الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأربعاء الحر: مقتطف من كتاب: دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى الفصل‏ ‏الثانى: تقديم وتعريف، واعتبارات أساسية

الأربعاء الحر: مقتطف من كتاب: دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى الفصل‏ ‏الثانى: تقديم وتعريف، واعتبارات أساسية

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 12-2-2020

السنة الثالثة عشرة

العدد:   4547

الأربعاء الحر

مقتطف من كتاب:

دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى (1)

 الفصل‏ ‏الثانى: تقديم وتعريف، واعتبارات أساسية

المعلم‏: ‏كان‏ ‏الطب‏ دائما ‏حرفة‏ ‏أساساً‏، ‏تغلب‏ ‏عليها‏ ‏الأسس‏ ‏الفنية‏ ‏وحذق‏ ‏الممارس‏، ‏وكان‏ ‏التطبيب‏ ‏اسمه‏ ‏فن‏ ‏التطبيب ‏أما الطب النفسى فكان اسمه “فن المجاذيب” (2) ، ‏وإعطاء‏ ‏الدواء‏ ‏اسمه‏ “‏فن‏ ‏المداواة”‏، ‏وجبر‏ ‏الكسور‏ ‏وربط الجروح‏ ‏اسمه‏ ‏فن‏ ‏التعصيب‏، ‏ثم‏ ‏تدرج‏ ‏الأمر‏ ‏فأصبحت‏ ‏الممارسة‏ ‏الطبية‏ ‏لها‏ ‏أصولها‏ ‏العلمية‏ ‏بعد‏ ‏ان‏ ‏عرفت‏ ‏الأسباب‏ ‏أكثر‏ ‏فأكثر‏، ‏ولما زادت‏ ‏آلات‏ ‏الفحص‏، ‏قل‏ ‏دور‏ ‏الطبيب‏ ‏كحرفى ‏ماهر‏ ‏فيما‏ ‏عدا‏ ‏دوره‏ ‏الفنى ‏فى ‏الجراحة‏ ‏بالذات‏، ‏أما‏ ‏الطب‏ ‏النفسى ‏فإن‏ ‏أسباب‏ ‏الاضطرابات‏ ‏فيه‏ ‏مازالت‏ ‏مجهولة‏، ‏وبالتالى ‏فهو‏ ‏مازال‏ ‏فنا‏ ‏وحرفة‏ ‏أكثر‏ ‏منه‏ ‏علما‏ ‏محددا‏، ‏والطب‏ ‏النفسى‏ ‏هو‏ ‏أبو‏ ‏فروع‏ ‏الطب‏ ‏جميعا‏ ‏من‏ ‏الناحية‏ ‏التاريخية‏، ‏فقد‏ ‏كانت‏ ‏أغلب‏ ‏الأمراض‏ ‏قديما‏ ‏تعزى إلى‏ ‏اضطرابات‏ ‏المزاج‏ ‏أو‏ ‏لبس‏ ‏الأرواح‏، ‏وكانت‏ ‏تعالج‏ ‏بتأثير‏ ‏‏إنسان‏ ‏على ‏إنسان‏ ‏سواء‏ ‏كان‏ ‏المؤثر‏ ‏شيخا‏ ‏طيبا‏ ‏أو‏ ‏شخصا‏ ‏واصلا‏ ‏أو‏ ‏محتالا‏ ‏ذكيا، ‏أو‏ ‏بمحاولة‏ ‏طرد‏ ‏الأرواح‏ ‏الشريرة‏ ‏بالضرب‏ ‏أو‏ ‏النفى، ‏ثم‏ ‏تفرعت‏ ‏من‏ ‏هذه‏ “‏الكومة المرضية‏ ‏الأم”‏ ‏سائر‏ ‏التخصصات‏ ‏الطبية‏ ‏الأخرى ‏حين‏ ‏عـُرِفت‏ ‏أسبابها أولا بأول‏، ‏أما‏ ‏ما‏ ‏بقى ‏منها‏ ‏تغلب‏ ‏على ‏أبعاده‏ ‏الجهل‏ … ‏فهو‏ ‏مازال‏ ‏يعد‏ ‏بشكل‏ ‏ما‏: ‏ضـِمنَ‏ ‏الطب‏ ‏النفسى.‏

الطالب‏: ‏هل‏ ‏معنى ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏بقاء‏ ‏الطب‏ ‏النفسى ‏كفرع‏ ‏مستقل‏ ‏دليل‏ ‏جهلنا‏ ‏بالأسباب‏‏؟

المعلم‏: ‏فى ‏الواقع‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏صحيح‏ ‏إلى ‏حد ما‏، ‏فمازالت‏ ‏كمية‏ ‏الجهل‏ ‏حول‏ ‏طبيعة‏ ‏المرض‏ ‏النفسى ‏وأسبابه‏ ‏وطريقة‏ ‏حدوثه‏ ‏تبرر‏ ‏القول‏ ‏أن‏ ‏المرض‏ ‏النفسى ‏يتضمن‏ ‏كثيرا‏ ‏من‏ ‏المجاهيل‏ ‏التى ‏تـُلزم‏ ‏المشتغل‏ ‏به‏ ‏الاعتماد‏ ‏على ‏الفروض‏ ‏العاملة‏ ‏والحذق‏ ‏الشخصى ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏اعتماده‏ ‏على ‏المعلومات‏ ‏المحددة‏ ‏اليقينية‏.‏

الطالب‏: ‏ألا‏ ‏يبرر‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏الجهل‏ ‏الذى ‏يحيط‏ ‏بالعلوم‏ ‏النفسية‏ ‏معارضة‏ ‏الأطباء‏ ‏الاخرين‏ في التخصصات الأخرى وتحفظهم ‏فى ‏تدريس‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏والطب‏ ‏النفسى؟

المعلم‏: ‏نعم يبرره‏، ‏ولكنه‏ ‏تبرير‏ ‏غير‏ ‏مسئول‏ ‏وضد‏ ‏حركة‏ ‏التاريخ‏، ‏إن‏ ‏المناطق‏ ‏المجهولة‏ ‏هى ‏الأكثر‏ ‏أحقية‏ ‏بالاستكشاف‏، ‏وبالتالى ‏أحقية‏ ‏بالدراسة‏ ‏وبذل‏ ‏الجهد‏…،  ‏ونحن‏ ‏الأطباء‏ ‏النفسيين‏ ‏نساهم‏ ‏فى ‏إثارة‏ ‏الناس‏ ‏علينا‏ ‏حين‏ ‏ندعى ‏لأنفسنا‏ ‏حجما‏ ‏أكبر‏ ‏من‏ ‏حقيقتنا‏، ‏فالآخرون‏ ‏بصدقهمم‏ ‏وحدسهم‏ ‏يشعرون‏ ‏باهتزاز‏ ‏موقفنا‏ ‏وعدم‏ ‏تناسب‏ ‏علو‏ ‏صوتنا‏ ‏مع‏ ‏ضآلة‏ ‏معارفنا‏، ‏ولهم‏ ‏الحق‏ ‏مبدئيا‏، ‏ولكنهم‏ ‏يصبحون‏ ‏أحق‏ ‏لو أنهم‏ ‏يأخذون‏ ‏بيدنا‏، ‏ولن‏ ‏يفعلوا‏ ‏ذلك‏ ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏ظهرنا‏ ‏أمامهم‏ ‏بحجمنا‏ ‏المتواضع‏ ‏ونحن نواصل‏ ‏بما‏ ‏نملك‏ ‏من‏ ‏جهد‏ ‏وإصرار‏ ‏وسعى ‏إلى ‏مزيد‏ ‏من‏ ‏المعرفة‏ ‏والإسهام‏ ‏معا‏ ‏فى ‏مسيرة‏ ‏الإنسان‏، ‏إن‏ ‏طالب‏ ‏الطب‏ ‏ليس‏ ‏غنيمة‏ ‏نتصارع‏ ‏لاقتسامها‏، ‏ولكنه‏ ‏أمانة‏ ‏يساعد‏ ‏بعضنا‏ ‏بعضا‏ ‏فى ‏أداء‏ ‏حقها‏.‏

الطالب‏: ‏ولكن ‏أنا‏ ‏مالى ‏وهذه‏ ‏المعركة‏ بينكم‏؟‏ ‏إننى ‏أريد‏ ‏معلومات‏ ‏أكيدة‏ ‏أحفظها‏ ‏وأسمـّـعها وأنجح‏ ‏بها‏ ‏وأرتاح‏‏.

المعلم‏: ‏وهذه‏ ‏هى ‏الخطيئة‏ ‏الكبرى ‏فى ‏التعليم‏ ‏الجامعى ‏عامة‏، ‏وتعليم‏ ‏الطب‏ ‏خاصة‏ ‏وتعليم‏ ‏الطب‏ ‏النفسى ‏بشكل‏ ‏أشد‏ ‏تخصيصا‏، ‏وهى ‏ألا‏ ‏نقدم‏ ‏لك‏ ‏إلا‏ ‏المعلومات‏ ‏الأكيدة‏، ‏فتتصور‏ ‏بدورك‏ ‏أن‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏بين‏ ‏يديك‏ ‏وتحت‏ ‏ناظريك‏ ‏هو‏ ‏حقائق أكيدة، فنخدعك، ونحرمك نعمة التفكير ونـُـقـَـوْلبك، ونزيد “الكاسيتات”‏ ‏البشرية‏ ‏نسخة‏ ‏سرعان‏ ‏ما‏ ‏تصدأ‏، ‏إن‏ ‏وظيفة‏ ‏التعليم‏ ‏هى ‏فى ‏الإلمام‏ ‏بالمعلومات‏ ‏التى  تم اكتشافها، وفتح الأبواب لما بعدها، وفخر العالـِـمِ وشرفه هو أن يدرك ‏حجم‏ ‏ما‏ ‏يجهل‏، ‏وألا‏ ‏يتعصب‏ ‏أو‏ ‏يتشنج‏ ‏لما‏ ‏يعلم‏، ‏لأنه‏ ‏على ‏يقين‏ ‏من‏ ‏طبيعته‏ ‏المؤقتة‏ .‏

الطالب‏: ‏إذن‏ ‏فهل‏ ‏يعنى ‏هذا‏ ‏أن‏ ‏نزيد‏ ‏ساعات‏ ‏ومقررات‏ ‏دراسة‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏والطب‏ ‏النفسى ‏لطالب‏ ‏الطب‏، ‏حتى ‏ولو‏ ‏كان‏ ‏موقف‏ ‏هذين‏ ‏العلمين‏ ‏بهذه‏ ‏الدرجة‏ ‏من‏ ‏عدم‏ ‏التحديد‏ ‏وعدم‏ ‏الثبات.

المعلم‏: ‏إذا‏ ‏استمر‏ ‏الأمر‏ ‏على ‏تدريس‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏بالطريقة‏ ‏السائدة‏، ‏بمعنى ‏أن‏ ‏نحشر‏ ‏فى ‏عقل‏ ‏الطالب‏ ‏تعريفات‏ ‏صعبة‏ ‏لبديهيات ‏سهلة‏ ‏فلا‏ ‏جدوى ‏من‏ ‏الزيادة‏ ‏بل‏ ‏لعل‏ ‏العكس‏ ‏هو‏ ‏الأولى.

 ‏وكذلك‏ ‏إذا‏ ‏استمر‏ ‏تدريس‏ ‏الطب‏ ‏النفسى ‏والأمراض‏ ‏النفسية‏ ‏يركز‏ ‏على ‏تقديم‏ ‏معلومات‏ ‏تعرفها‏ ‏أيه‏ ‏ربة‏ ‏منزل‏ ‏أمية‏ ‏أو‏ ‏أى ‏شاويش‏ ‏فى ‏نقطة‏ ‏بوليس‏، ‏فلا‏ ‏داعى ‏للخلاف‏ ‏على ‏ساعات‏ ‏التدريس‏ ‏وضرورة‏ ‏الامتحان‏، ‏لأنه‏ ‏ماذا‏ ‏يفيدك‏ ‏أن‏ ‏تعرف أن من يرى خيالات وأشباح لا يراها غيره فهو مخرف أو مجنون؟؟ وماذا يفيدك لو كان اسمها‏ هلاوس‏ ‏أو‏ ‏تهلسات‏، ‏وأى ‏جديد‏ ‏فى ‏أن‏ ‏من‏ ‏يعتقد‏ ‏أنه‏ ‏هتلر‏ ‏أو‏ ‏جمال‏ ‏عبد‏ ‏الناصر‏ أو المهدى المنتظر ‏فهو‏ ‏يهذى ‏أو‏ ‏ذو‏ ‏عقل‏ ‏مضطرب‏‏؟‏ ‏ألا‏ ‏يعرف‏ ‏كل‏ ‏ذلك‏ ‏أى ‏مخبر‏ ‏فى ‏الشارع‏ ‏يمسك‏ ‏متشردا‏ ‏مهلهل‏ ‏الثياب‏ ‏يكلم‏ ‏نفسه‏ ‏؟؟

إن‏ ‏السبيل‏ ‏الحقيقى ‏لإعادة‏ ‏النظر‏ ‏فى ‏تدريس‏ ‏هذين‏ ‏العلمين‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏نعطى ‏لك‏ ‏ما‏ ‏يفيدك‏ ‏أنت‏ ‏فى ‏فهم‏ ‏نفسك‏ ‏والآخرين‏، ‏فتنطلق‏ ‏فيك‏ ‏قوى ‏النمو‏ ‏الإبداع‏، ‏ فتجعلك‏ ‏تلم‏ ‏بما‏ ‏يفيدك‏ ‏كطبيب‏ ‏سواء‏ ‏فى ‏معرفة‏ ‏نفوس‏ ‏مرضاك‏ ‏أم‏ ‏فى ‏شحذ‏ ‏ملكاتك‏ ‏الفنية‏ ‏الإنسانية‏ ‏التى ‏بوساطتها‏ ‏تصبح‏ ‏أكثر‏ ‏نجاحا‏ ‏وأعم‏ ‏نفعا‏، ‏نعلمك‏ ‏كيف‏ ‏تتعامل‏ ‏مع‏ ‏مرضاك‏ ‏من‏ ‏واقع‏ ‏معرفتك‏ ‏نفسك‏ ‏واحتياجك‏، ‏ونفوسهم‏ ‏وظروفهم‏ ‏واحتياجهم‏ ‏إلى ‏المعلومات‏ ‏الأولية‏ ‏عن طبيعة النفس ثم عن‏ ‏العلاجات‏، ‏وهذا‏ ‏مما‏ ‏أحاول‏ ‏تقديم‏ ‏إطار‏ ‏عام‏ ‏له‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏العمل، ثم إننى أعتقد ‏أن‏ ‏الزملاء‏ ‏الرافضين‏ ‏هم‏ ‏أول‏ ‏من‏ ‏سيدعونا‏ ‏لزيادة‏ ‏ساعات‏ ‏التدريس‏ ‏لو‏ ‏قدمنا‏ ‏ما‏ ‏يفيد‏، ‏كما‏ أن ‏زملاءك‏ ‏الطلبة‏ ‏المنتفعين‏ ‏هم‏ ‏أول‏ ‏من‏ ‏سيثورون‏ ‏على ‏أى ‏إعاقة‏ ‏تحول دون‏ ‏منفعتهم.

الطالب‏: ما هذه الخطبة العصماء، هل تتصور أن فرصة الحوار بيننا هكذا هى السبيل لتحقيق هذه الثورة التى وصلتنى من هذه الخطبة.

………………….

ونكمل الأسبوع القادم

 

[1] –  يحيى الرخاوى: “دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2019)، من (من ص 64- إلى 66)، والكتاب قديم مهم (الطبعة الأولى سنة 1982 ) ولم يتم تحديثه فى هذه الطبعة، موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط  www.rakhawy.net 

[2] – أقدم كتاب درس فى القصر العينى عن الأمراض العقلية كان بالعربية واسمه “اسلوب الطبيب فى فن المجاذيب” سنة 1309 هـ (1896 ميلادية)، تأليف سليمان أفندى نجاتى، ويقع فى 162 صفحة، والكتاب يوجد بقاعة المطالعة بدار الكتب ميدان باب الخلق تحت رقم 644 طب، وقد اقتطفت بعضه فى وثائق الفصل الأول من الكتاب الحالى (ص 17 – 19).

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *