الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (121) الإدراك (82) “الإدراك”، ولجنة التراث النفسى الإسلامى ( 3 من ؟) (فى الشبكة العربية النفسية شعن) الله .. الإنسان .. التطور .. الله

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (121) الإدراك (82) “الإدراك”، ولجنة التراث النفسى الإسلامى ( 3 من ؟) (فى الشبكة العربية النفسية شعن) الله .. الإنسان .. التطور .. الله

نشرة “الإنسان والتطور”

الثلاثاء: 23-10-2012

السنة السادسة

العدد: 1880

 الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (121)7-9-2011

 الإدراك (82)

“الإدراك”، ولجنة التراث النفسى الإسلامى ( 3 من ؟)

(فى الشبكة العربية النفسية شعن)

الله .. الإنسان .. التطور .. الله

مقدمة:

وأنا أقتطف ما أقتطفت أمس  من العدد رقم (1) السنة الأولى، يناير 1980 من مجلة “الإنسان والتطور” (منذ ثلث قرن تقريبا) اكتشفت فى مقال لى تسجيل اسباب اعتذارى عن عدم المشاركة فى ندوة “علم النفس والإسلام” فى الرياض، وكانت قد وصلتنى  الدعوة بتاريخ 18 مايو 1978 من الفاضل الكريم أ.د.محمد أحمد الرشيد، وكان اعتذارا مسببا أيضا، داعيا الله لهم ولنا بالتوفيق والسداد ، كما استعضت عن حضورى بتقديم ما خطر لى من اقتراحات محددة، وقد رأيت إعادة نشر هذا الخطاب الآن بحروفه وتاريخه، لعله يوضح موقفى الحالى من لجنتا الموقرة عن التراث النفسى العربإسلامى، آملا أن يدعم ذلك اعتذارى للزملاء الأفاضل، ويوضحه

سدد الله خطى الجميع، وأنار بصيرتنا.

نشرة اليوم:

أنا انتمى إلى الفكر التطورى، وأنا لم أخفِ انتمائى هذا أبدا عن أحد، ويبدو هذا ظاهراً فى تسمية جمعيتنا “جمعية الطب النفسى التطورى والعمل الجماعى” (القاهرة 1979)، ومجلتنا “الإنسان والتطور” الذى صدر أول عدد منها فى يناير 1980، وفيه المقال المشار إليه، ثم تسمية النشرة اليومية فى موقعى والشبكة، وقد دخلت عامها السادس، بنفس الاسم “نشرة الإنسان والتطور”.

 دعونى أقتطف الآن ما يوضح هذه النقطة الجوهرية التى قد تكون كفيلة  بطردى من سوق الحوار من البداية تحت لافتة “الهرطقة” مثلما فعلت الكنيسة الحاسوبية العظمى مع العلم المعرفى الناشىء، أقتطف كيف أعلنت موقفى على الكافة منذ أكثر من ثلث قرن، حيث بدأت افتتاحية العدد الأول هكذا:

“باسم‏ ‏العدل‏ ‏الحق‏ ‏العليم‏، ‏باسم‏ ‏الإنسان‏ ‏المصري‏ ‏العنيد‏، ‏باسم‏ ‏التطور‏ ‏الحتمي‏ ‏يقف‏ ‏علي‏ ‏قمة‏ ‏هرمه‏ ‏الإنسان‏ ‏الساعي‏ ‏لوجه‏ ‏الله‏، ‏باسم‏ ‏الحقيقة‏ ‏التي‏ ‏تفرض‏ ‏نفسها‏ ‏في‏ ‏دورات‏ ‏حتمية‏ ‏مهما‏ ‏طال‏ ‏الزمن‏ ‏وطغت‏ ‏قيم‏ ‏الزيف‏، ‏واختفي‏ ‏بريق‏ ‏التطور‏ ‏النابض‏ ‏الغائر‏ ‏الأكيد‏..”

إلى أن قلت (كل الصفحات التالية حتى قرب النهاية من المقال القديم!!!):

“… إذن ‏فإنسان‏ ‏العصر‏ ‏مدعو‏ – ‏بالرغم‏ ‏منه‏ ‏علي‏ ‏ما‏ ‏يبدو‏ – ‏إلي‏ ‏التعاون‏ ‏مع‏ ‏أخيه‏ ‏الإنسان‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏مكان‏، ‏بأقل‏ ‏قدر‏ ‏من‏ ‏التعصب‏، ‏وأقل‏ ‏حماس‏ ‏واحتكار‏ ‏للعقيدة‏ ‏الخاصة‏، ‏وبأكبر‏ ‏قدر‏ ‏من‏ ‏العمل‏ ‏واحترام‏ ‏اختلاف‏ ‏الطرق‏ ‏رغم‏ ‏توحد‏ ‏الهدف”‏.‏

إن أية‏ ‏دعوى‏ ‏انتكاسية‏ ‏تحاول‏ ‏أن‏ ‏تنتهز‏ ‏فرصة‏ ‏الفشل‏ ‏المرحلي‏ ‏الذي‏ ‏يعاني‏ ‏منه‏ ‏إنسان‏ ‏العصر‏، ‏هى‏ ‏دعوى‏ ‏محكوم‏ ‏عليها‏ ‏بالموت‏ ‏تاريخا‏ (‏إذا‏ ‏لم‏ ‏ينقرض‏ ‏الجنس‏ ‏البشري‏)، ‏وقد‏ ‏لبست‏ ‏الدعوات‏ ‏الانتكاسية‏ ‏في‏ ‏أيامنا‏ ‏هذه‏ ‏أحد‏ ‏ثو‏بين‏: ‏الثوب‏ ‏السلفي‏، ‏وهو‏ ‏ثوب‏ ‏ضيق‏ ‏معوق‏، ‏يلتف حول‏ ‏خلايا‏ ‏المخ‏ ‏بالحرْفية‏ ‏والجمود،‏ ‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏ثوب‏ ‏حامٍ‏ ‏إذا‏ ‏استعمل‏ ‏درعا‏ ‏يسمح‏ ‏بالنزال‏ ‏حالة كون صاحبه يسهم‏ ‏في‏ ‏الحركة‏ ‏التطورية‏ ‏الوثابة‏، أما ‏الثوب‏ ‏الثاني‏ ‏فهو‏ ‏تلك‏ ‏العقائد‏ ‏الجديدة‏ ‏التي‏ ‏أخذت‏ ‏من السلطة الدينية جمودها‏ ‏واحتكرت‏ ‏جنان‏ ‏الأرض‏، ‏دون‏ ‏أن‏ ‏تتحلي‏ ‏بحقيقة‏ ‏الأديان‏ ‏باعتبارها‏ ‏أقوى‏ ‏ما‏ ‏عرف‏ ‏التاريخ‏ ‏توحيدا‏ ‏للبشر‏ ‏هدفا‏ ‏وعملا‏ ‏وتواصلا‏، ‏حيث‏ ‏أن‏ ‏أغلب‏ ‏العقائد‏ ‏الجديدة‏ ‏البراقة‏ ‏قد‏ ‏بليت‏ ‏بحواريين‏ ‏وأتباع‏ ‏قاموا‏ ‏منها‏ ‏مقام‏ ‏الكهنة‏ ‏وحاملي‏ ‏القماقم‏ ‏وذابحي‏ ‏القرابين‏ ‏الأبرياء‏، ‏ومازالوا‏ ‏ينتشرون‏ ‏ويبرقون‏ ‏ويرعدون‏، ‏حتي‏ ‏حبسوا‏ ‏نبض‏ ‏الفكر‏ ‏في‏ ‏سواد‏ ‏التعصب‏ ‏الأحدث تحت اسم العلم (المؤسسى)‏ ‏ضاربين‏ ‏بذلك‏ ‏أول‏ ‏ما‏ ‏ضربوا‏ ‏مذاهبهم‏ ‏الثورية‏ ‏قبل‏ ‏أي‏ ‏شيء‏ ‏آخر…‏”.‏

وفى نفس العدد، ظهر مقال كامل لى يكاد يحدد موقفى المستمر حتى الآن بعنوان: (الله‏ .. ‏الإنسان‏ .. ‏التطور‏ .. ‏الله: ‏”سلسلة‏ ‏حتمية‏”)، جاء فيه:

“… فى ‏هذا‏ ‏التناول‏ ‏يعرض‏ ‏الكاتب‏‏ موقفه ‏من‏ ‏قضية‏ ‏الدين‏ ‏بصفته‏ ‏أهم‏ ‏دعامات‏ ‏الحياة‏ ‏والدافع‏ ‏المناسب‏ ‏للتطور‏ ‏الخلاّق، ‏وهو يحاول‏ ‏أن‏ ‏يتجنب‏ ‏أغلب‏ ‏المعطلات‏ ‏النقاشية‏ ‏والذهنية‏ ‏والتبريرية، ‏وهو‏ ‏يطرح‏ ‏قضية‏ ‏معاصرة‏ ‏فيما‏ ‏يختص‏ ‏بثورة‏ ‏الدين‏ ‏الإسلامى‏ ‏خاصة،…”. “…. إن‏ ‏مجلة‏ ‏تصدر‏ ‏باسم‏ “الإنسان‏ ‏والتطور” ‏ولا‏ ‏تتعرض‏ ‏بجلاء‏ ‏إلى ‏بعد‏ ‏الدين‏ ‏وعلاقة‏ ‏الفرد‏ ‏بربه‏ ‏وبكونه، ‏لابد‏ ‏وأن‏ ‏تكون‏ ‏فى ‏أزمة‏ ‏خاصة‏ ‏تحتاج‏ ‏الى ‏تفسير…”

………..

ضرورة‏ ‏الإيمان‏:‏

‏”نحن (البشر)‏ – ‏فى ‏اعتقادى – ‏على ‏أبواب‏ ‏نهضة‏ ‏حضارية‏ ‏حقيقية مختلفة….”، ‏

… لا‏ ‏حضارة‏ ‏بلا‏ ‏إيمان‏ ‏ولا‏ ‏إنسان‏ ‏بلا‏ ‏تكامل، ‏وليس‏ ‏أمامنا‏ ‏إلا‏ ‏التوليف‏ – ‏لا‏ ‏التلفيق‏ – ‏بين‏ ‏المتناقضات‏ .. ‏ونحن‏ ‏قادرون‏ ‏على ‏ذلك‏.‏

ثم‏ ‏تمر‏ ‏الأعوام‏ ‏وما‏ ‏زال‏ ‏السؤال‏ يلح ‏على ‏عقلى ‏وفعلى “كيف‏”؟

وأتابع‏ ‏فى ‏وعى ‏باحث‏ ‏جل‏ ‏المحاولات‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الاتجاه‏ ‏وأجد‏ ‏كل‏ ‏من‏ ‏وهب‏ ‏شجاعة‏ ‏التفكير‏ ‏ونقاء‏ ‏الحدس‏ ‏وقد‏ ‏أدلى ‏بدلوه‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏القضية‏ ‏التى ‏لم‏ ‏تعد‏ ‏ترفا‏ ‏عقليا‏ ‏أو‏ ‏مهربا‏ ‏دفاعيا: “كيف‏ ‏يعود‏ ‏الدين‏ ‏ليثرى ‏وجودنا‏ ‏الخلاّق، ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏التركيز على‏ ‏الترهيب‏ ‏والترغيب‏ ‏فالاغتراب‏ ‏التنويمى؟‏” هذا هو السؤال الملح!

……………

ومن‏ ‏بين‏ ‏العلامات‏ ‏المشرقة‏ ‏فى ‏حياتنا‏ ‏الفكرية‏ ‏صدور‏ ‏عدد‏ ‏خاص‏ ‏من‏ ‏مجلة‏ “عالم‏ ‏الفكر” ‏عن‏ ‏الإغتراب‏ ‏يتناول‏ ‏فيه‏ – ‏مثلا‏ – ‏الدكتور‏ ‏حسن‏ ‏حنفى ‏الاغتراب‏ ‏الدينى ‏عند‏ ‏فيورباخ‏ ‏بكل‏ ‏الشجاعة‏ ‏والتواضع‏((1))، ‏إذا‏ ‏فهناك‏ ‏أمل‏ ‏متزايد‏ ‏فى ‏مواجهة‏ ‏أصرح‏ ‏وأكثر‏ ‏مسئولية، ‏هذا‏ ‏فضلا‏ ‏عن‏ ‏فتح‏ ‏أبواب‏ “المناقشة” ‏المرة‏ ‏تلو‏ ‏المرة‏ ‏بإلحاح‏ ‏متصل‏ ‏فى ‏الزميلة‏ ‏العربى (الكويتية) ‏حتى ‏تثار‏ ‏قضية‏ ‏نصوص‏ ‏القرآن‏ ‏ومدى ‏اتفاقها‏ ‏مع‏ ‏نظرية‏ ‏التطور‏ ‏مباشرة‏ ‏على ‏صفحات‏ ‏نفس‏ ‏المجلة‏ ‏بين‏ ‏علماء‏ ‏أفاضل (لاحظ المقال منذ أكثر من ثلاثين عاما)، ‏تلك‏ ‏القضية‏ ‏التى ‏تناول‏  ‏مثلها‏ ‏باحثون‏ ‏سابقون‏ ‏فى ‏محاولة‏ ‏توفيق‏ (‏أو‏ ‏تلفيق‏) ‏مصالحة‏ ‏بين‏ ‏نظرية‏ ‏التطور‏ ‏وسفر‏ ‏التكوين‏!!‏

وهكذا‏ ‏نجد‏ ‏أن‏ ‏المناداة‏ ‏بالتطور‏ ‏إن‏ ‏لم‏ ‏تتضح‏ ‏أبعادها‏ ‏وعمقها‏ ‏وسماحها‏ ‏وموازاتها‏ ‏لكل‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏حى ‏ونشط‏ ‏ومتغير‏ ‏فإنها‏ ‏قد‏ ‏تدخل‏ ‏فى ‏دهاليز‏ ‏عقيمة‏ ‏لا‏ ‏نهاية‏ ‏لها‏..‏ دهاليز‏ ‏قد‏ ‏تستنفذ‏ ‏جهدنا‏ ‏فى ‏الإختلاف‏ ‏حول‏ ‏تفسير‏ ‏آية‏ ‏أو‏ ‏تأويل‏ ‏حديث، ‏فالقضية‏ ‏مباشرة‏ ‏وحيوية‏ ‏وملحة، ‏وتعدد‏ ‏معانى أو تأويلات “السلالة‏ ‏التى ‏هى ‏من‏ ‏طين” ‏أو‏ ‏صور‏ ‏ما‏ ‏هو‏ “فى ‏أحسن‏ ‏تقويم” ‏لن‏ ‏تعفى ‏الإنسان‏ ‏من‏ ‏مسئوليته‏ ‏فى ‏حتم‏ “أن‏ ‏يكدح‏ ‏إلى ‏ربه‏ ‏كدحا‏ ‏فيلاقيه‏..” ‏فى ‏رحلته‏ ‏التطورية‏ ‏كفرد‏.. ‏وكجنس‏ ‏بأكمله‏.‏

فهل‏ ‏يا‏ ‏ترى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نتخطى ‏بوعى ‏مثابر‏ ‏محب‏ ‏حواجز‏ ‏الخوف‏ ‏الجاثمة؟

هل‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نعيش‏ ‏بشرا‏ ‏كراما‏ ‏بلا‏ ‏وصاية‏ ‏مسبقة‏ ‏على ‏تفكيرنا‏ ‏طالما‏ ‏نسعى ‏الى ‏وجه‏ ‏اليقين؟

إن‏ ‏أى ‏قيد‏ ‏يحجز‏ ‏التفكير‏ ‏هو‏ ‏حجر‏ ‏ثقيل‏ ‏يبطيء‏ ‏من‏ ‏خطى ‏التطور‏.‏

…….

لم‏ ‏تقفز‏ ‏البشرية‏ ‏قفزاتها‏ ‏العملاقة‏ ‏على ‏سلم‏ ‏الحضارة‏ ‏إلا‏ ‏بالثورات‏ ‏الدينية‏ ‏الأصيلة‏ ‏عبر‏ ‏التاريخ‏.‏ وبرغم ذلك فإن‏ ‏أصواتا‏ ‏أخرى ‏دينية‏ ‏متعصبة‏ ‏تخاف‏ ‏أكثر‏ ‏ما‏ ‏تخاف‏ ‏من‏ ‏كلمة‏ ‏التطور‏.‏

الدعوة قديمة، والفكرة راسخة، وموقفى واحد:

…………

…………

ومع‏ ‏ضعف‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏واهتزاز‏ ‏موقفه‏ ‏المتزايد‏ ‏تظهر‏ ‏دعوة‏ ‏تبدو‏ ‏وكأنها‏ ‏تتصف‏ ‏بالإيجابية‏ ‏للبحث‏ ‏عن‏ ‏بديل‏ ‏أعمق‏ ‏ينبع‏ ‏من‏ ‏جوهر‏ ‏الاسلام‏ ‏المتطور، ‏إلا‏ ‏أنى ‏ألمح‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏ما‏ ‏جاء‏ ‏فى ‏دعوتى ‏إلى “ندوة‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏والإسلام” ‏فى ‏الرياض‏ ‏فى ‏ديسمبر‏ ‏الماضى ‏ما‏ ‏يحتاج‏ ‏الى ‏وقفة‏ ‏واعية‏ ‏محذرة‏ ‏فأنتهز‏ ‏الفرصة‏ ‏وأرسل‏ ‏إلى ‏الزميل‏ ‏الكريم‏ ‏الداعى ‏خطابا‏ ‏أجد‏ ‏من‏  ‏المناسب‏ ‏تماما‏ أن ‏أعيده‏ ‏هنا‏ ‏بنصه‏.‏

القاهرة‏ ‏فى 18 ‏مايو‏ 1978‏  الموافق‏ 11 ‏جمادى ‏الآخرة‏ 1398‏

الاستاذ‏ ‏الدكتور‏ ‏محمد‏ ‏أحمد‏ ‏الرشيد

وعليكم‏ ‏السلام‏ ‏ورحمة‏ ‏الله‏ ‏وبركاته، وبعد

 فقد‏ ‏وصلتنى ‏رسالتكم‏ ‏الكريمة‏ ‏الخاصة‏ ‏بدعوتى ‏للاشتراك‏ ‏والمساهمة‏ ‏فى ‏الندوة‏ ‏الخاصة‏ ‏بعلم‏ ‏النفس‏ ‏والاسلام، ‏وإنى ‏إذ‏ ‏أعتذر‏ ‏عن‏ ‏تأخرى ‏فى ‏الرد‏ ‏أرجو‏ ‏أن‏ ‏تقدروا‏ ‏أن‏ ‏الرسالة‏ ‏الكريمة‏ ‏قد‏ ‏تأخرت‏ ‏فى ‏الوصول‏ ‏إلىّ ‏بلا‏ ‏سبب‏ ‏واضح، ‏وإنى ‏إذ‏ ‏ألتمس‏ ‏العذر‏ ‏ابتداء‏ ‏عن‏ عدم ‏المشاركة‏ ‏فى ‏الندوة‏ ‏…، ‏أود‏ ‏ايضاح‏ ‏ما‏ ‏يلى ‏أمانة‏ ‏ومسئولية‏ ‏من‏ ‏موقعى‏:‏

أولا‏: ‏ ‏أوافقكم‏ ‏على ‏أن‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏كما‏ ‏يُتناول‏ ‏حاليا‏ ‏هو‏ ‏علم‏ ‏يحبو‏ ‏على ‏أربع، ‏وانى – ‏وكثير‏ ‏من‏ ‏العلماء‏ ‏فى ‏كل‏ ‏أنحاء‏ ‏العالم‏ – ‏نعيد‏ ‏النظر‏ ‏فى ‏مفهوم‏ ‏هذا‏ ‏العلم‏ ‏الجديد‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏هو‏ “علم” ‏بالقيم‏ ‏المعروفة، ‏كما‏ ‏نعيد‏ ‏النظر‏ ‏فى ‏معطياته‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏هى ‏معطيات‏ ‏يمكن‏ ‏الاعتماد‏ ‏عليها، ‏أم‏ ‏أنها‏ ‏اجتهادات‏ ‏مرحلية‏ ‏مقولة‏ ‏بالتشكيك، ‏كما‏ ‏أن‏ ‏وسائل‏ ‏البحث‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏العلم‏ ‏قد‏ ‏هوجمت‏ ‏بلا‏ ‏هوادة‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏عشاق‏ ‏الحقيقة‏ ‏وحمال‏ ‏الأمانة‏.‏

ثانيا‏: ‏إن‏ ‏الأديان‏ ‏بما‏ ‏تدعو‏ ‏إليه‏ ‏من‏ ‏جوهر‏ ‏الإيمان‏ ‏والتواصل‏ ‏مع‏ ‏الكون‏ ‏الأعظم إلى وجه الله‏ ‏فيها‏ ‏من‏ ‏العمق‏ ‏والتآلف‏ ‏والاتساق‏ ‏ما‏ ‏يغرى ‏بفحص‏ ‏إمكانيات‏ ‏التوازن‏ ‏بمعناه‏ ‏الشامل، ‏والتوازن‏ ‏النفسى ‏بمعناه‏ ‏المحدود،‏كمنطلق‏ ‏نحو‏ ‏مفهوم‏ ‏إيجابى ‏وموضوعى ‏للصحة‏ ‏النفسية‏ ‏وأن‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏الإنسانى ‏ثم‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏عبر‏ ‏الشخصية‏ ‏قد‏ ‏بدآ‏ ‏هذه‏ ‏المحاولة‏ ‏بجد‏ ‏ومثابرة‏ ‏حين‏ ‏تخطى ‏الأول‏ ‏الدوافع‏ ‏الأولية‏ ‏إلى ‏الدوافع‏ ‏البعدية‏ ‏فى ‏تكامل‏ ‏متصل،‏وتخطى ‏الثانى ‏محدودية‏ ‏الذات‏ ‏الى ‏شمولية‏ ‏الوجود‏.‏

ثالثا‏: ‏إن‏ ‏ديننا‏ ‏الحنيف‏ ‏باعتباره‏ ‏جماع‏ ‏مسيرة‏ ‏الأديان‏ ‏جميعا‏ ‏لم‏ ‏يأخذ‏ ‏حقه‏ بما يليق به ‏بشكل‏ ‏مباشر‏ ‏أو‏ ‏غير‏ ‏مباشر‏ ‏فى ‏الإسهام‏ ‏فى ‏تعميق‏ ‏القيم‏ ‏الإنسانية‏ ‏وإرساء‏ ‏التوازن‏ ‏الموضوعى ‏رغم‏ ‏ثرائه‏ ‏غير‏ ‏المحدود‏ ‏فى ‏جوهره‏ ‏وتفاصيله، ‏ولا‏ ‏أود‏ ‏أن‏ ‏أستطرد‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏تفصيلا‏ ‏إلا‏ ‏أنى ‏أعرض‏ ‏هذه‏ ‏الحقيقة‏ ‏مجردة‏ ‏بما‏ ‏تسمح‏ ‏به‏ ‏هذه‏ ‏العجالة‏.‏

رابعا‏: ‏توقفت‏ ‏طويلا‏ ‏أمام‏ ‏الخطاب‏ ‏المرفق‏ ‏الذى ‏يوضح‏ ‏أبعاد‏ ‏الندوة‏ ‏وقبلت‏ ‏منه‏ ‏مرحبا‏ ‏فكرة‏ ‏البحث‏ ‏عن‏ ‏منطلق‏ ‏علمى ‏إيمانى ‏جديد‏ ‏يسهم‏ ‏فى ‏تفسير‏ ‏السلوك‏ ‏الإنسانى ‏لكنى ‏أثير‏ ‏هنا‏ ‏بعض‏ ‏ما‏ ‏خطر‏ ‏لى ‏من‏ ‏مخاوف، ‏أرجو‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏محل‏ ‏اعتبار‏ ‏المجتمعين‏:‏

‏1- ‏إن‏ ‏إتجاه‏ ‏إعادة‏ ‏النظر‏ ‏فى ‏أسلوب‏ ‏البحث‏ ‏فى ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏يجب‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏اتجاها‏ ‏حرا‏ ‏شجاعا، ‏إذ‏ ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏يسير‏ ‏احترامنا‏ ‏الواجب‏ ‏لأساتذتنا‏ ‏وعلمائنا‏ ‏فى ‏التفسير‏ ‏والفقه‏ ‏والشريعة‏ ‏جنبا‏ ‏إلى ‏جنب‏ ‏مع‏ ‏إطلاق‏ ‏العنان‏ ‏للتفكير‏ ‏العلمى ‏للمخلصين‏ ‏من‏ ‏العلماء‏ ‏لا‏ ‏يحدهم‏ ‏إلا‏ ‏إيمانهم‏ ‏وضمائرهم، ‏فيكون‏ ‏القياس‏ ‏والتقويم‏ ‏أساسا‏ ‏من‏ ‏واقع‏ ‏القيم‏ ‏العلمية‏ ‏ومدى ‏الموضوعية‏ الحقيقية فى الممارسة ‏ودرجة‏ ‏التناسق‏ ‏مع‏ ‏جوهر‏ ‏الدين‏ ‏وأهداف‏ ‏المسيرة‏ ‏البشرية‏ ‏لخلق‏ ‏الله‏، ‏أما‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏هناك‏ ‏مسلمات‏ ‏تفصيلية‏ ‏مسبقة‏ ‏يتحرك‏ ‏العلماء‏ ‏المؤمنون‏ ‏فى ‏حدودها‏ ‏فإنى ‏أرى ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏سيحد‏ ‏من‏ ‏حرية‏ ‏التفكير‏ ‏الإبداعى ‏الذى ‏هو‏ ‏ألزم‏ ‏ما‏ ‏يكون‏ ‏للعالم‏ ‏والمؤمن‏ ‏والإنسان‏ ‏الحضارى ‏معا‏.‏

‏2- ‏إن‏ ‏البحث‏ ‏فى ‏إمكان‏ ‏الاستفادة‏ ‏من‏ ‏أساليب‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏الحديث‏ ‏فى ‏الدعوة‏ ‏للمباديء‏ ‏الإسلامية‏ ‏قد‏ ‏يثير‏ ‏نقطة‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نستوعبها‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏لنا‏ ‏أن‏ ‏نساير‏ ‏العصر‏ ‏ثم‏ ‏قد نسبقه‏ ‏وربما‏ ‏نقوده‏ ‏إلى ‏الخير‏ ‏بإذن‏ ‏الله، ‏هذه‏ ‏النقطة‏ ‏هى ‏أن‏ ‏القضية‏ ‏الحضارية‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏تناولها‏ ‏إيمانيا‏ ‏على ‏مراحل‏ ‏متصاعدة‏ ‏واعية‏ ‏هادفة كالتالى‏:‏

‏(‏أ‏) ‏الدعوة‏ ‏إلى ‏البحث‏ ‏فى ‏النفس‏ ‏البشرية‏ ‏بالمواجهة‏ ‏الفطرية‏ ‏النقية‏ ‏التى ‏تدعم‏ ‏العمق‏ ‏الموضوعى ‏للباحث‏ ‏كأداة‏ ‏مباشرة‏ ‏لكشف‏ ‏الحقائق‏ ‏بما‏ ‏يتفق‏ ‏مع‏ ‏المعنى ‏الجوهرى ‏للفطرة‏ ‏السليمة‏ ‏دون‏ ‏قيود‏ ‏مسبقة‏.‏

‏(‏ب‏) ‏البحث‏ ‏فى ‏طبيعة‏ ‏التكوين‏ ‏الإنسانى ‏وحاجة‏ ‏الإنسان‏ ‏الأساسية‏ ‏للإيمان‏ ‏بما‏ ‏يرتبط بذلك‏ ‏من‏ ‏مظاهر‏ ‏سلوكية‏ ‏فى العبادات والفضائل.

‏(‏جـ‏) ‏البحث‏ ‏فى ‏القيم‏ ‏الإيمانية‏ ‏بصفتها‏ ‏الشمولية، ‏وتمييزها‏ ‏عن‏ ‏الإختلافات‏ ‏السلوكية‏ ‏التدينية‏ ‏فى ‏مختلف‏ ‏الأديان‏.‏

‏(‏د‏) ‏بحث‏ ‏القيم‏ ‏الإسلامية‏ ‏جوهريا‏ ‏قبل‏ ‏الدخول‏ ‏فى ‏تفاصيل‏ ‏سلوكية‏.‏

‏(‏هـ‏) ‏بحث‏ ‏التفاصيل‏ ‏السلوكية‏ ‏الدينية‏ ‏والنظر‏ ‏فى ‏دورها‏ ‏كوسيلة‏ ‏إلى ‏تحقيق‏ ‏التوازن‏ ‏الأشمل‏.‏

وبهذا‏ ‏الترتيب‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نحقق‏ ‏أهدافنا‏ ‏الحضارية‏ ‏ونساير‏ ‏العصر بل‏ ‏ونتحداه،‏ ‏وقد نتخطاه‏، ‏وربما نرشده‏ ‏اذا‏ ‏تكلم‏ ‏لغة‏ ‏شاملة‏ ‏لا‏ ‏تعصب‏ ‏فيها ‏ولا‏ ‏مخاوف، ‏كما‏ ‏أننا‏ ‏سنتدرج‏ ‏بموضوعية‏ ‏ووعى ‏من‏ ‏المركز‏ ‏إلى ‏الأطراف‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏نسجن‏ ‏عقولنا‏ ‏فى ‏تفاصيل‏ ‏معوقة‏ ‏فى ‏المرحلة‏ ‏الحالية، ‏وبذلك‏ ‏يكون‏ ‏نشاطنا‏ ‏العلمى ‏الحضارى ‏نابعا‏ ‏من‏ ‏نظرة‏ ‏إيمانية‏ ‏شاملة نؤكد بها أننا لا نكلم أنفسنا، وبذلك تكون الدعوة للمبادئ الإسلامية هى دعوة‏ ‏حضارية‏ ‏موضوعية‏ ‏فى ‏المقام‏ ‏الأول، ‏وليست‏ ‏فكرا‏ ‏ضيقا‏ ‏فى ‏منطقة‏ ‏بذاتها، ‏أو‏ ‏مرحلة‏ ‏زمانية‏ ‏بعينها‏.‏

خامسا‏: ‏بالنسبة‏ ‏للاقتراحات‏ ‏بشأن‏ ‏أعمال‏ ‏الندوة‏ ‏أو‏ ‏الدراسات‏ ‏التى ‏تسهم‏ ‏فى ‏تحقيق‏ ‏أغراض‏ ‏الندوة‏ ‏كما‏ ‏أتصورها‏ ‏أتقدم‏ ‏لسيادتكم‏ ‏برؤوس‏ ‏المواضيع‏ ‏التالية‏:‏

‏1- ‏بحث‏ ‏معنى “الفطرة” ‏فى ‏علاقتها‏ ‏بالبيولوجى ‏بصفة‏ ‏عامة‏ ‏وفى ‏تطورها‏ ‏كمادة‏ ‏حية‏ ‏لها‏ ‏غايات‏ ‏متصاعدة، ‏وذلك‏ ‏من‏ ‏منطلق‏ ‏علمى تطورى ‏موضوعى ‏جديد، ‏وبالتالى ‏بحث‏ ‏معنى ‏الإلحاد‏ ‏فى ‏مفهومه‏ ‏النشازى ‏المخالف‏ ‏للتآلف‏ ‏البيولوجى فالكونى‏.‏

‏2- ‏بحث‏ دور ‏التوحيد‏ (‏لا‏ ‏إله‏ ‏إلا‏ ‏الله‏) ‏من‏ ‏منطلق‏ ‏تحرير‏ ‏الإنسان، ‏ومعنى ‏الحرية‏ ‏الداخلية‏ ‏وأهميتها‏ ‏ودلالتها‏ ‏فى ‏التوافق‏ ‏النفسى ‏والعطاء‏ ‏الإبداعى ‏البشري‏.‏

‏3- ‏بحث‏ ‏بعض‏ ‏المعانى المعرفية‏ الغالبة فى خبرات التصوف ‏مثل‏ “السعى ‏الى ‏وجه‏ ‏الله” ‏من‏ ‏منطلق‏ ‏علم‏ ‏نفس‏ ‏النمو‏ ‏وتصاعداته‏ “الهيراركية” ‏فى ‏محاولة‏ ‏التوافق‏ ‏والتكامل‏ ‏مع‏ ‏التزايد‏ ‏المستمر‏ ‏فى ‏درجات‏ ‏الوعى ‏البشرى ‏ومداه‏.‏

‏4- ‏بحث‏ ‏معنى ‏”الوُلاف”‏ ‏الذى ‏يتميز‏ ‏به‏ ‏الإسلام‏ ‏بوجه‏ ‏خاص‏ ‏سواء‏ ‏فى ‏موقفه‏ ‏تطوريا‏ ‏بين‏ ‏الأديان، ‏أم‏ ‏فى ‏تخطى ‏الفصل‏ ‏الإنشقاقى ‏بين‏ ‏الخير‏ ‏والشر‏ ‏داخل‏ ‏النفس، ‏أم‏ ‏فى ‏مسيرته الجدلية‏ ‏التوحيدية‏ ‏نحو‏ ‏التكامل، ‏وكل‏ ‏هذه‏ ‏الولافات‏ ‏إنما‏ ‏تتسق‏ ‏مع‏ ‏مسيرة‏ ‏تطور‏ ‏الإنسان‏ ‏وترقيه‏ ‏الى ‏التوافق‏ ‏المتصاعد‏ ‏مع‏ ‏الكون‏ ‏الأعظم‏ ‏ورب‏ ‏الأكوان‏.‏

وإنى ‏حين‏ ‏أضع‏ ‏هذه‏ ‏المقترحات‏ ‏كعينات‏ ‏ليس إلا أريد أن‏ ‏أنبه‏ ‏مرة‏ ‏أخرى – ‏وعذرا‏ ‏للتكرار –أن‏ ‏البعد‏ ‏الذى ‏أتصوره‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏المباحث‏ ‏العميقة‏ ‏الأصيلة‏ ‏ليس‏ ‏مجرد‏ ‏إثبات‏ ‏سطحى ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏المعنى ‏أو‏ ‏ذاك‏ ‏قد‏ ‏ورد‏ ‏هنا‏ ‏أو‏ ‏هناك فى نص تراثى، ‏فديننا‏ ‏فى ‏عمق‏ ‏أصالته‏ ‏لا‏ ‏يحتاج‏ ‏الى ‏هذه‏ ‏المرافعات‏ ‏الهزيلة‏ ‏المعطلة‏ ‏والمسطحة، ‏ولكنى ‏أعنى ‏البحث عن منهج له موضوعيته الخاصة،‏ ‏يبحث‏ ‏فى ‏عمق‏ ‏الحقيقة‏ ‏فى ‏اتجاه‏ ‏الحق‏ ‏مباشرة‏ ‏فى ‏تواز‏ ‏تركيبى ‏غائى يقاس بنتائجه، دون الاقتصار على المنهج السائد المتمركز حول ‏تعليل‏ ‏خطى ‏مهتز‏.‏

ولعل‏ ‏خطوط‏ ‏المسيرة‏ ‏كما‏ ‏صورتها‏ ‏تحدد‏ ‏لنا‏ ‏أعداء‏ ‏التوازن‏ ‏ومعوقى ‏المسيرة‏ ‏وكأننا‏ ‏نواجه‏ ‏فرق‏ ‏تشويه‏ ‏الطبيعة‏ ‏البشرية‏‏ ‏من‏ ‏المتعصبين‏ ‏ضيقى ‏الأفق‏ ‏أو‏ ‏من‏ ‏الماديين‏ ‏بالمعنى ‏السطحى ‏الخائف‏، ‏أو‏ من ‏المسطحين‏ ‏متعجلى ‏الحلول‏ ‏اللذية‏ ‏القاصرة‏، سواء انتموا إلى المؤسسة الدينية المغلقة، أو المؤسسة العلمية الكنسية المتجمدة.‏

وإنى ‏إذ‏ ‏أختتم‏ ‏كتابى ‏هذا‏ ‏أدعو‏ ‏الله‏ ‏جلت‏ ‏قدرته‏ ‏أن‏ ‏ينير‏ ‏بصائر‏ ‏المجتمعين‏ ‏وأن‏ ‏يوفق‏ ‏خطاهم، ‏وعلى ‏الله‏ ‏قصد‏ ‏السبيل‏.‏

اللهم‏ ‏فاشهد‏.‏

ولنا‏ ‏ولكم‏ ‏من‏ ‏الله‏ ‏الرحمة‏ ‏والرشاد

‏(‏انتهى ‏بنصه‏)..‏

يحيى الرخاوى

………

ثم عقبت فى نفس المقال على نشر هذا الخطاب هكذا:

“…. ولكنى ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏كتبت‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏سبق‏ ‏رحت‏ ‏آتردد‏ ‏وأقول‏ ‏لصديق‏ ‏لى “لقد‏ ‏وجدت‏ ‏أنى – ‏مثل‏ ‏كل‏ ‏الذين‏ ‏يحاولون‏ ‏هذه‏ ‏الأيام‏ – ‏لم‏ ‏أقل‏ ‏شيئا، ‏وأن‏ ‏قارىء‏ ‏هذا‏ ‏الكلام‏ ‏من‏ ‏الجانبين‏ ‏سيأخذه‏ ‏على ‏حسب‏ ‏ما‏ ‏يستطيع‏ ‏هو، ‏لا‏ ‏ما‏ ‏أعنى ‏أنا”، ‏وأقترحت‏ ‏عليه‏ ‏ألا‏ ‏ننشر‏ ‏المقال‏ ‏برمته‏ ‏التزاما‏ ‏منا‏ ‏بتجنب‏ ‏المعارك‏ ‏الجانبية‏ ‏فى ‏مرحلتنا‏ ‏هذه‏ (1980) ‏من‏ ‏ناحية، ‏وبألا‏ ‏نقول‏ ‏إلا‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يصل‏ ‏إلى ‏أصحابه‏ ‏بحجمه‏ ‏المتواضع، ‏فيثير‏ ‏فيهم‏ ‏فعلا‏ ‏متواضعا‏ ‏مستمرا‏.‏

ثم إنى عدت فرددت‏ ‏عليه‏ (‏وكأنه‏ ‏يرد‏ ‏علىّ‏) ‏أننا‏ ‏لسنا‏ ‏أوصياء‏ ‏على ‏القاريء‏ ‏نصدر‏ ‏له‏ ‏أحكاما‏ ‏مسبقة‏ ‏على ‏ما‏ ‏يفهم‏ ‏وما‏ ‏لا‏ ‏يفهم، ‏فلنقل‏ ‏كلمتنا‏ ‏ولنتحمل‏ ‏مسئوليتنا‏ ‏ونحدد‏ ‏خطوط‏ ‏مسيرتنا‏ ‏ولو‏ ‏كانت‏ ‏عريضة‏ ‏عريضة‏ ‏حتى ‏تسع‏ ‏كل‏ ‏المختلفين‏ ‏وها‏ ‏هى ‏ذى‏.‏

‏1- ‏إن‏ ‏التطور‏ ‏الحتمى ‏لا‏ ‏يتعارض‏ ‏مع‏ ‏أى ‏دين‏ ‏وينبغى ‏أن‏ ‏يعاد‏ ‏النظر‏ ‏فى ‏التفسيرات‏ ‏السطحية‏ ‏المؤيدة‏ ‏والتفسيرات‏ ‏الخائفة‏ ‏المعارضة‏.‏

‏2- ‏إن‏ ‏خط‏ ‏العلم‏ ‏الحقيقى – ‏بعد‏ ‏التأنى ‏فى ‏تعريفه‏ ‏والتعمق‏ ‏فى ‏فلسفته‏ – ‏هو‏ ‏خط‏ ‏مواز‏ ‏متآلف‏ ‏مع‏ ‏التطور‏ ‏الإيمانى ‏الواعى ‏العميق‏.‏

‏3- ‏إن‏ ‏التمسك‏ ‏بالدين‏ ‏الفوقى ‏وحتى الاغترابى قد يكون‏ ‏خطوة‏ ‏لازمة‏ ‏ومفيدة‏ ‏للوصول‏ ‏الى ‏المعايشة‏ ‏الإيمانية‏ ‏حتى ‏اليقين‏ ‏الواعى ‏بكيان‏ ‏الإنسان‏ ‏وتناسقه‏ ‏مع‏ ‏الكون‏ ‏الأعظم‏ ‏بالتزام‏ ‏واقعى ‏يومى ‏نحو‏ ‏الناس‏ ‏والحياة‏ ‏سعيا‏ ‏إلى ‏وجه‏ ‏الله، ‏وهذا‏ ‏التقبل‏ ‏يساير‏ ‏تماما‏ ‏ضرورة‏ ‏الإنشقاق‏ ‏فالالتحام‏ ‏اللولبى ‏فالانشقاق‏ ‏الأقل،‏ ‏فالتوليف‏ ‏الأعلى ‏فى ‏مسيرة‏ ‏النمو‏.‏

‏4- ‏إن‏ ‏الاعتراف‏ ‏بضرورة‏ ‏الإيمان‏ ‏بالمعنى ‏التكاملي، ‏واستحالة‏ ‏الإلحاد‏ ‏لاستحالة‏ ‏النشاز‏ ‏البيولوجى ‏مع‏ ‏استمرار‏ ‏الحياة، ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏يتطلب‏ ‏فتح‏ ‏أبواب‏ ‏الفكر‏ ‏واحترام‏ ‏الخبرة‏ ‏الإنسانية‏ ‏المباشرة‏ ‏بكل‏ ‏محتوياتها‏ ‏وغموضها‏ ‏فى ‏بعض‏ ‏مراحل‏ ‏ترجمتها‏ ‏إلى ‏أفكار‏ ‏أو‏ ‏ألفاظ‏.‏

‏5- ‏إن‏ ‏ذلك‏ ‏يتضمن‏ ‏إعاد‏ة ‏النظر‏ ‏فى ‏غرور‏ ‏العقل‏ ‏العلمى ‏المتضخم‏ ‏على ‏حساب‏ ‏العقل‏ ‏الفنى ‏المتواري، ‏مما‏ ‏يفتح‏ ‏أبواب‏ ‏البحث‏ ‏والدراسة‏ ‏لكل‏ ‏ما‏ ‏سمى ‏خوفا‏ ‏واستسهالا‏ “بالخرافة” ‏بمنظور‏ ‏أكثر‏ ‏احتراما‏ ‏وأعمق‏ ‏مسئولية‏.‏

‏6- ‏إن‏ ‏موقفنا‏ ‏الخاص، ‏تاريخا‏ ‏وتكوينا‏ ‏وأملا، ‏يلزمنا‏ ‏بأن‏ ‏تكون‏ ‏الخبرة‏ ‏الإيمانية‏ ‏المعاشة، ‏والإلتزام‏ ‏الدينى ‏الشخصى ‏الواعي، ‏من‏ ‏أهم‏ ‏وقود‏ ‏مسيرتنا‏ ‏الحضارية، ‏ومن‏ ‏أهم‏ ‏علامات‏ ‏فكرنا‏ ‏الأصيل‏.‏

ثم‏  ‏مرة‏  ‏ثانية‏  ‏أتساءل‏  ‏كيف‏ ‏؟

ومرة‏ ‏أخرى ‏لا‏ ‏أجد‏ ‏الجواب‏ ‏إلا‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏المحاولات‏ ‏المستمرة‏ ‏لتقبل‏ ‏كل‏ ‏محاولة، ‏ورفض‏ ‏كل‏ ‏استسلام‏ ‏سهل، ‏والسير‏ ‏حثيثا‏ ‏فى ‏خط‏ ‏علمى، ‏موازٍ ‏يجعلنا‏ ‏أهلا‏ ‏لما‏ ‏ألقى ‏علينا‏ ‏من‏ ‏قول‏ ‏ثقيل، ‏وما‏ ‏حملنا‏ ‏من‏ ‏أمانة‏ ‏الوعى.

(انتهت المقتطفات)

وبعد أخيرة (لهذه النشرة الآن الثلاثاء 23/10/2012)

هذا ما كتبته منذ اثنين  وثلاثين عاما، فهل يصلح ليكون هو هو رأيى الآن إسهاما محدودا فى الملف الحالى للجنة التراث النفسى الإسلامى المنشأة حديثا فى الشبكة العربية النفسية؟

ومازلت شاكرا ملتزما معايشا الفرحة التى وصلتنى من الورقة الرائعة التى قدمها د. نزار عيون السود، ملتزما بالتعليق عليها

كما آمل فى القيام بواجب الرد على بعض التفاصيل التى سألنى عنها الدكتور إدريس الوزانى، وغيره فى حدود ما يتاح وأستطيع “.

“لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ..”

” … وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ …”.

 

[1] – مثل‏ ‏لكونت‏ ‏دى ‏نوى ‏فى ‏كتابه‏ “مصير‏ ‏الانسان” 1946 ‏ترجمة‏ ‏د‏. ‏خليل‏ ‏الجر‏ 1967‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *