الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الوعى (10) متاهة الوعى (6) فى رحاب الوعى أيضا: “الانتباه” بوابة شعورية أم رحابة وعى؟

الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الوعى (10) متاهة الوعى (6) فى رحاب الوعى أيضا: “الانتباه” بوابة شعورية أم رحابة وعى؟

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 1-6-2015  

السنة الثامنة

العدد: 2831 

الأساس فى الطب النفسى 

الافتراضات الأساسيةالفصل السادس:

ملف اضطرابات الوعى (10)

متاهة الوعى (6)

فى رحاب الوعى أيضا:

“الانتباه” بوابة شعورية أم رحابة وعى؟

 انهيت نشرة أمس برصّ ما تصورته مظاهر وأعراض وتشكيلات الانتباه، وكنت مترددا فى ترتيبها، وفعلا كان عندى حق، فأعدت ترتيبها اليوم بشكل أفضل، وإن كنت غير راض عنه أيضا، وقد يتغير اثناء الشرح والتقديم، ولكن دعونا نبدأ بما تيسر لنا اليوم وهو عن:

1- فرط الانتباه

2- تشتت الانتباه

3- ضعف الانتباه عموما

4- ضعف الانتباه الإيجابى

5- ضعف الانتباه السلبى

6- عدم الانتباه الانتقائى (النقطة العمياء)

 دعونا نحاول

‏1- ‏فرط‏ ‏الانتباه:

وهنا‏ ‏تحدث‏ ‏زيادة‏ ‏فى ‏كل‏ ‏من‏ ‏حدة‏ ‏الانتباه‏ ‏ومداه ودوائره، وفى ‏هذه‏ ‏الحالة‏ ‏يستطيع‏ ‏الشخص‏ ‏أن‏ ‏ينتبه‏ ‏إلى ‏معظم‏ ‏أو‏ ‏كل‏ ‏التفاصيل‏ ‏المحيطة‏، وربما ‏يمتد‏ محيط ‏ ‏انتباهه‏ ‏إلى ‏أوسع‏ ‏مما‏ ‏اعتاد‏، ‏بمعنى أنه يستطبع أن ‏‏ينتبه‏ ‏إلى ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏مؤثر‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏،

‏وكل‏ ‏هذا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏ميزة‏ ‏وليس‏ ‏عرضا‏ ‏مرضيا‏ ‏وخاصة‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏الشخص‏ ‏هكذا‏ ‏طول‏ ‏حياته‏ (‏أى ‏أن‏ ‏حدة‏ ‏الانتباه تكون‏ ‏سمة‏ ‏من‏ ‏سماته الشخصية‏ ‏المميزة‏)، أو إذا كان يمارس تدريبات توسِّع محيط انتباهه وتشحذ قدرته مثل لعب الكاراتيه، أوبعض تدريبات التأمل التجاوزى(1) أو ممارسة تنشيط الوعى الصوفى،

‏أما‏ ‏إذا‏ ‏طرأ على الشخص العادى ما يعتبر شدة غير مألوفة، فلاحظ أنه ينتبه إلى كل التفاصيل مثلا، ولم يكن معتادا ذلك، أو أنه يواصل الانتباه إلى ما لا يريد، أو ما لا يعنيه حالا، فإن ذلك قد يحتاج إلى التوقف للتأكد من طبيعة الظاهرة، لأنها قد تكون بداية نوبة تحت هوسية أو هوسية أو ذهانية غامضة، ويؤخذ هذا بجدية أكثر إذا كان الشخص له تاريخ إيجابى لمثل ذلك أو كان يوجد تاريخ عائلى دورى وخاصة بالنسبة لأى اضطراب وجدانى ‏.

 ‏ويحدث‏ ‏هذا‏ ‏العرَض‏ ‏فى ‏حالات‏ ‏الهوس‏، ‏وحالات‏ ‏البارانويا،‏ خاصة البارانويا الحادة وتحت الحادة(2)، وفى حالات الهوس يكون فرط الانتباه للمثيرات الخارجية أكثر، وإن كان فرط الانتباه للمثيرات الداخلية مثل النشاط الداخلى للأفكار، ومن المألوف فى ثقافتنا أن يشكو مريض (أو شخص) من اضطراره للانتباه إلى دوائر أوسع من الفكرة المحورية وأيعد عنها فى وقت بذاته، وتتراوح شكواه بين كثرة الأفكار، وضغط الأفكار، واجترار الوساوس الفكرية، ولكنها إذا وصلت إلى “طيران الأفكار” تكون قد تجاوزت منطقة فرط الانتباه إلى خلل فى تسريع العملية الفكرية نتيجة لنشاط وجدان ملاحِق مثلا.

وبالرغم من أن هذا العرض هو عادة إعلان مهم لبداية نشاط زائد فى حركية الوجدان أو الوعى وهو ما يواكب بداية الذهان أو بداية الإبداع، إلا أنه عادة ما يتوقف عند هذه المرحلة، أو يكون جزءا من نوبة قلق عام متماوج لا أكثر.

وتختلف الموضوعات التى تنال القسط الأوفر من فرط انتباه الشخص أو المريض، فمثلا نجد أنه فى حالات البارانويا يكون الانتباه متعلقا بمحتوى ضلال معين، (مثل ضلالات الإشارة: الناس يشيرون إلىّ ويتحدثون عنى، الأمر الذى قد يتطور إلى ضلالات المراقبة أو المتابعة)، أو قد يتركز على شخص معين (مثلا: على الزوجة – سلوكا أو إيماءات أو أحاديث) فى حالات الغيرة المرضية أو ضلالات الخيانة.

وقد نقابل هذه الظاهرة فى السواء كما قلنا كسِمَةٍ من سمات شخصيات معينة، لهم –عادة- إنجازات فائقة فى الحياة أو الإبداع أو قيادة الجماعات (الزعامة) وقد حكى عن يوليوس قيصر انه كان يستطيع أن يملى عددا من الخطابات للقواد والملوك والرؤساء على عدد من الكتبة فى وقت واحد، كما هو معروف أن بعض أبطال الشطرنج يمكنهم أن يلاعبوا خمسة لاعبين وأكثر فى نفس الوقت، وبديهى أن هذه تعتبر ميزة خاصة ما دامت لن تعطل وظائف أخرى أو تفسد التكيف.

1-6-2015_1

II– ‏تشتت‏ ‏الانتباه:

 يشير‏ ‏التشتت إلى العجز عن المحافظة على ‏ ‏استمرار‏ ‏الانتباه‏ ‏للدرجة‏ ‏التى ‏تجعله‏ ‏مفيدا‏ ‏وتكيفيا‏، ‏وقد يصاحب التشتت فرط الانتباه، وإن كان الاشهر هو أنه يصاحب خللا آخر فى الحركة فى الأطفال بوجه خاص، وهو ما يدرج عادة تحت زملة “قصور الانتباه معه فرط الحركة” Attention Deficit Hyperactive Disorder ADHD وربما نتيجة للعجز عن مواصلة الانتباه ويعوَّض الطفل ذلك بالحركة المفرطة، وربما يكون العكس هو الصحيح بمعنى أنه لأن الطفل يكثر من الحركة طول الوقت، فهو لا يتعلم أن يثبت انتبهاهه للمؤثرات بما يكفى لتحقيق الهدف من الانتباه مثل التعرف أو الاستعمال.

وحين يتشتت الانتباه عند الصغار أو الكبار، تقل فرص التعلم، وأيضا تقل فرص التكيف بشكل أو بآخر.

III ‏- قصور‏ ‏الانتباه‏: ‏

يكون الانتباه هنا أقل من الشخص العادى، والأهم أقل مما تعود الشخص أو تعود المحيطون به منه، ذلك أنه قد يكون الانتباه أقل من المألوف كجزء من التخلف المعرفى العام فى حالات التأخر (التخلف) العقلى وقصور الذكاء، وأيضا فى حالات عته الشيخوخة وتدهور القدرات المعرفية، لكنه أيضا يعتبر عرضا مرضيا مميزا إذا جدّ جديدا عن ذى قبل كما ذكرنا، ويحدث ذلك أحيانا مع حالات الاكتئاب المصاحَبة بعدم الاهتمام، بالمحيط وبالآخرين، وبعدم الجدوى، وكأن لسان حاله يقول “وماذا بعد الانتباه، يا ما انتبهنا!!، وقد يصاحبه أيضا عرض التأخر فى الاستجابة Retardation ويكون ذلك مع تأخر فى حركة أغلب العمليات العقلية، كما قد يشير إلى قلب طاقة الانتباه إلى مضمون الداخل دون مثيرات الخارج بالتركيز على الذات وعلى أفكار الكآبة واليأس والعدمية.

على أن نقص الانتباه قد يكون ظاهرا ومرصودا، كما قد يكون سلبيا وخفيا، ولتوضيح ذلك:

1-6-2015_2

 إن ما يظهر فى المقابلة الإكلينكية وما يرد فى تقرير المرافقين والمعاشرين، من أن المريض لا ينتبه لما يجرى حوله، أو لا يلتقط ما يقال، أو لا يتتبع الحوار بشكل عادى، كما كان سالفا، هو ما يطلق عليه نقص الانتباه الإيجابى وهو الذى يتمتع بكل الموصفات الواردة فى الفقرة السابقة حالا ونحن نقدم قصور الانتباه عامة، ونستشهد بالاكتئاب بوجه خاص.

 لكن أحيانا فى أمراض غير الاكتئاب بالذات يكون هذا النقص غير دال على غياب الانتباه تماما، ففى حين يبدو المريض أنه لا يبالى، أو حتى أنه لا يسمع أصلا، قد نكتشف لاحقا أنه منتبه لكل التقاصيل حتى يمكن أن يحكيها ويتذكرها فيما بعد، ويحدث ذلك فى حالات الكاتاتونيا بشكل خاص، حيث قد يصل الأمر بالمريض أن يبدو فى سبات أقرب إلى الغيبوبة، ثم إذا به حين يفيق من حالته يحكى لنا ما كان يدور حوله وعنه ونحن نحسب أنه كان أبعد ما يكون عن الانتباه، ويعتبر فى هذه الحالة أنه محتفظ بقدرته على الانتباه السلبى، دون الانتباه الإيجابى، ولهذا فإن التنبيه على مراعاة شعور المريض أثناء هذا السبات stupor وعدم اعتباره “ليس هنا” وتجنب التحدث عنه بما يؤذيه أو يجرح شعوره، هو من أهم ما ينبغى أن يصل إلى هيئة التمريض وصغار الأطباء (وكبارهم أحيانا).

وتوجد أهمية خاصة تجعلنا نولى اهتماما مناسبا لهذا النوع من الانتباه (المسمى الانتباه السلبى) حيث له علاقة بظاهرتين من أهم ما ركزنا عليه فى فهم الطبيعة البشرية فى هذا العمل، وهما:

 أولاً: الإدراك المتجاوز للحواس.

وثانياً: تعدد مستويات الوعى (أنواع العقول) المتواجدة معا فى كل شخص دون استثناء.

بالنسبة للظاهرة الأولى دعونا نتذكر أن التسليم بها يفسر كثيرا من أهمية الاعتراف بتعدد مداخل المعرفة الكلية أو المعرفة المباشرة بعيدا عن الوعى الظاهر مما تظهر آثاره فى كثير من نشاطات الإنسان عامة، وخاصة فى علاقته بالكون واجتهاده الإيمانى، وقد سبق أن أوضحنا كيف أنه فى العلاج الجمعى، يمكن أن يدرك المريض ما لا يستطيع أن يحدده، وفى نفس الوقت نرى أثر ذلك فى تغيره وتحسنه، ونرجع ذلك فى النهاية إلى تراكم أثار تشيط الانتباه السلبى بشكل منتظم لفترة طويلة هى مدة العلاج (فكيف نسميه سلبيا بالله عليكم؟!)

أما بالنسبة للظاهرة الثانية فقد أفضنا فيها أيضا فى ملف الإدراك، حين أشرنا مرارا إلى تعدد الذوات وتعدد العقول، وكذلك عند تقديم ما يسمى “العقل الوجدانى الاعتمالى”، كل ذلك يعلن وجود عمليات معرفية لا يكون فيها الانتباه ظاهرا إراديا محددا طول الوقت، وبالتالى فلا يوجد مبرر كاف ليكون الانتباه فى صورته الظاهرة المعلنة هو البوابة الحتمية لكل أنواع النشاطات المعرفية هذه.

ثم دعونا نرجع للتعريف الأساسى للانتباه كما ورد أمس فنجده قد تحفظ فى التأكيد على ضرورة الوعى القصدى حيث نبّه إلى ما يتصف به من: توجيه بؤرة الدراية وتحديد نشاط الإدراك (وهو أول تعريف الانتباه) ولكنه سرعان ما أضاف أنه: “…يشمل المؤثرات‏ ‏الجارية‏ ‏حوله‏، ‏فيرصدها‏ ‏دون‏ ‏قصد‏ ‏‏‏معلن‏، ومع أن هذا يثير بعض الحيرة حتى يغرى بالرجوع عن هذا التعريف أو توسيعه، إلا أنه قضية أساسية بالنسبة للمُنطلق الذى نلتزم به لإعادة النظر مع وضع ثقافتنا فى الاعتبار طول الوقت ونحن نتعرف من جديد على طبيعة النفس البشرية من مدخل الوعى وتعدده ودوائرة، مما سنعود إليه مع اضطرابات الوعى والنوم غالبا.

IV – عدم‏ ‏الانتباه‏ ‏الانتقائى ‏(النقطة العمياء) Blind Spot

أحيانا يكون الانتباه سليما تماما فى معظم النشاطات التى تحتاجه، اللهم إلا فى منطقة بذاتها فقد ينطمس بالنسبة لها حتى العمى، (ومن هنا اسم النقطة العمياء) والمقصود بها ألا ينتبه الشخص أصلا لمنطقة لا يريد الانتباه إليها لأسباب وجدانية تخفى عنه عادة، وأشهر مثل لذلك هو عدم رؤية عيوب المحبوب اصلا وتماما، وعدم الالتفات لأخطائه، وعدم الوقوف عند قصوره، وهذا ما يفسر القول الشائع “الحب أعمى”، وهو ما ورد بطريقة أكثر تعميما فى قول الشاعر:

وعين الرضا عن كل عيب كليلةٌ   كما أن عين السخط تبدى المساويا

وتكثر هذه الظاهرة فى الحياة العادية ربما أكثر مما نقابلها عند المرضى النفسيين، وهى عادة تكون غائبة عن صاحبها تماما، فهى ظاهرة لا شعورية بدرجة تكاد تكون مطلقة، حتى أن من يمارسها ينبرى عادة فى إنكارها تماما، وأحيانا يذهب إلى التدليل بالعكس ..إلخ،

إلا أنه توجد صورة مخففة لهذه الظاهرة، وبالتالى لا ينطبق عليها وصف “النقطة العمياء” وهى ما وصفه المثل المصرى العامى “حبيبك يبلع لك الظلط، وعدوك يتمنى لك الغلط”، فهذا المثل لا ينكر أن الحبيب قد تنطلق منه قذائف الطوب والزلط فى صورة أخطاء أو تجاوزات، لكن لأنه حبيب فإن السماح يسبق الملام، فهو يرى الزلط ويفوّت له، فهى ليست نقطة عمياء، أما بين الأعداء فكل واحد يتربص للآخر، ويتصيد له أية زلة لسان يتفوه بها، أو تقصير هين يصدر عنه، ويتوقف عنده ويحاسبه، أو حتى يعاقبه، أو يخاصمه، أو يفارقه.

 مرة أخرى فهو موقف أكثر نضجا من العمى الانتباهى!!

ونكمل الأسبوع القادم غالبا عن:

7- صعوبة التركيز أو العجز عنه

8- رفض الانتباه

9- إعاقة الانتباه

10- العجز عن الانتباه

11- توجيه الانتباه (فى السياسة والإعلان مثلا)

12- الانتباه الانتقائى

13- التوهان

14- ……..؟؟؟ أخرى

[1] Transcendental Meditation

[2] – Acute and sub-acute paranoid states

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *