الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (123) الإدراك (84) وبدأ الحوار الرائع حول “الإدراك” (1 من ؟؟) إدراك الإدراك أ.د. صادق السامرائى يدلى بدلوه وينير الطريق شعرا خالصا

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (123) الإدراك (84) وبدأ الحوار الرائع حول “الإدراك” (1 من ؟؟) إدراك الإدراك أ.د. صادق السامرائى يدلى بدلوه وينير الطريق شعرا خالصا

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 29-10-2012

السنة السادسة

العدد: 1886

 الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (123)7-9-2011

 الإدراك (84)

وبدأ الحوار الرائع حول “الإدراك” (1 من ؟؟)

إدراك الإدراك

[أ.د. صادق السامرائى يدلى بدلوه وينير الطريق شعرا خالصا]

بدأ الشعر من العنوان، “إدراك الإدراك” فإذا كنا نحاول أن نتعرف على الإدراك تميزا له عن “التفكير” وعن “الفهم” وعن “الإدراك الحسى” وعن “التعقل”، فكيف يدعونا العنوان أن ندرك “مفهوما” أو نتعرف على قدرة أساسية لم نحدد معالمها؟ فهو الشعر، إذْ من قال أن تحديد المعالم هو الأصل، أو أنه لابد أن يتم أولا، ثم ندركه بعد ذلك، شكراً يا د. صادق أنك وضعت هذا العنوان هكذا فقد تلقيته شعرا خالصا، هذا علما بأنى أستقبلك إنسانا أشعر من شعرك، ما علينا ليس هذا وقته، ثم تقول:

“ويبقى ” الحديث عن الإدراك” نوع من الطرح الغامض والتصورات التى لا يمكن وضعها فى كلمات، وكلما ارتقت قدرات الإدراك، كلما(1) عجزت الأبجديات عن إحتواء معانيها وطاقاتها المعرفية، ولهذا تعددت المدارس وتفاعلت العبارات بآليات مبهمة، كما فى إبداعات الذين أدركوا بعض مراحل الوعى الكونى الفياض. وهذا ربما سيأخذنى إلى المتاهات الإدراكية لأستاذنا الجليل الرخاوى، وأرجو أن تطيقوا معنا صبرا!”

إذن ها أنت معى فى أنها مسألة لا يمكن وضعها فى كلمات، وهكذا يبدو أن ملف الإدراك فى نشرات “الإنسان والتطور” الذى بلغت صفحاته حتى الآن “641” صفحة قد عجز حتى الآن أن يوضح الظاهرة فى كلمات، وأنا أعتبر أن هذه شهادة له ليست عليه حين ننظر فى قولك: “كلما ارتقت قدرات الإدراك عجزت الأبجديات عن احتواء معانيها وطاقتها المعرفية“، وهكذا تذكرنا يا أخى ومن البداية بقول مولانا النفرى “كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة”.

ثم دعنى أتناول، بعد المقدمة، الرسالة القصيدة فقرة فقرة:

فجأة وجدت نفسى فى الفقرة الأولى أمام ثلاثة تعبيرات مضيئة لم تخطر لى برغم كل ما كتبت ألا وهى (1): “قدرات الإدراك”، (2): “طاقاتها لمعرفية”(3) “مراحل الوعى الكونى الفياض”، ياه يا عم صادق إذن فهى قدرات لا قدرة واحدة، وطاقات لا طاقة واحدة، وهى مراحل وعى، ووعى كونى، وفياض، وليست وظيفة ترْجَمية آلية كمية!!

ألم أقل لك إنها قصيدة ومنذ البداية؟

ثم تتفضل فتتحفنا بمقدمة قرآنية وتاريخية وأسطورية ثم نقدية بإيجاز بديع يقرص أذن من يحسب أننا نبتدع موضوعا غير مطروق، لا لزوم للخوض فيه خاصة وهو يهز طغيان العقل المفاهيمى والتفكير المنطقى الظاهر، (وسياسة السوق بالمرة)

 ولا يفوتك يا أخى الناقد العظيم أن تصف أروع الشعر بأنه “ما تم تصنيفه فى مخبرات “الادراك البشرى الفياض”، فيرتفع منى حاجباى وكلمة فياض تملؤنى.

ثم تضيف:

“الإقتراب من الإدراك بمعناه المطلق والخفي، الذي يتحقق بإنكشاف الغطاء ” لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد”  (سورة ق آية 22) يتخذ إتجاهات متنوعة، وهو حالة وعى بشرى ذات مستويات ورياضات، ورحلة البحث عن الإدراك الحقيقي قد بدأت منذ الأزل، وفي الأساطير السومرية تم تلخيص فحواها بعبارة ” هو الذي رأى”.

وكانت ملحمة جلجامش محاولة إدراكية متوهجة، وكذلك ما جاء في التراث الفرعوني في مصر، وما بصره الإله الطبيب الكانب إمحودب، والذي ُتعزى إليه فكرة الأهرامات في بعض المدونات.

فهؤلاء قد أبصروا ما لم نبصره، وأدركوا ما أدركوه من خفايا الحياة والموت. ولا يخلو الشعر العربي، لأنه ديوان العرب، من الأبيات والقصائد التي كشفت عن التجارب الإدراكية والحسية الفائقة، وأروع الشعر ما تم تصنيعه في مختبراتالإدراك البشري الفياض”.

وتختم المقدمة بهذه الفقرة:

“وكذلك الدين والفلسفة، فرجالات الدين قد أمضوا في رياضاتهم التي إرتقت بهم إلى الوعي الإدراكى، والإقتراب من الكُنْه، وإمتلاك بعض مدارك اليقين، ولهذا ظهرت المدارس الصوفية برموزها المعروفة وأعلامها الذين استبطنوا آفاقالإبصار وأمسكوا بنواصي الإدراك الرحيب.

فأتوقف أمام قولك “رجالات الدين” دون أن أتوقف أمام قولك وكذلك “الدين والفلفسة”، وأفهم قصدك وأحذر من سوء فهمه من الغير، فتعبير رجالات الدين أصبح أقرب إلى وصف رجال السلطة الدينية، وهؤلاء – غالبا دون تعميم- لا يمضون فى رياضاتهم …إلخ، بل ربما هم لا يسمحون لأنفسهم أصلا بالدخول إلى “الوعى الإدراكى” ولا “بالاقتراب من “الكنه” وامتلاك بعض مدارك اليقين”. (برغم ما أثر عن سيدنا أبى بكر رضى الله عنه مما ذكر أمس)، حتى أننى أخشى أن ينطبق عليهم لا قدر الله قوله تعالى: ” …وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ…”

ثم تقول:

“وفي إقتراباتنا الشرقية نميل إلى الدخول في تجارب إستكناهية(2) للتعرف على حقيقة الوجود الحي، وهل أننا ندرك حقا أم نعيش وهما وحلما، لهذا تكرر القول بأن الناس نيام فإذا ماتوا استيقظوا، فما هي يقظة الموت، وكيف يتوقد الإدراكوينكشف غطاء الموجود الحي فيرى ما لم يره من قبل؟

فرحت وأنت تصف هذا المنحى باقتراباتنا “الشرقية” دون تحديد “العربية أو الإسلامية”، لعلنا ننتبه إلى العلاقة الوثيقة بين ثقافة المشرق عموما، وما ندعو إليه من فتح آفاق قدرات جديدة نتعرف بها على الإنسان كما خلقه الله فسواه فعدله، الإنسان عموما دون اختزاله إلى ما خنقَهُ فيه الغرب، ودون النفخ فينا متميزين جدا كأننا النموذج الأمثل لمن هو إنسان، ولعلك لاحظت انشغالى هذه الأيام بالإحاطة بعدة كتب ذكرتها فى نشرة : 24-9-2012 أكرر هنا الإشارة إلى كتابين اثنين منها، آملا فى توسيع آفاق ما يسمى “تراثا” وهما: (1) الأبعاد الصوفية فى الإسلام وتاريخ التصوف، تأليف: آن مارى شيمل ترجمة: محمد اسماعيل السيد ورضا حامد قطب (2006)، (2) التاويه والعلم المعرفى العصبى: مبادئ التغيرات العلاجية الأنسب(3).

وبهذه المناسبة دعنى أذكرك والزملاء، خصوصا المهتمين بلجنة إحياء التراث أن يكون مدخلنا إلى ما يسمى التراث رحبا حتى تتسع قاعدته للثقافات الشرقية عموما، كما للشعر والإسطورة خاصة، فكل ذلك تراث بشرى مختلف عن ما يفرض علينا من الغرب المتغطرس، وليس من الغرب المبدع الناقد، وهذا وذاك خليق بأن يسهل لنا رؤية الاختلاف بدلا من أن يقتصر جهدنا على ترجمة تراثنا العظيم إلى الأبجدية الغربية الاختزالية حاليا، مع التركيز على تعسف التأكيد على “حق السبق”، مما قد يزيدنا انخداعا وتبعية خفية، التراث الإنسانى كله يا عم صادق كما تعلم هو ملك لنا نحن المسلمين كذلك، وتراثنا تحت أمرهم “بالأصول”!!.

ثم قل لى بالله عليك: كيف انتقلتَ هكذا دون توقع منى إلى منطقة شديدة الحساسية بالغة الدلالة؟ كيف ربطت فجأة بين الإدراك والموت بالذات وهما شغلى الشاغل فى هذه المرحلة من اجتهادى؟ دعنى أصارحك معترفا بفضلك أنه لم يخطر لى هذا الربط أصلا، فترددتُ، ثم انتظرتُ، ثم قبلتُ، ثم فرحتُ.

بعد ذلك يا أخى صادق انتقلتَ بنا من هذه التجربة الشخصية الصادقة الخاصة جدا، العامة جدا، إلى مرضاك تسألهم فتؤكد لى ما سبق أن ألححت على أهمية الالتفات إليه وهو ما كررتُهُ مرارا من أن مرضانا هم أستاذنا الأُوَلْ، وأن مهنتنا قد سمحت لنا أن نتعرف على تراثنا وتراث البشر المسجل فى “دنا” DNA كل منا، فكان هذا سبيلنا إلى احترام خبراتنا الشخصية كمنطلق موضوعى للمعرفة الأشمل، أى أنه يمكن أن يكون هو المُنْطلق الذى قد يظهر فى كلمات أو مرض أو خبر أو أدب أو شعر أو بقاء نوع أو آثار انقراضه.

الآن: نتنقل إلى خبرتك الرائعة (بالسلامة)

…….

لكننى فجأة، فضلت أن أشّوق من يصير علينا إلى نشرة الغد، حتى ألحقها فى نفس العدد بخبرة خاصة بى أيضا، مررت بها شخصيا وهى مسجلة ومنشورة حتى فى صحيفة يومية (الأهرام)، منذ سنوات وجدتها موازية لما حكيت، وليست مساوية طبعا، وهذا ما أسميه المصداقية بالاتفاق  Consensual Validly  سواء الاتفاق الطولى أو العرضى .

أما بقية استلهاماتك عن الموت خاصة فيما يخص الإدراك بالذات، ومن الخبرات الإكلينيكية، فهى تحتاج إلى تعليق دعنا نؤجله إلى الأسبوع القادم لعلهم يستطيعون معنا صبرا،

وشكرا لجمال التركى فلولاه ما تعرفنا، وما تواصلنا، وما أملِنَا!

والحمد لله أولا وأخيرا

 

[1] – هل تسمح لى لاحقا أن نرفع “كلما” الثانية، ليكون التعبير العربى خالصا بخلاف ما ننقل من الانجليزية.

[2] – (كَنَه) الأمْرَ – كَنْهاَ: أدرك حقيقته

    الكُنْه: جوهر الشىء وحقيقته، وغايته ونهايته  (الوسيط)

[3] – The Dao of Neuroscience, Combining Easter and Western Principles for Optimal Therapeutic Change, C. Alexander Simpking & Annellen M. Simpkins

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *