الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (91) الإدراك (52) هامش عن: الإدراك، والإبداع، والحلم، والمعرفة الهشة

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (91) الإدراك (52) هامش عن: الإدراك، والإبداع، والحلم، والمعرفة الهشة

نشرة “الإنسان والتطور”

10-7-2012

السنة الخامسة

العدد: 1775

 29-5-2012

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (91)

 الإدراك (52)

 

هامش عن: الإدراك، والإبداع، والحلم، والمعرفة الهشة

 تصحيح: (آسف مسودة النشرة هى ما نزلت أمس)

مع تكرار اعتذارى، وعجزى عن الوفاء بوعودى، طمعت أكثر فى أن تحتملونى أكثر، وليقينى أن الذى يثابر على متابعتى ويصبر علىّ هم ندرة الندرة، آخذ راحتى وأواصل الكتابة لربى، ولصاحب النصيب، شاكر لهم مهما تضاءلوا أو تراجعوا.

حين وصل عرض أبعاد ما هو إدراك إلى حالة رشاد (التى استغرقت 210 صفحة)، ورأينا كيف وصفها بكل هذه الدقة، واعتبرنا أن وصفه يمكن أن يساعدنا فى فهم اضطراب عملية معالجة (اعتمال) المعلومات، وبالتالى يشير إلى ما يوضح مواصفاتها فى السواء، توقفنا، دون أن ننجح فى شرح ما يعنى “رشاد” بما أطلق عليه “الإعداد”، واليوم سوف أحاول أن أطرح ربطا جديدا غير مألوف – كالعادة –، بين هذه العلمية وبين فكرة، وتجربة، جرت فى العلاج الجمعى، تشير إلى أن “الإعداد الذى أشار إليه رشاد، ليس فقط هو الاستعداد والقصد، بل قد يكون ما يمكن أن نسميه “كلام بدون كلام”، (ولا نقصد به الكلام الصامت).

نص اللعبة يقول:

أنا أخاف أقول كلام من غير كلام، لحْسن ….. (أكمل)

أخاف أن أقول كلاما بدون كلام، خشية أن …

كانت فكرة اللعبة قد نقشت ونحن نفحص أثر ما جيرى من “تفاعلات فى المجموعة” على الصامتين (ظاهرا) وهم يشاركون فى الحوار دون إعلانه، وقد أقر أغلبهم أنهم مشاركون معظمهم و”يقولون” دون إلحاح بالتصريح، إذا لم يكن تفكيرا صامتا، ولكن مشاركة على مستوى آخر، حين ربطت ذلك بما نحن فيه وصلنى أن الكلام يتكون ثم ينطق أو لا ينطق لكنه يتم فى مرحلة “الإعداد”، ربما مثل التى أشار إليها “رشاد”.

 فى آخر لحظة وجدت أن عرض اللعبة كلها، وقد أعيدت فى ثلاث جلسات بتاريخ (2/5/2012 ، 9/5/2012، 16/5/2012) قد تستغرق منا عدة أسابيع فنبتعد ونحن لا ندرى متى أعود!! فقررت تأجيلها.

أكتفى اليوم بإشارة محدودة عن علاقة هذا الجانب من الإدراك بالحلم والإبداع.

الإدراك ليس مجرد تلقى المعلومات والمعارف وتنظيمها

الإدراك – كما عملنا رشاد – وبدأن فى التنظير هو شديد الارتباط بعملية معالجة المعلومات التى هى ليست مجرد إدراك بمعنى “تلقى”، وإعطاء معنى للتلقى، سواء صغناه فى لفظ وكلام أم عجزنا عن ذلك، لكنها (1) تلقى، (2) وترتيب، (3) وهضم (4) وتمثيل، ثم احتمال تفعيل بالتعبير أو بغيره، هذا الجزء الأخير هو الذى نسميه “الضلع العائد” Afferent Limb من هذه العملية، ولعل هذه هى المرحلة التى يمكن أن نعتبرها مقابل لما أسماه رشاد “الإعداد“؟  ويسرى على هذه المرحلة التعبيرية، أو الشروع فى التعبير، ما يسرى على مرحلة التلقى والتشكيل والهضم والتمثيل، من استقلال عن التفكير الذى نعرفه، كما تتصف بما تتصف به عملية التلقى من اتساع وغموض برغم يقين التوجه وتأجيل التعبير حتى يتمكن المبدع من لمّ الشمل وإعادة التشكيل؟

حين يقول ت.س. إليوت أنه: “‏لم‏ ‏يتعلم‏ ‏المرء‏ ‏إلا‏ ‏انتقاء‏ ‏خير‏ ‏الكلام‏ ‏للشئ ‏الذى ‏لم‏ ‏تعد‏ ‏ثمة‏ ‏ضرورة‏ ‏لقوله‏، ‏وبالطريقة‏ ‏التى ‏لم‏ ‏يعد‏ ‏ميالا‏ ‏لقوله‏ ‏بها‏”(1) وهو يصف ظاهر وخلاصة ما يخرج شعرا، أليس فى ذلك ما يشير إلى “تكوين و”إعداد” ما هو “كلام من غير كلام” كما سيرد فى حينه؟

فى أطروحتىّ عن “جدلية الجنون ونبض الإبداع“، وقبل ذلك عن “الإيقاع الحيوى ونبض الإبداع“، قمت بنحت هذا مصطلح جديد أسميته “الشعر بالقوة” مقابل ما أسميته “الحلم بالقوة“، ويبدو أننى كنت أتحرك فى نفس المنطقة فى “مجال الإدراك” حالة كونه الأرضية الخصبة للإبداع – حكما أو ناتجا تشكيليا – قبل التفكير والتفعيل.

وحين يتكلم “سيلفانوا أريتى” عن الإبداع ويركز على مرحلة “المعرفة الهشة”(2) وعلاقتها بالإبداع ، فألتقط ملامح ما ظهر منها فى شهادات الروائيين والقصصين والشعراء، فإنها أيضا مرحلة (أو أكثر) تنتمى أيضا إلى عملية الإدراك ؟

يحتاج الأمر إلى مقتطفات كثيرة من الأطروحتين معاً، سوف أكتفى اليوم منها بإشارات محدودة كما ذكرت خشية التمادى فى الاستطراد.

المقتطفات:

(1) الشعر‏ ‏الذى ‏لم‏ ‏يقل  (صفحة 37)

“… ثمة‏ ‏شعر‏ ‏لم‏ ‏يقل‏ ‏أصلا‏، ‏وهذا‏ ‏مايقابل‏ ‏التنشيط‏ ‏المبدئى ‏للداخل‏ ‏فالخارج‏، هو لم يُقَلْ إذ يمر‏ ‏سريعا‏ ‏بمراحله‏ ‏الإبداعية‏ ‏الطبيعية‏، ‏من‏ ‏تفكيك‏، ‏وتحريك‏، ‏فولاف‏ ‏داخلى، ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يتمكن‏ ‏الشاعر‏ ‏من‏ ‏اللحاق‏ ‏به‏، ‏للإمساك‏ ‏بمادته‏، ‏وتسجيلها‏، ‏وتطويرها‏ ‏فى ‏صياغة‏ ‏معلنة‏. ‏هذا‏ ‏المستوى ‏هو‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يسمى: “‏القصيدة  ‏بالقوة‏”، ‏أى: ‏ ‏الشعر‏ ‏الذى ‏لم‏ ‏يقل‏ (‏أصلا‏).‏ ويمكن‏ ‏أن‏ ‏نفترض‏ ‏أن‏ ‏كل‏ ‏قصيدة‏ ‏معلنة‏ ‏قد‏ ‏نبعت‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏المستوى‏‏ ‏الذى ‏سيظل‏ ‏مستوى ‏فرضيا‏ ‏أبدا‏، ‏لأن‏ ‏مجرد‏ ‏قول‏ ‏الشعر‏ ‏فى ‏شكل‏ ‏معلن‏، ‏أو‏ ‏مسجل‏، ‏ينقله‏ ‏إلى ‏مستوى ‏آخر‏،

 ‏…..

القصيدة‏ ‏بالقوة‏ – ‏لكى ‏تسمى ‏كذلك‏- ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏قصيدة‏ ‏بشروط‏ ‏الإبداع‏ (‏على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏أنها‏ ‏لم‏ ‏تقل‏). ‏إذ‏ ‏لابد‏ ‏أن‏: ‏تَهُزّ‏، ‏وتُرعب‏، ‏وتفِّككْ‏، ‏وتُغَامِرْ‏، ‏وتحتوى، ‏وتتآلفْ‏، ‏وتتناقض‏، ‏فتجتمع‏، ‏لتهرب‏، ‏ثم‏ ‏تجتمع‏ ‏لتصعد‏، ‏ثم‏ ‏تجتمع‏، ‏لـتـلـُم‏، ‏ثم‏ ‏تتفكك‏، ‏فتتصارع‏، ‏فتتواجه‏، ‏فتعلو‏ ‏مشتملة‏ (‏دون‏ ‏الالتزام‏ ‏بهذا‏ ‏الترتيب‏‏)، ‏ثم‏ ‏تقال‏ ‏أو‏ ‏لا‏ ‏تقال.

(*) (تعجبت كيف كتبت هذه الفقرة سنة 1980 وقررت الآن الأشرح أى كلمة منها، برجاء إعادة قراءتها ببطء) ألا يشير كل ذلك إلى الضلع الراجع للإدراك بكل زخمة وغموضه وبعده عن التفكير المفاهيمى (النثرى) وأيضا بكل أصالته وإعتباره الأساس المعرفى الأشمل.

* * * *

(2) إن‏ ‏الجانب‏ ‏الأهم‏ ‏فى ‏العملية‏ ‏الإبداعية‏ ‏هو‏ ‏ضغط‏ ‏المعرفة‏ ‏الأخرى، ‏التى ‏أسماها‏ ‏أريتى: ‏المعرفة‏ ‏الهشة‏(3) (‏غير‏ ‏المتبلورة‏)، ‏التى ‏نفضل‏ ‏أن‏ ‏نسميها‏ ‏المعرفة‏ “‏الضبابية‏ (أو ‏المدُغمة‏)”. وهى التى ‏تضغط‏ ‏لكى ‏تظهر‏، ‏أو‏ ‏تضغط‏ ‏على ‏أمل‏ ‏أن‏ ‏تظهر‏، ‏من‏ ‏خلال‏ – ‏ومع‏- ‏غيرها‏ ‏من‏ ‏المعارف‏ ‏الأحدث‏ ‏والأقدر‏ ‏على ‏الحركة‏ ‏الخارجية‏ ‏والتعبير‏ ‏والتواصل‏. ‏إنه‏ ‏ليس‏ ‏من‏ ‏طبيعة‏ ‏المعرفة‏ ‏الضبابية‏ ‏المدغمة‏ ‏هذه‏ ‏أن‏ ‏تظهر‏ ‏بنفسها‏، ‏فهى ‏نوع‏ ‏من‏ ‏المعرفة‏، ‏يتمثل‏ ‏فى ‏الداخل‏ ‏بلا‏ ‏تفسير‏ ‏مباشر‏ ‏له‏ ‏من‏ ‏الخارج‏، ‏فى ‏شكل‏ ‏فكرة‏، ‏أو‏ ‏صورة‏، ‏أو‏ ‏لفظ‏، ‏أو‏ ‏مفهوم‏. ‏وهى ‏تتكون‏ ‏أساسا‏ ‏مما‏ ‏أسميناه‏ “‏المكد‏”(4)

‏ ‏المكد‏ ‏هو‏ ‏تنظيم‏ ‏كلى ‏أولى ‏لخبرة‏ ‏سابقة‏ ‏من‏ ‏المدركات‏، ‏ومن‏ ‏آثار‏ ‏الذاكرة‏، ‏وصور‏ ‏الأشياء‏، ‏والحركات‏،

‏فهو‏ ‏خبرة‏ ‏كلية‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏تقسيمها‏ ‏إلى ‏أجزاء‏، ‏أو‏ ‏إحلالها‏ ‏فى ‏ألفاظ‏ (‏كما‏ ‏هى‏)، ‏

أى أنه كلَّ ‏مدغم‏ ‏من: ‏ ‏فكر‏، ‏وتهيؤ‏، ‏وانفعال‏، ‏وحفز‏، ‏وفعل‏، ‏ومن‏ ‏ثم‏ ‏فهو‏ ‏فى ‏شوق‏ ‏دائم‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏يظهر‏ ‏بصورة‏ ‏أو‏ ‏بأخرى،

‏قد‏ ‏يكون‏ ‏المكد‏ ‏هو‏ ‏لغة‏ ‏الحلم‏ ‏غير‏ ‏المحكى (الأقرب إلى الحلم بالقوة، وبعض الحلم الحركى- الفصل الأول)، ‏يصدق ذلك‏ خاصة ‏فـى ‏حالة‏ ‏الأحلام‏ ‏الشمولية‏ ‏المصورة‏ ‏العصّية‏ ‏على‏ ‏الاسترجاع‏،

 ‏وقد‏ ‏يجد‏ ‏المكد‏ ‏طريقة‏ ‏إلى ‏التشكل‏ ‏فى ‏حلم‏ ‏محكى ‏على ‏مختلف‏ ‏المستويات‏ (‏أنظر‏ ‏الفصل‏ ‏الأول‏)، ‏وقد‏ ‏يعجز‏ ‏الحلم‏ ‏عن‏ ‏احتواء‏ ‏حركية‏ ‏المكد‏، ‏فيصبح‏ ‏الأخير‏ ‏طاقة‏ ‏ضاغطة‏ ‏فى ‏محاولة‏ ‏أن‏ ‏تجد‏ ‏طريقها‏ ‏إلى ‏التعبير‏، ‏مع‏ ‏احتمال‏ ‏أن‏ ‏تسلك‏ ‏السبيل‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏هو‏ ‏إبداع‏ ‏إذا‏ ‏ما‏ ‏تيسرت وسائله وأتيحت فرصه‏.‏

(*) أليس هذا أيضا هو جانب من الإدراك أزاحوه حتى وضعوه الكثيرون – من فرط غموضه – على هامش العمل وليس فى متنه تحت مسمى البارسيكولوجى (بجوار علم النفس) وكأنه بذلك يبعدونه عن محوريه التحريك المعرفى حتى فيما يخص الذراع العائد من عملية “فعلنة المعلومات” التى هى جزء أساسى فى عملية معالجة المعلومات.

* * * *

ونكمل غدًا.

[1]- ت‏.‏س‏. ‏إليوت‏ ‏فى ‏م‏.‏ل‏. ‏روزنتال‏: “‏شعراء‏ ‏المدرسة‏ ‏الحديثة” ص 20‏، ‏ترجمة‏ ‏جميل‏ ‏الحسنيى، ‏بيروت‏ (‏مقتطف‏ ‏من‏ ‏محمد‏ ‏فتوح‏) .‏

[2] – Arieti, S. (1976) Creativity. The Magic Synthesis. p12.-13, Basic Books, Inc. Publishers، New York,

[3] – الإبداعية‏: ‏الولاف‏ ‏السحرى (‏أريتي‏)، ‏ص‏53-54.‏

 Amorphous Cognition.‏

[4] – Endocept المَكَدْ‏ = ‏الُمدرك‏ ‏الكلّى ‏الداخِلى.‏

كنت‏ ‏قد‏ ‏أطلقت‏-‏مترددا‏ – ‏على ‏هذه‏ ‏الوحدة‏ ‏المعرفية‏ ‏الأولية‏ ‏المسماه بالإنجليزية  endoceptقبل‏ ‏ذلك‏ (‏دراسة‏ ‏فى ‏علم‏ ‏السيكوباثولوجى 27، 123) ‏لفظ‏ “‏قبمدرك‏”، ‏على ‏أساس‏ ‏أنها‏ ‏تمثل‏ “… ‏مرحلة‏ ‏بدائية‏ ‏قبل‏ ‏الإدراك‏ ‏الشعورى ‏المحدد‏، ‏يختلط‏ ‏فيها‏ ‏الانفعال‏ ‏بالإدراك‏ ‏بالحدس‏…”، ‏ولكنى ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ، ‏وبمراجعة‏ ‏وظيفة‏ ‏هذا‏ ‏المستوى ‏المعرفى ‏النشط‏ ‏رجـحت‏ ‏أنها‏ ‏مرحلة‏ ‏إدراك‏ ‏آخر‏، ‏حتى ‏لو‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏شعوريا‏ ‏أو‏ ‏محددا‏، ‏إذ‏ ‏لايصح‏ ‏أن‏ ‏يحتكر‏ ‏الشعور‏ ‏مفهوم‏ ‏الإدراك‏، ‏فيحتكر‏ ‏ضمنا‏ ‏حق‏ ‏المعرفة‏. ‏وقد‏ ‏كان‏ ‏واضحا‏ ‏لدىّ ‏منذ‏ ‏البداية‏- ‏قبل‏ ‏الرجوع‏ ‏إلى “‏أريتي‏”- ‏ما‏ ‏لهذا‏ ‏المستوى ‏من‏ ‏علاقة‏ ‏بالإبداع‏، ‏حيث‏ ‏حددت‏ ‏فى ‏المرجع‏ ‏نفسه‏، (“‏دراسة‏ ‏فى ‏علم‏ ‏السيكوباثوجي‏” للكاتب 1979) ‏أن‏ “.. ‏هذه‏ ‏المرحلة‏ (‏مرحلة‏ ‏القبمدرك‏) ‏يمر‏ ‏بها‏ (‏بما‏ ‏هى ‏حالة‏) ‏بعض‏ ‏المبدعين‏ ‏فيما‏ ‏يسمونه‏ ‏مخاض‏ ‏الفكرة‏.. ‏وقد‏ ‏بينت‏ ‏أيضا‏ ‏هناك‏ ‏أن‏ “‏هذه‏ ‏المرحلة‏ ‏برغم‏ ‏مابها‏ ‏من‏ ‏بقية‏ ‏حدس‏ ‏عنيف‏، ‏هى ‏مرحلة‏ ‏بدائية‏، ‏تحمل‏ ‏مخاطر‏ ‏النكوص‏ ‏والتناثر‏ ‏لو‏ ‏استمرت‏ ‏دون‏ ‏استيعاب‏”. (‏نفس‏ ‏المرجع‏ ‏ص‏123).‏

ثم إنى وجدت أنه على أن أتراجع‏ ‏عن‏ ‏إنكار‏ ‏صفة‏ ‏الإدراك‏ ‏عن‏ ‏هذه‏ ‏الوحدة‏ ‏الأولية‏ ‏فى ‏العمل‏ ‏نفسه‏ (‏ص‏415) ‏فخطر لى أن أسميها‏ “‏المدرك‏ ‏القبلفظي‏” ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏القبمدرك‏.‏

كما أنى ‏‏رجعت‏ ‏إلى ‏لفظ‏ ‏الأندوسبت‏ Endocept ‏الذى ‏استعمله‏ ‏أريتى ‏فلم‏ ‏أجد‏ ‏له‏ ‏أصلا‏ ‏فى ‏المعاجم‏ ‏الإنجليزية‏. ‏وقد‏ ‏أقر‏ “‏أريتي‏” ‏أنه‏ ‏نحته‏ ‏نحتا‏ ‏لتأكيد‏ ‏طبيعته‏ ‏الداخلية‏ “Endo”، ‏دون‏ ‏نفى ‏صفة‏ ‏الإدراك‏ ‏عنه‏. ‏وحين‏ ‏تبينت‏ ‏أبعاده‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏أنه‏ “‏مدرك‏، ‏كلى، ‏داخلي‏” ‏فضلت‏ ‏أن‏ ‏أنحت‏ ‏له‏ ‏بدورى ‏لفظ‏ “‏مكد‏” ‏بالعربية‏. ‏وكنت‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏ ‏متناول‏ ‏معاجمى، ‏لكننى ‏حين‏ ‏عدت‏ ‏إلى ‏المعاجم‏ ‏أستشيرها‏، ‏وجدته‏ ‏لفظا‏ ‏عربيا‏ ‏أصيلا‏ ‏له‏ ‏أصل‏ ‏ومضمون‏ ‏آخر‏ ‏فى ‏سياق‏ ‏آخر‏، ‏لكننى ‏وجدته‏ ‏لفظا‏ ‏مهجورا‏ ‏تماما‏، ‏فكدت‏ ‏أعدل‏ ‏عنه‏، ‏ثم‏ ‏عدت‏ ‏فقدرت‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏الاستعمال‏ ‏العلمى ‏الجديد‏ ‏خليق‏ ‏بأن‏ ‏يحيى ‏هذا‏ ‏اللفظ‏ ‏العربى ‏الأصيل‏ ‏من‏ ‏منطلق‏ ‏آخر‏، ‏لاسيما‏ ‏أن‏ ‏مضامينه‏ ‏الأصلية‏ ‏قد‏ ‏تشمل‏ ‏مفاهيم‏ ‏مشتركة‏ ‏مع‏ ‏ما‏ ‏نحن‏ ‏بحاجة‏ ‏إلى ‏إيضاحه‏ ‏هنا‏، ‏فهى ‏تشمل‏ ‏معانى: ‏الدوام‏، ‏والغزارة‏، ‏واستمرار‏ ‏العطاء‏ (‏لاينقطع‏، ‏شاة‏ ‏غزيرة‏ ‏اللبن‏، ‏بئر‏ ‏ماكدة‏)-‏وإن‏ ‏كانت‏ ‏هذه‏ ‏المعانى ‏لاتشى ‏مباشرة‏ ‏بكون‏ ‏أن‏ ‏ما‏ ‏هو‏ “‏مـكـد‏”، ‏هو‏ ‏داخلى، ‏إلا‏ ‏أننى ‏أمـلـت‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏مدلول‏ ‏غزارة‏ ‏لبن‏ ‏الشاة‏ ‏إنما‏ ‏يعنى ‏أنها‏ ‏تحلب‏ ‏إذا‏ ‏ما‏ ‏حـلبـت‏، ‏وليس‏ ‏أنها ‏تتدفق‏ ‏تلقائيا‏. ‏وكذلك‏ ‏البـئـر‏، “‏إنما‏ ‏تعطى ‏إذا‏ ‏ما‏ ‏استسيقت‏ ‏من‏ ‏غائر‏ ‏مائها‏”، ‏وإزاء‏ ‏طمأنينتى ‏لكل‏ ‏هذه‏ ‏الإيحاءات‏ ‏لم‏ ‏أغير‏ ‏اللفظ‏ ‏داعيا‏ ‏إلى ‏بدء‏ ‏استعماله‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏المعنى ‏الجديد‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏السياق‏ ‏الخاص‏.‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *