نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 16-8-2015
السنة الثامنة
العدد: 2907
الأساس فى الطب النفسى
الافتراضات الأساسية: الفصل السادس:
ملف اضطرابات الوعى (31)
موقع “أحلام اليقظة”
بين الخيال، والصحو، والإبداع
مقدمة:
كان علىّ أن أرجع إلى بعض ما أشرت إليه الأسبوع الماضى، خشية التكرار، وإن كنت قد ائتنست برأى أ.د. على زيعور السامح بالتكرار، واستشهدت به، ثم دعمنى حفيدى “عمر”، ووالده فى بريد الجمعة الماضى، بما شجعنى أكثر أن أواصل ما هو “عود على بدء”، ما عنَّ لى ذلك، إذ يبدو أن التكرار: يمهد المشوار، وليس بالضروة يسخـِّف المسار.
أول ما جذبنى من كل ما ذكرت – الأسبوع الماضى- كانت تلك التجربة العملية الواقعية التى أجريت تحت عنوان “لعبة: نعمل حلم” والتى نشرت فى نشرة الإنسان والتطور بتاريخ: 22/9/2010(العدد: 1118) بعنوان: “نحن نؤلف أحلامنا” تجربة من العلاج الجمعى “نعمل حلما”: “هنا والآن”، رجعت إليها واكتشفت، أو تذكرت، أننى قدمتها أيضا فى ندوة علمية لجمعية الطب النفسى التطورى بمستشفى دار المقطم، وخاصة أن التجربة مسجلة بالفيديو(1)، كما أنها استكملت، وأعيدت مع بعض المشاركين فى العلاج الجمعى، بعد أربعة أسابيع فى نفس المجموعة، وجاءت الاختلافات فى الإعادة ذات دلالة تردُّ على كل من يُصر على تشابه الاستجابات ليكون التجريب علما!!(2).
اكتشفت أيضا أن فيضا من التعليقات الجادة والعميقة وردتنى فى بريد الجمعة التالى لنشر التجربة، (بتاريخ أول أكتوبر 2010) ومثلها كانت المناقشة فى الندوة المشار إليها حالا، وكلها تدل على وضوح الرسالة التى حملتها التجربة العملية الجديدة، ثم إنى حين أعدتُ قراءة ردودى على هذه التعليقات، وقد مضى عليها خمس سنوات الآن، وجدت أن الأصدقاء الذين يتابعون معنا ملف الأحلام الآن قد تلزمهم قراءتها معنا من جديد، وأيضا أنها تحتاج إلى مزيد من التوضيح والشرح.
كثير من هذه التعليقات، كما هو الحال بالنسبة للبريد الذى نشر منذ أسابيع وحتى أول أمس، ركزت على صعوبة فصل ما هو خيال وتخيل، عن الأحلام، وأيضا كانت الأغلبية تصر على أن ما هو “نعمل حلم” كما جرت فى جلسة العلاج الجمعى (وفى الندوة العلمية) هو نوع من، أو على الأقل إلى: ما هو “أحلام اليقظة.”
ثم إنى فى حدود ما قرأت لهذا الرائد الموسوعى الأكاديمى أ.د. على زيعور، لاحظت كثرة احتفائه بالخيال والمخيلة والأخيولة، وما إلى ذلك مع ندرة عروجه إلى الإبداع الناجح أو الإبداع الفاشل (الجنون)، لكنه إذا عرج إلى أى منهما عرج إليه بجدية وعمق متوقعين، لكن بعيدا عن فروضنا بشكل ما، فما بلغنى حتى الآن هو تركيزه الأول على التفسير والمفسرين.
لكل ذلك، ومهما كان فى كل ذلك من تكرار، قلت نعيد النظر معا فى بعض ما كان، وما تطور إليه حتى الآن.
كنت اليوم سوف أقوم بإعادة عرض عينة من التجربة، مع كل ما ورد فى البريد والرد عليه، لأنه مهم ويمثل مختلف الآراء تقريبا، لكننى فضلت أن أقدم هذه المقدمة مدعومة ببعض الأشكال التوضيحية، مؤجلا تقديم بعض عينات التجربة ومناقشة البعض الآخر إلى نشرة الغد بإذن الله.
أصل الصعوبة
أعتقد أن أصل الصعوبة كلها تبدأ من غموض ما نعرفه عن ما هو “وعى”، وبعد ما عدلت عن اعتباره وسادا لكل العمليات النفسية الأخرى، زادت الصعوبة من حيث تحديد حضوره فاعلا متفاعلا مع كل عملية حيوية أو نفسية بشكل لا يمكن فصله، كما لا يمكن وصفه، وكذلك من حيث تعدد مستوياته، وأيضا من حيث تداخل تداخلاته وفاعلياته الظاهرة والخفية طول الوقت، لن أعود طبعا إلى مناقشة كل ذلك فقد أخذ حقه فى نشرات “ماهية الوعى” بقدر المستطاع: نشرة 12/7/2015، ونشرة 13/7/2015، ونشرة 19/7/2015، ونشرة 20/7/2015، فأكتفى بأن أوجز، مع بعض التكرار – كما اتفقنا- بعض النقاط آملا أن تسهم فى توضيحٍ ما نحن بصدده اليوم من كحاولة تحديد موقع”أحلام اليقظة” بين كل ما عرضنا، وذلك فيما يلى:
1) التفكير غير الإدراك غير الوعى غير الخيال، وقد أخذ أكثر من حقه على حساب كل ذلك، وهو أقرب لما يسمى خيالا عادة.
2) العقل ليس واحدا، وما يشاع عن ما هو عقل هو أقرب إلى التفكير المفاهيمى من كل قنوات ونشاطات المعرفة الأخرى
3) الخيال هو الوجه الآخر للتفكير، وعلاقته بالإدراك (خصوصا كما ورد فى ملف الإدراك هنا، خصوصا ما يسمى بالإدراك التجاوزى) وهى علاقة ضعيفة نسبيا
4) الحلم قد يحوى أفكارا، بل قد يحل بعض المشاكل أو المسائل العالقة، لكن هذا دور غير أساسى، مع أن له دلالاته
5) الحلم بكل مستوياته هو إبداع بمعنى: إعادة تشكيل بعد تفكيك هادف
6) الحلم المحكى هو إبداع بالغ السرعة وذلك من خلال عملية تشكيل المتاح على سطح التقليب الإبداعى النمائى الجارى، وهو يتم فى ثوان أو أجزاء من الثوانى، حتى لو استغرق حكيه دقائق أو أكثر، وحتى لو احتوت أزمنتة سنين عددا أو دهورا سحيقة
7) كل مستويات الحلم الأعمق من الحلم المحكى هى الأقرب إلى فاعلية وظيفة الحلم فى إعادة التشكيل، ومسيرة نبض الإيقاع الحيوى، المسئول عن دفع مسيرة النمو الذاتى، بما فى ذلك الكفاءة المعرفية والوجدانية والعلاقاتية.
8) الحلم بما هو إبداع ليس فى متناول الدراسة، وأغلب وظائفه تستنج من غيابه، لا من حضوره، ولا من نتائجه المباشرة
9) الخيال، المرتبط بالتفكير أكثر من ارتباطه بالإدراك، دوره محدود فى تشكيلات الحلم
10) التركيز على الرموز فى الحلم، ثم الاهتمام بدلالاتها وترجمتها أمر وارد، لكن الاهتمام به على حساب التعمق فى أبعاد الظاهرة الأعمق، قد يقلل من فرص فهمنا للحلم، وخاصة فى علاقته بالإبداع وبالجنون.
11) العلاقة بين:
- عملية الحلم التى تنتهى بإبداع غير مرصود لا يسمى كذلك
- وبين عملية الإبداع التى تنتهى بإبداع الذات أو أى إبداع مسجل فى شكل من أشكال الإبداع المعروفة (علما أو تشكيلا أو أدبا أو شعرا)
- وبين عملية الجنون التى تبدأ بالتفكيك ثم تعجز عن إعادة التشكيل وحتى عن العودة إلى التماسك السابق للتفكيك، وهى علاقة وثيقة، وقد تفسر بعضها بعضا- ولو قياسا- كما بينا (أنظر الجدول السابق نشرة 3/8/2015).
12) أحلام اليقظة هى من نتاج الخيال الذى هو ليس مرادفا للإبداع، وهى تحدث فى وعى اليقظة، لا فى وعى الحلم، ولا فى وعى الإبداع، وإن كانت أحيانا تتداخل مع بعض الإبداع لكنه تداخل محدود أقرب إلى التماس (أنظر شكل 2 &3 &4 )
13) أخيرا فإن التجربة المشار إليها (نعمل حلم) والتى سوف نعود إلى مناقشتها غدا يمكن أن توضح بعض هذه النقاط بشكل أو بآخر
وبعد
سوف أكتفى الآن، كما اعتدت فى بعض النشرات السابقة أن أثبت بعض الصور والتشكيل التى قد تساهم فى توضيح الفروض ومتابعة النقاش التالى:
شكل (1)
لتوضيح مستويات الأحلام
شكل (2)
لتوضيح مستويات الوعى المقابِلة لمستويات الأحلام
فنلاحظ هنا كيف أن إنتاج أحلام اليقظة، إنما يحدث فى وعى اليقظة،
وعن طريق الخيال أكثر منه عن طريق إعادة التشكيل بعد التفكيك (مقارنة بإبداع الحلم)
شكل (3)
أحلام اليقظة فى وعى اليقظة
(لاحظ نوع حدة اليقظة من رفع الساق مثلا، وغير ذلك)
شكل (4)
تداخل بين أحلام اليقظة وما يشبه الحلم فى وعى غامض
وبعد
أرجو أن يكون فى إعادة نشر التعليقات واستجابات بعض المشاركين غدا: ما يفسر الأمر أكثر قليلا، وخاصة فيما يتعلق برصد عمق المشاركة فيما يسمى الوعى البين-شخصى والوعى الجمعى، وذلك أثناء تشكيل الحلم.
[1] – بموافقة صريحة ومسجلة من كل المشاركين: أطباء متدربين ومرضى
[2] – ما علينا، ليست هذه قضيتنا الآن.