (فضلا عن حبه لسعد زغلول والنحاس والناس) وصلتنى معنى الشفاعة التى ينتظرها من حبيبه محمد عليه السلام، وهى أن يسهل له حب الله، سبق أن ذكرت فى هذه التداعيات تعليقه على قول فرانسوا ميتران عن احتمال ملل الخلود فى الآخرة، وكيف لام الأستاذ ميتران أنه يفتقر إلى الخيال وذكر الأستاذ تدعيما لرأيه أن الحبيب لا يمكن أن تشعر بجواره مهما طالت صحبته بالملل، وكان يعنى جوار الله حبا،

 ما وصلنى أيضا هو أن علاقته بمصر هى علاقة حب خالص: مصر الأرض، ومصر الناس، ومصر التاريخ، ومصر القاهرة، عرفت أنها علاقة من نفس نوع علاقته بمحمد رسول الله عليه الصلاة السلام، محمد رجلا، وقائدا، وإنسانا، وزوجا، وأبا، ومبدعا، وصانع حضارة ممتدة، وكلا العلاقتين كانتا تحت مظلة حبه لله.

 ذات ليلة، كنت أجلس معه وحدنا فى فلفلة المنيل بجوار كوبرى الجامعة، وكان برد الشتاء لم يزحف بعد، واستأذننا مدير المكان أن الجزء المغطى من الحديقة الذى اعتدنا أن نجلس فيه مع دخول الشتاء، مشغول هذه الليلة بحفل عرس، وأن الجو بديع طازج، يسمح بأن نجلس هذه الليلة استثناء فى الحديقة، أحكم شيخى ياقة معطفه حول رقبته، ووافق بكرم طيب، وجلسنا فى الحديقة بالقرب من المكان المغطى الذى سوف يقام فيه الفرح، ولم أخشَ عليه من الصخب والأغانى والضوضاء لأسباب لا تخفى، إلا أنه حين بدأت الزفة ووصلتنا بعض أصواتها سألنى هل بدأ الزفاف، وأجبته بالإيجاب، فدعا للعروسين وكأنه والدهما أو جدهما أو أقرب، وأشرق وجهه وهو يرجو لهما السعادة.

ثم وصلتنا  أقرب فأقرب بعض أصوات الزفة والدفوف والترديد والزغاريد، فأصاخ السمع وكأنه يدهش لما يصله برغم عدم تمييزه التفاصيل، سألنى عما إذا كانوا يغنون “إتمخطرى يا حلوة يا زينة مثل زمان:، أم ماذا؟ قلت له: إنهم يزفون العروسين بأسماء الله الحسنى، قال لى مندهشا بفرحة ” لا يا شيخ؟!!”، قلت له إن هذا تقليد جديد، يتماشى مع مد السلوك الإسلامى، “بما له” و”ما عليه”، هذه الأيام، تغير وجهه قليلا وقال: خلنا الآن “فيما له”، ثم أخذ يصف لى كيف كان ينجذب من أعماقه مع كل اسم من أسماء الله حين يسمع الشيخ النقشبندى وهو ينشدها، قال ذلك وهو يشير  بيده من قلبه إلى السماء، وصمتَ، فصمتُّ. هذا ما تعلمته من عشرتى له حتى اعتدته:

 حين تحضره ذكرى، يريد أن يستبقيها مدة أطول بصمته، تكون المشاركة هى صمت مقابل، مفعم بالسماح من الجانبين.

حبه لله، ولرسوله، ولمصر، يصل لمن يريد، دون ذكر المحبوب تحديدا، لو أراد أحد أن يعرف كيف يحب هذا الرجل الله ورسوله وطين أرضه وناس بلده ، فما عليه إلا أن يعاشره، فيصله ما تيسر من فيض هذا الحب، دون أن يتبادل حرفا واحدا  عنه، وهذا يكاد يكون عكس ما يرد فى الأحاديث الصحفية السخيفة التى يضطرونه بإلحاح، أن يجيب على تساؤلاتها المسطحة، فيجيب بكل طيبة وهدوء بما تستطيع الألفاظ أن تحمله، وما أقله بالنسبة لما يصل إلى من يعايشه فى هذه المناطق: حبا خالصا رائقا، عميقا، هادئا، صاخبا بلا كلمة واحدة،

ياه !!!!.

*****

من كراسات التدريب (1)

صفحة (13)

‏نجيب‏ ‏محفوظ

الشك يح

 

يى الغرام

الصبر جميل

نصيبك فى الحياة لازم يصيبك

 

نجيب‏ ‏محفوظ

‏  7/2/1995

 

 

القراءة

أما عن الصبر، وتكرار ذكره، فقد ناقشناه فى نشرات سابقة فى سياقات مختلفة : فى الحلقة الرابعة أثبتنا ما كتب فى 31 ديسمبر 2009 نفس التعبير “الصبر جميل” جاء باكرا بعد خروجه من المستشفى بأسابيع، كما أنه جاء هناك بعد دعائه لكريمتيه، بأن يحفظهم الله ويباركهم، وتمنيه أن الشباب يعود يوما، ثم ذكر أن الصبر جميل، ليتبعه مباشرة “إن الله مع الصابرين” ، كل هذا أشعرنى وأنا أقرأ الصبر هناك أنه كان بمثابة إعلان مضىء لقدرته على استيعاب الحادث ومعقباته،

أما فى حلقة 25 /1/ 95 فقد كتب “الله مع الصابرين” ، فقط  بعد اسمىْ كريمتيه، ثم ألحقها بأنه “سبحان الملك الوهاب” لينهى التدريب بـ: “سلمى يا سلامة، وخفيف الروح بيتعاجب” وقد وصلتنى بهجته تلك المرة بما جعلنى أشعر أن الربط بين “أن الله مع الصابرين”، حتى وصل إلى “خفيف الروح بيتعاجب” هو إعلان بهجة هى الدليل على أنه قد اختار الصبر بمحض إرادته.

أما هنا فقد الحق بمقولة “الصبر جميل” أنه  “نصيبك فى الحياة لازم يصيبك”، وكأنه يتقبل جرعات الواقع بشكل أكثر ألما وتحديدا واحتراما معا.

نرجع إلى ما بدأ به تدريبه هذا اليوم – بعد كتابه اسمه – “الشك يحيى الغرام:

حين قرأت هذه العبارة “الشك يحيى الغرام: خطر لى لأول وهلة أن أستدعى حديثى معا عن “عطيل”، أو أن أسترجع بعض ما دار فى إبداعاته عن علاقة الغيرة بالحب بما لفت نظرى وتناولته فى أكثر من موقع نقد، وخاصة فيما لم أنشره بعد من بقية نقدى لملحمة الحرافيش، أو اللص والكلاب، أو “الطريق” مما أدعو الله أن اتمكن من الرجوع إليه وتكملته ونشره.

 فجأة عدلت عن ذلك حين خطر لى أن الأستاذ وهو أثناء التدريب، لا تخطر على باله  مثل هذه القضايا بحيث تتيح لمثل هذه العبارة أن تطفو على قمة جبل مستوى الوعى الذى تحرك فى هذه المنطقة. ثم فجأة أيضا حضرنى صوت أم كلثوم من بعيد، لماذا؟ لست أدرى، خيل إلى أن لها أغنية فيها هذه الكلمات، تذكرت “أراك عصى الدمع”، واستبعدتها، ثم تذكرت”يا أمرّ الفراق”، ونحّيتها جانبا، ولم تسعفنى الذاكرة أكثر من ذلك. رحت أستشير سيدنا جوجل فإذا به يعيدنى إلى ما لم يخطر لى على بال، وإذا  بأم كلثوم لها أغنية قديمة جميلة بهذا الاسم  “الشك يحيى الغرام”، غنتها لأول مرة عام 1928 ألفها أحمد رامى، ولحنها محمد القصبجى، من أين تأتى هذه الأغانى إلى وعى هذا الشاب الجميل فى هذه الظروف الخاصة جدا؟ وكيف يستطيع أن يسمح لهذه الأنغام أن تغمره حتى تظهر قمتها على السطح هكذا برغم ظروف الإعاقة، والسن، وبرغم ظروف البلد القاسية التى يعايشها معنا يوما بيوم؟

اقتطفت من هذه الأغنية ما أختم به قراءتى اليوم، وأعتقد أنه أقرب إلى صبره الجديد الجميل أيضا، وإلى بهجته العميقة فى نفس الوقت، تلك البهجة التى تجمل له ولنا وبه هذه الحياة برغم كل شىء.

الشك يحيى الغرام

ويزيده نار ولهيب

الهجر فيه والخصام

يحلى فى عين الحبيب

…….

…….

…….

هو القمر عنده خبر

عن طول سهدى

هو البلبل لما يرتل

يعرف وجدى!!

……

وإلى الحلقة القادمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *