الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى العلاج الجمعى (13) علاقة هذا العلاج بأنواع العلاج الجمعى الأخرى: (2)

الأساس فى العلاج الجمعى (13) علاقة هذا العلاج بأنواع العلاج الجمعى الأخرى: (2)

نشرة “الإنسان والتطور”25-3-2013

الأحد: 31-3-2013

السنة السادسة

 العدد: 2039 

كتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (13)

علاقة هذا العلاج بأنواع العلاج الجمعى الأخرى: (2)

مقدمة:

تناولنا فى النشرة السابقة العلاج الجمعى ذا التوحه التحليلى، وقد تبينت بعض ما كان غائبا عنى فيما يتعلق بالعلاج الجمعى الذى نمارسه، وهو علاقته بالمدرسة الإنجليزية للتحليل النفسى (العلاقة بالموضوع: ميلانى كلاين –  فيربرن –  جانترب ..إلخ)، بعد احتوائها فى البعد البيولوجى التطورى الإيقاعى كما ورد فى أساس نظريتى “النظرية التطورية الإيقاعية“، ومع أن مدرسة العلاقة بالموضوع مازالت ضمن مدارس التحليل النفسى، إلا أنها تكاد تكون ضد بيولوجية، Anti-Biological حتى أخذتْ على فرويد أن نظريته مبنية على بيولوجية الغرائز على الأقل، ولعل هذا الاختلاف الجوهرى الناشىء عن التطبيع البيولوجى التطورى للعلاقة بالموضوع هو الذى جعلنى لا أنتبه إلى فضل هذه المدرسة على ممارستنا للعلاج الجمعى.

يبدو من ذلك، ومما سيأتى بعد أن الممارسة فى خبرتنا سبقت التنظير كثيرا برغم ما يبدو من ملامح تشابه يكاد يتطابق مع بعض المدارس الأخرى وخصوصا مدرسة الجشتالت التى سنتناولها اليوم.

أولاً: العلاج الجشتالتى : (أ من ؟)

اعتبر الباحث (1)– بحق–  أن مدرسة الجشتالت منطلقة من الفلسفة الوجودية أساسا من حيث التركيز على “كلية وجود الشخص” وليس الاكتفاء بالتعامل مع الأعراض، وقد تركز الاهتمام فى هذه المدرسة على أن النظرة الكلية للإنسان يمكن أن تستعيد له، حقه فى ، وقدرته على التكامل واضطراد النمو، وبالتالى يستطيع أن يحتوى ويتجاوز ذلك الاستقطاب الذى غلب على الإنسان المعاصر (2)فى صور: “العقل مقابل الجسد” و”التفكير مقابل الوجدان”، و”تحقيق الذات الفعلية مقابل تحقيق صورة الذات”. واعتبر بيرلز أن الإنسان يلعب أدوارا شكلية تبعده أكثر فأكثر عن نفسه وعن الآخرين وتعمق تجزئته على حساب كليته، وبالتالى فإن هدف هذه المدرسة هو أن يتعرف الشخص على كلية ذاته ويقبلها ويتحمل مسؤولية وجوده، فإن فعل فإن اضطراد النمو يصبح نتيجة طبيعية تلقائية.

وفيما يلى بعض القواعد العامة التى تميز هذه المدرسة ونوعية تطبيقها فى العلاج الحالى (دون الرجوع إلى أصلها غالبا).

أولاً: شحذ الادراك بالحواس وتجاوزها:

يستعمل المعالج الجشتالتى عينيه وأذنيه وخاصة فى متابعة وإدراك التعبير غير اللفظى أكثر من محتوى كلام المريض، يقول بيرلز: “إن المعالج الجيد لا ينصت إلى محتوى رطان المريض بل إلى صوته، إلى موسيقى كلامه، وهو يواصل ملاحظة تردده، كما أن هذا المعالج لا يستعمل “التفسير” أو يرحب بالتعليل وقد عبر عن ذلك صراحة بقوله “إن: “لماذا“… و”لأن“: كلمات “قذرة” فى العلاج الجشتالتى “بل إنه أوصى: “أن تزيح عقلك جانبا وتستعمل حواسك”.

وفى خبرتنا كان لكل ذلك موقعه وفائدته وتطبيقاته التفصيلية التى سوف يأتى ذكر بعضها فى عرض الأمثلة، وقد لاحظنا فى هذا الصدد أن كل هذا يؤكد على دور “الإدراك” بمعناه الأوسع الذى ورد فى ملف الإدراك فى النشرات وخاصة فيما يتعلق بالادراك المتجاوز للحواس (نشرة 28-2-2012 الإدراك (14) “ثلاثة فروض أساسية”)  و(نشرة 24-7-2012 الإدراك (56) “حيرة منهجية، وعينات إكلينيكية”)، ومما أشير إليه عن ما أسميناه الضلع العائد للإدراك  Afferent Limb  (نشرة 10-7-2012 الإدراك (52) هامش عن: الإدراك، والإبداع، والحلم، والمعرفة الهشة)، حيث قد يصل الأمر إلى أن يُطلب من بعض المشاركين أن يلاحظ (أو يترجم) ما تقوله عيناه أو ما يبدو على وجهه فى لحظة معينة، كذلك كان من فضل حدة ملاحظة المعالج (ثم بقية أعضاء المجموعة) أن أصبح من السهل أن نلتقط هزة ساق أو شكل جلسة، ونركز عليها ونبدأ منها التفاعل أو قد توحى “بلعبة ما”، أو “مينى دراما” (انظر بعد) وقد تطور الأمر إلى ابتداع لعبة “أنا لو حاقول كلام من غير كلام يمكن …..” وقد ناقشناها مستقلة (نشرة 21-8-2012 الإدراك (64) لعبة:”أنا خايف أقول كلام من غير كلام لحسن…..”)، وفى ملف الادراك: (نشرة 7-8-2012 الإدراك (60) الإدراك: واللاشعور (بداية قراءة لعبة: أخاف أقول كلام من غير كلام!!).

 ثانياً المأزق:

يمثل المأزق موقفا جوهريا فى العلاج الجمعى الجشتالتى، والمعالج إذْ يلاحظ ما يحاول المريض تجنب الخوض فيه، يحاول من خلال “الإحباط الماهر المقصود” دون أن يتمادى المريض فى هروبه، وإذا بالمريض فى مأزق تخلى الدعم البيئى السابق، وفى نفس الوقت لا يكون قد اكتسب القدرة على دعم أدوات استقلاله بنفسه فينشأ “المأزق”، وحين يقدم المريض على خوض المأزق ويفعلها، ويتحمل نتائج ما اسماه بيرلز “المشى فى النار” Passing into fire وأسميناه نحن “المشى على الصراط” (3)ويتحملها فإن قدراته تنطلق وعبور المأزق هو من أهم معالم النقلات فى العلاج الجشتالتى.

وفى خبرتنا: بدا أن المأزق مهما كان طفيفا ضروريا للحكم على نقلة النمو وما إذا كانت نوعية بلا رجعة، أو سطحية تعلمية، وكثيرا ما تظهر أعراض جديدة فى بداية المأزق وقمته وخاصة الألم النفسى (يسمى الاكتئاب أحيانا ونتجنب ذلك لتنجنب الخلط) أو تغير الذات Depersonalization او أى تغير نوعى فى الإدراك، أو اختلاف نوع الأحلام أو حتى ظهور الأفكار الانتحارية، ونادرا فرط التوجس.

ثالثاُ:  الكرسى الساخن: (التأكيد على الفرد فى المجموعة)

ويعنى الكرسى الساخن التركيز على فرد بذاته فى المجموعة تأكيداً لغلبة فكرة “الفرد فى المجموعة” على فكرة المجموعة ككل فى هذه الجزئية من تقنيات الممارسة الجشتاليتة.

وفى خبرتنا اكتشفنا أننا نرجح – دون قصد – مبدأ الفرد فى المجموعة بالرغم –كما ذكرنا– أنه يستحيل ألا توجد المجموعة فى خلفية التفاعل طول الوقت مهما تركز العمل على أفراد.

ولا يتم اختيار الشخص الذى يحتل الكرسى الساخن لأسباب معينة، حتى لو بدا أنه يمر بأزمة خاصة تحتاج عناية خاصة، لكن هذه العناية تعتمد على مسار المجموعة ومهارة المعالجين وليست بالضرورة مرتبطة بمدة معينة بأن يكون فى حالة أزمة خاصة تستدعى تركيزا معينا للشخص فى الكرسى الساخن. وتختلف مدة شغل شخص ما لمزنق الكرسى الساخن أيضا حسب مهارة المعالج ومسئوليته ليس فقط عن الشخص فى المزنق وإنما عن بقية أفراد المجموعة وبالنسبة أيضا لوقت المجموعة، وكثيرا ما سأل المشاهدون (غير المتدربين داخل المجموعة) عن أحقية فرد واحد يأخذ وقتا (ولو متقطعة) قد يزيد عن نصف وقت المجموعة فى جلسة ما، ولا يكون الرد – فى المناقشة بعد انصراف المرضى – بتعداد أسباب ذلك، ولكن بالتأكيد على أن المسألة ليست تقسيم الوقت بالتساوى، وإنما هى تتوقف على مدى المسئولية عن متابعة آنية لانتباه الأغلب وجرجرتهم بين الحين والحين إلى المشاركة بشكل أو بآخر فى التعليق ثم العودة إلى الكرسى الساخن أو شغله بشخص آخر أو الانتقال إلى آلية أخرى من آليات العلاج، وهكذا.

ولا يتزامن “المأزق” مع شغل الكرسى الساخن بشكل مباشر وإن ارتبطا أحيانا بدرجة ما، بمعنى أنه أحيانا يكون شغل الكرسى الساخن متواكبا مع ما اسماه بيرز الإحباط الماهر  Skilful Frustration لكن هذا ليس قاعدة ولا هو مطلوب دائما،

وأحيانا ما يكون الكرسى الساخن مطلبا صريحا أو خفيا من أحد أفراد المجموعة، وهذا ليس دليلا دائما على حاجته إليه، فقد يكون نوعامن “غيرة الاخوة” Sibling rivalry أو لجذب الانتباه ومن ثم الاستجابة، وقد يتكرر شغل الكرسى الساخن بشخص واحد فقط عدة جلسات متتألية، لكن ينبغى ألا يتمادى الأمر وخاصة مع تنبيه أفراد المجموعة أو ملاحظة المعالج المساعد احتمال طرح أو طرح مقابل Counter transference   Transference   ويتم تناول ذلك بأقل قدر من الاتهام وأكبر قدر من المسؤولية المشتركة.

ولا ينتظر من التعامل على الكرسى الساخن ما ينتظر من المشى على الصراط (المأزق) حيث أن الأول، وحتى بحسب الاسم ، هو نوع من تسخين التفاعل وتعميق المقابلة، أما الأخير فهو أزمة نمو حقيقة إذا أحسن الاعداد لها وتم اجتيازها يحدث بعدها نقلة نوعية مهيئه على مسار النمو.

رابعاً: “هنا والآن”:

يؤكد بيرلز على أهمية التركيز تماما على هذه القاعدة كأساس جوهرى للعلاج الجمعى خاصة، وهو يقرر أنه لايوجد شىء يعمق المسؤولية مثل هذه القاعدة حتى اعتبر كما أسلفنا أن كلمتى “لماذا” “ولأن” كلمتان مرفوضتان (أو بتعبيره: قذرتان Dirty words)  وفى خبرتنا (وأيضا بمراجعة معظم أنواع العلاج الجمعى حتى التحليلى منه) وجدناه على صواب نسبى حتى لو بدا فى الأمر بعض المبالغة،

وقد بدا لنا أن الالتزام بهذه القاعدة أصعب فى ثقافتنا ربما لأنه يعلن فى حوارنا كثير من “وضع اللوم” Putting The Blame والتبرير Rationalization  والأرجح أن وسائل الإعلام العامة وكثيرا من الدراما والمسلسلات قد دعمت هذا الموقف الشائع بشكل أو بآخر حتى كاد يترادف عند الكثيرين مع “العلاج النفسى أو التحليل النفسى”.

ويحذق أفراد المجموعة عادة، استعمال هذه القاعدة برغم صعوبتها فى البداية، لكن تظل متماوجة بسبب إصرار المعالج على الإلتزام بهذه  القاعدة .

ملحوظة: فى آخر خمس دقائق من وقت المجموعة (90 دقيقية) يسمح بالأسئلة والحديث عن جرعات الأدوية إن وجدت ومن بين الأسئلة المكرره سؤال البعض عن مدى ضرورة الإلتزام بهذه القاعدة فى الحياة العادية، والإجابة تكون بالنفى طبعا، وإن كانت المتابعة أظهرت أنه مع تقدم العلاج يصبح أغلب المشاركين أقل تبريرا وإسقاطا مع تنامى الإلتزام بهذه القاعدة.

خامساً:  “أنا” “أنت”:

تكاد لا تنفصل هذه القاعدة عن القاعدة السابقة، “هنا والآن” وهما يذكران معا بصفة شبه دائمة “أنا – أنت” & “هنا والآن” (أنا وانت هنا ودلوقتى)، ويتم ذلك بالتنبيه على توجيه الخطاب (والتفاعل) إلى شخص مفرد باستمرار فى “هنا والآن” ومن ثم ينمى المسؤولية اللحظية فالممتدة.

 وفى خبرتنا: ساعدنا فى ذلك قواعد فرعية مارسناها جعلت الأمر أكثر صعوبة لكن أكثر تحديدا وإلزاما ومن ذلك :

أ) منع – ما أمكن ذلك – استعمال ألفاظ النكرة أو التعميم “الواحد” “الناس” “الشخص”.

ب) يطلب من المتكلم أن يذكر اسم المخاطَبْ تحديدا فى بدء المواجهة “يا فلان …” وأحيانا يرد إلى ذلك إذا حاد عن القاعدة.

ج) الاقلال حتى المنع أحيانا من المخاطبة بطرح الأسئلة المتلاحقة أو النصائح الفوقية عادة فيقال للمتكلم أن يواصل حواره: “من غير سؤال ولا نصيحه”، أى يجرى الحوار دون أسئلة ما أمكن ذلك ودون نصائح

ء) الانتباه إلى الحد من استعمال ضمير الغائب ( هو – هى – هم) ما أمكن ذلك

سادساً: قلب السؤال إلى إثبات:

وذلك بأن يطلب من السائل (سواء وجه سؤاله للمعالج أو لغيره) أن يجيب هو نفسه على السؤال الذى طرحه، أو أن يقوله بصيغة الإثبات “شيل علامة الاستفهام”

وفى خبرتنا: اكتشفتنا هذه الحقيقة الكامنة وهى أن أى سؤال يحمل معه احتمالات إجابات مهمة، يمكن التعامل معها الأرجح فالأرجح، بما ينمى استقلالية السائل، ويعمق الحوار.

سابعاً: الاختيار بعد تحديد الشكل من الأرضية:

لم أتبين باكرا علاقة العلاج الجشتالتى بعلم نفس الجشتالت، وبالتالى لم أعرف إلا بعد فترة ما علاقة هذا العلاج بتحديد الشكل من الأرضية، ثم توصلت من خلال معظم آليات العلاج من أول تحديد “المواجهة” فى أنا/أنت & “هنا/الآن” حتى الألعاب بكل التفاصيل التى سنذكرها لاحقا أن متصل الدراية Awareness Continuum قد يتداخل فيه الشكل مع الأرضية بحيث يصعب حسم الاختيار بينهما فى لحظة معينة أيها الشكل وأيها الأرضية.

المثل البسيط الذى ضربه لى أحد الزملاء ولم أقرأه هو لطالب يذاكر دروسه ولا يستطيع أن يركز لأن مثانته ملآنه، ويتأخر كسلا أوعنادا فى إفراغها فتصعب المسألة أكثر، وحين يحسم الأمر بأن يترك الدرس (الشكل) ويفرغ مثانته (الأرضية) التى أصبحت شكلا يحتل بؤرة انتباهه فقراره، تتحدد الخطوط بين الشكل والأرضية ويعود ليختار الاستذكار “شكلا” أكثر تحدديا ووضوحا.

 فى العلاج، مع لعب هذا الدور ثم ذاك بين اختيارين، أو مع تقنيه العكس: أن يلعب عكس ما يعتقد أو يقول، ثم يرى أى الدورين أقرب إليه، فإنه بذلك يحدد الشكل من الأرضية، ويحسم حالة التردد والغموض والبلبلة وهكذا.

طبعا لم نلجأ ولا يصح أن نلجأ إلى تحديد مثل هذه الخلفية النظرية ولكن كان لابد من وصفها فى الهامش من أجل خاطر توضيح التسمية لا أكثر.

*****

وغدًا نكمل مدرسة الجشتالت أيضا ونحن نركز على الألعاب التى قد تحتاج إلى كتاب مستقل غالبا نظر للأضافات الهائلة والتحوير المستمر الذى مارسناه مما سبق نشره بعض فى هذه النشرات.

 (هذه عينة ألعاب من الجروب).

–  لعبة: “يا خبر ده أنا لما ما بافهمشى يمكن… “

– لعبة: “أنا مستعد أقبل الظلم على شرط ….”

– لعبة: ياه !!!! دى طلعت صعبة بشاااااكل، ولكن …..”

– لعبة: “أنا خايف أقول كلام من غير كلام لحسن..” 

[1] – مازلنا نشير إلى البحث الذى كان الكتيب الأول الذى نحدثه مقدمة لبحثه.

[2] – مرة أخرى لن أستدرج إلى أى تاريخ سردى أو تأصيل نظرى فى أى من المدارس التى سأشير إليها لأن الغرض هو تقديم خبرتنا فيما يتقاطع مع بعض أفكار هذه المدارس لا أكثر.

[3] – هذا هو اسم ثلاثيتى الروائية “المشى على الصراط” الذى خصص الجزء الثانى منها باسم “مدرسة العراة”، لعرض خبرة روائية للعلاج الجمعى مستلهمه من خبرة واقعية معظم الوقت، والمفهوم الشائع للمشى على الصراط فى الفكر الدينى الشعبى هو عبور برزخ فوق نار مشتعلة (نار جهنم) مشيا على سلك رفيع جدا من الصلب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *