الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الثلاثاء الحرّ : الحاجة إلى التكريم، أم الحاجة إلى “الشوفان”

الثلاثاء الحرّ : الحاجة إلى التكريم، أم الحاجة إلى “الشوفان”

نشرة “الإنسان والتطور”

الثلاثاء1-9-2015

السنة التاسعة

العدد: 2923

الثلاثاء الحرّ :

الحاجة إلى التكريم، أم الحاجة إلى “الشوفان”

عزيزى جمال:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

حين فتحت بريدى الإلكترونى، ووجدت رسالتك الكريمة التكريمية، لم أتعجب لتذكـّرك التاريخ  فهذا أنت كل عام، تتذكر  يوم ميلاد هذه النشرة أكثر منى، وحين قرأت فضلك وتقديرك الذين كانا سندى طوال هذه السنوات،  زعمت لنفسى أننى خجلت، وطمأننى أنك ما زلت تذكر التكريم الذى أفضله ، وآمل فيه، وأنتظره من الرحمن الرحيم {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}، لكنه سبحانه علمنا أيضا أنه: {وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}، وفى نفس الوقت {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} .

عزيزى جمال:

طريقة التكريم التى سبق أن أهدانى إياها كرمك الزائد، وصدق الزملاء، وترحيب الأصدقاء، قد قامت بدورها وزيادة، لا أنكر أننى حمدت الله عليه، وفرحت بكل ما كان، وقد كان أكثر مما أستحق، وأنا لا أشك فى صدقه وطيبته، وأنا – طبعا–  لم ولا أتحفظ عليه، لكننى اليوم أشعر أننى لست فى حاجة إليه، بقدر ما أنا فى حاجة إلى شىء آخر، أبسط، وأسبق، وأبقى، وأنفع.

 أنت تعلم جيدا أن  التقريظ والمديح ليسا مطلبى فى المقام الأول برغم اعترافى بحاجتى – إنسانا–  إلى بعض ذلك، وكم اعترفت بهذه الحاجة بلا تردد، و سبق استشهادى ببيت الشعر الجميل الذى أنشده الأصمعى:

إن الكبير إذا يشافُ رأيتـَه  مـُبْرَنـْشـِقـًا، وإذا يُهان استـَزْمَرَا

لعلك تذكر يا جمال كم كتبتُ، وفى النشرة أيضا، عن “الحاجة إلى الشوفان” وووصفتها أنها حاجة أساسية للبشر كافة، ومنذ الطفولة الباكرة، وفسرت من خلالها بداية تكوين الذات البشرية للرضيع من مجرد رؤية الأم لوليدها منفصلا عنها واعترافها بذلك، الأمر الذى ترسخه وتعمقه احتفالية “السبوع” فى ثقافتنا كما أشرت إلى ذلك فى نشرة سابقة بعنوان: طقوس “السُّبُوعْ”، وجدلية الانفصال/الاتصال، بتاريخ: 22-1-2008، ومن هذا المنطلق لا يصح لمثلى أن أستثنى نفسى من “حاجتى إلى الشوفان منذ الولادة وحتى ألقاه فيرانى بالطول ثانية بثانية، وبالعرض ذرة بذرة، ويرينى هذا وذاك ما دام قد منحنى البصيرة لذلك، وهأنذا أعترف ابتداء أنك بفضلك إنما تغذى ضعف إنسان لا يريد أن يخدع نفسه بالاستغناء.

لكن يا جمال أنا أحتاج لنوع من الرؤية غير المديح والتشجيع، وهى تصلنى بفضلك وفضل هذه النافذة التى فتحتها علينا جميعا – شعن– ليصلنا منها رأى أو رؤية لكل من يصدق، ويجتهد، ويصل كريح طيبة من كل بقاع العالم العربى، ومن غيره أحيانا.

نوع الرؤية التى تدفع بى إلى المزيد، وتطمئننى أن بعض رسالتى قد وصلت لأصحابها (كما ذكرت وتذكر) هو نوع من الشهادة التى تشفع لى عند عالم الغيب والشهادة، وقد لاحظت من فرط حبك وكرمك أن الدعوة التى وصلتنى منك اليوم موجهة بنص الرسالة إلى  ” كل من عرف الأستاذ الرخاوي (…انسانا، استاذا، عالما، طبيبا، اديبا، صاحبا، أخا، ابا، زوجا، رفيقا، زميلا... )

ياه يا جمال : إلى هذا العمق وصل حسّك بى، وبمن هو مثلى أن تدعو حتى أولادى واصحابى وزوجى إلى كلمة حق أنا فى اشد الحاجة إليها، ولم لا ؟ لكن دعنى أثقل عليك قليلا حين أقول إنه قد وصلنى عبر “شعن” من بعض بناتى وأبنائى، وزملائى وزميلاتى، سواء فى بريد الجمعة أو غيره ، بضع رسائل خلال هذه السنوات الثمان، كانت الواحدة منها تكفينى للدفع بضع سنين أخرى، وأحيانا بطول المدى،

مازلت أذكر شهادات قليلة شجعتنى على الاستمرار راضيا داعيا، دعنى أقتطف من واحدة منها ما هزنى وحافظ على دفعى لأنها من إنسانة زميلة لا أعرفها شخصيا، لكنها كانت هى كل ما أحتاج إليه فى تلك اللحظة، وهذا ما اعترفت لها به شاكرا داعيا فرحا بل “مبرنشقا”، وقد ترددت فى إعادة نشرها الآن، لكننى وجدت فيها، وفى ردى عليها ما يوضح ما أريد أن أقوله حالا، أعنى بذلك تحديدا نوع الشهادة التى أحتاج إليها فتثرينى، بديلا عن التكريم، أو أكثر من التكريم الذى تفضلت بالدعوة إليه، والذى لا أشك فى صدقه وتلقائيته إن وصل بالسلامة.

مرة أخرى يا جمال الحاجة للشوقان غير الحاجة للتكريم أو للجوائز أو للموافقة، هى حاجة أساسية تبدأ مع الطفل منذ ولادته كما ذكرت، ولعل هذا هو ما جعلنى أوفى هذه الحاجة حقها وأنا أقدم للأطفال أراجيز تعرفهم  حقوقهم، هل تسمح لى أن أعيد ما قلته للأطفال عن ذلك.

هذا هو:

قلت على لسان الطفل وهو يعلن الحاجة للشوفان:

-1-

آنا باعملْ:  حاجة حلوهْ

نفسى تـتـفرّج عليها

آه: تقوللى كامْ “برافوا”

أو تقولْ: “ألله ينوّر”

أو تقوللى نُصْ نُصْ، تِقْدر اكترْ،

أو تقوللى هيه وحشهْ ، بس كمّل  وانت تكبرْ.

-2-

أنا مستنى سعادْتَكْ

أنا مستنى الْـتِـفَاتـَّكْ

المهمْ ما تِـنْسَانِيشْ

حتى لو إنك لقيت إنى مافيشْ

يمكن انت ما شفتنيش

-3-

قوللى رأيك كلـّهْ يعنى

قوللى إنك، آهْ،  سامِعـْنِى

حتى لو رأيكْ بيوجعْ

أنا حاتعلمْ  وأطلعْ

-4-

 بس يعنى خلـّى بالكْ

الحكاية مش كلام، أو  مـَشِّى حالكْ

إوعى تنفـُخـْنِى زيادهْ،

أو تقولها للجميع كده زى عادهْ.

مش حابيع نفسى عشان أرضِى جنابَكْ

إنت رأيكْ فوق دماغِى

بس أنا فاهم، مانيش عيّل باناغى

لو تجامِل أو تبالغْ أو تطـَبـْطـَبْ والسلامْ

 تبقى مِش واخد لى بالك إنى مش”أى كلام”

هذا هو التكريم الحقيقى يا جمال، الرؤية، الشهادة، النقد، التصحيح، التشجيع الهادئ والاقتراح النافع، كل هذا أسعى إليه بإلحاح وضغط ورجاء وانتظار (برغم أننى حين افتقرت إليه فى بريد الجمعة لجأت بغباء إلى بعض الضغط والإلحاح والعتاب حتى خفت أن أتسول الرأى والنظر).

شكرا ياجمال يا صاحب الفضل على كل من أتحْتَ له مثل هذه الفرصة وأفضل منها،

أنا لا أعرف كيف أشكرك إلا بالتعهد بالاستمرار ما دمت قادرا، وما دام هناك من يتلقى ويشهد وينقد ويضيف.

أشكرك يا أبا ذاكر، ولا أنسى أن اشكر ابنتى ليلى ، فهى تحضرنى بفضلها، وهى وراءك فى الظل طول الوقت، تحضرنى فيغمرنى الاعتراف بأن كل من وصله خير من “شعن” هو مدين لها معك، دعنى أؤكد لك ولها أنه مأ أن يصلنى فضل من شعن، إلا وكانت ماثلة وراءه بكل ما يصلنى من سماح، ورعاية، وحب، وحنان، وأمومة.

لكما دعواتى، بارك الله فيكما وفى ذريتكما من صلبكما، ومن فعلكما وفضلكما.

وبعد

بقيت كلمة أخيرة قبل أن أنهى نشرة اليوم بمتقطفت دال، وهى أن أذكرك وأذكر نفسى بأن  المسألة كما تعلم ليست بكثرة المشاركين فى الاستجابة لدعوتك الكريمة (فأنت تعرف علاقتى بقيمة الأغلبية الديمقراطية)، فأنا يكفينى تعليق واحد يصلنى صادقا خالصا نقيا حتى أستمر به حامدا، راضيا ، مثابرا بقية عمرى، هذا المثال الذى أعيد الإشارة إليه مع الرد عليه هو لتوضيح موقفى، وفرحتى بنوع التلقى ووصول الرسالة، وأيضا هو لتكرار الشكر والعرفان.

 أخشى يا جمال إن أنا اخترت مثالا واحدا دالا أن أبدو وكأنى نسيت أفضال الآخرين الطيبين الصادقين المعترفين المثابرين كدحا على الطريق معا مثل: أ.د. السامرائى، ود. طلعت مطر، والإبن د.إدريس الوزانى، و د. أميمة رفعت، وغيرهم كثيرين، فأرجو أن يمثل هذا الحوار الذى أختم به شكرى اليوم، ما هو بالأصالة عنه، والنيابة عن كل من تفضل باحترام جهدى، وتلقى رسالتى.

هأنذا بعد إذنك  أكتفى بخطاب الإبنة المبدعة أ.د . كريمة علاق، مع ردى عليها، وهذا فوق ما يكفينى، بارك الله فيها وفى كل من ألقى السمع وهو شهيد.

  أتتنى هذه الرسالة من أقصى المغرب العربى، فكان لذلك دلاته الخاصة عندى

قالت  هذه الفاضلة الكريمة المبدعة بعض أن وصلها قلقى من عدم وصول رسالتى إلى أصحابها، جاء فى رسالتها الأولى بتاريخ:  10/5/2012 ما يلى :

حضرة البروفيسور يحيى الرخاوي المحترم..

 كم هزني سؤال الحضور بعد فترة من الغياب..و كأني أستحضر إلى ذهني جوابا أراه مناسبا هنا من قول الشاعر” أدونيس” :

أجمل ما تكونُ أن تُخلخلَ المدى
والآخرون – بعضهم يظنّك النّداءَ
بعضهم يظنّك الصّدى.
أجمل ما تكونُ أن تكون حجّةً
للنور والظّلامِ
يكون فيك آخرُ الكلامِ أوّلَ الكلامِ
والآخرون – بعضهم يرى إليك زبدًا
وبعضهم يرى إليك خالقًا.
أجمل ما تكون أن تكون هدفًا
مفترقًا
للصّمتِ والكلامِ .

 ثق سيدي أن لك قلوبا تعقل ما تقول.. و تنتظر هذه الجلسات الحوارية بين – ذاتية التي تشركها فيها هموم المعرفة و عناء البحث عنها… وعلى رأي الإمام علي رضى الله عنه” فالعجز عن درك الإدراك إدراك أيضا”وهو موقف بعضنا الذى ينتظر شروق نور المعرفة من أمثالك ممن لا يهمهم إلا الوصول إلى الهدى..

واعذر صمتنا لأنا عهدناك دوما حاضرا أطال الله في عمرك و أمدك الصحة والعافية وقوة الصبر على العطاء ….

بارك الله فيك و رعاك..

فكان ردى عليها آنذاك كالأتى:

 د. يحيى:

صباح الخير يا ابنتى الكريمة: كريمة

لو لم يصلنى خلال عشر سنوات قادمة ومثلها سابقة،  سوى خطابك هذا وتعقيب الأخ والإبن والصديق جمال التركى، لكفانى زادا أن أواصل حتى ألقاه، لأننى لو توقفت واحتججت أمام ربى بما وصل إليكما فى لحظة تشكك لاح فى أفقها احتمال توقف، لشرع ربى فى وجهى تعقيبكما  وحاسبنى بما لا أملك له ردا

ثم ألم تلاحظى يا ابنتى أن هذا الموقف (ندرة التعقيب) أتاح لى مساحة من الحرية قلت عنها بالنص: “فأنا أتحرك فى مساحة من الحرية أفاء بها علىّ ربى بما يستأهل الحمد فعلا..”

شكرا وعذرا وعليك وعلى جمال وعلى الجميع السلام.

“يحيى”

………

ولإكمال ذكر الفضل، أضيف رسالة أخرى منها تخص فيها أيضا بالذكر نشرة “الإنسان والتطور”، تعقيبا على لفتة أ.د. جمال التركى قائلة:

“هى مساحات الوفاء التى تشهد سطورها على عقل مفكر، يعقل حسن التدبر في خبايا النفس البشرية التي توحي نشراتها بأن الوصول إلى عمق الحقيقة لهذا الكائن البشري لايتحقق إلا بحكمة إلاهية لا يمنحها الله تعالى إلا لمن يحب” {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الْأَلْبَابِ} (البقرة:269)

     أسعد دوما بقراءة نشرات “الإنسان والتطور”، وكلما قرأت شيئا منها إلا و أرجع لها مرات، فهى كضوء القنديل تنير لك الدرب ، لكنك تحتاج دوما قربه لترى أفضل….”

وبعد

هل أطمع فى أكثر من هذا حتى ألقاه راضيا مرضيا بإذنه وفضله؟

{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}

(ملحوظة: اليوم هو أول يوم فى السنة التاسعة من عمر النشرة، الحمد لله)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *