الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الوعى (9) متاهة الوعى (5) فى رحاب الوعى أيضا: من متاهة التنظير إلى حدود الأعراض

الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الوعى (9) متاهة الوعى (5) فى رحاب الوعى أيضا: من متاهة التنظير إلى حدود الأعراض

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 31-5-2015   

السنة الثامنة

العدد: 2830 

الأساس فى الطب النفسى 

الافتراضات الأساسيةالفصل السادس:

ملف اضطرابات الوعى (9)

متاهة الوعى (5)

فى رحاب الوعى أيضا:

من متاهة التنظير إلى حدود الأعراض

يبدو أن متاهة الوعى هى أعقد وأوسع من سابق تصورى، وعلى ذلك فسوف أحاول أن أقصر الحديث – مرحليا- على ما يهم الطبيب النفسى، والمعالج النفسى أساسا، فقد تشعب بى البحث فى مجالات الفلسفة، والتاريخ، والاجتماع، والسياسة، والدين، بشكل لم أكن أتصور أنه بهذا الاتساع:

 سوف أضرب لذلك مثلا واحدا لإسهامات مفكر وأستاذ فلسفة أحترمه وأقدره وكنت أتابع بعض أطروحاته فى حدود ما أستطيع وهو أ.د. حسن حنفى(1)، وقد أنجز مؤخرا كتابين موسوعيين بلغت صفاحاتهما أكثر من ألفى صفحة عن “الوعى الموضوعى، والوعى الذاتى” انطلاقا من مسح مفيد لمنهج المعرفة فى التصوف الإسلامى خاصة، وقد اعتبر أنه العلم الذى يجمع بين عدة علوم هى: علم الاخلاق، علم النفس، والفلسفة، وهى مجموعة العلوم التى… تشغل منطقة مهمة ومحورية فى مضمار الدراسات الفكرية والفلسفية، باعتبار أن التصوف يعد مرآة صادقة لما اعترى الحالة العربية الإسلامية من تحولات وأزمات، فضلا عن كونه معبرا أيضا عن طفراتها وإسهاماتها فى المنجز الفكرى والروحى الإنسانى، ومن البديهى كما هو متوقع أن يـُتهم هذا المسلم المفكر الشجاع بالكفر والزندقة بكل صراحة وإصرار، وهذه ليست قضيتنا الآن، المهم أننى حين رجعت إلى كتابيه هذين عن الوعى الموضوعى والذاتى، وهما فى أكثر من ألفى صفحة من القطع الكبير، تبينت – بعد أن أقررت بجهلى كالعادة – كيف أن المسألة فى دراسة الوعى بالذات هى إشكالة منهج فى المقام الأول.

بالرجوع إلى محاولاتى المتواضعة فى هذه النشرات أساسا – مستبعدا غيرها الآن– وجدت أن قراءتى لمواقف النفرى برغم أنها تبدو بعيدة عن قضية الوعى والطب النفسى، إلا أنها شحذت موقفى العملى من المنهج، فقد طمأنتنى على قدرتى (وقدرة النفرى طبعا وقبلا) على ممارسة ما أشرنا إليه تحت مسمى منهج “المعرفة المباشرة”، ويبدو أنه هو هو نفس المنهج الذى أقرأ به مرضاى وذاتى من خلال معايشة الوعى البيـنـ-شخصى والوعى الجمعى) وهو ما أشرت له من قبل، وحين  أضفت إلى ذلك خلفية فكرى وارتباطه بالتطور بصفة عامة، وبصفة خاصة نظرية الاستعادة (المرفوضة من الأغلبية)(2) وجدت أن علىّ أن أتراجع مؤقتا عن التمادى فى المناقشات النظرية، لأنتقل مضطرا إلى ما يسمى اضطرابات الوعى، فى حدود ما يهم الطبيب الممارس، والمعالج المتمرس، وقد بدأ لى ذلك التزاما يمكن الوفاء به، إلا أننى بمجرد أن دخلت أول الأبواب، حتى تيقنت أن النفس الإنسانية كما أنشأها مبدعها هى عصية على التبسيط والاختزال بكل صوره، كما سوف ترون معى بإذن خالقها سبحانه وتعالى.

 ذلك محدود، لكنه بداية ضرورية وعملية ومهمة بالرغم من هذه النية المعلنة التى حاولت بها أن احول دون عرض المزيد من الغموض والبلبلة، فقد وجدت أنه حتى موضوع “الانتباه” الذى نتصور جميعا أننا نعرف أبعاده وأغواره، هو ليس بهذا الوضوح الذى يلوح به، هذا صحيح فى السواء مثلما هو كذلك  فى المرض، وقد وجدت أن ارتباط كل الوظائف ببعضها البعض هو وثيق كما حسبت، وقدمت، وأكثر من كل توقعاتى، فمثلا: لا يمكن التعرف على الانتباه السلبى، دون الرجوع إلى ما قدمناه مطولا بشأن الإدراك المتجاوز الحواس (الخمس)، كما لا يمكن التعرف على كف الانتباه دون الرجوع إلى ما ألمحنا إليه، بل وصرحنا به، عن تلك الإرادات العميقة التى تقرر عدم الفعل، وعدم التلقى، فى مقابل اتخاذ القرار، وإعمال التواصل، وهكذا

دعونا الآن نتعرف على بعض جوانب الانتباه مع الحذر من الاستطراد:

‏أولا: عن الانتباه العادى وحدوده:

الانتباه‏ ‏هو‏: ‏توجيه‏ ‏بؤرة‏ ‏الدراية‏  Focus of Awareness‏ وتحديد نشاط الإدراك‏ ‏نحو  ‏مثير‏ ‏بذاته‏، ‏ويشمل‏ ‏ذلك‏:

‏(‏ا‏) ‏أن‏ ‏يتوجه‏ ‏الانتباه‏ ‏بقصدية‏ ‏محددة‏ ‏إلى ‏المثير‏، ‏وهذا‏ ‏هو‏ ما يسمى: ‏الانتباه‏ ‏الإيجابى. ‏

‏(‏ب‏) ‏أن‏ ‏يلتقط‏ ‏نشاط‏ ‏الانتباه‏ ‏المؤثرات‏ ‏الجارية‏ ‏حوله‏، ‏فيرصدها‏ ‏دون‏ ‏قصد‏ ‏‏‏معلن‏، (الانتباه السلبى)

‏(‏جـ‏) ‏أن يستمر ‏ ‏هذا‏ ‏النشاط‏ ، وذاك، ‏لمدة‏ ‏كافية‏  ‏ليكون‏ ‏نشاطا‏ ‏تكيفيا‏ ‏محيطا‏.

على أن ما وصفنا به الانتباه أنه توجيه قصدى، وتنشيط للدراية والإدراك إلى مؤثر دون الآخر بوعى وقرار، لأن ذلك يتم تلقائيا حسب ظروف كثيرة، عوامل  فى كل من المؤثر والمتلقى، وأيضا هو يتم فى دوائر متزايدة الحدّة بحيث يتم الانتباه إلى مؤثر أكثر من آخر فى مستوى ما، فى حين يتم بترتيب آخر فى مستوى آخر، وهكذا، فهى عملية تلقائية نشطة أكثر منها عملية “اتخاذ قرار بالانتباه” إلى هذا دون ذاك (فهى ليست: “نويت الانتباه إلى هذا الأمر بعينه لمدة ثلاثة أرباع ساعة التالية!!!)

وهكذا يجرى الانتباه على مستويات متداخلة متصاعدة متبادلة بقدر ما توجد مستويات للوعى كما اشرنا سالفا.

خذ مثلا (الشكل) تلك الدوائر المحتملة لدوائر مستويات الانتباه المتتالية ==>

31-5-2015_1

وبعد

قبل أن نستطرد، معيد التذكرة كيف أن الانتباه عموما يعتبر أظهر وأبسط تجليات الوعى الظاهر المباشر، كما نتذكر  كذلك  كيف أن هذا  المستوى المسمى “الانتباه”  لا يمثل كل ما ذكرناه سالفا عن طبيعة الوعى، لكن ثّم تداخل أكيد بين الوعى بشموله، وبين الانتباه بظاهره، وهو ما قد تتبين بعض جوانبه سواء ونحن نتناول اضطرابات الانتباه أم الضطرابات الوعى.

حين نتكلم عن ‏الانتباه‏ (فاضطراباته) فإننا عادة نشير إلى علاقـــتِه بتوجيه الإدراك  ‏أساسا‏ ‏ ‏إلى ‏المثيرات‏ ‏الخارجية‏، ‏لكن‏ علينا ألا ننسى أن  ‏الانتباه‏ ‏يتوجه أيضا إلى ‏المثيرات‏ ‏الداخلية‏‏، ‏وعلاقة‏ ‏توزيع‏ ‏طاقة‏ ‏الانتباه‏ ‏ما‏ ‏بين‏ ‏مثيرات‏ ‏الداخل‏ ‏ومثيرات‏ ‏الخارج‏ ‏تعتمد‏ ‏على ‏التهيوء‏ ‏العام‏ ‏الذى ‏يوجه‏ ‏النشاط‏ ‏العقلى ‏فى ‏اتجاه‏ ‏بذاته‏، ‏فضلا‏ ‏عن‏ ‏مدى ‏التناسب‏  ‏بين‏ ‏ما‏ ‏يتطلبه‏ ‏الموقف‏ ‏وما‏ ‏يستثار مع الانتباه من وظائف نفسية أخرى (مثل الإدراك عامة، والوجدان بكل تداخلاته ومستوياته، والإرادات العميقة،  وغير ذلك)

وكالعادة: سوف نحاول تقسيم الظواهر والأعراض ‏بحسب‏ ‏إمكانية رصدها لتشكيل الصورة الإكلينيكية الظاهرة، وما يقابلها أحيانا فى حالة السواء كما اعتدنا فى هذا العمل عموما

يمكن‏ ‏تعداد‏ ‏المظاهر والأعراض بصفة مبدئية كما يلى:

1- فرط الانتباه

2- تعدد الانتباه الإيجابى

3- تعدد الانتباه السلبى

4- ضعف الانتباه عموما

5- ضعف الانتباه الإيجابى

6- ضعف الانتباه السلبى

7- تشتت الانتباه

8- رفض الانتباه (= كف الانتباه)

9- إعاقة الانتباه بالتركيز عليه

10- العجز عن التركيز (وصعوباته)

11- العجز عن الانتباه

12- توجيه الانتباه (فى السياسة والإعلان مثلا)

13- عدم الانتباه الانتقائى (النقطة العمياء)31-5-2015_2

14- الانتباه الانتقائى

15- التوهان

16- …….. (وغير ذلك غالبا)

وبعد

لست راضيا على هذه القائمة وأنا لا أجد سبيلاً إلى تصنيف أفضل (فى هذه اللحظة)

أستسمحكم  بتأجيل ذلك إلى نشرة الغد، ربما وجدت حلا

عذرا

وشكرا.

[1] – الأستاذ الدكتور حسن حنفي هو أستاذ الفلسفة بكلية الآداب بفاس -المغرب 1982 ـ 1984 ، رئيس قسم الفلسفة – كلية الآداب – جامعة القاهرة 1988-1994، أستاذ متفرغ بكلية الآداب – جامعة القاهرة 1995 وحتى الآن.، وقد حاز على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون وذلك برسالتين للدكتوراة، قام بترجمتهما إلى العربية ونشرهما في عام 2006 عنوان “تأويل الظاهريات” و”ظاهريات التأويل”، وقضى في إعدادهما في السربون 10 أعوام، عمل مستشارًا علميًا في جامعة الأمم المتحدة بطوكيو خلال الفترة من (1985-1987)، وهو كذلك نائب رئيس الجمعية الفلسفية العربية، والسكرتير العام للجمعية الفلسفية المصرية، وأعماله واحتهاداته وجهاده معا: تمثل مشروعا متكاملا لتجديد التراث منهجا واستلهاما، وذلك بمحاولة الانتفاع بالمنهج المعرفى المرتبط بخبرات التصوف الإسلامى بوجه خاص، وهو الموضوع الذى عرجنا إليه فى محاولة ربط الطبيعة الحديثة بالتصوف (ليس الإسلامى تحديدا)، وقد نال ما يستحق من ثواب بما لحقه من تكفير واتهام بالزندقة وغير ذلك مما لا مجال لتفصيله الآن، وهو  ما زال يحاول باستمرار أن يشق طريقًا ثالثًا بين العلمانية والسلفية التقليديتين، وأن يقدم مشروعًا شابًا يواكب تطورات واقعنا العالمي والعربي دون أن يفقد التوازن بين الالتزام الوطني، والوعي النقدي، بين الوعي الإسلامي لحضارته، والوعي الأوروبي لحضارة الغرب المقابلة.

 – [2] أنظر نشرة الإثنين 8 /3/2015 “استحالة إثبات جميع نظريات التطور، ومع ذلك”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *