الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (77) الإدراك (38) “العين الداخلية” (9) و”عملية اعتمال (معالجة) المعلومات” (8)

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (77) الإدراك (38) “العين الداخلية” (9) و”عملية اعتمال (معالجة) المعلومات” (8)

نشرة “الإنسان والتطور”

22- 5 – 2012

السنة الخامسة22-5-2012

 العدد: 1726

 

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (77)

الإدراك (38)

“العين الداخلية” (9)

و”عملية اعتمال (معالجة) المعلومات” (8)

Information Processing

اللجوء إلى دوائر الوعى الأوسع لاستعادة الواحدية

مقدمة:

بعد أن تناولنا فى (الأسبوع الماضى) الجزئين الأولين من هذه المقابلة وناقشنا فيهما بعض وصف رشاد لما أصابه، كما أوضحنا وأكملنا الفرض الذى عرضناه فى البداية (الوضوح الغامض) الحلقة الثانية  إذْ أضفنا إليه فرضا يقول:

“إن أداة الحس الداخلية تستطيع أن ترصد تفكك وإبطاء عملية فعلنة المعلومات، مع ما يصاحب ذلك من انشقاق”

بعد ذلك نكمل نفس المقابلة اليوم لتحديد بداية الإمراضية، وما رصدته العين الداخلية، ثم نكمل ما أشرنا إليه عن موقف الطبيب الوالدى الذى تتصف به ثقافتنا خاصة، وذلك حول موضوع سفر”رشاد”: إلى السعودية للعمل.

نكمل معا :

…..

 د.يحيى:.. طيب وبعدين؟ نمسك حاجة تانية: لما سألتك الدكتورة عن اللى عندك رحت مرجّعها لسن 20 سنه قلت لها التعب إبتدا بحاجة غريبة وانا عندى 20 سنه بعد ما رفضونى فى فريق الكورة

رشاد: آه

د.يحيى: مظبوط؟

رشاد: آه

د.يحيى: إحكى لنا بقى، ده حايفيد فى فهم حالتك شوية كتار، إنت بعد ماتـّاخدتش فى الفريق، يعنى بعد ماعشّموك، بتقول (يقرأ: (“حسيت إن مخى اتفتح وانشق نصين”، يعنى إيه؟

رشاد: هو ده نفس الإحساس فعلا

د.يحيى: لأ قول لنا بالتفصيل إحكى لى إزاى بلغوك الرفض وازاى طمّعوك، وكنت ساعتها واقف مع مين وإزاى حسيت إن مخك انشق نصين

رشاد: انا رجعت من الماتش بعد اللى حصل ده، كنت فى حالة مش كويسة كان عندى تفكير شديد أوى

د.يحيى: أيوه؟

رشاد: تفكير مُـشتت

د.يحيى: هه ؟

رشاد: مشتت، يعنى مشتت بصحيح قوى

 (*)  تعبير “تفكير شديد قوى” لا يشير عادة إلى التفكير فى عدد كبير من الأفكار بقدر ما يشير إلى السرعة، والكمية، دون تحديد أفكار معينة، وهذا يفسر ما لحقه وصفه بأنه “مشتت”، “مشتت بصحيح قوى”، وحين تضغط الأفكار من كل اتجاه، المــُدخل والمستثار معا، تضطرب عملية معالجة المعلومات ، يكون أقرب تعبير عنها هو هذا التشتت

د.يحيى: كل ده فاكره من تلاتاشر سنة؟!!

رشاد: أيوه لقيت نفسى إنى مش قادر آكل ولا قادر أعمل أى حاجة خالص

(*) مش قادر آكل ” هو تعبير لا يفيد” فقد الشهية” بقدر مايفيد “التوقف”، و”العجز عن مواصلة ما اعتاد ومن ذلك الأكل وغير الأكل، ألامر  الذى تؤكده الجملة اللاحقة “مش قادر أعمل أى حاجة خالص”

رشاد: فاضطريت إنى أروح الجامع أصلى وقلت بدل ما يحصل اى مشاكل

  (*)  هذه الإرهاصات بأن شيئا ما، غريبا عادة، على وشك الحدوث “بدل ما يحصل أى مشاكل”، هو إشارة إلى ربكة غامضة تحدث عادة فيما قبل البداية، وهو تعبير –هنا على الأقل- لا يشير إلى مشاكل بذاتها، وإنما هو يشير أكثر إلى تغير نوعى غريب، يحمل احتمالات سلبية، سماها رشاد “مشاكل”، واللجوء إلى المسجد والصلاة هنا ليس له دلالة دينية فحسب ، وإنما قد يكون له دلالة بيولوجية شرحناها فى موقع آخر، ونحن نفسر كيف تفسد قراءة قل أعوذ برب الفلق مثلا، فعل الحسد باعتباره القدرة على “إنشاز” (إحداث نشاز) فى هارمونية الصحة بشكل أو بآخر، وهذه عملية وضعت لها فرضا بيولوجيا  له علاقة بترابط الإيقاع الحيوى الفردى الإنسانى، بالإيقاع الحيوى الكونى البيولوجى.

رشاد: …خليتنى ماسك فى كتاب ربنا سبحانه وتعالى

(*)   كذلك فإنى أقرأ اللجوء إلى الله فى مثل هذه الحالة، بهذه الجدية وهذا اليقين، باعتبار انه  قد يشير إلى محاولة الانتماء إلى والاستنقاذ بالقوة الواحدية الضامة المركزية بأنه “لا إله إلا الله”، إلى وجه الله مما قد يفيد فى إجهاض المرض بالتوجه إلى التناسق على مستوى أعلى

رشاد: …بعد كده رجعت حسيت إن أنا قاعد مع نفسى لوحدى خالص

(*)  تعبير “قاعد مع نفسى لوحدى” لا يعنى بالضرورة أنه كان وحيدا لايوجد أحد بجواره، نتذكر أنه كان بالمسجد وسط الناس، فى رحاب الله، ومع ذلك فقد وجد نفسه وحيدا، الأرجح أنه انفصل عن ما هو حوله من ناس وأشياء “فرأى” وحدته بهذه الحدة، كما أن بداية فقده لواحديته ONENESS يمكن أن يترتب عنها مثل هذا الشعور بالوحدة.

د.يحيى: إنت فاكر كان يوم إيه؟

رشاد: قصدك إيه؟

د.يحيى: يعنى كان سبت؟ حدّ؟ اتنين؟ تلات؟

رشاد: لأ مش فاكر

د.يحيى: طيب: فاكر كان الصبح، ولا الظهر ولا بالليل

رشاد: كان العصرية

د.يحيى: العصرية؟ هم بلغوك إمتى إنك ماتّاخدتش فى الفرقة

(*)  أتبع هذا الأسلوب فى تحديد البداية ليس بالتركيز على السؤال عن الوقت التتبعى وإنما بالتركيز على “الحال Setting لحظة البدية” ويعنى ذلك تحديد الوقت فى النهار مثلا أو عصرا أو ليلا، وليس تحديد يوم بذاته، ثم قد أسأل عن تحديد درجة الضوء ليلا أو نهاراً والجلسة والمعية، وهكذا: وبذلك أساعد المريض أن يستعيد الموقف، التهيؤ، المحيط، المتعلق بالبداية أكثر من أن يكتفى بتحديد التاريخ الساعة اليوم، الأحد، الأثنين، الثلاثاء، وعادة ما أنجح فى استحضار حالة الوعى، أكثر من استدعاء توقيت الذاكرة، وقد لاحظت أن هذا الأسلوب يسمح للفاحص أن يعايش مع مريضه نوعية الوعى عند البداية خاصة.

رشاد: فى نفس الوقت

د.يحيى: لأ يعنى بلغوك الظهر وبعدين الحاجات دى حصلت العصر

رشاد: لأ ده أنا كنت فى فريق غزل المحلة وكان فيه ماتش بنلعبه كان فيه واحد بيلعب فى نفس المكان بتاعى

د.يحيى: انت بتقف إيه

رشاد: خط وسط؟

د.يحيى: خط وسط يعنى إيه؟

رشاد: صانع ألعاب يعنى

د.يحيى: وبعدين؟

رشاد: فأنا قلت لهم فقالوا لى لأ، ورجعونى ورا دفاع خط دفاع

د.يحيى: وانت مالكش فى الدفاع ؟

رشاد: لأ صانع الألعاب له فى كل حاجة بس لما بيمسك مكانه بيبقى أفضل، فقلت لهم ماشى، بس لقيت نفسى مش مبسوط طبعاً لأنى عايز أظهـِر نفسى

د.يحيى: ده مين اللى عمل كده؟ المدرب؟

رشاد: اللى تحت المدرب

د.يحيى: اللى تحت المدرب، يعنى  مساعد المدرب؟

رشاد: أيوه، بعد كده اضطريت أنى إلعب دفاع ولعبت ماتش كويس، وقالوا لى إنت حاتتاخد وحناخد منك الطقم هدية

د.يحيى: طقم إيه؟

رشاد: الطقم اللى أنت لابسه هدية، قلت لهم أنا ماعنديش مانع بس أنزل فى الفرقة يعنى، وبعد ما خلاص خلص الماتش لقيت نفسى ماتّاخدتش

د.يحيى: عرفت إزاى

رشاد: آه بعد الماتش يعنى ماحدش وجّه لى أى سؤال، فعرفت إنى اترفضت يعنى

(*)  كثيرا ما يهتم المتعجلون، والأجتماعيون، والمسَلسِلون (مؤلفو المسلسلات) بالتأكيد على أن مثل هذا الإحباط هو سبب المرض، وهذا وارد، لكن عادة ما يكون به من الاختزال ما نحذّّر منه، ولعلنا نلاحظ أن هذا النمط (السكريبت) يصف كثيرا من خطوات وطموحات ومشاريع رشاد: “اندفاع=> عشم=>، جهد=>، =>إخلاص=> أمل => طموح=> فشل=> إحباط ” ،وهكذا،

 فإذا تصادف أن جرعة الإحباط جاءت إثر فرط جرعة الطموح بعد التلويح بالوصول، يكون الأثر أشد، لكنه بدا فى هذه الحالة أنه  لا يكفى لإحداث كل ما حدث، ومن الأفضل اعتباره عاملا “مرسبا”Precipitating ، لا “مسببا”Causative خاصة مع وضع التهييؤ الوراثى فى الاعتبار.

د.يحيى: وبعدين

رشاد: تانى يوم رجعت البيت مافيش نِفْس طبعاً لأى حاجة

د.يحيى: التشتت حصل الأول، ولا اللى “مافيش نفس” لأى حاجة الأول قبل التشتت؟

رشاد: آه من كتر التفكير ماقدرتش إنى أنا ألمّ فكرى فى مكان معين أنا حسيت إن العقل بينفتح نصفين

د.يحيى: يعنى إيه العقل بينفتح نصفين

رشاد: أنا نـَفسى ماعرفشى أنا إحساسى كان كده

(*)  برجاء الانتباه إلى لغة المريض الخاصة، وأيضا إلى لغة العلم الخاصة، فحين استعمل سيمز تعبير “العين الداخلية”  Internal Eye لم يكن يقصد عينا مثل التى ننظر بها، وهذا ما ترجمته إلى “آلة الحس البدائية التطورية الداخلية”، وهى تسمية مؤقتة فى الأغلب قد أجد أفضل منها مع تطور الفرض.

أما تعبير المريض هنا ” ألمّ فكرى” فقد يكون له علاقة برصده لخلل التجميع فى عملية “معالجة المعلومات” ثم تعبير “فى مكان معين”، هو تعبير جديد، لأن الفكر لا “يتلم” فى مكان، وإنما فى موضوع، أو حول موضوع، وأخيرا فإن تعبير “العقل بينفتح، غير “العقل انفتح”، وكأنه يرصد خلل العملية، وليس فقط نتيجتها.

د.يحيى: ما هو الإحساس يابنى لما الواحد بيقول أنا حسيت إن أيدى بتشكشك، يعنى زى دبابيس بتشكها مثلا، يقدر يوصفها، فأنا باسأل ازاى حسيت إن العقل بينفتح نصين يعنى أيه ؟

رشاد: هو انا شبهته بلبانة

(*)   التشبيه باللبانة هنا جاء أبعد من تصورى (أو حتى عكس تصورى) لأننى أفترض أن الشق إلى نصفين فأكثر يحدث من انسحاب الطاقة الضامة لمستويات الدماغ (الوعى) إلى الداخل أو إلى الوراء، نتيجة تنشيط المستوى الأقدم الذى استحوذ على جزء منها، ومن ثم يحدث نوع من الجفاف المهيِّىء للانشقاق، لكن اللبانة بالذات فيها ليونة أكثر من الجفاف، فاجتهدتُ معه لأتصور أن اللبانة هنا لا تمثل “المرونة” بقدر ما تدل على التداخل الرخو، ومن ثم يأتى تنافس المخين على الطاقة بنتيجة تتعارض مع احتمال المرونة وتتجاوزها، وهى الانشقاق إلى نصفين”.

22-5-2012

د.يحيى: شبهته ليه؟ بلبانة؟!

رشاد: اللبانة بتتشد

د.يحيى: تقوم اللبانة بتعمل إيه بقى؟

رشاد: بتتشد نصين، بتنفتح نصفين، واحد يشدها من هنا وواحد من هناك

د.يحيى: إشمعنى لبانه بالذات يابنى

رشاد: علشان فيها شد وبعدين قطع

د.يحيى: على فكرة ما هو ده اللى حصل فعلاً، بس أنت حسيته إزاى؟

(*)  إقرار الطبيب أن “ده اللى حصل” ليس من باب “أخذ المريض على قد عقله” كما ذكرنا سابقا، ولكن لأن تعبير المريض اتفق مع فروض الطبيب، حتى قبل أن تثبت، وهذا يفيد فى توثيق العلاقة بشكل ما.

رشاد: باقول لك، ما هو مخى لما انفتح وانشق بقى انفتح زى اللبانة بالضبط.

د.يحيى: مش فاهم قوى، طب نشوف حاجة تانية: انت برضه قلت للدكتورة “م” إنك “كل ما تتعلم حاجة فى مجرى بتنفتح، والعلم بيصب فى المجرى لحد ما تتملى”

(*)   اعتراف الطبيب أنه “مش فاهم ” هو اعتراف حقيقى، وهو يطمئن المريض أن يواصل شرح خبرته دون خشية من الترجمة الفورية لمرجعية الطبيب المسبقة،

أما تعبير مِجرى (بكسر الميم) فهو يفيد نفس التعبير بالفصحى مّجْرى بفتح الميم، وهو من جديد إشارة إلى آلة الحس الداخلية وهى ترصد حركية التفكك وكسر “الواحدية” التى أشرنا إليها قبلاً.

د. يحيى: وبعد كام سنه نسيت الموضوع، بس يعنى إيه بقى معنى قولتك: كل ما تتعلم حاجة تتفتح فى مجرى هو ده حصل بعد ما العقل انفتح نصفين

(*)   النسيان هنا، لا يعنى بالضرورة نفس النسيان العادى، وإنما نرجح أنه إشارة إلى إغفال النظر إليه أو التركيز عليه بالعين الداخلية، لأن الفرض المقدم يستبعد استمرار الرصد بالعين الداخلية مددا أطول من التنشيط البدئى إلا نادرا.

رشاد: آه بعد ما العقل انفتح نصفين

د.يحيى: حصل إيه؟

رشاد: كنت بادور على عمل، أشتغل يعنى وكده، فلقيت حسيت بمجرى بتنفتح والتدريب اللى أنا بأخذه….

د.يحيى: (مقاطعا) التدريب مش بتاع الكوره؟

رشاد: خلاص الكوره حكايتها خلصت، أنا باتكلم عن التدريب اللى أنا بأخذه فى الكورسات بتاعة الكمبيوتر، التدريب بيصب فى المجرى دى

(*)  رجوعا إلى فرض إمكانية رصد عملية “فعلنة المعلومات” بالعين الداخلية فى مرحلة الإدخال (بالعرْض البطىء) وأن المعلومات (العلم والعمل من ضمن  المعلومات كما سيشير رشاد لاحقا) لا تستوعبها واحدية المخ هضما وتمثيلا كما هو المفروض، فإن الإدخال عند المريض أصبح يصب فى مجرى منفصل، وفيما بعد راح يصب فى حجرة (أوضة) منفصلة أيضا، ومن ثم فهى تمتلىء، فتفتح مجرى آخر، وهكذا،

وقد فسرنا ذلك على أنه رصد نوع من تقطـّع انسياب وتكامل عملية الفعلنة بعد الادخال.

22-5-2012-

د.يحيى: وبعدين؟

رشاد: بعد كده أحس إنها اتملت بعد فتره

د.يحيى: أيوه؟

رشاد: وبعدين تفتح مجرى تانية

د.يحيى: وأتحولت لمجرى تانية؟

رشاد: آه، هى بدل ما كانت مجرى واحده بقيت أتنين

د.يحيى: وبعدين

رشاد: بتصب فيها برضه بنفس الطريق اللى أنا ماشى فيه

د.يحيى: وبعدين

رشاد: وهكذا

د.يحيى: إستنّى إستنّى “وهكذا” إيه؟ هو اللى بيحصل ده، أو كان بيحصل بتعتبره كويس؟ هوه ده كويس ولا وحش؟

رشاد: مااعرفش بصراحة

د.يحيى: مش اتملـِت، والتدريب دخل فى مجرى لحد ما أتملت، فاحتاجت مجرى تانية

رشاد: إحتاجت مجرى تانية

د.يحيى: فبقوا اتنين

رشاد: دخلت بقى فى تانى كورس تانى، مثلا

د.يحيى: آه دخلت فى تدريب تانى

رشاد: آه

د.يحيى: حصل نفس الحكاية؟

رشاد: آه، هى نفس الحكاية

د.يحيى: وبعدين؟

رشاد: وهكذا بقى

د.يحيى: المرض فين بقى فى ده كله

رشاد: هه؟

د.يحيى: يعنى إيه اللى تَعَبك فى ده، أنا رأيى إن الحكاية دى عند كل الناس، بيحصل عندهم الحاجة دى عادى، كل المسألة إنها الظاهر مشيت عندك على مهلها شويتين، وإنك انت شفت العملية اللى بتحصل ووصفتها حته بحتة، أهو ده هوّا كل الفرق

رشاد: حاسس بيها

د.يحيى: طيب حاسس بيها، وبعدين؟

رشاد: بس لحد ما انقفلت مرة واحده

(*)   لا يوجد تناقض بين تعبير رشاد حين وصف امتلاء مخه بقول “مخى مليان بس مش قادر أقفله” والتى شبهناه بحقيبه ملابس انحشرت فيها كوم من الملابس كيفما اتفق فعجز صاحبها عن اغلاقها، وبين تعبيره عن قفل المجرى وراء المجرى، فلعله يشير إلى أكوام المعلومات المتزاحمة فى كتل متراصة (“بُجَأْ” بالتعبير العامى) وأن كل “بـُجأة” تقف منتفخة، ثم حين تتجمع فى الحقيبة فى المخ كيفما اتفق، تملأ المخ حتى تفيض عن قدرة استيعابه وتمثله، فتظل فائضة على أطراف الحقيبة (المخ)!!.

د.يحيى: إيه هو اللى اتقفل بقى؟

رشاد: المجرى نفسيها

د.يحيى: نفس المجرى

رشاد: ومابقاش فيه مكان لحاجة

د.يحيى: طب الساعة 9.15 ياللاّه كفاية كده، كل مرّه 3 أسطر بـ3 أسطر

رشاد: وبعدين؟، والسفر حانعمل فيه إيه؟ هى التقشيرة جت.

د.يحيى: ما انا عارف من المرة اللى فاتت يابنى، بصراحة لو قعدت معانا أسبوعين تلاتة وقابلتك شوية أيام الأربعاء والخميس، وقدرت أظبّط معاك علاقة بالتليفون مع الدكتوره “م”،  يعنى ممكن تسافر بعد ما نتفق على معنى الحاجات دى ازاى حصلت، وإنها لو جت لك هناك حاتعمل إيه وازاى لو المجرى أتملت حانعمل إيه، يا رشاد إنت أبن حلال وفاهم حاجات جامدة أوى، وده يمكن يفيدنا مع السلامة.

رشاد: بس معلش يادكتور

د.يحيى: نعم؟ ما أنا قلت اللى عندى

رشاد: أصل أنا مستنى إجراءات قرّبت تخلص خلاص

د.يحيى: والله عارف يا ابنى، والله عارف يا رشاد؟ حاجى لك مخصوص حتى أثناء الأسبوع، والله عارف

رشاد: يعنى أروح أدفع يعنى الفلوس، ولا أستنى؟ صعب إن أنا أقول للى حايسفـّرنى إستنى تانى

د.يحيى: قلت لك حاجى لك مخصوص يوم الأتنين، حاجى لك مخصوص هنا يوم الاتنين

(*)   هذا النوع من الاصرار هو أحد سمات النصّ “السكريبت” الذى يتكرر مع رشاد مثل: طموح لعب الكرة وغيره.

رشاد: طب ينفع إن أنا أطلع وآجى لك يوم الأتنين

د.يحيى: مش متأكد أصلك عفريت وحاتطلع ماتجيش

رشاد: لأ والله حاجى، إزاى يادكتور ماجيش

د.يحيى: ده النهارده الخميس يا أخى، الإتنين ده بعد بكره، الله!! أنا حاجى لك مخصوص،.. حاجى لك يوم الأتنين، حانخلص العملية مرة واحده

رشاد: أنا عايز التحديد، حاتقول لى أروح ولا مروّحش،

د.يحيى: فى الغالب فى الغالب ما تروحشى، أنا عارف مش  حاتسمع كلامى، إنما أنا باحاول أحسبها صح وأقول لك اللى وصلت له.

رشاد: ماشى

د.يحيى: حاقول لك مبدئيا دلوقتى عشان ما اعشمكش، اصل اللى حصل ده خطير شوية، هوا كويس بس يمكن ينتهى وحش، يعنى لو اتفقنا إزاى حانتعامل معاه إنشاالله بالتليفون، إنشاالله بشوية دواء، ممكن نغامر وتسافر، لو لقينا إنك انت راكب راسك ومش عايز يوصل لك إن إحنا معاك حاقول لك لأه، أجلها ولو سنه، واللى فيه الخير يقدمه ربنا، والرزق عند الله وحسب بقى شطارتك، أهو ده اللى عندى وبس، مع السلامة

(*)   تعبير “هوا كويس، بس يمكن ينتهى وحش” يتفق مع فروضى الخاصة بما أسميته : ” الأزمة المفترقة”   Cross Raods-crisis حيث أفترض أن هذا التفكك هو مرحلة وارده (بل ضرورية) فى بدايات كل من الجنون، والابداع، وأزمات النمو  Growth Crises ، وهو موازٍ لما يحدث فى الحلم، إلا أن الحلم ليس ضمن الأزمات المفترقية لأنه منتظم ومكرر، علما بأن له نفس الفائدة التشكيلية إذا قام بوظيفته التنظيمية بكفاء مناسبة.

رشاد: ماشى مع السلامة عايز حاجة يادكتور (مصافحة د.يحيى)

د.يحيى: مع السلامة

(خروج رشاد)

……

……

(ثم دخول رشاد دون استئذان بعد خروجه بقليل)

رشاد: دكتور

د. يحيى: أيوه يا رشاد تعالى

رشاد: صاحب التأشيرة إتصل بيا دلوقتى عالموبايل، بيقول التأشيرة جت.

د. يحيى: إمتى

رشاد: هى جات من يوم الإثنين

د. يحيى: طيب عاوز إيه منى دلوقتى

رشاد: أعمل إيه يعنى؟

د. يحيى: طيب ما أنا قلت لك أنا حاجى يوم الإثنين، يعنى من هنا ليوم الإثنين حايحصل إيه انا حاجى مخصوص يابنى، والله علشانك، من هنا ليوم الإثنين حاتكون الدنيا اتهدت؟ طيب أقعد أقولك الكلمتين اللى عندى وخلاص أنا قلتهم للدكاترة: إنت تعبان يابنى وتعبك حقيقى لا هوّا تصورات ولا مُبَالغ فيه، بس فى نفس الوقت إنت صلب وجدع بأمارة إنك من ساعة لما جات لك حكاية الكورة قدرت تعيش عشر سنين معقول، مش كده؟ دى صلابه برضه، مش ده حصل

(*)  عودة إلى التأكيد على تصديق ما يقوله المريض “بما هو” كحقائق محتملة، ثم إن   تقدير صلابة ونجاحات المريض قبل المرض مهم ، وإبلاغه بها عامل مساعد فى دعوته للتعاون فى مسيرة العلاج، وليس مجرد تشجيع سطحى، ثم إن نفى أن ما يعايشه رشاد هو “تصورات” هو أمر شديد الأهمية بالنسبة للفرض المطروح وأيضا بالنسبة للتفرقة بين “إدراك الداخل” وبين “إعمال الخيال المرضى”.

رشاد: تمام

د. يحيى: وبعدين من ثلاث سنين حصلت حاجه تانيه

رشاد: عقلى إتفتح  تانى

(*)   يستعمل المريض هنا “انفتح” غير لفظ “انشق” (نصين) الذى استعمله فى البداية، وهذا جيد حتى لا نختزل المسألة تحديدا إلى نصفين، ثم إن حدوث هذا الفصم من أكثر من عشر سنوات، ثم تكراره منذ ثلاث سنوات ونصف قد يشير إلى أن الانفتاح (الفصم) الأول كان مرضيا أيضا، لكن بدرجة ملحوقة، لكنه تجاوز مرحلة التعتعة بكثير، وهذا يهيىء لأن يكون الفصم الثانى مرضيا أكثر وهو لم يأخذ منذ البداية فرصة أن تنقلب التعتعة إلى إعادة تشكيل فنمو إو إبداع.

د. يحيى: إتفتح تانى، انت متأكد؟

رشاد: آه

د. يحيى: اللى بيلم الشق ده بأمانه شديده أنا كنت لسه باقول للدكاترة، اللى بيلم الشق ده جدعنتك أولاً، وبركة ربنا إن هو ساعدك، ربنا هوّا اللى بيلم الناس على بعضيها وبيلم الشقوق على بعضيها، ربنا بصحيح مش بس الصلاه والصوم، الصلاه والصوم بتنظم العلاقه دى، بتساعدنا إن إحنا نعمل الحاجات الكويسة دى لبعضنا، هىّ دى فايدة الجماعة بقى اللى فيها البركه، أخذت بالك؟

رشاد: آه

د. يحيى: فلو أنا ضامن إنك إنت لما تروح حايبقى ربنا معاك بالمعنى ده يمكن أوافق، ألاّ قل لى إنت بتصلى؟

رشاد: الحمد لله

د. يحيى: بإنتظام

رشاد: آه

د. يحيى: آه تتنيك تصلى وتبقى عارف إن ربنا هو اللى بيلم الشق ده عن طريقنا برضه (إحنا وسائل)، أنا معاك أنا والدكتورة “م” وحاديك تليفونها وأنا تحت أمر الدكتورة حاتبلغنى إذا كنت عاوز حاجه ونديك شوية حاجه إسمها مؤشرات، زى لمبات حمراء كده، لو حصل كذا تعمل كيت، حاديك دوا لمدة سنة، لو مانمتش تعمل كذا، لو ماروحتش شغلك، كذا لو قعدت تلغّ فى الشك والشق ده كذا، فى الحاله دى أقدر أقولك سافر يعنى حانديك حاجات زى الترمومتر كده تقيس بيها، وبناء عليه تزود الدواء أو تنقصه زى ما حانشوف، وحانأجل الكلام لحد ماتيجى، تجيلنا فى الأجازه نشوفك، أما حكاية إنك عيان أو مش عيان مالكش دعوه بالموضوع ده، نقفل الصفحه لحد مانشوف يبقى هما حاجتين اللى أقدر أوافق على السفربيهم(*) “ربنا” و”جدعنتك” وشوية دواء، وماتجيبش سيرة للى حصل ده نهائى إلا لما ترجع (**) 

(*)   هذا الاستعمال ليقين المعالج بهذا الفهم للفطرة والقوة الضامة المركزية (البيولوجية) هو مبنى على فرض المعالج عن “الأسس البيولوجية للإيمان” ، وبالتالى هو ليس استعمالا دينيا تقليديا كنصيحة نظرية للاعتماد على الله  بقدر ما هو تفعيل لفرض يعامل هذه القوة معاملة موضوعية بيولوجية ماثلة مما لا مجال لتفصيله هنا، فأكتفى بالتذكرة بأن الفكرة الأساسية فى هذا الفرض هو أن التواصل البشرى (والتواصل عموما) إنما يتم من خلال وسيط حيوى يسرى بين الفرد والآخر، أو بين الفرد والمجموع، وأقرب ما يحقق هذه الوصلة الحيوية هو فعل الإيمان التلقائى، (وليس بالضرورة الفكرى) بين المجال الحيوى لكل منهما، والمجال الحيوى الذى يتخلق بينهما، مما يتصعّد، حسب الفرض المشار إليه، إلى مجال أعلى فأعلى ، يتواصل مع مجالات الطبيعة، إلى مجهول يسمى بعد ذلك بحسب المرجعية النظرية (الدينية وغير الدينية) للفرد أو للجماعة، وفى ثقافتنا ومن واقعنا وواقع تاريخنا، يمثل الحس الدينى المتصل بالإيمان القلبى، فالكلّى، نموذجا طيبا لمثل ذلك بعيداً عن التنظير والأدلجة،  

(**)  برغم ذكر هذه التفاصيل التى تبدو وكأن الطبيب وافق على سفر رشاد، إلا أنه فى النهاية قرر عكس ذلك كما سنرى لاحقا.

د. يحيى: (إعادة):….. وماتجيبش سيرة للى حصل ده نهائى إلا لما ترجع

رشاد: ما أحكيهوش تانى؟

د. يحيى: لأى مخلوق، كل الحكايه تنام وتأخذ الدواء وتروح شغلك يجيلك الكلام ده تقول لما أروّح للدكتورة “م”، للدكتور يحيى، وبس

رشاد: مظبوط

د. يحيى: لأه فاضل حاجه علشان أنا باغامر دلوقتى، لو ولع منك النور الأحمر، إنك مانمتش ليلتين وراء بعض مثلا، مارحتش شغلك، بطلت تاخد الدوا، لقيت نفسك بترغى فى الكلام ده،  تشيل شنطتك وتيجى

رشاد: آجى منين؟ من السفر؟

د. يحيى: آه أمال حاتقد تعمل إيه؟ حاتبقى بهدله ؟

رشاد: لو فيه تعب تانى يعنى؟

د. يحيى: الدكتورة “م”  حاخليها تكتب لك الكلام ده واحد إثنين ثلاثه، ومش حاتيجى على مزاجك، أه يعنى مش حا ترجع إلا بناء عن موافقة مننا، يعنى ممنوع تيجى نهائى إلا فى أجازتك الإعتيادى حتى لو مت، وما تعملشى حاجة إلا اللى حانكتبهولك ونتفق عليه، يبقى من ناحيه سافرت ومن ناحيه خليتك جدع واستغليت جدعنتك لصالحك معانا، ومن ناحية العلم معاك: شوية حبوب وقبل ده وبعد ده ربنا معانا كلنا وتبقى أخذت فرصتك يابنى.

(*) هذا الموقف له اتصال شديد بثقافة الإيمان التى تعتبر أن المجال الحيوى الذى يربط بين الناس وبعضهم ممتد فى كل مكان، وبالتالى يصبح البعد الجسدى، أو الجغرافى ليس له نفس قيمة الفصل مقارنة بالثقافة التى تركز أو تقتصر على التواصل بالأفكار والألفاظ والأجساد بين الناس وبعضها، بمعنى أن كل فرد فى “ثقافة الإيمان” يعيش وهو ينتمى إلى نفس المجال الحيوى المشترك الممتد آلاف وملايين الكيلومترات، ومن ثم يصبح البعد الجسدى نسبى بشكل أو بآخر. كل هذا يرتبط أيضا بشكل أو بآخر بنوعية استعمال اللغة الدينية أو الإيمانية ، وما إذا كان الحديث يشير إلى حقائق بسيطة يعايشها الإنسان تلقائيا بفطرته، أم أنه حديث بالألفاظ والتجريد والرموز المغتربة والمجازية. وفى خبرتى، كلما اقتربنا من الطبقات الشعبية، والدين الشعبى ، وأيضا إلى الطفولة وحس العجائز، كان استعمالنا للألفاظ الدينية بما فى ذلك اسم الجلالة أقرب إلى هذا المجال الحيوى الذى يشير إليه هذا الفرض.

رشاد: ماشى

د. يحيى: لو جبت سيرة وقلت خايف ومش عارف إيه، أديك قاعد معانا لحد ما ربنا يسهلها.

رشاد: لأه، عادى أنا مستمر معاك، بس مش عاوزين نضيع حاجه، ده مستقبلى، بس ….

د. يحيى: مش عاوزين بقى الكلام الصغير ده، إذا كنت واثق فى ربنا مافيش حاجه حاتضيع، إذا سافرت مافيش حاجه حاتضيع، انت تبطل زن وإنها فرصه وحاتروح والكلام ده، الكلام ده مش تبعنا، أنا بقول العلم اللى عندى، وخلاص.

(*) نلاحظ أيضا الجمع بين تلك اللغة الإيمانية التلقائية، وبين تعبير “أنا باقول العلم اللى عندى وخلاص”، وقد صدرت هذه العبارة فى نفس السياق وبنفس الروح التى قيلت بها عبارات الاعتماد على ربنا، والوصل المشترك من خلال ذلك

رشاد : ماشى وأنا موافق

د. يحيى: خلاص يبقى أشوفك يوم الخميس الجاى تكون فكرت، وتكتبى له يا دكتورة الحاجات دى بالتفصيل يعنى، الكونتراتوا (العقد) يشمل إنه ما يرجعش إلا بموافقه منى ومنك علشان يقدر يستحمل،

 (*) “التعاقد”، العلاجى عملية مستمرة لا تقتصر على بداية العلاقة بالمريض، وهو مثل أى تعاقد يتم بين اثنين أو أكثر (الأسرة أو أى ممن يهمه أمر المريض)، ويحدَّد فيه الهدف النهائى منه وهو العلاج أولا وأخيرا (وليس النمو أو تغيير الشخصية الذى قد يأتى ناتجا جانبيا للعلاج الصحيح)، لكن لكى يتحقق هذا الهدف يتم التعاقد حول أهداف متوسطة، Intermediate Goals  تختلف مددها من يوم إلى أكثر (حتى سنة أو أكثر أحيانا) ، وبمجرد تحقيق أى هدف متوسط، يتم إعادة التعاقد  Re-contracting ، للهدف التالى، دون المساس عادة بالهدف النهائى وهو العلاج. هذا ، وفى ثقافتنا بوجه خاص، قد لا يكون التعاقد كتابة، ولا حتى بالألفاظ كلاما، كما قد يتم التعاقد بدون كلام، وكذلك إعادة التعاقد، وهذا أصعب وأقل إلزاما عادة، لكن ينبغى أن يوضع فى الاعتبار (يمكن الرجوع إلى نشرة 20-10-2010)

د.يحيى (يكمل موجها كلامه للطبيبة) :………وإلا حايروح وييجى جرى ويبقى خسر اللى وراه واللى قدامه ( ثم يوجه كلامه لرشاد: )…يعنى إذا كان عندك أى إحتمال إنك ترجع علشان شفت عفاريت، علشان عملتها على روحك، علشان بتكلم نفسك يبقى ماتروحش من أصله.

(*) تعلمت هذا الأسلوب، بما فيه من مواجهة صادمة محذرة،  منذ فترة ليست قصيرة حين كنت أتعامل مع العاملين المرضى العائدين من العراق بوجه خاص أيام صدام حسين، وبمجرد عودتهم أو بعد قليل من عودتهم تظهر الأعراض، ثم تختفى نسبيا أثناء الاجازة وبمجرد أن يقترب موعد عودتهم إلى العراق تظهر الأعراض، فقدرت أنها إعلان للرفض، وتذكرة بالإهانات والآلام التى تنتظرهم هناك …الخ ، فكنت أتبع هذا الأسلوب: إما أن يمزق الواحد منهم جواز السفر وهو فى العيادة عندى، أو يسافر ولا يرجع إلا فى إجازته اللاحقة، وفى الحالتين كانت تختفى الأعراض، وكنت اسمى هذا الأسلوب “سد ثقوب التراجع” برغم الآلام  الحقيقية والواقع المر.

رشاد: أنا ما عملتش على روحى

د. يحيى: ما أنا بقولك يعنى “… إياك تستعْيِل أو تستعْجِل…” أنا بكبّرْهالك عشان أوصّل لك الرسالة يعنى، إوعى ترجع علشان زهقان، أو علشان حسيت بضيقه، أو بوجع فى ضهرك أو أى كلام من ده..

رشاد: ما تخافشى مش حايبقى فيه حاجه

د. يحيى: ما أنا بقولك أهه، لو يحصل ده كله وبرضه ماترجعش، تصبح الصبح تروح شغلك، وبالليل تأخذ كام قرص، ياترجع على نقاله فى تابوت ياترجع فى أجازاتك الإعتياديه، لو عملت كده حاتخف

 (*) فى شخص ما زال متماسكا، وفى نفس الوقت يحتفظ بطموحه واعيا بحاجته للغربة والتحمل مثل رشاد وكثيرين ممن يتغربون لأكل العيش، يكون وضعه فى المأزق حافزا لاستخراج كل قوى مقاومته ليس فقط للمرض، وإنما ضد أى حل سلبى يخطر بباله، هذا الحل لا ينجح إذا كان المرض قد تمادى، وهو ما نسميه أصبح على المحور الهابط لقانون “ستارلنج” الذى يعنى أن الضغط يضعف المقاومة إذا كانت الحالة تدهورت، بعكس إذا كان الضغط والمريض على المحور الصاعد فإننا نجد أن الضغط يزيد المقاومة ويحفز الفعل (مما قد يحتاج لشرح لاحقا).

رشاد: إن شاء الله حارجع عادى

د. يحيى: وطول الوقت يبقى عندك فكرة إنك راجع للدكتورة “م” وللدكتورة “د” وحاجات كده فمن هنا للخميس اللى جاى الدكتورة “د” حاتكتب لك المنافستو ده، وهى حاتمضى عليه والكتورة “م”  لما تيجى من الامتحانات حاتمضى عليها وأنا حامضى عليه.

ليس المقصود هنا التوقيع الفعلى كتابة، ولكن المشاركة فى حمل المسئولية

رشاد: موافق

د. يحيى: واهو ربنا بيلمنا على بعض من كل ملة ودين علشان نحلها سوا سوا، وهو بيخليها لمّة أكثر فى أكثر هناك بقى وانت لوحدك، أنت عارف ربنا بيلمنا على بعضينا ليه

رشاد: ليه

د. يحيى: علشان خاطرك، أى والله، ما هو كل واحد له رب بيتوجه له (وهُبْ يلاقيه هوه هوه اللى بيتوجه له التانى)، وانت برضه هناك حاتلاقيه أقرب واقرب، وحايفكرك بينا واحنا مستنيينك.

رشاد: طيب السلام عليكم، الخميس ولا الإثنين؟

(*) مرة أخرى نذكر بأن إحضار هذا البعد الحيوى فى العلاقة الضامة بين البشر، بوصلة حيوية حقيقية، تربط بين الناس، وتتصاعد إلى دوائر الوعى الأوسع فالأوسع إلى وجه المطلق نحو الله (حسب ثقافتنا وأيضا ديننا) هو تابع لفرض عامل من واقع الممارسة، وله ارتباط وثيق بالوعى الإيمانى ذى الأصول البيولوجية، أما ارتباطه بالنص الدينى والوعظ والإرشاد فهذا أمر وارد، لكنه ليس فى المقام الأول، ولا هو يحقق نفس الغرض بهذا العمق الذى يجعل الوصلة ممتدة وفاعلة طول الوقت كما لاحت فى هذا التعاقد، وهو أمر لا يحتاج إلى إثبات علمى، بقدر ما يحتاج إلى تأمل فى ثقافتنا، حيث لا يتم تعاقد أصيل وصادق، إلا والله سبحانه شريك فيه وشاهد عليه، وعادة ما يبدأ التعاقد بقول أحد الطرفين “العهد عهد مين”؟، فيرد الطرف الآخر “عهد الله”، ويتم التعاقد عادة بتعبير”والله على ما نقول  شهيد”، وهى ليست شهادة تكميلية فى وعى الطيبين من ناسنا العارفين حقوق الله وحقوق الناس، وإنما هى جزء لا يتجزأ من التعاقد فى ثقافتنا ، له مردود علاجى فاعل من واقع الخبرة.

كل هذا يرتبط بشكل أو بآخر بنوعية استعمال اللغة الدينية أو الإيمانية ، وما إذا كان الحديث بها يشير إلى حقائق بسيطة يعايشها الإنسان تلقائيا بفطرته، أم أنه حديث بالألفاظ والتجريد والرموز المغتربة والمجازية. وفى خبرتى، كلما اقتربنا من الطبقات الشعبية، والدين الشعبى ، وأيضا من تلقائية الطفولة وحس العجائز، كان استعمالنا للألفاظ الدينية بما فى ذلك اسم الجلالة أقرب إلى هذا المجال الحيوى الذى يشير إليه هذا الفرض، منه إلى مجال الاغتراب والترهيب والوعيد والتعيين الإبعادى (ولكل حديث حديث، عذرا)

د. يحيى: الخميس بقى، ماتدوخنيش معاك

خليها الخميس.

شكراً جزيلاً .

………….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *