الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (109) الإدراك (7)

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (109) الإدراك (7)

نشرة “الإنسان والتطور”

الثلاثاء: 11-9-2012

السنة السادسة

 العدد:  1838

 الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (109)

 الإدراك (70)

مقدمة:11-9-2012

هذا هو الجزء الثالث من محاضرة عن الثقافة العلمية، والعلم المعرفى، وقد أشرنا فيها إلى أساس هذا العلم، وأيضا علاقتى به، وأنه فى البدء كانت الممارسة، وأن التعرف على دور الجسد وأيضا نشاط النوم والحلم فى المعرفة هو أساس لهذا العلم، ثم علاقة كل ذلك بالتحليل التركيبى وتعدد الذوات (حالات الأنا: حالات العقل)، ونواصل اليوم التعرف على المزيد من معالمه.

عن العلم والثقافة والمعرفة (3)

عن العلم المعرفى (معالم أساسية)

العلم المعرفى هو كيان متعدد التوجهات واللغات حيث يجمع بين منظومات معرفية وعلمية متعددة، حتى يسمى العلم بين- الأنظماتى Inter- disciplinary science. وسوف اكتفى بالشكل التالى للإشارة إلى ذلك.

11-9-2012

العلم المعرفى متهم بالهرطقة

يطلق لفظ الهرطقة تاريخا وحاضرا على من يجدف فى دين ما حتى ينكره، أو يعرى مقدساته، أو يشجبها، وقد وُُصِفَ ظهور العلم المعرفى بالهرطقة باعتبار أن المنظومة العلمية البحته كانت قد وصلت إلى درجة من التصلب والتعصب حتى صارت بمثابة دين مقدس، وبالتالى فإن أى اختراق لها، هو بمثابة الهرطقة، وقد قام العلم المعرفى بذلك على مستويين.

الهرطقة الأولى: ضد السلطة (الكنيسة) الحاسوبيية العظمى، هذه الهرطقة  تقول :

“إن التفكير ليس فقط بالرموز”

الهرطقة الثانية : ضد احتكار المخ (والعقل) لعمليات المعرفة، تقول :

“المعرفة  ليست فقط فى الدماغ (المخ)”

وقد ارتبط  هذا وذاك بحركة صعود وهبوط الذكاء الصناعى ، حين فشل الحاسوب أن يكون النموذج المُقتدَى به لعمل الدماغ  البشرى ، فاستعاد الكيان البشرى ، جسما ودماغا، ريادته وتفرده من خلا ل ما يسمى العلم المعرفى.

(لعل وجه الشبه الذى يبرر تسمية هذا الاختراق بالهرطقة هو موقف كوبرنيكس، أنظر بعد)

بعض الحقائق الأساسية التى مهدت لظهور  ”العلم المعرفى“

إن المخ يتشكل – معرفيا – من التفاعل مع الراعى care-giver منذ الطفولة . هذا الراعى يبنى بناءً وحدات الوجدان والتفكير التجريدى والقدرات المعرفية فى آن. لكى نتعامل مع هذه الحقيقة، ونحن نحتفظ فى مخيلتنا بحجم النشاط المعرفى، علينا أن نتذكر (أو نتخيل) حجم وتعقيد تركيب المخ البشرى حتى يمكن أن نتجنب الاختزال إلى المنطق التربيطى الرمزى، أو إلى ما  يقابله من اختزال مشتبكى نيورونى، يفسر السلوك ببعض التغيرات فى بعض الموصلات المشتبكية بأقل قدر من الجماعية  والتمثلات الكلية.

 يتكون المخ من حوالى مائة ألف بليون نيورون (خلية عصبية). كل نيورون متصل بحوالى عشرة آلاف مشتبك عصبى. إن تناول عمليات اعتمال المعلومات Information processing  يجرى مؤخرا بلغة أوسع مقدرة من لغة الرموز وتكوين المفهوم. لا بد من  تصور هذا الزخم من آلاف البلايين من الترابطات وهى تخلّق (وتتعامل مع) كل من: الطاقة والمعلومات؟

الطاقة والمعلومات

ابتداءً أذّكّر بما شاع حول هذا اللفظ “الطاقة” من استعمالات خارج نطاق العلم التقليدى، فى مقابل اختزال استعمالها على طاقة “رابطة الفوسفور ذات الطاقة العالية” فى بعض التمثيل الغذائى. إن الطاقةكما تستعمل فى سياق العلم المعرفى واعتمال المعلومات غير هذا وذاك، أنها تشير إلى النشاط الذى تمثله الدوائر العصبية كامنا ومنبسطا مرتبطا بالتمثّلات المختلفة،  أما المعلومات فهى ما يتمثل فى أنماط النشاط أى فى تشكيل تركيبات الشبكات النيورونية والتمثلات العقلية وليس فقط فى المفردات الرمزية خاصة تلك القابعة فى المعاجم او الموسوعات.

كذلك يجدر بنا التذكرة ابتداء بأن الجهاز العصبى  يعمل “بالتوازى” كما يعمل “بالتتابع” كمحرك لاعتمال المعلومات

فكيف بعد ذلك يمكن أن نتصور هذا الزخم من آلاف البلايين من الترابطات وهى تخلّق كلا من : الطاقة والمعلومات ؟ إن هذا يستلزم قدرا هائلا من الخيال، واحتراما حقيقيا للممارسة.

تشمل عملية اعتمال (معالجة) المعلومات كلا من:

 (1) التباين       (2) المقارنة      (3) التعميم

(4) التدعيم       (5) التجميع       (6) التفرقة           (7) الاستخراج 

 مما يؤدى إلى:

تمثيل عقلى مركب، وهو الذى يعتبر الوحدة الأساسية أو “حالة العقل mental state ، وهى المدخل للعلم المعرفى (مما لا مجال لتفصيله هنا)

الفروض الأساسية للعلم المعرفى

أولا:  إنه يمكن فهم التفكير باعتباره بنيات  تمثيلية فى العقل وليس مجرد عملية تربيطية للرموز

 ثانيا: يمكن التعامل مع هذه البنيات  بالعمليات الحاسوبية، لكنه  لايـقتصر على ذلك حيث يشمل التعامل مع – أيضا – العمليات التربيطية التى تستعمل الشبكات النيورونية

 ثالثا: إن مايعرف بالخوارزمية (خطوة بعد خطوة فى تصعيد تركيبى استبعادى) هو النموذج الأبعد عن العلم المعرفى، وإن كان  لا يمكن استبعاده تماما. مرة أخرى لأن العلم المعرفى  يتجاوز ”التربيطيين“ لكنه لا ينكرهم، أو يستغنى عنهم.

رابعا: إن العقل (والدماغ) ليسا وحدهما أدوات التفكير

إن الجسد  أصبح يعامل باعتباره أداة تفكير أساسية

خامسا: إن أغلب التفكير لا يجرى فى بؤرة الوعى الظاهر (يدّعى لاكوف – أنظر الملحق-  أن 95 % من التفكير هو لا شعورى).

نقد العلم المعرفى

زعموا أن العلم المعرفى  يهمل أويهّمش كلا من:

 الوجدان – الواقع الفيزيقى المحيط – المجتمع – المنظومات الدينامية – الجانب الكموى (الرياضى الأحدث)

 وقد تم الرد على كل ذلك بأن هذا العلم  لا يهمل أيا من ذلك، وإنما هو يحتوى جواهر حقائقها من منطلق اتساع مفهوم النشاط المعرفى عن المفهوم القاصر للتفكير أو الذكاء (الطبيعى والصناعى)

أبجدية العلم المعرفى (مجرد إشارة إلى التسميات أو العناوين)

  التمثّـلات Representations         

 الاعتمال الرمزى Symbolic Processing

 النماذج الحاسوبية Computational models

 الشبكات النيورونية  Neuronal networks

المنظومات الدينامية Dynamic systems    

وقد تولدت هذه الأبجدية من خلال مواجهة ظواهر معرفية لا يصلح لتفسيرها أى من نماذج التمثيلات الرمزية أو أفكار التربيطين وحدها.

لكى نفهم كيف “يتكون المفهوم” نحن نحتاج تمثيلا ثالثا مبنيا على أساس هندسى أو طوبوغرافى أكثر منه تربيطى أو رمزى.

 إننا حين نتحدث عن أفكارنا إنما نشير إلى صور مناظر نكوّنها تكوينا. مثلما يحدث فى الأحلام والتخيلات.

* * * *

وبعد

إلتزمت حتى الآن بما جاء فى المحاضرة دون زيادة حتى لا أُستدرج من جديد إلى كتاب كامل عن العلم المعرفى، لكننى أرى أن أنبّه كيف أن هذا العلم – بصفة عامة- ينقلنا من الرمز والمفهوم إلى المكان والزمان التصويرى الماثل، الحاضر.

وغدًا نكمل آخر حلقة فى هذا الاستطراد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *