الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (142) الإدراك (103) الإدراك والحلم والإبداع (4 من 5)

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (142) الإدراك (103) الإدراك والحلم والإبداع (4 من 5)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 31-12-2012

السنة السادسة7-9-2011

العدد: 1949

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (142)

 الإدراك (103)

الإدراك والحلم والإبداع (4 من 5)

مقدمة

جاء فى النشرة رقم مائة فى ملف الإدراك (العدد 1941 من نشرات الإنسان والتطور اليومية) بتاريخ: 23-12-2012، “..فلتسمحوا لى أن نؤجل الحديث عن علاقة الموت بالإدراك الآن، فهو الموضوع الأصعب والأخطر والأكثر تحديا، وأكرر مرة أخرى بفرحة لا بعتاب، أن الذى جرنا إلى هذا الحديث هو أ.د. السامرائى، ولا شأن لأطروحة الإبن إدريس الوزانى فى ذلك”،

وإذا بى أتلقى هذا الأسبوع عن طريق الشبكة النفسية العربية (شعن) من الإبن د. الوزانى تعقيبا على نشرة قديمة صدرت منذ أكثر من خمس سنوات بتاريخ 7 نوفمبر 2007 (العدد:68 “مقتطفات بلا موقف ….عن الموت والوجود”)، لم أكتب فيها رأيى أصلا فى الموضوع لأنها كانت مجرد تنبيه لصعوبة الخوض فى مسألة الموت دون جهد مثابر وحذر جاد، وكان المقصود من هذه النشرة أن  أنبه أصدقاء الموقع إلى أن المسألة استغرقت من العلماء والفلاسفة ورجال الفقه واللاهوت أعمارا بأكملها، وقدمت فى سبيل شرح ذلك إشارة عابرة ومقتطفات محدودة من كتاب “الموت والوجود“، وعنوانه الفرعى: “دراسة لتصورات الفناء الإنسانى فى التراث الدينى والفلسفى والعلمى” تأليف: جيمس ز كارس، ترجمة بدر الدين الديب، وهو من 610 صفحة من القطع الكبير ، وكنت أقصد أن نتعلم كيف تكون الجدية فى تناول مثل هذه المواضيع الخطيرة، كما أردت أن أوصى بطريق غير مباشر، بالرجوع إلى مثل هذا الجهد وغيره، وضده، طردا للكسل العقلى، قبل أن نصدر فتاوانا العلمية وغير العلمية فى هذا الشأن، ثم إنى – كما قلت-  اقتطفت من مقدمة المؤلف، ثم من مقدمة المترجم ما رأيت أنه يوصل رسالة الجهد، والجدية، وأهمية الخبرة الذاتية. (شكرا يا د. إدريس، لا حرمنا الله من رأيك ونقدك)

وقد أرسلت للإبن د.إدريس شخصيا عن طريق “شعن” ردا موجزا شاكرا  مقدرا، معتذرا مرة أخرى عن تناول موضوع علاقة الموت بالإدراك حاليا لنفس السبب ، وهو الحاجة إلى مزيد من الجدية، والتزام الحذر، والمخاطرة فى نفس الوقت (وشكرا لمولانا النفرى) .

****

والآن عودة إلى موضوعنا الأصلى الذى لا يريد أن يتوقف، أو ربما يتوقف قبل أن نصل إلى تناول موضوع “الموت والإدراك” الذى ورطنا فيه أ.د. السامرائى جزاه الله عنا خيرا.

الإدراك والحلم والإبداع (4 من 5)

2-10 ‏الزمن‏ ‏فى ‏الحلم‏:‏

فرق‏ ‏بين‏ “‏زمن‏ (‏وقت‏) ‏الحلم‏” (‏الزمن‏ ‏الذى ‏يستغرقه‏ ‏الحلم‏ ‏فعلا‏، ‏ثم الزمن الذى يرد فى حكْيه) ‏وبين‏ “‏الزمن‏ ‏فى ‏الحلم‏”. ‏ونعنى ‏بالأخير‏ ‏العلاقات‏ (‏الزمنية)‏ ‏والنقلات‏ ‏بين‏ ‏الأحداث‏.‏ ماهية‏ ‏الزمن‏ ‏فى ‏الحلم‏ ‏تقبل‏ ‏كل‏ ‏الاحتمالات‏. عندنا‏: ‏الزمن‏ “‏الدائرى‏”، ‏و‏”‏المتقطع‏”، ‏و‏”‏الثابت‏” (‏المتوقف‏)، ‏و‏”‏العكسى‏”، ‏و‏”‏المتداخل‏”، ‏وذلك‏ ‏فى ‏مقابل‏ ‏الزمن‏ “‏التسلسلى ‏التتابعى‏” ‏فى ‏اليقظة‏. ‏ويرجع‏ ‏هذا‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏الزمن‏، ‏فى ‏الحلم‏، ‏يصبح‏ ‏مكانا‏ ‏وتركيبا وعلاقات، يصبح زماناً وليس زمنا‏ فقط.

 ‏الشائع‏ ‏الغالب‏ ‏أن‏ ‏الزمن‏ ‏هو‏ ‏علاقة‏ ‏بين‏ ‏حدثين‏، ‏ولابد‏ ‏أن‏ ‏يقع‏ ‏الحدثان‏ (‏فأكثر‏) ‏فى ‏اليقظة‏ (‏العادية‏، ‏دون‏ ‏إبداع‏) ‏فى ‏تتابع‏، ‏فيتحدد‏ ‏الزمن‏ ‏طوليا‏. ‏أما‏ ‏فى ‏الحلم‏، ‏ومع‏ ‏التنشيط‏ ‏بالبسط‏ ‏الإيقاعى، ‏فإن‏ ‏الأحداث‏ (‏الكيانات‏/‏المعلومات‏) ‏تتحرك‏ “‏معا‏”، ‏ثم‏ ‏تنشئ ‏علاقات‏ ‏مستعرضة ومتداخلة ومتنوعة ‏ ‏بسهولة‏ ‏لا يُحترم‏ ‏فيها‏ ‏التتبع‏ ‏التسلسلى، ‏الذى ‏يؤلف‏ ‏الزمن المعروف‏ ‏فى ‏اليقظة (1) ‏من‏ ‏هنا‏ ‏نفهم‏ ‏كيف‏ ‏أن‏ ‏أية ‏علاقة‏، ‏وكل‏ ‏علاقة‏، ‏هى ‏احتمال‏ ‏قائم‏.

 ‏يتحدد‏ ‏طول‏ ‏الزمن‏ فى الحلم ‏بمدى ‏سهولة‏ ‏أو‏ ‏صعوبة‏ ‏عملية‏ ‏التوصيل‏ ‏أو‏ ‏الترابط‏ ‏بين‏ ‏معلومة‏ ‏ومعلومة، بين حدث‏ ‏وحدث‏، ‏بين تشكيل‏ ‏وتشكيل‏، ‏وهكذا‏ ‏تتباعد‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏الكيانات‏ ‏وتتقارب‏ ‏وتتبادل‏ ‏وتتداخل‏، ‏بحيث‏ ‏يصبح‏ ‏من‏ ‏السهل‏ ‏أن‏ ‏تُختزل‏ ‏القرون‏ ‏فى ‏جزء‏ ‏من‏ ‏الثانية‏، ‏وأن‏ ‏تمتد‏ ‏الثانية‏ ‏إلى ‏عقود‏ ‏من‏ ‏الزمان‏ ‏بحسب‏ ‏سرعة‏ ‏التوصيل، أو غير ذلك‏، ‏كما‏ ‏يمكن‏ ‏للمستقبل‏ ‏أن‏ ‏يبدو‏ ‏قبل‏ ‏الحاضر‏، ‏ويكاد‏ ‏لا‏ ‏يكون‏ ‏ثَمَّ‏ ‏ماضٍ‏ ‏أصلا‏، ‏وكل‏ ‏ذلك‏ ‏مؤسس‏ ‏على ‏أن‏ ‏الترابط‏ ‏بين‏ ‏الأحداث‏ ‏أصبح‏ ‏مكانيا‏، ‏مستعرضا‏، (‏فى ‏الجهاز‏ ‏العصبى ‏أساسا‏ ‏وفى ‏المخ‏ ‏بالذات‏ ‏دون‏ ‏استبعاد‏ ‏سائر‏ ‏الجسد‏) ‏إن‏ ‏ذلك‏ ‏يتيح‏ ‏حركية‏ ‏تبدو‏ ‏عشوائية‏ “‏كيفما  ‏اتفق”‏،‏ بدلا‏ ‏من‏ ‏الاقتصار‏ ‏على ‏الزمن‏ ‏المسلسل‏ ‏الطولى ‏الترابطى ‏المتتالى‏، علما بأنها فى عمق تركيبها ليست عشوائية أصلا.

يتناسب‏ ‏عمق‏ ‏الحلم‏ ‏المحكى وصدقه، ‏أى مدى بُعده عن التزييف‏ ‏، ‏مع‏ ‏قدر‏ ‏ما‏ ‏يظهر‏ ‏فيه‏ ‏من‏ ‏قلب‏ ‏الزمان‏ ‏إلى مكان وعلاقاته السالفة‏ ‏الذكر‏ ‏بالصورة‏ ‏. ‏كثيرا‏ ‏ما‏ ‏يحكى ‏الحالم‏ ‏المؤلـِّـف‏ (‏لا‏ ‏المزيـِّـف‏) ‏أحداث‏ ‏الحلم‏ ‏وكأنه‏ ‏يكتب‏ ‏سيناريو‏ ‏فيلم‏ ‏بمعنى ‏أنه‏ ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏يحكى ‏بصيغة‏ ‏الماضى التى ‏تقول …. “‏ثم‏ ‏ذهبتْ‏ ‏وقالتْ‏ ‏ثم‏ ‏سمعتْ‏… ‏الخ‏، ‏نجده‏ ‏يتحدث‏ ‏بصيغة‏ ‏المضارع‏ “‏ثم‏….”يتغير‏” ‏المنظر‏، ‏ثم‏ ‏”أجد‏” ‏نفسى فى..المكان الفلانى….، ‏و”يظهر”‏ ‏لى فجأة‏‏ ‏كذا‏.. ‏إلخ‏، ‏والفرق‏ ‏واضح‏ ‏بين‏ ‏الحكاية‏ ‏المسلسلة‏ ‏والسيناريو‏ ‏المصوَّر.‏

هذا‏ ‏القلب‏ ‏من‏ ‏البعد‏ ‏الطولى ‏للزمن‏، ‏إلى ‏البعد‏ ‏العرضى المتداخل المتنوع  ‏للعلاقات‏، ‏هو‏ ‏الذى ‏يظهر‏ ‏بصورة‏ ‏أو‏ ‏بأخرى ‏فى ‏نوع‏ ‏من‏ ‏الرواية‏ ‏الحديثة‏، ‏وكذلك‏ ‏فى ‏الشعر وفى بعض أنواع الإبداع المستلهمة – دون قصد غالبا – لآلية الأحلام، والتى تجلت مؤخرا بشكل مباشر فى أحلام فترة النقاهة (لنجيب محفوظ)(2)

‏2-11 ‏وظيفة‏ ‏الحلم‏، ‏وشبهة‏ ‏التشويه‏:‏

قد‏ ‏لا تكون‏ ‏للحلم‏ ‏وظيفة‏ ‏محددة‏ ‏بالمعنى ‏السببى ‏المسطح‏، ‏إذ‏ ‏أن‏ ‏الحلم‏ ‏لا‏ ‏يحدث‏ ‏بالضرورة- ‏‏كما‏ ‏شاع‏ ‏الزعم‏-‏ ‏لتحقيق‏ ‏رغبة‏، ‏أو‏ ‏لتفريغ‏ ‏طاقة‏. الحلم‏ ‏ظاهرة‏ ‏إيقاعية‏ ‏دورية‏ ‏حتمية‏، ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نحترم‏ ‏حدوثها‏ ‏لمجرد‏ ‏أنها‏ ‏صفة‏ ‏حيوية‏ ‏للكائن‏ ‏البشرى، إذ تعددت مستويات وعيه، ‏مثلها‏ ‏مثل‏ ‏وظيفة‏ ‏اليقظة‏ ‏ووظيفة‏ ‏النوم..،‏ ‏أما‏ ‏ما‏ ‏يحدث‏ ‏فيها‏ ‏ومنها‏ وبها ‏فهذه أبعاد أخرى‏.

إذا‏ ‏تحدثنا‏ ‏عن‏ ‏وظيفة‏ ‏الحلم‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نبدأ‏ ‏بوظيفة‏ ‏النشاط‏ ‏الحالم‏ (‏الحلم‏ الخام/ الحلم ‏بالقوة‏)، ‏حيث‏ ‏أثبتت‏ ‏تجارب‏ ‏الحرمان‏ ‏من‏ ‏الأحلام‏، ‏أن‏ ‏الأحلام‏ ‏تؤدى ‏وظائف‏ ‏صمام‏ ‏الأمن‏، ‏والتفريغ‏، ‏وإعادة‏ ‏تنغيم‏ (‏هارمونية‏) ‏المعلومات‏، ‏وكذلك‏ ‏فالنشاط‏ ‏الحالم‏ ‏هو‏ ‏بعض‏ ‏أنشطة‏ ‏التعلّم‏: ‏بمعنى ‏تعزيز ما تيسر من‏ ‏المادة‏ ‏المكتسبة‏ ‏حتى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تُتمثل‏ ‏لكى ‏تصبح‏ ‏تحويرا‏ ‏فى ‏التركيب‏ ‏الكلـى، وهكذا باستمرار. ‏كل‏ ‏ذلك‏ ‏يحدث‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏لم‏ ‏يعرف‏ ‏الحالم‏ (‏أى ‏لو‏ ‏أنكر‏ ‏على ‏نفسه‏ تلقائيا دون أن يدرى) ‏أنه‏ ‏حلم‏ ‏أصلا‏.‏ من هذا المنطلق نتبين أن ‏وظيفة‏ ‏الحلم‏ ‏كما‏ ‏يعرفه‏ ‏العامة‏ ‏والمفسرون‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يعاد‏ ‏النظر‏ ‏فيها، وذلك‏ ‏من‏ ‏خلال‏ معرفة وظيفة ‏النشاط‏ ‏الحلمىّ‏ نفسه، ومن الأساس،‏ ‏وليس‏ ‏فقط‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏ما‏ ‏يعلن‏ ‏من‏ ‏ناتجه‏ ‏فى ‏وعى اليقظة ‏فى ‏صورة‏ ‏الحلم‏ ‏”المحكى” (المزيف غالبا)، ‏أو‏ ‏حتى ‏الحلم‏ “‏فى ‏المتناول‏” (المؤلف غالبا).‏

العوامل المؤثرة فى مستويات الحلم

‏تختلف‏ ‏درجات مستويات ‏تأثير‏ ‏وتوظيف‏ ‏الحلم‏ ‏من‏ ‏شخص‏ ‏إلى ‏آخر بشكل متنوع، ومن ذلك:

1- إن ‏مجرد‏ مبدأ ‏أن‏ ‏يتذكر‏ ‏شخص‏ ‏ما‏ ‏بعض جوانب أحلامه‏ ‏أو‏ ‏يحكيها‏ ‏هو إعلان عن‏ ‏قدرة‏ ‏هذا‏ ‏الحالم‏ ‏على ‏رؤية‏ “‏ما‏ ‏ليس‏ ‏كذلك‏” ‏فى ‏نفسه‏، ‏أو‏ ‏على ‏الأقل‏ ‏قبوله‏ ‏محاولة‏ ‏أن‏ ‏ينظر‏ ‏فى ‏الجانب‏ ‏الآخر‏ ‏من‏ ‏وجوده‏، ‏أى ‏أن ذلك ‏يشير ‏- بشكل‏ ‏ما‏‏ ‏- ‏‏ ‏إلى ‏ترجيح‏ ‏قـُـرب‏ ‏ذواتـه‏ (‏حالات‏ ‏ذاته‏، ‏طبقات‏ ‏وعيه‏)، ‏بعضها‏ ‏من‏ ‏بعض‏، (هذا باستثناء الحلم المزيف تماما، إذ قد يؤدى دورا عكسيا يدل – أيضا- على الخوف من التهديد بتقارب مستويات الوعى).

2- حين‏ ‏يكون‏ ‏الحلم‏ ‏إبداعا‏ ‏أصيلا‏ ‏مستمدا‏ ‏من‏ ‏واقع‏ ‏داخلى ‏متحرك‏، ‏فإنه‏ ‏يعمل‏ ‏على ‏تعزيز‏ ‏المعلومات‏ ‏فى ‏طريق‏ ‏تمثيلها‏ ‏فى ‏الكل‏ ‏النامى دفعا ‏لاستمرار‏ ‏مسار‏ ‏التطور‏ ‏الذاتى‏. وهذا‏ ‏ما‏ ‏يستدل عليه من التأكيد على طبيعة وظيفة مجرد حدوث ظاهرة الحلم فى ذاتها (بغض النظر عن محتواها)، وذلك فيما يسمى الصقل consolidation‏، ‏وإعادة‏ ‏التنميط   ‏re-patterning ‏

3- أما ‏إذا‏ ‏تمت‏ ‏رواية‏ ‏الحلم‏ ‏وحكيه‏ ‏بشكل‏ ‏تتابعى ‏مسلسل‏ ‏على ‏حساب‏ ‏إبداع‏ (‏إعادة‏ ‏تشكيل‏) ‏ناتج‏ ‏التنشيط‏، ‏فإن‏ ‏ذلك‏ ‏يدرج‏ ‏فى “‏ميكانزمات‏” ‏الدفاع‏ ‏التى تقلل من احتمال فهم ‏ ‏وظيفة‏ ‏الحلم‏‏ ‏فى ‏التعلم والتشكيل‏ ‏الإبداعى ‏الممكن‏، لكنها لا تنفى وظيفة الحلم الأساسية‏.‏

‏2-12 ‏مخاطر‏ ‏التفسير‏:‏

‏ ‏ننظر‏ الآن ‏فى ‏العلاقة‏ ‏بين‏ ‏وظيفة‏ “‏حكى ‏الحلم‏”، ‏و‏”‏محاولة‏ ‏تفسيره‏”: ‏إن‏ ‏مجرد‏ ‏الحكى (= ‏إعلان ناتج إبداع الحلم ‏ فى ‏مرحلة  الاستيقاظ التى ‏تتيح ذلك‏) ‏هو‏ ‏بمثابة التفسير الذى‏ ‏لايحتاج‏ ‏إلى ‏تفسير‏، ‏ثم ‏ ‏إن‏ ‏التفسير الذى نعرفه أو نسمع عنه ‏‏قد‏ ‏يقوم‏ ‏أحيانا‏ ‏بدور‏ ‏سلبى، ‏حين‏ ‏يُحِل‏ ‏مفهوماً‏ ‏شائعا‏، ‏أو‏ ‏متحيزا‏ ‏لعقيدة‏ ‏ما‏، ‏أو‏ ‏نظرية‏ ‏ما‏، ‏أو‏ ‏موقف‏ ‏مسبق‏، ‏محل‏ ‏أصالة‏ ‏الحلم،‏ ‏فإذا‏ ‏بالكشف‏ ‏المعرفى ‏الذى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يقوم‏ ‏به‏ ‏الحلم‏، بأى درجة ،وخاصة بعد ما أوضحنا من دور الإدراك فى المعرفة ، ‏يتوارى ‏وسط‏ ‏أكوام‏ وصاية  ‏الدفاعات‏ ‏التبريرية‏ ‏والتفسيرات التأويلية‏، ‏سواء‏ ‏كان‏ ‏ذلك‏ ‏التفسير‏ ‏تقليديا (‏مثلا‏: ‏ابن‏ ‏سيرين‏) ‏أم‏ ‏كان‏ ‏تحليليا (‏مثلا‏: فرويد‏).‏

عودة إلى علاقة الإدراك بالحلم

ما دمنا قد وصلنا إلى التعرف على النشاط (المعرفى) الإبداعى للحلم – دون إلزام بإعلان ناتج إبداعى بذاته – فإنه من الطبيعى أن نتساءل عن الآلية أو الآليات التى يستعملها الحلم لتحقيق هذه الوظيفة التنظيمية المعرفية، وخاصة أنها تجرى فى وعى آخر بعيدا عن يقظة الحواس الخمس بالذات.

 ويمكن أن نوجز الخطوط العريضة التى قد تندرج تحتها هذه العلاقة بين الحلم والإدراك.

أولا: حركة العين السريعة المصاحبة للحلم (نوم الرنا REM) تدعم فرض “العين الداخلية” التى هى أساس الاعتراف الجديد بالإدراك المتجاوز الحواس والتى سوف تكون أساس فى فهمنا للهلاوس الحقيقية غالبا.

ثانياً: أن ثمة عمليات معرفية (بما فى ذلك معالجة المعلومات) تجرى بعيدا عن الوعى الظاهر، وأنها تُعرف بنتائجها أكثر مما تُرصد فى ذاتها.

ثالثاً: أن العمليات المعرفية (بما فى ذلك إعادة التشكيل = الإبداع) تجرى بشكل دورى حسب النظرية التطورية الإيقاعية (3) وأن طورى الدورة الإيقاعية لازمان لاكتمال العمليات المعرفية والإبداعية، وفى الحلم لا نعزى النتيجة المعرفية وإعادة التنشيط إلى الحلم وحده (برغم ارتباطها الأكثر به) وإنما نعزى ذلك إلى التناوب بين طورى النوم الحالم مع النوم بدون أحلام (NREM)، مما قد يتبين لاحقا بدراسات أكثر عمقا وتفصيلا فى محيط المقارنة بين تجارب الحرمان من الحلم وحده (من النوم الحالم) مع الحرمان من النوم الكامل، فيما يتعلق بهذه الخاصية المرئية بشكل خاص.

رابعاً: ثَمَّ أمل فى المستقبل فى فحص برامج الإدراك الذى حافظ على أنواع أدنى من الإنسان وعلاقتها بأى نشاط يشبه نشاط الحلم بالإمكانيات التقنية الحالية أو الإمكانيات التى يمكن أن تظهر لاحقا.

خامسا: إن حلول الحلم المزيف محل الحلم الفج (أو حتى المؤلَّف) أو الحلم الخام يمكن أن يجد ما يقابله فى إحلال التفكير المفاهيمى بالكامل محل التفكير الترابطى التصويرى العلاقاتى فى الحياة المغتربة المعاصرة.

سادساً: إن المبالغة فى تفسير الأحلام بالرموز يعتبر وصاية غير مفيدة غالبا، وقد تكون مشوهة، بما يقابل تفسير الإدراك المتجاوز الحواس برموز الحواس الخمسة وفى حدود اللغة المفاهيمية المرموزة، بما يطمس نشاط الإدراك الذى عرفنا كيف أنه معرفة كلية لها أدواتها الخاصة غير الملتزمة بلغة أو رموز بذاتها. إن تفسير الأحلام مهما بلغ من الحذق يعتبر أقرب إلى نشاط التفكير من نوع تفكير “حل المشاكل”  Problem Solving.

[1] يمكن مراجعة مفهوم الزمن  استلهاما من الممارسة الإكلينيكية والنقد الأدبى للكاتب: إشكالية الزمن: فى الحياة والمرض النفسى، والعلاج الجمعى: الإنسان والتطور  عدد ابريل  1988 ص (12 – 22).

[2] عن طبيعة الحلم والإبداع، دراسة نقدية فى “أحلام فترة النقاهة”، دار الشروق، 2005.

[3] Evolutionary Rhythmic Theory   (للكاتب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *