الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الوعى ماهية الوعى (3) هل نحن نتحاور بالألفاظ أم من خلال حركية الوعى

الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الوعى ماهية الوعى (3) هل نحن نتحاور بالألفاظ أم من خلال حركية الوعى

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 10-5-2015   

السنة الثامنة

العدد: 2809

الأساس فى الطب النفسى

الافتراضات الأساسيةالفصل السادس:

ملف اضطرابات الوعى

     ماهية الوعى (3)

هل نحن نتحاور بالألفاظ أم من خلال حركية الوعى

مقدمة 

يبدو أن الله سبحانه أراد بى خيرا حين سمح لى أن أورط نفسى فى هذه الكتابة اليومية التى أُضطر من خلالها أن أرجع إلى ما كان ينبغى أن أعرفه قبل أن ألقاه، ذلك أننى كلما فتحت ملفا لبحث ما تيسر من الطبيعة البشرية، التى أعتبر التعرف عليها هو الأساس الوحيد الذى يبرر لى امتهان مهنتى، أجدنى جاهلا تماما، ثم أجدنى مقصرا فعلا، ثم أجدنى مجتهدا نوعا، فأستغفر الله وأواصل السعى اليومى الذى قد لا يسمح لى بأن أعيد توازنات هذه الصفات فى هذه السن.

 حين دخلت ملف “الإدراك” لم أكن أتصور أن محيطه بهذا الاتساع، ثم خذ عندك “الوجدان”، فـ..”الإرادة”، ولولا أننى مضطر أن أصدر هذه النشرة اليومية لكنت سأزوغ، أو على الأقل أؤجل، والمسألة أصبحت لا تحتمل التأجيل، وهأنذا أواجه مشكلة “ماهية الوعى” التى اكتشفت أنه يكاد يتساوى فيها الجاهل والعالم، طالما هى ما زالت بكل هذا الغموض، وفى نفس الوقت: بكل هذا الحضور.

ولكن: “لا”!!

 عندك،

 هناك بارقة أمل:  تلك التى لاحت لنا من قبل، ثم تجّلت أوضح فى نشرة الإثنين الماضى، صحيح أن العلم المسمى “الحديث” أو  “المؤسسى” أو  “الوصى” كاد يهمـِّشها، لكن يبدو أن العلم الأحدث (الجوهرى- الحقيقي) وجد إليها طريقا علميا أرقى، وأعرق، وأبقى:.

أرجو أن تـُعتبِر نشرة الإثنين الماضى مقدمة مهمة  لتوضيح ذلك، وقد ذكرت فيها أننى وددت لو تجنبت استعمال لفظ أو مصطلح  “التصوف”، واقترحت أن  أستبدل به مصطلح “المعرفة الكلية”، إلا أننى حين بدأت فى التخفيف من جهلى، وجدت كتابا مهما يمكن أن يدعم ما وصلنى فى خبرتى المهنية والشخصية بعنوان ” التصوف الشرقى والفيزياء الحديثة”، وهو كتاب يتكلم عن التصوف عامة، (بما فى ذلك التصوف الإسلامى)، والتصوف البوذى والهندوسى خأصة، ويخص بالذكر التاوية TOA، وأنا أعرف حساسية أغلب أهل  دينى من هذا التعميم، وربما هذا هو ما دفعنى أن  اقترح الأسبوع الماضى أن أسمى المنهج الذى يمكن أن نتعرف من خلاله على الوعى: “المعرفة الكلية”، لكننى حين توقفت أمام عنوان هذا الكتاب، رأيت أنه قد آن الأوان أن نحاول وضع الأمور فى نصابها، وأن نسمى الأمور بأسمائها، فنتعامل مع التصوف بعيدا عن وصاية من لا يعرفه، أو من يحاول أن يحتكره لصالح دينه الخاص جدا، أو يترجمه إلى منظومته الخانقة، إن شجاعة مؤلف هذا الكتاب مستمدة غالبا من سماح ثقافته (برغم أن كثيرا منه هو سماح محدود، أومشروط)، فقد رأى المؤلف فريتجوف كابرا(1)، أنه من الأمانة أن نسمى الأشياء بأسمائها، فالتصوف هو التصوف، وهو منهج معرفى أساسا، يمارسه الأمّى كما يمارسه من يشاء ويقدر من الأكاديميين إن صدقوا العزم، وفى رأيى – ومن خلال ممارستى المهنية- وأيضا من خلال هذه الفرصة اليومية اللحوح، وفضل كرم مولانا “جوجل”، تبينت أن هذا المنهج المعرفى (الشائع بعضه تحت اسم التصوف) هو القادر على أن يواجه ما آل إليه العالـَم (بفتح اللام وكسرها)  ليس فقط فى المجال الأكاديمى، ولكن فى الحرب والسياسة والمال والأخلاق والقيم والثقافة، بكل أسف.

تعالوا اليوم نستمع إلى بعض ما قال كابرا فى كتابه هذا بصدد موضوعنا ، وبالذات فى تقديمه لهذا المنهج الأقدم جدا، الذى أصبح هو هو: الأحدث جدا:

أولا: الاسم الأصلى للكتاب بالإنجليزية هو:

The TAO of Physics

والعنوان الفرعى هو:

An exploration of the parallels between

modern  physics and Eastern mysticism

والمترجم هو: عدنان حسن

مفاجأتان:

المفاجأة الأولى:

 حين وصلت إلى هذه النقطة من كتابة هذه النشرة، قلت أبحث عن اسم المترجم، فقد قام بعمله بإتقان يستحق كل الشكر والتقدير، ورأيت أن أعرّف القارئ بالمترجم  مثلما عرفته بالمؤلف، فوجدت عددا كبيرا بنفس الاسم، فأضفت اسم الكتاب بالإنجليزية لعلنى أميز المترجم ، فإذا بعمنا جوجل يـُدْخِلـُنِى إلى موقعى الخاص شخصيا، ، فكانت المفاجأة الأولى التى ترتب عليها ما سترون حالا:

المفاجأة الثانية:

حين فتحت بريدى الإلكترونى صباح اليوم (السبت) وجدت مداخلة من الشبكة العربية النفسية (شعن) من الشاعر الأديب الطبيب العالم  الجميل الإبن الأستاذ الدكتورصادق السامرائى بعنوان “وعى الوعى”، وهى مداخلة جسور مهمة، قرأتها بهدوء وحب وترحيب، ووجدت عندى تعقيبات كثيرة، وتساؤلات أكثر، وأنا أفرح بالسؤال أكثر مما أسعد للإجابة. لم تستثر مداخلة الزميل الفاضل التى كانت شعرا كاشفا وانتهت بقصيدة تقليدية جميلة، لم تستثر تماسـًّا بيننا كما اعتدنا بقدر ما احتاجت إلى تعقيبات محددة، قمت بتخطيطها ووضع الهوامش اللازمة، لكننى فضلت أن افرغ لها وقتا وإعادة، خاصة وأن كثيرا مما خطر لى تعقيبا أو ترحيبا، قد يرِدُ لاحقا فى ملف الوعى الحالى، والله أعلم، ولا يسعنى حالا إلا ان أشكره وأدعو له فهو، والإبن جمال التركى – على الأقل- يواصلان تحمّلى معظم الوقت، فأواصل(2).

وبعد:

سوف أكتفى اليوم بتناول المفاجأة الأولى، التى ذكّرتنى بنشرتين سابقتين  (منذ حوالى ثمان سنوات)، وجدت فيهما ردا  على سؤال  خطر لى، ولا بد أن يخطر للأصدقاء والزملاء سؤال يقول:

ماذا يفيد الطبيب النفسى، والمعالج عموما، من الدخول فى هذه المسائل التى تبدو نظرية، وأحيانا توصف خطأ بأنها فلسفية (لمن يعامل الفلسفة بمنطق لا يمت لها بصلة)، ماذا يفيد هذا أو ذاك من متابعة كل هذا التنظير والتقعير هكذا؟

فأجد الجواب الأول فيما جاء فى أول هذه النشرة حين قلت ” أننى كلما فتحت ملفا لبحث ما تيسر من الطبيعة البشرية، التى أعتبر التعرف عليها هو الأساس الوحيد الذى يبرر لى امتهان مهنتى، اجدنى جاهلا …..إلخ “

أما الجواب الثانى فهو قراءة فى بعض ما ورد فى (نشرة الإنسان والتطور العدد:177: 24/2/2008 عن علاج: المواجهة – المواكبة – المسئولية:  م.م.م. Confrontation (Togetherness Responsibility Therapy CTRT  بما يسمح لى بأن أضيف اليوم (بعد حوالى ثمان سنوات) تعقيبات محدودة تبين علاقة هذا الذى نمارسه بما هو وعى يتخلق أثناء العلاج، ويكاد يكون هو العامل العلاجى الفعال فى أية ممارسة موضوعية هادفة فى مهنتنا، حيث أننى لاحظت أننى لم أشر إلى دور الوعى فى تلك النشرات السابقة إلا لماما، وهأنذا أحاول أن أكمل ما فاتنى، بعد أن وصلنى ما أفادنى، فيتأكد عندى من جديد أن الخبرة كثيرا ما تسبق التنظير!

المقتطفات: (من النشرة المذكورة)

     ….. ….. يتصور أغلب الناس أن العلاج النفسى هو أسلوب حديث فى العلاج، ويقرنونه عادة بما يسمى التحليل النفسى. لا هذا صحيح، ولا ذاك، العلاج النفسى هو أقدم علاجات الدنيا، فهو باختصار شديد: تغير إيجابى من خلال علاقة إنسانية مسئولة بين صاحب خبرة جعلته “حكيما”  “يعرف”، وصاحب حاجة لهذه الخبرة يمر بأزمة مرض أو يعانى عواقب إعاقة، هذه هى الحكاية، إلى أن قلت:

“………..أود أن أعترف أن المبدعين الامناء فى الغرب (أو العالم المتقدم عامة، ممثلا فى الغرب حتى الآن)، تبلغ بهم الأمانة أن يعزوا الفضل لذويه، فيذكرون أن هذا الذى يعرضونه له أصوله وتاريخه عندنا، أو قل عند الشرق عموما بما يشمل الشرق الأقصى طبعا، ثم إنى أشرت إلى كتاب كابرا موضوعنا الآن كمدخل إلى الوعى بمنهج شرقى أصيل ، وهو كتاب:

“التصوف الشرقى والفيزياء الحديثة” “The TAO of Physics”

 تأليف: فريتجوف كابرا.

……………

منذ هذا التاريخ الباكر قدمت بعض ملامح بعض ما نمارسه استلهاما من  ثقافتنا أساسا حيث ألمحت إلى  الخطوط العريضة للعلاج الذى أمارسه فى كلية طب قصر العينى، وكذلك تحت مظلة جمعية الطب النفسى التطورى والعمل الجماعى، وهو ما أسميناه علاج: المواجهة – المواكبة – المسئولية:  م.م.م. Confrontation Togetherness Responsibility Therapy CTRT

كتبت فى التقديم:

“‏العلاج‏ ‏هو‏ “‏مواكبة‏” ‏مسيرة‏ ‏النمو، ‏يقوم‏ ‏بها‏ ‏شخص‏ ‏مسئول‏ ‏ذو‏ ‏خبرة‏ ‏ووعى ‏وحركة‏ ‏شخصية‏ ‏مستمرة‏ ‏على ‏مسار‏ ‏النمو (حكيم)، ‏لصالح‏ ‏شخص‏ ‏معاق أو متألم لدرجة يمكن أن توقفه أو تحوّل مساره (مريض).

يحدث هذا أو ذاك (الإعاقة أو الألم المفرط)‏ ‏نتيجة‏ ‏لضغط ‏ تنشيط مستوى من الوعى كان كامنا، ثم تنشَّط ولم تِستوعبه بقية مستويات الوعى، أو‏ ‏نتيجة‏ ‏لجمود‏ ‏مفرط‏ ‏مانع‏ ‏لانطلاق مثل هذا النشاط

تعقيب محدود (الآن):

تلاحظ هنا الإشارة إلى مستويات الوعى وتنافسها ، واحتمال إعاقة بعضها بعضا، ومن ثم تكون وظيفة العلاج هى  إعادة التبادل والتناسب بين مستويات الوعى، ومن ثم التآلف فالجدل لاحقا،

من هنا يصبح تناول الوعى بصفات واحدة، أو على مستوى واحد :مسألة تحتاج لمراجعة، فشتان بين أن نتعامل مع وعى واحد مهما نجحنا فى توصيفه وتحديده، وبين أن يكون فهمنا للوعى متعدد المستويات متعدد الأوصاف، مع استمرار صلاحية كلمة “الوعى” لكل هذه المستويات مجتمعة، أو مستقلة.

تعمقت هذه النقطة من خلال تعرفى لاحقا على أبعاد ما يسمى “الوعى البينشخصى“، ثم “الوعى الجمعى خاصة فى العلاج الجمعى وعلاج الوسط”، ثم تدعمت فكرة المواكبة بعد أن وصلتنى من علم المعرفة العصبى بالذات فروض ومعلومات وتأكيدات  عن أن المخ البشرى “يعيد بناء نفسه” باستمرار  حتى تكرر عنوان The Brain Rebuilds Itself لأكثر من كتاب وصلونى مؤخرا، ثم إنى أضفت من عندى بـُعد الإيقاع الحيوى(3) وأن المعالج إنما يواكب هذه العملية الفسيولوجية التصحيحية التلقائية، يواكبها بوعيه اساسا، وبمعلوماته كلها تماما، يواكبها وهو يضع علامات يحدد بها مساره ويوجهه، وهو يسهم فى إعادة البناء مستهديا بتحقيق أهداف  متوسطة طول الوقت

بلاحظ هنا أنه لم ترد  أيضا أية إشارة إلى حوار الوعى مع الوعى، وكأن كل ما سبق يمكن قياسه  بالقلم والورقة والتفسير المحدد والحساب، وهذا غير ما يجرى فى واقع الحال،

وبإعادة النظر فى أنواع الحوار التى وردت فى تلك النشرة وجدت أنها تحتاج إلى تعقيب يربطها بشكل ما بإشكالة الوعى المطروحة حاليا، لعل ذلك يقربنا من الرد على السؤال الخاص بفائدة هذا التنظير للتطبيق،

وفيما يلى محاولة للتعقيب على مختلف أنواع الحوار وعلاقة كل بما يسمى “الوعى”.

نص تصنيفات الحوار كما جاءت فى النشرة السابقة بتاريخ 24-2-2008

 المقتطفات:

“…… وحتى ‏نتعرف على ‏مفهوم‏ “‏المواكبة‏” (فى علاج المواجهة المواكبة المسئولية) وهو البعد ‏المتصل‏ ‏مباشرة‏ ‏بمسيرة‏ ‏النمو‏: ‏يستحسن‏ ‏أن‏ ‏نستعرض‏ ‏ماهيات‏ ‏التواصل‏ ‏أو‏ ‏محاولات‏ ‏التواصل‏ ‏بين‏ ‏اثنين‏ ‏أو‏أكثر‏ ‏من‏ ‏البشر‏، ونبدأ بما يسمى “الحوار” من أول “حوار الصُّم” حتى حوار “المواكبة”.

‏1- ‏حوار‏ ‏الصم (الطرشان)‏:

 ‏هذا تعبير مشهور، وقد بدأنا به لأنه أصبح متواترا جدا، وخاصة فى الإعلام والسياسة!! وأيضا لأنه كثيرا ما يكون خفيا على من يمارسه حين يستعمل ما يشبه المعنى، بلا معنى.

و‏هو‏ ‏حوار‏ ‏لا‏ ‏يؤدى ‏وظيفة التواصل بقدر كاف لافتقاره –فى عمق معين- للاتفاق‏ ‏‏على ‏معنى مشترك، ‏وبالتالى ‏فهو‏ ‏لا‏ ‏يؤدى ‏وظيفة‏ “‏الرسالة‏ ‏والعائد‏” ‏وهو‏ ‏يدل‏ ‏على ‏تباعد‏ ‏الناس، ‏وعجز‏ ‏اللغة‏ ‏عن‏ ‏أداء‏ ‏وظيفتها‏ ‏الأساسية،

‏ولكن‏ ‏لماذا‏ ‏يستمر‏ ‏مثل هذا الحوار بدرجةٍ‏ ‏ما‏ ‏فى ‏حياتنا‏ ‏المعاصرة إذا كان بكل هذا الخواء؟‏ ‏لابد‏ ‏وأنه‏ ‏يؤدى ‏دورا‏ ‏ما‏… ‏وأن له وظيفة‏ ‏ما‏ (!!).‏

هذا النوع من  الحوار، ‏برغم‏ ‏أنه‏ ‏يعلن‏ ‏مصيبة‏ ‏عصرية‏، حتى نكاد ننكره ونتبرأ منه، ‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏يعلن‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏أن‏ ‏الانسان‏ ‏المعاصر‏ ‏غير‏ ‏قادر‏ ‏على ‏تحمل‏ ‏مسئولية‏ ‏الكلمة‏ ‏بما‏ ‏أصبحت‏ ‏تحويه‏ ‏من‏ ‏نبض‏ ‏وتحد، ‏وأن‏ ‏هذه‏ ‏الأصوات‏ ‏البديلة‏ ‏عن‏ ‏الكلام‏ ‏ذى المعنى، هى – بشكل ما – ‏حماية‏ ‏من‏ ‏المعنى ‏الموضوعى ‏المترابط‏ جدا ‏الذى قد ‏يهدد‏ ‏بالامتداد‏ ‏بالوعى ‏إلى ‏ما‏ ‏بعد‏ ‏حدود‏ ‏الدفاعات‏ ‏القائمة، ‏وبالتالى ‏فقد‏ ‏يكون‏ “‏حوار‏ ‏الصم‏” ‏دفاعا‏ ‏ضد‏ “‏الخوف‏ ‏من‏ ‏المعنى”(المطلق).

فإذا‏ ‏قام‏ ‏العلاج‏ ‏النفسى (‏وبعض‏ ‏أشكال‏ ‏التحليل‏ ‏النفسى ‏تقوم‏ ‏بهذا‏ ‏الدور‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏تدرى) ‏بتأكيد  ‏حوار‏ ‏الصم‏ ‏هذا (الذى كنا نهجوه حالا) حتى ‏ليعود‏ ‏المريض‏ ‏يمارسه‏ ‏بقدر‏ ‏ما، ‏فهذا‏ ‏فى ‏ذاته‏ ‏تقوية‏ ‏للدفاع‏ ‏اللازم‏ ‏لاستمرار‏ ‏الحياة‏ ‏العادية‏ ‏ولو‏ ‏على ‏مستوى ‏متواضع – ‏مرحليا‏ – ‏ربما‏ ‏استعدادا‏ ‏لجولة نموّ‏ ‏قادمة‏ ‏أقوى ‏وأنجح‏.‏

‏هنا‏ ‏يتبين‏ ‏الخلاف‏ ‏بين‏ ‏الرفض‏ النظرى (الفنى غالبا)  ‏لحوار‏ ‏الصم‏،  ‏والتقبل‏ ‏العملى ‏والعلاجى ‏لبعض‏ ‏أشكاله بدرجات مختلفة، بما يلائم ‏بالضرورة‏ ‏الحياة‏ ‏الواقعية‏ ‏التى ‏تلزم‏ ‏للتكيف‏ ‏والاستمرار‏.‏

نقطة‏ ‏أخرى ‏لصالح‏ ‏حوار‏ ‏الصم‏ ‏هو‏ ‏أنه‏ ‏يحافظ‏ ‏على ‏استمرار‏ ‏التواصل‏ ‏الظاهرى، ‏الأمر‏ ‏الذى ‏يحمل‏ ‏احتمال‏ ‏تواصل‏ ‏غير‏ ‏لفظى ‏مواز، ‏مع‏ ‏درجة‏ ‏من‏ ‏الأمان‏ ‏بين‏ ‏المتواصلين‏ ‏لأن‏ ‏أحدا‏ ‏لا‏ ‏يسمع‏ ‏الآخر‏ ‏مباشرة، ‏بمعنى أنه‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏استبعاد‏ ‏أن‏ ‏البعد‏ ‏الموازى (‏حوار‏ ‏بمحاذاة‏ ‏الألفاظ‏) ‏قد‏ ‏يقوم‏ ‏بوظيفة إيجابية،  ‏بدليل‏ ‏استمرار‏ ‏الحوار‏.‏

تعقيب محدود:

يلاحظ أن هذا النوع هو – على الأقل فى ظاهره- أبعد ما يكون عن جدلية الوعى البينشخصى أو الوعى الجمعى، (فى العلاج الجمعى أو علاج الوسط بالذات)، لكن تظل له الوظيفة الدفاعية، التى يمكن أن تكون ضرورية خاصة فى المراحل الأولى من تخليق الوعى معا، كما يظل احتمال وجود “حوار بمحاذاة الألفاظ” قائما!! وهو المهمة التى يقوم بها الوعى البينشخصى.

‏2- ‏حوار‏ ‏الكر‏ ‏والفر‏:‏

هذا‏ ‏النوع‏ ‏أكثر‏ ‏مباشرة‏ ‏وأكثر‏ ‏انتشارا‏ ‏بين‏ ‏كثير‏ ‏من‏ ‏الناس، ‏وهو يغلب‏ ‏على ‏بعض‏ ‏الأشخاص‏ ‏الذين‏ ‏توقفوا‏ ‏فى ‏نموهم‏ ‏عند‏ ‏معتقدات‏ “‏جاهزة”‏ ‏فى ‏العادة‏، ‏تحمى ‏ذات‏ ‏الشخص‏ ‏وتُحَوْصِلهُ‏ (‏حتى ‏ليقترب‏ ‏من‏ ‏مفهوم‏ ‏الإعاقة‏ ‏فى ‏اضطراب‏ ‏الشخصية‏) ‏ويصبح‏ ‏الحوار‏ ‏عندهم‏ ‏أقرب‏ ‏إلى ‏المناورة، ‏بما‏ ‏يدخل‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏من‏ ‏إغارة‏ – ‏وتعمية ‏، مثل‏ ‏هذا‏ ‏الحوار‏ ‏يحدث‏ ‏فى ‏الحياة‏ ‏العامة‏ ‏ويتناوب‏ ‏الأدوار‏ ‏فيه‏ ‏الأفراد‏ ‏بكفاءة‏ ‏تسمح‏ ‏له‏ ‏بالاستمرار‏ ‏أيضا،

أما‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏العلاج‏ ‏النفسى، ‏فهو‏ ‏يتكرر‏ ‏فيما‏ ‏يقوم‏ ‏به‏ ‏المعالج‏ أحيانا  ‏من‏ “‏تفسير‏” ‏مقحَم، ‏فى مقابل ما يقوم‏ ‏به‏ ‏المريض‏ ‏من‏ “‏مقاومة‏”، ‏وكذلك‏ ‏فيما‏ ‏يقوم‏ ‏به‏ ‏المعالج‏ ‏فى ‏محاولة‏ “‏كشف‏ ‏المخبوء‏”!!! ‏وما يقوم‏ ‏به‏ ‏المريض‏ بالمقابل ‏من‏ “‏تستر‏ ‏شعورى ‏أو‏ ‏لا‏ شعورى”

‏وبالعكس‏ ‏فيما‏ ‏يقوم‏ ‏به‏ ‏المريض‏ ‏من‏ “‏تحد‏ ‏صامت‏ ‏أو‏ ‏صريح‏” ‏ويقوم‏ ‏به‏ ‏المعالج‏ ‏من‏ “‏تجنب‏ ‏النظرات‏ ‏والصمت‏ ‏(وكأنه‏ ‏يفكر‏، أو لعله يفكر) !!”…‏الخ

هذا‏ ‏الحوار‏ ‏أيضا‏ ‏يؤدى ‏وظيفة‏ ‏فى ‏العلاج‏ ‏النفسى (‏كما‏ ‏يؤديها‏ ‏فى ‏الحياة‏ ‏العامة‏)، ‏وهو‏ ‏يحافظ‏ ‏على ‏استمرار‏ ‏نوع‏ٍٍ ما ‏من‏ ‏التواصل‏ ‏يمكن‏ ‏للذات‏ (‏أو‏ ‏الذاتين‏ ‏إذا‏ ‏أردنا‏ ‏الدقة‏) ‏أن‏ ‏تواصل‏ ‏تماسكها‏ ‏دفاعا ‏وهجوما، ‏كما‏ ‏يحمل‏ ‏احتمالا‏ ‏أقل‏ – ‏من‏ ‏خلال‏ ‏مجرد‏ ‏الاستمرار‏ – ‏لتواصلٍ‏ ‏مواز‏ٍٍ ‏كما‏ ‏ذكرنا‏ ‏حالا‏.‏

تعقيب محدود:

هذا النوع من الحوار، برغم ظاهر حدته واحتمال قيامه بتوسيع المسافة بين المتحاورين لا تقريبها، إلا أنه أكثر حيوية من منطلق تشكيل الوعى (العلاجى: إن صح التعبير)، لانه لا يوجد إلزام أن ينتهى هذا الحوار بالتباعد، فقد ينقلب مع تنمية الوعى باضطراد إلى احتواء للتناقض ومن ثم احتمال الجدل فالنمو، فهو قريب من حركية تشكيل الوعى الضام فى الاتجاه الصحيح

‏3- ‏حوار‏ ‏شيل‏ ‏الهم‏:‏

هذا‏ ‏النوع‏ ‏شائع‏ ‏بوجه‏ ‏خاص‏ ‏فى ‏المجتمعات‏ ‏الشرقية، ‏وربما‏ ‏المصرية‏ ‏بوجه‏ ‏أخص،ويمكن أن تندرج تحته أنواع فرعية نذكر بعضها فيما يلى:

        أ‌-    ‏ حوار‏ ‏المناحة‏” ‏وفيه‏ ‏يتواصل‏ ‏الشخصان‏ (‏أو‏ ‏الناس‏) ‏بأن‏ ‏يشكو‏ ‏كلٌّ‏ ‏همه‏ ‏للآخر، ‏ليخفف‏ ‏بعضهم‏ ‏عن‏ ‏البعض، وتقوم الندابة فى المآتم (أوكانت تقوم) بتحفيز مثل هذا الحوار بين أهل الميت والمعزين، بترديد ما يسمى “العديد”(4)

تعقيب محدود:

هذا النوع ليس له علاقة مباشرة بحدلية الوعى بقدر ما هو تفريغ لطاقة مشروعة لم تتح لها الفرصة بالقدر المناسب فى الوقت المناسب

أما علاقته بحركية تشكيل الوعى فهى محدودة، وتتوقف فاعليتها على ما نقوله للمشارك (أو المدعى المشاركة) فى العلاج الجمعى مثلا قد نطلب من المشارك  أن يقيس مشاركته بمدى ما تحرك “فيه” “له” هو من واقع تقمصه، وهذا ما يميز تفاعله عن مجرد الشفقة والمواساة.

       ب‌-   “‏حوار‏ ‏التشفى ‏الخفى” ‏وهو‏ ‏الذى ‏يتمثل‏ ‏فى ‏المثل‏ ‏القائل‏ “‏من‏ ‏شاف‏ ‏بلاوى ‏الناس‏ ‏هانت‏ ‏عليه‏ ‏بلوته‏” ‏وبرغم تصور كثير من الناس بعض الإيجابية فى مثل هذا الموقف، حتى شاع خطأ أنه من بعض ما يبرر أفضلية العلاج الجمعى (ياه!! هكذا أرى أن هناك حالات أسوأ من حالتى!!) ، فإنه ليس بنائيا ولا طيبا مع أنه قد يفيد فى بعض المراحل، وقد ينفع فى بعض ‏ ‏العلاجات‏ ‏السطحية لذوى الشخصية “الذاتوية” بقدر أو بآخر، خاصة إذا ألحق بحمد الله أنّ ما نحن فيه هو أقل مما يعانيه الآخرون.

هذا الموقف يكاد يكون عكس ما نعنيه بالمواكبة. كلما أثير مثل هذا القول فى جلسات العلاج  الجمعى ، نعرج بالتفاعل إلى احتمال بديل آخر يقول: ‏”من شاف بلاوى الناس زادت عليه بلوته”، تذكرة بالحوار السابق وأننا  نحمل هم بعضنا البعض معاً، آملين أن يخف عن كل واحد منا معا، بدلا من إعلان (حتى لأنفسنا)  أننا سعداء لأن مصيبتنا أخف.

تعقيب محدود:

لا يظهر هذا لنوع صريحا فى العلاج الجمعى، وبالتالى لا يبدو أن له علاقة بتشكيلات الوعى معا، لكن هذه ليست كل الحقيقة ، فقد يصل حذق المعالج فى العلاج الجمعى أن يكشف عنه، لا ليقوم بالتأنيب عليه أو شجبه بطريقة أخلاقية مسطحة، وإنما للتعرف على مستويات الوعى المكبوتة، وكيفية احتوائها للتعامل معها ، مع حركية المواكبة، واحتمال التناقض، واحتواء الأضداد  على مسار النمو

      جـ-   حوار‏ ‏المواساة‏” ‏بما‏ ‏يحمل‏ ‏من‏ ‏معانى “‏الإشفاق“‏ “‏والطبطبة‏” (‏طب‏ ‏الشيء‏: ‏تلطف‏ ‏به‏ ‏وترفق‏) ‏وهذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏الحوار‏ – ‏ككل‏ – ‏له‏ ‏فائدة‏ ‏علاجية‏ ‏وهى ‏بمثابة الوعد بالمشاركة‏ ‏وبكسر‏ ‏الوحدة،

تعقيب محدود:

مهما بدا هذا الحوار سطحيا أو حتى فشل عند الاختبار، فإنه قد يؤدى وظيفة محدودة فى بداية التقارب، لكن إذا زادت جرعته فإنه قد يصبح موقفا فوقيا ليس فيه قدر كاف من إعادة تشكيل الوعى معا، فإذا لم يتطور ، فهو يصبح  غير كاف، وأحيانا معطل

‏4- ‏حوار‏ ‏التغافل‏:‏

هذا‏ ‏الحوار‏ ‏يعنى ‏أن‏ ‏يتغافل‏ ‏كل‏ ‏واحدا‏ ‏عما‏ ‏يراه‏ ‏فى ‏الأخر‏ ‏مما‏ ‏لا‏ ‏يروقه‏ ‏أو‏ ‏يهدده‏ ‏أو‏ ‏ينفره‏ .. ‏الخ، ‏سواء‏ ‏بوعى ‏أو‏ ‏بغير‏ ‏وعى، ‏والأخير‏ ‏أكثر تواترا، ‏وبهذا‏ ‏يستطيع‏ ‏كل‏ ‏منهما‏ ‏أن‏ ‏يواصل‏ ‏المسيرة‏ ‏بجوار‏ ‏الآخر، ‏وفى ‏ ‏العلاج‏ ‏النفسى ‏عادة ما يكون ‏ ‏التغافل‏ ‏من‏ ‏جانب‏ ‏المريض‏ ‏أكثره‏ (‏أو‏ ‏كله‏) ‏بغير‏ ‏وعى، ‏وقد يكون‏ ‏من‏ ‏جانب‏ ‏الطبيب‏ ‏كذلك‏ ‏ولكن‏ ‏إلى ‏درجة‏ ‏أقل، ‏لذلك‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يسمى ‏ “‏الطَّنْبَلَة‏”(5) ‏وفى ‏هذا‏ ‏ما‏ ‏يحمل‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يسمى (‏الإيهام‏ ‏بالقبول‏) ‏وهى ‏وظيفة‏ ‏هامة‏ ‏فى ‏الحياة‏ ‏العادية‏ ‏تحفز‏ ‏على ‏الاستمرار، ‏ربما حل محله حوار ‏أعمق‏ ‏كما‏ ‏ذكرنا‏ ‏فى ‏كل‏ ‏الأحوال‏ ‏السابقة‏.‏

تعقيب محدود:

قد يحافظ هذا الحوار على استمرار مؤسسة صعبة، مثل المؤسسة الزواجية، وقد يتجلى فى العلاج الجمعى مع ظاهرة الاقتران  pairing التى وصفها بيونBion ، حين يقوم شخصان فى المجموعة العلاجية بالتقارب الظاهر أو الخفى، ويغذى كل واحد منهما دفاعات الآخر، سواء فى التفاعل أو فى الدفاع عن بعضهما البعض ضد هجوم المجموعة أو تعرية المعالج، وهو دفاع (ميكانزم) مقبول أيضا فى حدود الحاجة إليه،لكن مع نمو الوعى الجمعى، وتطور العملية العلاجية، يمكن أن يحل محله نوع أعمق من المواجهة المسئولة المواكلة

5- ‏حوار‏ ‏الصمت  الإيجابى‏:‏

هذا نوع من الحوار الصعب، لكنه يتم فى العلاج الجمعى (وفى الحياة العادية أحيانا)، وقد ‏ ‏يشمل‏ ‏معانى “‏معا‏ .. ‏رغم‏ ‏الاختلاف‏” وأحيانا‏ ‏ما‏ ‏يصف‏ ‏الشيزويدية‏ ‏الغربية‏ ‏بالذات، ‏وهو‏ ‏يؤدى ‏وظيفة‏ ‏تأكيد‏ ‏الوحدة‏ ‏والاعتراف‏ ‏بضرورتها‏ ‏واحترامها‏ ‏فى ‏آن‏ ‏واحد، ‏مع‏ ‏إمكان‏ ‏المسيرة‏ ‏الموازية‏ ‏رغم‏ ‏كل‏ ‏هذا، ‏وقد يغلب‏ ‏فى نوع من  ‏العلاج‏ ‏الجمعى ‏المسمى ‏بعلاج‏ “‏المجموعة‏ ‏كَكُلّ”(6) ‏حيث‏ ‏يشمل‏ ‏الاعتراف‏ ‏الضمنى ‏بصعوبة‏ ‏التواصل‏ ‏الأعمق بين الأفراد، ‏وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏يؤكد‏ ‏على ‏احتمال‏ ‏التواصل‏ ‏بالحفاظ على المسافة، إلا مايجمع الكل معا فى شبكية ضامّة.

تعقيب محدود:

بقاس هذا النوع من الحوار بدرجة الانتباه والمتابعة، وبمفاجأت التدخل الموضوعى فى الوقت المناسب، وبمدى نشاط المشاركة برغم قلة الكلام، وأحيانا ندرته، وقد اختبرنا هذا الحوار فى بعض جلسات العلاج الجمعى بلعبة تقول “أنا خايف أقول كلام من غير كلام لحسن….”  (ثم يكمل المشارك الجملة بأى كلام مثل كل الألعاب)  وكان المشاركون يفاجأون بما يخرج منهم ، ويتعرى أمامهم معنى الكلام الصامت،وهو من أهم مقومات تشكيل الوعى الجمعى.   

6- ‏حوار‏ ‏المواكبة‏:‏

هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏الحوار‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏عنيناه‏ ‏طول الوقت ‏كإضافة‏ ‏توضيحية‏ ‏محددة‏ لما يميز علاجنا، ربما يبين ذلك  ما دعانا إلى تسمية ما نمارسه من علاج باسم “المواكبة” جنبا إلى جنب مع “المواجهة، والمسئولية”، ‏ ‏وهو‏ ‏يشمل‏ ‏عدة‏ ‏مواصفات‏ ‏يصعب‏ ‏شرحها‏ ‏لأنه‏ ‏ممارسة‏ ‏كلية‏ ‏عملية خبراتية أساسا، ‏ولكن‏ ‏لا‏ ‏مناص‏ ‏من‏ ‏المحاولة‏، فهو يشمل كلا مما يلى.

1)    ‏‏ ‏استعمال‏ ‏الكلام‏ ‏بأقل‏ ‏قدر‏ ‏من‏ ‏اللفظنة‏ Verbalism (استعمال الألفاظ للألفاظ)

2)    ‏‏توصيل ‏المعنى ‏المراد‏ ‏بأبة وسيلة على قنوات متعددة: بالإشارة، وتعبير الوجه، وبريق العين، ولون الجلد… الخ

3)    ‏ ‏رفض‏ ‏التقريب‏ ‏والتعميم‏ ‏ما‏ ‏أمكن‏.‏

4)    ‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏الألفاظ‏ ‏مجرد‏ ‏إحدى ‏الأدوات‏ ‏لما‏ ‏بها‏ ‏وما‏ ‏حولها، ‏بالمقارنة‏ ‏ببقية‏ ‏قنوات‏ ‏التواصل‏.‏

5)  ‏‏ ‏يشمل‏ ‏الحوار‏ ‏المحاذى ‏للألفاظ(7) ‏سواء‏ ‏بمعنى ‏التحليل‏ ‏التفاعلاتى: التخاطب على أكثر من مستوى “ذات” لأكثر من هدف معاً، وهو ‏الذى ‏أفاض‏ ‏فى ‏شرحه‏ ‏إريك‏ ‏بيرن، ‏أم‏ ‏بمعنى ‏أشمل‏ ‏لأى ‏حوار‏ ‏مواز‏ ‏للألفاظ‏ ‏مهما‏ ‏كانت‏ ‏مستوياته‏.‏

6)  ‏‏ ‏القدرة‏ ‏على ‏التراجع‏ ‏بمعنى ‏النكوص‏ ‏الواعى ‏حتى ‏يوازى ‏المتحاوران‏ ‏أحدهما‏ ‏الآخر‏ ‏فى ‏موقع‏ ‏رحلته‏ ‏للداخل‏ ‏والخارج، ‏للقبـْل‏ ‏والبعد، ‏ثم‏ ‏القدرة‏ ‏على ‏الصحبة‏ ‏للرجوع‏ ‏معا‏.‏

7)  ‏‏ ‏مخاطرة‏ ‏التغيير‏ ‏نتيجة‏ ‏أية ‏رسالة‏ ‏صادقة‏ ‏مغَيِّرة‏ ‏تصل‏ ‏من‏ ‏الآخر، ‏فصاحِبَىْ ‏هذا‏ ‏الحوار‏ ‏جاهزان ‏للتقبل ‏المتبادل ‏بقدر طيب من ‏المرونة.

8)  ‏‏ ‏الاعتماد‏ ‏فى ‏نهاية‏ ‏النهاية‏ ‏على ‏تلقائية الذات موضوعيا، ‏إذ‏ ‏يصبح‏ ‏الحوار‏ ‏مع‏ ‏الآخر باعتباره “آخر” وليس بما أسقطه عليه بما يسمح بتواصل الحركة الحقيقية‏‏: ‏منه‏ ‏وإليهم، ‏وبالعكس

9)  هو ‏يبدأ‏ ‏من‏ ‏قاعدة‏ ‏ذاتية‏ ‏ثاتبة، تسعى نحو ذاتية الآخر مع الاحترام المتبادل، ‏ثم يعود‏ ‏إليها‏ ‏دون‏ ‏تخلخل‏ ‏عنيف‏ ‏فى ‏حركية‏ ‏الذهاب‏ ‏والعودة‏، محاطا بدرجة ما بوعى جمعى محتمل.

10) ‏يتجلى فيه التقبل‏ ‏النشط، ‏وأعنى ‏به‏ ‏القدرة‏ ‏على ‏ممارسة‏ ‏الحياة‏ ‏مع‏ ‏المختلفين، ‏وتقبل‏ ‏الاختلاف‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏المبدأ، ‏وبصفته‏ ‏حقيقة موضوعية‏ ‏حتمية، ‏مع‏ ‏التفاعل‏ ‏والالتحام‏ ‏الصادق‏ ‏المستمر‏ ‏بين‏ ‏البداية‏ ‏والنهاية‏ ‏دون‏ ‏وضع‏ ‏أى ‏افتراض‏ ‏جامد ‏مسبق‏.‏

تعقيب محدود:

فى النشر السابق عقبتُ على هذا النوع الأخير تعقيبا حذرا حين وصلنى أنه يبدو مثاليا بشكل أو بآخر، بالنظر لندرة تواتره فى الحياة العادية، وحتى فى العلاج، فإنه لا يبدو هكذا تماما، ولا يحتل بهذه الموصفات مساحة كبيرة من وقت العلاج او حركية التفاعل، وكل هذا صحيح.

لكننى بعد هذه السنوات الثمانى، ومع استمرار ممارسة العلاج الجمعى وعلاج الوسط، انتبهت إلى أن ما يخفف من مثاليته، ويحفز من احتمال تغليبة هو ما وصلنى:

 أنه إنما يتم بين المتحاورين من خلال الوعى البينشخصى أساسا، والأهم أنه مع انتقال المجموعة (أو مع استمرار نشاط الوسط العلاجى) يصبح “الدخول والخرج إلى الوعى الجمعى أيسر وأكثر امانا، بما يتيح التنقل بين الوعى الجمعى، والوعى البين شخصى، والوعى الشخصى طول الوقت حسب حركية النمو وموضوعية التفاعل.

وبعد   

الغرض من هذه المراجعة فى واقع الحال هو التأكيد على أن هذا هو ما يجرى بين الناس، أنه مع تزايد احترامى أن المخ يعيد بناء نفسه تصبح المواكبة مهمة أكثر موضوعية، واتساقا مع “ربى كما خلقتنى”،

 دون أى إشارة إلى الوعى وتشكيلاته ومستوياته،

 وأن ذلك يتم فى العلاج وغير العلاج، وعلى كل المستويات، من أول من لا يفك الخط حتى رئيس مجلس الإدارة،

كما أننى حين كتبت هذه التقسيمات كنت أبعد عن التنظير وأقرب للممارسة،

وبالتالى يتأكد من جديد معنى التطبيق هو الأصل.

وأن كل ما نذكره من تنظير – إن صح – فهو ما يمارسه الناس،

أصحاء ومرضى!

[1] – فريتيوف كابرا (من مواليد 1 فبراير 1939) هو اميركي الجنسية نمساوي المولد ،وهو مؤلف للعديد من الكتب، بما في ذلك طاو الفيزياء (1975)، ونقطة تحول (1982)، والحكمة نادر (1988)، شبكة الحياة (1996)، واتصالات خفية (2002) والنظم مشاهدة الحياة (2014). ولد في فيينا، النمسا، حيث حصل على الدكتوراه في الفيزياء النظرية في عام 1966. وأجرى البحوث في فيزياء الجسيمات و نظرية النظم في جامعة باريس(1966-1968)، و جامعة كاليفورنيا، سانتا كروز (1968-1970)، و مركز ستانفورد مسرع الخطي (1970)، كلية امبريال في لندن (1971-1974) ومختبر لورانس بيركلي (1975-1988). بينما في بيركلي، وكان عضوا في المجموعة Fysiks الأساسية، التي كما قام بالتدريس في جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز، جامعة كاليفورنيا في بيركلي ، و جامعة ولاية سان فرانسيسكو .وهو  يدعو  الثقافة الغربية للتخلي عن التفكير الخطي التقليدي و  يشجع على شمولية النهج. في شبكة الحياة، يركز كابرا على المعلومات الشاملة التي تم إنشاؤها بواسطة العلاقات بين جميع مناهل المعرفة.

[2] – طبعا بالإضافة إلى كل الأصدقاء والصديقات الطيبين المتابعين الذين يصلهم اجتهادى  فيكرمونى بالتلقى المبدع حتى دون مراسلة، وما زلت أذكر أ.د. كريمة علاق وهى تطمئننى ، وتكاد تسبق ملف الوجدان وهى تتحدث بلغة العقل الوجدانى الاعتمالى  وهى تقول ” …  ثق سيدي أن لك قلوبا تعقل ما تقول.. و تنتظر هذه الجلسات الحوارية بين-ذاتية التي تشركها فيها هموم المعرفة..” ثم تختم خطابها بأن تستشهد بالإمام علي رضي الله عنه فى قوله ” فالعجز عن إدرك الإدراك إدراك أيضا” ، وهل نحن الآن  ياابنتى – فى هذه النشرة مثلا – إلا حيث وصفتِ فى رسالتك الطيبة الكريمة.

[3] – النظرية التطورية الإيقاعحيوية  Evolutionary Rhythmic Theory

[4] –  نشرة 21-12-2014 “أسى الفقد (2) ومَسْرَحَة الموت “بالعديد” 

[5] – ‏ “طنبل: تَحَامَقَ‏ ‏بعد‏ ‏تَعَاقُلْ، ويقابل بالعامية المصرية “طنّشَ “

[6] – Group as a whole 

[7] – Para-verbal 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *