الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس: الإدراك (110) الإدراك والحلم والشعر والجنون ( 10 من ؟)

الأساس: الإدراك (110) الإدراك والحلم والشعر والجنون ( 10 من ؟)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 27-1-2013

السنة السادسة6-1-2013_1

العدد:  1976

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (149)

  الإدراك (110)

الإدراك والحلم والشعر والجنون ( 10 من ؟)

قبل المقدمة:

اقتراح للمناقشة:

فى بريد هذا الأسبوع جاءنى اقتراح محدد من الابنة الفاضلة د. نجاة أنصوره – ليبيا – وهو أن أكتفى بتخصيص يوم واحد فى الأسبوع لكتاب الأساس فى الطب النفسى الذى وصلنا فيه إلى ملف “الإدراك” حتى تتاح الفرصة لمن يتابعنا للإلمام بما نعرض من أفكار أقل ما توصف به هو أنها صعبة أو غامضة أو فى أحسن الفروض غير مألوفة، وقد وجدت أنه اقتراح واقعى ومهم (وبينى وبينكم هو مريح لى نسبيا) إلا أننى خشيت أن يحول ذلك دون إتمام ما آمل أن أتمه، ولكن بما أنه لا شىء يتم فى حياة فرد، فسوف أحاول – ونحاول – تجربته لعدة أسابيع ثم نرى.

المقدمة:

رحت أتامل عنوان نشرة اليوم، وتسلسله محاولا أن أتذكر كيف بدأنا وإلى أين وصلنا، وكانت أمامى فرصة فى نهاية هذا الأسبوع أن أقرأ أكثر قليلا مما أكتب، فإذا بى أتبين أننا استُدرْجنا إلى ما قد لا نستطيع أن نعطى عُشر معشار ما نأمل فيه، وقد سبق أن وقفت مثل هذه الوقفات لأحول دون التمادى فى ملف الإدراك إلا أننى – كما يشهد الأصدقاء – لم أستطع، المهم أننى طبيب نفسى عربى مسلم، آمل أن أكون مؤمنا إليه، وأشعر أن هذا الذى أعمله مع نفسى ومعكم هو بعض طريقى إلى تحقيق ذلك.

توقفت الأسبوع الماضى عند جدل الشاعر واللغة، وكنت على وشك أن أبدأ فى شرح مستويات الشعر فى مقابل مستويات الحلم، وفى حدود تسميات الأطروحة الباكرة أطلقت عليها مستويات الشعر: القصيدة بالقوة، (التى لا تقال) والقصيدة بالفعل (التى تبدأ من قصيدة النثر، وقد تشمل بعضا آخر من فعل التفعيلة) والقصيدة بالتأليف (التى تشمل بعض شعر التفعيلة ثم الشعر العمودى) وأخيرا الرجز التعليمى أو الإرشادى، كان المفروض أن أتكلم اليوم عن مستويات الشعر ببعض التفصيل ومزيد من الأمثلة عن ما ورد فى نص الأطروحة الباكرة (الإيقاع الحيوى ونبض الإبداع)، وكل هذا يقع فى محيط الشعر والنقد الأدبى، فكان لزاما -لتنفيذ الاقتراح- أن نحوّل التوجه والتركيز إلى الحلم والجنون تركيزا على العناية بما هو تخصص نفسى أكثر فأكثر.

مقارنة نسبية بين الحلم والشعر والجنون

سوف يظل الحلم بالقوة بعيدا عن التناول للمقارنة، اللهم إلا من حيث حضوره الفسيولوجى فى رسام المخ الكهربائى (رمك EEG) فى حين يحضرنا الشعر بمستوياته المتصاعدة (فيما عدا القصيدة بالقوة) فى متناول المقارنة، أما الجنون فلعله الأكثر حضورا لكنه فى نفس الوقت الأصعب تناولا، خاصة لمن لا يمارس التطبيب التكاملى، أو العلاج المكثف من منظور تطورى، إذن سوف تظل تحديات المنهج تلاحقنا بلا حل حاسم، وبصراحة أنا لا أسعى لحل حاسم، يطمئننى إلى ذلك أن من من نجح أن يبقى من الأحياء من أولاد عمومتنا وأجدادنا فعل ذلك -بفضل الله- دون التزام بمنهج بذاته إلا استيعاب برامج البقاء، بالإدراك الخاص به، والوجدان المعرفى البقائى بشكل أو بآخر.

أشرنا فيما سبق ‏إلى علاقة الحلم‏ ‏بالجنون‏، ‏ثم ها نحن حالا نتقدم إلى علاقة الشعر بالحلم، أليس من الطبيعى أن نعقد مقارنة ولو تقريبة بين الثلاثة الحلم والشعر والجنون؟ هذا مع التذكرة بأن‏ ‏‏لفظ‏ ‏الجنون يستعمل‏ ‏استعمالا‏ ‏فضفاضا‏، ‏حتى ‏ليزعم‏ ‏شاعر‏ ‏بجنونه‏ ‏تعبيرا‏ ‏عن‏ ‏حرصه‏ ‏على ‏حرية‏ ‏أرحب، ‏مثل‏ ‏ما‏ ‏تقوله‏ ‏خالدة‏ ‏سعيد‏ (1) ‏عن‏ ‏شعر‏ ‏أنسى ‏الحاج‏ ‏فى “‏لن‏” ‏وما‏ ‏استشهدت‏ ‏به‏ ‏من‏ ‏قوله‏ “…. ‏بالجنون‏ ‏ينتصر‏ ‏المتمرد‏، ‏ويفسح‏ ‏المجال‏ ‏لصوته‏ ‏أن‏ ‏يـسمع‏”.‏

سبق‏ ‏أن‏ ‏أشرنا‏ ‏إلى ‏توحد‏ ‏نقطة‏ ‏الانطلاق‏ ‏بين‏ ‏الحلم‏ ‏والإبداع‏ ‏والجنون‏، ‏بما‏ ‏يشير‏ ‏إلى ‏أنه‏: ‏يزداد‏ ‏وجه‏ ‏الشبه‏ ‏بين‏ ‏الثلاثة‏ ‏فى ‏المستوى ‏الأول‏، ‏ثم‏ ‏تفترق‏ ‏السبل‏. ‏على ‏أن‏ ‏الحاجة‏ ‏التى ‏تميز‏ ‏الجنون‏ ‏من‏ ‏الإبداع‏ ‏تصبح‏ ‏أشد‏ ‏إلحاحا‏ ‏إذا‏ ‏كنا‏ ‏نواجه‏ ‏الإبداع‏ ‏الشعرى ‏من‏ ‏النوع‏ ‏الذى ‏استطاع‏ ‏أن‏ ‏يتحمل‏ ‏التنشيط‏ ‏الداخلى ‏فى ‏مستوياته‏ ‏الأولى ‏فيحتويها‏ ‏ويلقى ‏بها ‏-‏كأنها‏ ‏كما‏ ‏هى- ‏فى ‏مواجهة‏ ‏وعينا‏ ‏السائد‏ ‏فى ‏اليقظة‏.‏

‏ ‏نبدأ بعرض المقارنة مجدولة فى جدول صعب، فى انتظار التساؤلات والتعقيب، حتى نعود إليها الأسبوع القادم ونحن نشرح بعض ما يلزم شرحه فى الجدول.

جدول مقارن بين الحلم والجنون والإبداع

  الحلم الجنون الإبداع (فى الشعر كمثال)
الأصل (1) تنشيط داخلى تنشيط داخلى تنشيط داخلى
 الطبيعة البدئية (2) تفكيك وبسط مناوب (محدود المدة ذاتى التوقف)نوم الريم REM تفكيك وبسك منافس (مقتحم مجهول المدى)(كثير منه دورىّ أيضا) تفكيك وبسط مقتحم/مناغم(معا) (فى شوق تطورى يتحدى)
  

 

المرحلة الأولى

(3) الحلم بالقوة (البسط التلقائى الدورى) مشروع الجنون (لا يوجد ما يسمى الجنون بالقوة) إلا إحصائيات، من حيث التوقع، ولكن بالنسبة للفرد فيستحيل فصل ما هو “حلم بالقوة”: مما هو “جنون بالقوة”، لأنه لا يتميز الى أى من هذا أو ذاك إلا بعد إعلانه. القصيدة بالقوة: “ولاف” تم، ولم يعلن بعد، قد تظهر نتائجه فى الإبداع المعلن لكنها ليست هو  وتظهر نتائجه فى مجال النمو الفردى، أو حتى طفرة النوع.
  

 

المرحلة الضاغطة

(4) الحلم كما هو (الحلم الفعلى)التقاط مادة التشكيل من التناثر كيفما اتفق، مع أقل قدر من التحوير.

 

ظهور التناثر فى السلوك والفكر، مع بعض صواعق الداخل: مثل “الضلالات الأولية”Autoctonous Ideas( وما يستتبع ذلك من دعم مرضى بآليات أخرى) القصيدة المسودة أو الإبداع الفج، أو الجرعة الأولى… وقد تظل الأخيرة فى بعض الشعر)، كما تنقلب إلى “صواعق الداخل” إلى ما يسمى لحظات الإلهام
 الأداة والشكل “الكلمة” تقوم بدور ثانوى، و”اللغة الصورة” (لا المصورة) هى الأصل. الكلمة منفصلة تقود بعض ما تناثر عشوائيا فى العادة (الفصام عادة). “الكلمة مستقلة تتحدى حتى تتحاور وتتآلف جزئيا وتشكل الجديد فى الشعر”
 المرحلة المعلنة (5) الحلم المحكى (مع بعض التدبيج والوصل) الجنون بما فى ذلك الجنون المتماسك نسبيا مع بعض الضلالات الثانوية المناسبة لدعم المحتوى الشاذ (الدفاعات البارانوية مثلا)  القصيدة المحبوكةElaborated “االإبداع المحكم” (المسودة تُخلق بالإحكام دون أن تتوارى).
  

التعامل السلبى اللاحق

(6) تفسير الحلم بواسطة الحالم (الدفاعى) أو حتى بعض “التحليل النفسى” (تغطية الحلم الحقيقى). 

أو إهماله كلية

الضلالات الثانوية والإسقاط على العالم الخارجى والتبرير (تغطية التناثر المبدئى بنوع آخر من الجنون (البارنوى عادة)أو إخماد الحركة كلية

(الجنون السلبى عادة)

تشويه القصيدة بالوصاية الشكلية أو الالتزام القاهر. (النقد المتعسف شبه العلمى) 

 

أو إجهاض المحاولة تماما ربما خوفا وترددا

  

التناول الإيجابى

(7) يكون التعامل الإيجابى بقراءة ما تيسر من الحلم “بمعايشة حضوره وتعهد آثاره إلى ما تعِد” به (إعادة إبداعه بفهم آثاره وفائدته)، أو بالترحيب بآثاره دون تفصيل. يكون التعامل الإيجابى بقراءة الجنون والنظر فى غائيته مع أسبابه وأعراضه، ثم إعادة إبداعه بالمواكبة العلاجية إلى الحلم أو الإبداع.(إبداع النص البشرى علاجيا) يكون التعامل الإيجابى بقراءة القصيدة  نقداً  بحوار مبدع خلاق(إبداع على إبداع) . 

 

 

شرح بعض الجدول: الأسبوع القادم (شكرا يا د. نجاة).

[1] – خالدة سعيد: “حركية الإبداع” – دار العودة (1979) – بيروت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *