الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل الخامس: ملف اضطرابات الإرادة (12) بعض ما تبقى عن الإرادة واضطراباتها (10)

الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل الخامس: ملف اضطرابات الإرادة (12) بعض ما تبقى عن الإرادة واضطراباتها (10)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 23-3-2015   

السنة الثامنة

العدد: 2761

 

الأساس فى الطب النفسى

الافتراضات الأساسيةالفصل الخامس:

ملف اضطرابات الإرادة (12)

بعض ما تبقى عن الإرادة واضطراباتها (10)

مقدمة:

لا يصح أن نـَصِمَ مريضا بفقد الإرادة هكذا مرّة واحدة، لكن من حقه وحقنا أن نرصد أية إرادة حلت محل إرادته الظاهرة، أو محل إرادته التى نرى أنها الأصلح له ولنا، (ومن أدرانا إلا اجتهاداً).

 بعد هذه الجولة فى أصل الإرادة وحدودها وصعوبة قياسها ومسئولية الحكم عليها نعرُج اليوم باختصار شديد إلى بعض ما رأيناه ضروريا لاستكمال الممكن، فنبدأ بعجز الإرادة الملتزمة اجتماعيا وثقافيا عن الحيلولة دون اندفاع إرادة إطلاق النزوات دون حساب، ثم ننتقل إلى علاقة الإرادة بمسيرة النمو واضطرابات الشخصية.

أولاً: بالنسبة للدوافع الجنسية:

أشكال العجز عن كف الاندفاع الجنسى: الغلمة((1)) والنُّعاظ ((2)):

23-3-2015_1

فضلت أن أجمع بين هذين النوعين دون أن نفصل الاضطراب فى الذكور عن الإناث لأن كثيرا من مظاهر الاضطراب مشتركة إمراضيا ويجمعهما العجز عن الكف.

نظرا لأنه لا توجد معايير كمية محددة للممارسة الجنسية يمكن أن ننسب إليها ما نصفه بالإندفاع والافراط فى الممارسة الجنسية فى الأحوال العادية، فإنه لا يمكن الحكم على شخص بالافراط الجنسى، فإذا فعلنا فإنه  يعتبر حكما تقريبيا اعتباريا فى معظم الأحوال، وفى كثير من حالات الاحتياج الشديد المتكرر للممارسة الجنسية يكون وراءه  نوع من الوسواس القهرى، أكثر من طلب اللذة لذاتها.

 وقد تظهر أعراض تشير إلى هذا الاندفاع الشبقى دون ممارسة، مثل حالات العجز عن الكف فى عته الشيخوخة((3)) أو عته ما قبل الشيخيوخة مثل مرض بيك Pick’s Disease،  كما أنها قد تظهر كجزء من زملة الهوس،

وكثير مما يتحدثون عنه  تحت اسم “التحرش” الذي يبدو أنه نوع من العجز عن الكف بشكل أو بآخر، حين لا يستطيع الشاب أن يمنع نفسه من مثل هذا التصرف، وكأنه آلة يحركها المثير تلقائيا،

ويبدو أن عدم الكف قد أصبح سمة من سمات الثقافة الشبابية المستوردة حتى أنه أخذ شكلا فنيا تحريكيا حين سمَّتْ فرقة نفسها باسم “فريق رفض الكف” Disinhibition Band

23-3-2015_2

كما أنه أحيانا برغم ظهور “التعبير” عن هذا الميل الاندفاعى فإنه يصاحب ذلك نوع من البرود فى الممارسة برغم الاندفاع نحوها كلاما أو سلوكا، وقد يوجد عند الرجال أيضا نوع من العنّة برغم كثرة المحاولات وحدة الرغبة مثل بعض حالات الهوس، بل إن تناقضا آخر قد يلاحظ حين يزيد القهر نحو ممارسة الجنس فى بعض حالات الاكتئاب، ربما بحثا عن أمان أو إرواء للجوع للآخر الذى لا يرتوى لا بهذه الممارسة ولا بغيرها، وقد يظهر الميل للإفراط فى الجنس نتيجة لمضاعفات بعض العقاقير.

وحين تظهر بعض أعراض ذلك مع مرض ألزهايمر أو عته الشيخوخه عموما فإن ما يظهر هو عدم الكف والتحرش وخاصة بالأطفال دون القدرة على الافراط فى الممارسة أو على الممارسة أصلا.

وقد يتخذ الافراط فى الممارسة الجنسية نمطا يشبه الإدمان، فيتفاقم بالتكرار حتى يصبح الامتناع عنه مصاحب بأعراض تعلن طبيعيته الادمانية.

المفأجاة فالتأجيل:

ثم إنى فؤجئت وأنا استشير عمنا “جوجل” أن هناك ما يسمى: العجز عن الكفّ المعرفى Cognitive Disinhibition، تعجبت لأول وهلة من هذا التعبير، وتساءلت هل يوجد لدينا كفٌّ معرفىّ يمنع تلقائيتنا الكشفية أن تغامر باختراق المألوف الثابت، وأنه ربما يتزايد هذا الكف حتى يصبح عائقا أمام أية حركة للتجديد فالإبداع؟ فجاءتنى  الإجابة أن:  “نعم”

وقد فرحت بهذا المصطلح الذى جاء فى سياق تفسير بعض سلوكيات مبدعين لاجدال فى فائق إبداعهم وتميز طبعهم مثل أينشتاين، جاء ما يلى:23-3-2015_3

كل من المبدعين والشواذ قد يشتركون فى نوع من عجز الكف المعرفى Cognitive Disinhibition ، بمعنى أن المخ يعجز عن ترشيح وتنقية المعلومات الغريبة الجديدة، وحين تصل هذه المعلومات إلى مستوى الوعى الظاهر فى المخ لهؤلاء الذين يتمتعون بقدرات خاصة خارقة فهم يستطيعون أن يتعاملوا معها بأن يبتدعوا بصائر ومشاعر جديدة مهما بدت غريبة،

ولعل هذا ما يفسر بعض ما لاحظه النقاد أو المؤرخون أو حتى العامة عند بعض المبدعين أو من يسمون بالعباقرة من شذوذ لا يقتصر على الاختلاف مع المعايير السائدة فى المعرفة والنظريات  والمناهج وإنما قد يمتد إلى السلوك اليومى العادى ولو على فترات متباعدة.

 وهنا تذكرت أطروحة لى سابقة ألقيتها فى محاضرة فى المجلس الأعلى للثقافة عن “حركية حرية العملية الإبداعية”، وكيف أن القهر الداخلى قد يعوق المبدع وغير المبدع عن إطلاق تشكيل كل ما يخترق الحواجز من داخله، وقد ظهرت هذه الأطروحة فى صورة مقال مطول نشر فى مجلة “وجهات نظر” عدد نوفمبر 1993، بعنوان “تعليم تلقينى.. وسلطات قامعة: عن الحرية والإبداع والقهر الداخلى”، وحين هممت الآن أن أكتفى بالإحالة إليه برابط كالعادة أجلت ذلك لأننى حين تصفحته وجدته شديد الأهمية، وثيق الصلة بموضوعنا هذا، وبعلاقة الحرية بالإرادة بالإبداع، ففضلت أن أقدمه الأسبوع القادم حنبا إلى جنب ونحن نفحص علاقة النمو الفردى والتطور بالإرادة الفردية والجماعية (إرادة النوع).

أنا آسف

لكن يبدو أن الموضوعين يستأهلان كما سنرى!

[1] – Nymphomania  وهو قهر متكرر عند النساء لممارسة الجنس

[2] –  Satyriasis وهو قهر متكرر عند الرجال لممارسة الجنس

[3] – السَّبَهْ: ذهاب العقل من الهرم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *