الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الثلاثاء الحرّ: قصة جديدة: بعيداً عن ميدان التحرير!

الثلاثاء الحرّ: قصة جديدة: بعيداً عن ميدان التحرير!

نشرة “الإنسان والتطور”

الثلاثاء: 23-12-2014   

السنة الثامنة

العدد: 2671  

 الثلاثاء الحرّ: 

بعيداً عن ميدان التحرير! (1)

خرجتْ من الزراعة وهى تحمل حزمة الملوخية التى جمعتها من بين شجيرات القطن وكانت قد عقصت جبينها بمنديل آخر، نصف مبلول، لم يبتل من عرقها لكنه نصف مبلول، هو غير المنديل الذى يغطى شعرها، ولم تلاحظ أن الهواء يأتى من عكس الاتجاه، فطارت طرحتها حتى تعلقت فى فرع شجرة، همّت أن تذهب لتحضرها ولكنها عدلت، ومالت إلى أقرب توته وجلست على الأرض وسندت ظهرها على جذعها الضخم وجلست وهى لا تلهث، ثم تنهدت قائلة:

– الله يسامحهم

رد عليها الشاب القادم من الناحية الأخرى

– مين يا خالة؟ يسامح مين؟

قالت: اللى عليهم القصد والنية

قال الشاب: وهو يتفرّس فى ملامحها حتى تبين أنها مَنْ كان يظنّ، وحين اطمأن أنها هى قال: يا خاله، يا خاله يسامح مين بس؟

قالت: يسامح الكل كليلة

قال: وانتى ايش حشرك يا خاله سديقه، بتدعى عليهم ليه؟

قالت: يعنى انت ما انتاش شايف؟

قال: ما هو ما تدعيش عليهم يامّه، حرام عليكى

قالت:

-هو لما ربنا يسامحهم يبقى أنا بادعى عليهم ولا بدعيلهم؟

قال الشاب: طيب وحياة النبى تقولى لى همّا عملولك إيه؟

قالت:

كل واحد عارف هوّا عمل إيه، وبيعمل إيه، وربنا أعلم بالكل، روح شوف شغلك يا ابنى.

قال الشاب: أنا خلصت شغل.

قالت: هوّا الشغل بيخلص، انتو جرالكم إيه؟

قال: آه صحيح!! بس العمر بيخلص

قالت: يا ابنى أنت صغير، خلّى الكلام ده للى زيى

قال: زيك مين يا خاله سديقه، وأنتى اصْبَى منى

نهق حمار قريب حتى قطع الحوار، وكانت أتان تمر متبخترة، فنظرت المرأة إلى المنظر وغضت بصرها، وطال تنكيس رأسها حتى قال لها الشاب:

–  إيه يامّه؟ فيه إيه؟ خاله سديقه: مالك؟ فيه إيه؟

–  ولا حاجة.

– بتعيطى يا خالة؟!!

قالت: هوّا العياط راخر حُرمْ

قال: ربنا موجود يا خاله! ربنا موجود!!

قالت: موجود ولا مش موجود هوّا أنا غلطت فْ حدّ

قال: استغفر الله العظيم

قالت: من كل ذنب عظيم

قال: طيب روّقى وحياة أغلى حدّ عندك

قالت: أغلى؟ هوّا عاد فيه أغلى وأرخص؟ ما هو كله بقى رخيص

قال: طب واحنا مالنا

قالت: مالنا إزاى؟ ما هو كله منكم

قال: مِنْ مين يا مّه؟

قالت: إيش عرفنى

قال: طبْ بس أدعيلـْنا ربنا يولى مـِنْ يصلح

قالت: ما هو ولاّه ولا صلحشى

قال: باقولَّكْ مـِنْ يصلح، مش أيها حّد يعنى

قالت: وأنا باقولك إن مش باين لها صلاح

قال: يا خاله سديقة خليكى معانا

قالت: إمال انا مع مين، أنا خايفة

قال: خايفة على مين يامّه، مالـِكْ؟

قالت: خايفة عليكو كلكم، وعليك أولهم

قال: ما تخافيش علىّ يا خالهْ، أنا الناحية التانية

قالت: خايفة عليك من الناحيتين

قال: يعنى إيه؟

قالت: ايش عرفنى

التفتت المرأة فجأة بعيدا نحو ضجةٍ ما، وكان ثلاثه صبية يعدون بأقصى سرعة وهم يصرخون بكلمات غير واضحة فانتفضت المرأة فجأة وهى تلتفت ناحية الشاب وتقول قبل أن تراه.

– أنت واقف زى اللوح كده ليه ما تجرى تشوف فيه إيه؟

لكنه كان قد اختفى فأخذت تتلفت فى كل اتجاه، وكان الأطفال الثلاثة قد اختفوا أيضا فوضعت أشياءها فى “المشنة”، وجذبت طرحتها من فوق الشجرة، ووضعت المشنة على رأسها وسارت بنشاط غير متوقع وهى لا تسندها، واتجهت نحو مساكن القرية، وفى الطريق قابلت زحاما وتدافعًا من بعيد فظنت أنه طابور الخبز، لكنها حين اقتربت اكتشفت أنهم مشيعين يتزاحمون وراء نعش يحمله بصعوبة رجال أشداء، فرجحت أنهم ينتظرون دورهم.

قرأت الفاتحة وترحمت على الميت الذى لا تعرفه، ولم تلاحظ نهر الدموع الذى انساب فغيم رؤيتها أكثر فاصطدمت فى أحد المشيعون فسندها قبل أن تقع وهو يقول:

– اسم الله عليكى يا خالة

اشتدت الريح فطارت الطرحة وغطت وجهها فتعثرت مرة أخرى، فسندها مشيع آخر حتى تأخر عن مسيرة الجنازة، رفعت عينيها وخيل إليها أن عدد المشيعين قد تناقص،

قال الرجل: يا حاجّة خلى بالك من نفسك

قالت: تعيش يا ابنى اسم النبى حارسك وضامنك، هوّا مين اللى مات؟

قال: إيش عرفنى، قولى هوّا مين اللى عاش؟

أسرعت الخطى بنفس النشاط والمشنة على رأسها لا تهتز وحين اقتربت من حارتها سمعت زغاريد تكاد تهز الجدران فتذكرت أن اليوم هو حنّة البنت خديجة على الواد عبد الله فهتفت لنفسها.

بالصلا  عالنبى، ألف بركة، ثم أردفت: … ولو!!

وكأن أم خديجة سمعتها فخرجت عدوًا وأخذتها بالحضن صائحه

 – انت ِ كنتى فين طول النهار يا شيخه؟ خديجة كانت حالفه ما تتحنـَّى إلا لما تيجى

– أدينى أهه يا اختى، هيا فين، ألف ألف بركة، ربنا يهنيها يا اختى ويتمم بخير.

ورقعتا زغرودتين فى نـَفسٍ واحد.

[1] – قصة جديدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *