نشرت فى الدستور
12-12-2007
الإدارة الأمريكية للدين العالمى الجديد (1 من 2)
طلب منى صديقى عمر (حفيدى جداً، أعنى صديقى جدا) أن يتحاور معى حول موضوع يعده لتقديمه ضمن واجبات دراسته فى قسم ما فى الجامعة الأمريكية (يقول إنه قسم الاجتماع، لكنه يعد نفسه فى قسم الفلسفة!!) سألته: يحاًورنى بصفتى من؟ لم يُجِبْ، فهو يحاورنى منذ ولد، بكلام وبغير كلام. وافقت طبعا، فنادرا ما لا أوافق، بالذات بالنسبة للشباب والشابات.
الموضوع حول “تدريس الدين فى المدارس المصرية”، لماذا يا عمر اخترت هذا الموضوع بالذات؟ الله يسامحك!! قال: لست أنا الذى اخترته، أنا كُلِّفتُ به،
أنا أعلم أن موضوع “ربنا” و”الدين” يشغله من قديم، (مثلنا كلنا ونحن فى سنه(، قبل أن نُمْنَعُ فنكف عن التفكير نهائيا) وكان يكثر من فتحه معى، ويتعجب من تحملى له، وسماحى بأسئلته، وحيرتى .. مع حيرته، حتى وصل الأمر به أنه كان –حين يحتد به النقاش مع زملائه ، يدعوهم لمقابلتى، أو ربما يهددهم بمقابلتى، بدليل أنهم لم يحضروا إلىّ أبداً برغم تكرار الوعد وتكرار القبول من ناحيتى.
نرجع إلى حواره المكلف به من مدرسه أو أستاذه فى الجامعة، سألنى عن “تعريف لللدين”!! يا خبر يا عمر!! هكذا خبط لزق، أجبته إنه “وعى”، و”سلوك”، و”معتقد”، معاً، بحيث لايمكن أن ينفصل أى من هذا الثالوث عن بعضه البعض، الوعى فقط قد يكون إيمانا وليس دينا، والسلوك فقط، ربما فى ذلك العبادات، قد يكون تقليدا أو عادة، والمعتقد فقط قد يكون أيديولوجيا، العجيب أنه فهم ما لم أكن أنا شخصيا واثق أننى فاهمه.
سألنى: ما رأيك فيما يدرس بمدارسنا فى حصص الدين، قلت له: إيش عرفنى ماذا يدرسون حتى أحكم؟ ثم من هو الذى يدرِّس حتى أبدى رأيى فيه، ولم أقل له ما وقعت فيه من خطأ ذات يوم منذ أكثر من ربع قرن:
كان ذلك حين استدرجنى قلمى لكتابة مقال صغير، أو ربما ردا على أحمد بهجت فى صندوق الدنيا اقترحت فيه التوصية بتدريس آيات التراحم والمودة والسماح للأطفال، بدلا من البدء بآيات الترهيب والترغيب والتعذيب، مقترحاً أن تؤجل إلى سن لاحقة، وأذكر أننى أشرت إلى أن للقرآن ظاهرا وباطنا ومنقلبا وحدَّا …الخ، وعينك لا ترى إلا النور: فى زيارتى اللاحقة لأستاذى الأول المرحوم المحقق الجليل محمود محمد شاكر، صافحنى بيده القوية الواثقة، حتى كاد يخلع كتفى، كان مكفهرا، وما إن جلست حتى صاح بى، وكان صوته جهورياً يخرج واضحا جليا حتى وهو يهمس، فما بالك حين يصيح. كنت وحدى والحمد لله، حتى لايشهد تقريعى أى من زواره الأفاضل، صاح بى: ما هذا الذى كتبته يا دكتور؟ (وكان نادرا ما يلقبنى) قلت لنفسى: ربنا يستر، ولم أجب، ولم أستوضح، مد أستاذى يده وتناول المصحف الشريف، ولوح به فى وجهى سائلا بوضوح: “أليس هذا هو كتابك؟” تلفت أبحث عن كتاب آخر غير كتاب الله فلم أجد، فعلمت أنه يعنى القرآن الكريم، قلت على الفور: بلى، وهل فى ذلك شك؟ قال: فكيف وهذا كتابك تكتب ما كتبت؟ ثم عادت أبوته الحانية تطل من عينيه فتحيط بى وتطمئننى، وتجعلنى أكتفى بالصمت، ولا أسأل عن خطأ ما كتبت أصلاً، كان يعلـّمنا بالأسئلة والرفض المحب أكثر مما يعلمنا بالنصيحة المباشرة والتصحيح المُلاحِق.
حين رجعت إلى منزلى رحت أعيد قراءة ما كتبت، وأسأل نفسى: أى خطأ أثار أستاذى إلى هذه الدرجة؟ ولم أجد إجابة واضحة.
لم أعرف خطئى المبدئى بوضوح إلا بعد حوالى عشرين عاما، لأتأكد منه منذ أيام وأنا أحاور صديقى “عمر” وأجيبه عن تساؤلات “الإدارة الأمريكية” للأديان، أقصد “الجامعة الأمريكية” أقصد، مدّرسته فى الجامعة الأمريكية.
يا خبر!
انتهت التعتعة ولم أذكر شيئا عن حوارى مع صديقى عمر
نكمل الأسبوع القادم!