الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الوعى (32) ما هو البديل عن تفسير الأحلام فى العلاج (وخاصة العلاج الجمعى)؟

الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الوعى (32) ما هو البديل عن تفسير الأحلام فى العلاج (وخاصة العلاج الجمعى)؟

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 17-8-2015 

السنة الثامنة

العدد: 2908

الأساس فى الطب النفسى 

 الافتراضات الأساسيةالفصل السادس:

 ملف اضطرابات الوعى (32)

ما هو البديل عن تفسير الأحلام

فى العلاج (وخاصة العلاج الجمعى)؟

مقدمة:

مع تكرار إعلان تحفظى على ما يسمى “تفسير الأحلام” من ابن سيرين حتى سيجموند فرويد وبعده إلى أن وصلنا إلى موسوعية أ.د. على زيعور الذى أحاط بقضية التفسير من كل جوانبها(1)، مع كل هذا واستمرار إصرارى على موقفى كان لابد أن يقفز سؤال وأسئلة تقول:

لكننا نحلم، الأسوياء يحلمون، والمرضى يحلمون، والجميع يحكون أحلامهم لذويهم أو لأصدقائهم (حسب تعودهم) أو لأنفسهم أو لمعالجيهم أو لمشايخهم، فما هو موقفنا كمعالجين إزاء كل ما يحكون إذا لم نبادر بالتفسير أو نحاول التفسير؟

فى محاولة للإجابة لا أستطيع أن أعمم، ولا أعرض إلا خبرتى التى أنقلها لمرضاى وزملائى المعالجين والمتدربين معى والتى من أهم معالمها التركيز على مواصلة العلاج الجمعى فى قسم الطب النفسى بكلية الطب قصر العينى.

 وفيما يلى بعض ملامحها فيما يتعلق بمسألة الأحلام عامة وفى العلاج الجمعى خاصة:

أقر وأعترف أننى منذ أكثر من خمسين عاما، وأثناء العلاج النفسى الفردى كنت استمع إلى أحلام مرضاى بصبر وترحيب أكثر، ولم تكن أفكارى ولا خبرتى تسمح لى بكل هذا التحفظ على تفسير الأحلام كما وصل بى الحال حاليا إلى حد التحذير بل و أحيانا الرفض.

كنت استمع لمريضى وهو يحكى حلمه دون اعتراض أو مقاطعة، كما كنت أحيانا أتركه يفسر حلمه كما يشاء (وكما علمت مؤخرا خاصة من قراءاتى الأخيرة فى د. زيعور أن هذا وارد ومفيد وأحيانا أن هذا  مطلوب ومساعد)، ولكننى لم أكن أتوقف عند تفسيراته، وعادة لا أوافق ولا أعترض، ولم أكن أعرف أيامها أننى بذلك أضعها بين قوسين، ذلك الأسلوب الرائع الذى عرفت فيما بعد أن اسمه “تعليق الحكم”.

بعد فترة لاحظت أننى كنت أتدرج مع مريضى إلى ما جرجرنى إليه العلاج المعرفى مؤخرا، وبالذات فى العلاج الجمعى، حيث رحنا نفضل أن يحل محل “لماذا”؟ سؤال أهم وألزم وهو “إذن ماذا”؟ وكان المريض يدهش لأول وهله، لكنه بعد أن يعتاد طريقتى نخرج معا (سواء رضى هو بتفسيره أم قبل منىّ تعليق الحكم) نخرج بدلالة هادية إلى الخطوات التالية وليس إلى التفسير تحديدا!

ثم تطورت خبرتى فى العلاج الجمعى بانتظام أسبوعى على مدى نصف قرن إلا ستة سنين، وبدأت تتبلور ملاحظاتى مع المرضى والمتدربين ونحن نتعلم التعامل مع ما يحكيه أحد أفراد المجموعة من أحلام، ملتزمين بقاعدة “هنا والآن”، فيما يمكن عرضه بالنسبة للموقف فى العلاج الجمعى فى النقاط التالية:

1)   نحن لا نشجع الحكى عن الأحلام بوجه خاص.

2)   لكن أيضا: نحن لا نرفض ذكر الأحلام دون تفصيل أو استطراد.

3)   ثم إننا لا نتوقف طويلا عند تفاصيل الحلم ، وإنما نأخذ ما يمكن أن يسمى لقطات أو عينات مما يمكن حكيه، ثم تفعيله دراميا “هنا والآن”. بمعنى أننا قد نمارس دراما قصيرة يقوم فيها الحاكى بدوره فى الحلم، أو بأى دور يختاره، وندعو من يشاء (من المرضى أو المعالجين) بالقيام بدور شخص أو أكثر من شخوص الحلم، إلى آخر قواعد السيكودراما وآلياتها،   وقد نأخذ من مادة الحلم ما يمكن أن يساعد فى تخطيط سيناريو موجز لبعض اللقطات، تسمح أحيانا بالتقدم على طريق السيكودراما المقترحة، وأحيانا نستلهم من الحلم لعبة من “الألعاب العلاجية” “هنا والآن”.

4)  إننا عادة لا نستطيع، ولا نحتاج، إلى الجزم على أن ما يُحكى كان حلما خالصا أو أن ثمة إضافات تلقائية تمت أثناء الحكى أو بفعل قصور الذاكرة.

5)  ثم إننا نتجنب بشكل حاسم أية محاولة لتفسير الحلم، لا بالطريقة الشعبية، ولا بالطريقة التحليلية الفرويدية، أو التحليلية عموما، أو نسبة إلى أى مرجع دينى خاص.

6)  هذا علما بأنه نادرا ما نواجه الحاكى (الحالم) بأى ملمح تنظيرى يفسر قصور ما يحكى، بما فى ذلك فروضى الخاصة، اللهم إلا إذا جرّنا التفاعل إلى مواجهة طبقات من الوعى استثارها حكى الحلم بشكل أو بآخر.

وبعد

   يبدو أن كل هذه التحفظات، والاشتراطات، وصلت وتصل إلى معظم المشاركين مرضى ومعالجين، حتى أننى لاحظت أنه بصفة عامة أصبح الحكى عن الأحلام نادرا بشكل أو بآخر، وذلك فى كل المجموعات تقريبا على مدى أكثر من أربعين سنة، إذ يبدو أن التحفظ أو الرفض قد وصلهم ويصلهم من خلال فرط التركيز على “هنا والآن” وحيوية تشكيل الوعى الجمعى طول الوقت.

المفاجأة والتجربة:

ظل كل ذلك كذلك إلى أن حدثت هذه التجربة منذ خمس سنوات تقريبا ونشرناها هنا فى نشرتين نشرة: “نعمل حلم 1، 2” نشرة 22/9/2010: “نحن نؤلف أحلامنا” تجربة من العلاج الجمعى “نعمل حلما”: “هنا والآن” ونشرة 28/7/2013: العمل بالأحلام فى العلاج الجمعى (1)، كما نشرنا كثيرا من التعقيبات خاصة تلك التى وردت عنها فى بريد الجمعة بتاريخ 1/10/2010 ،

 بدأت التجربة حين انبعثت الفكرة بتلقائية من إحدى زميلاتى المتدربات ثم تطورت، ثم تعممت بعد ذلك وأدّت المناقشات والردود والعرض فى ندوة علمية بتاريخ أكتوبر 2010  إلى الكشف عن مستوى من الوعى، اعتبرناه أقرب ما يكون إلى وعى الحلم، كما ساعدتنا فى توضيح إمكانية تلقائية إبداع الحلم فى “هنا والآن”، الأمر لاحظناه أكثر حين استثار الحلم المصنوع فى بعض مقاطعه مشاركة اثنين أو أكثر فى نفس الحلم سواء كان المشارك هو المعالج أو كانت المشاركة بين مريض ومريض، كما كشف كل ذلك عن مستوى الوعى المسئول عن هذا التنشيط الإبداعى وأنه أقرب ما يكون إلى ما يسمى الوعى البينشخصى، ثم الوعى الجمعى.

(وسوف نعود إلى أغلب ذلك فى نشرات تالية)

[1] – مع تقصيرى فى الإلمام بكل جهوده اللهم إلا تكرار قراءة المحتويات والانتقاء الممكن إلى أن أوفى هذا الجهد حقه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *