الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأربعاء الحر: مقتطف من كتاب: الفطرة والطب النفسى

الأربعاء الحر: مقتطف من كتاب: الفطرة والطب النفسى

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 3-10-2018

السنة الثانية عشرة

العدد: 4050

الأربعاء الحر

مقتطف من كتاب:

الفطرة والطب النفسى (1)

الفصل الأول:

أين يقع ما يطلق عليه لفظ “دين”(وليس الدين الحقيقى)  فى منظومتنا الحياتية الآن؟

 إن إمعان النظر فيما‏ ‏آل‏ ‏إليه‏ ‏حال‏ ما يسمى الدين أو ‏التدين‏ ‏ ‏فى‏ ‏الممارسة‏ ‏الفعلية‏ ‏فى ‏عالمنا‏ ‏المعاصر ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏وقفة‏ ‏مراجعة‏،

‏1‏) عَجَز‏ ‏التدين‏ ‏التقليدى ‏كما تقدمه وتفسره أغلب السلطة الدينية- عن‏ ‏الوفاء‏ ‏باحتياجات‏ ‏الإنسان‏ المعاصر ‏وسعيه‏ ‏إلى ‏الإبداع‏ ‏والتطور.

‏2‏)‏ ‏لم‏ ‏يستطع‏ ‏العلم‏ (خاصة بمنهجه التقليدى المحكم) ‏أن‏ ‏يحل‏ ‏محل‏ ‏الدين‏ ‏والإيمان، حتى بعد أن أصبح له (للعلم) كهنته وطقوسه ومفتييه الجاهزين للحكم بالهرطقة على كل من خالف العلم (كما يرونه)، ومن ثم أصبح العلم هو ما تجيزه السلطة العلمية وليس ما تقره المعرفة، والموضوعية، وحفز التطور، وحركية المنهج. باختصار كاد  العلم أن يصبح دينا بديلا، بالمعنى السلطوى للدين.

‏3)‏ ‏فشل‏‏ ‏اختزال‏ ‏الدين إلى ما أتى به العلم، كما فشل حبس العلم فيما يقره الدين (انظر بعد).

‏4)‏ ‏فشلت‏ أغلب ‏محاولات‏ ‏التخلص‏ التام ‏من‏ ‏الدين‏، أو تهميشه، ‏لصالح‏ ‏ما‏ ‏يسمى ‏العلمانية، كما فشلت محاولات إنكاره كلية‏ ‏تحت‏ ‏زعم‏ ‏أن‏ ‏الدين‏ ‏مخدر‏ ‏للشعوب. (الشيوعية التقليدية).

‏5)‏ ‏فشلت‏ ‏محاولات‏ ‏تفسير‏ ‏التدين‏ ‏والإيمان‏ ‏باعتبارهما‏ ‏مجرد‏ ‏ميكانزمات‏ ‏لسد‏ ‏حاجة‏ ‏شعور‏ ‏البشر‏ ‏بجهلهم، أو عجزهم، أو بنقصهم‏ ‏فى ‏مواجهة‏ ‏قوى ‏ساحقة‏ ‏أوغامضة‏.‏ (التحليل النفسى التقليدى).

‏6) ‏أيضا‏: ‏فشل ترويج‏ ‏تفسيرات‏ ‏تعتبر‏ ‏الدين‏ ‏بمثابة‏ ‏موقف‏ ‏أخلاقى ‏لتحسين‏ ‏العلاقات فى المجتمع (أو حتى باعتباره ديكورا أخلاقيا يزين حقوق الانسانGod is good but he is not GOD   

‏7)‏ ‏استشرت محاولات تحديث‏ ‏الدين- بإعادة‏ ‏تفسير‏ ‏نصوصه‏ ‏من‏ ‏منطلقات‏ ‏أحدث (منطلقات علمية أو نفعية مسطحة)  بدت وكأنها تسويق للدين بلغة معاصرة، وليست استلهاما لدوره المحورى المتكامل.

‏8)‏ انتهى – او كاد ينتهى- ما يمكن أن يسمى ‏تثوير‏ ‏الدين، باعتباره ‏دافعا‏ ‏مناسبا‏ ‏لاستعادة‏ ‏كرامة‏ ‏وإنسانية‏ ‏الإنسان‏ (مثلا: ‏الكنيسة‏ ‏اليسارية‏، ‏واليسار‏ ‏المسلم‏، ‏وبعض‏ ‏الأفكار‏ ‏الشيعية‏ الثورية) انتهى كل ذلك إلى اختزل الدين إلى ‏أداة‏ ‏سياسية‏ ‏لجمع‏ ‏الناس‏ ‏لرفع‏ ‏الظلم‏، ‏أو‏ ‏حتى لجمع الناس حول ما يحتاجونه من حقوق، وضد ما يضجرون منه من ظلم، لكن لا أحد يمكن أن يطمئن لما يحدث بعد هذا الجمع الواعد، أهو لاستكمال مسيرة التطور الإيمان، أم  ‏لاستلام‏ ‏الحكم وترسيخ سلطة جديدة سرعان ما تجمد النصوص والأحكام لصالحها؟.

9) ‏ ‏من أشهر محاولات “فض الاشبتاك” القول الشائع جدا الذى يقول: “الدين لله والوطن للجميع”. إن المتأمل فى هذا الشعار بجدية وموضوعية سوف يكتشف أن هذا الشعار لا يحدد الدين الذى يتكلم عنه، ولا الله الذى جعل  الدين له: دعونا نعترف أن الوطن للجميع، كما أن الدين (الأديان) هى لله أيضا وللجميع كذلك، ثم إن الوطن نفسه يمكن أن يكون لله بالمعنى الذى يكون فيه الله، هو الذى يضم كل الناس – على كل أرض – إليه من مختلف الملل والأجناس. بهذه المواصفات: يمكن أن يكون الوطن لله، والدين لله، والوطن للجميع، والأديان للجميع.

10) ظهرت محاولات‏ ‏انقلابية‏ ‏وطرْفيه (يقال عنها أنها شاذة عادة)‏ ‏تعلن ما يشبه الثورة، على الدين التقليدى بإحلال أديان حديثه لكنها – لظروف معاصرة – بدت بدعاً انقلابية أكثر منها أديانا بديلة، ومن ذلك:

‏(أ) ‏إحياء‏ ‏ديانات‏ ‏قديمة‏ ‏شاذة

 (ب) ‏ابتداع‏ ‏ديانات‏ ‏خصوصية‏ (من الكنائس الجديدة جداً حتى الطرق الصوفية المستحدثة والمغلقة، حتى عبادة الشيطان… إلخ )

(جـ) تجمعات سرية أو شبه سرية تقوم بنشاطات  سرِّية أو علنية لها طقوسها وهيراركيتها، وإن كنا لا نعلم تفاصيل الثواب والعقاب فيها، اللهم إلا الانتماء إلى صفوة مقابل الطرد منها. مثل هذه التجمعات تتهم أحيانا أنها تستعمل سرا لخدمة دين بذاته، أو نظام سياسى بعينه، أو أنها‏ ‏ديانات بديلة فى ذاتها‏ (كما اتهمت ‏الماسونيه‏ – ‏والروتارى…إلخ‏)‏

(د) تدين كيميائى (يتجلى فى ما يمكن أن يسمى “ثقافة الإدمان”) بحركيتها فى الوعى، وطقوسها رغم سلبية نتائجها، وتكتمل ثقافة الإدمان كدين حتى فى طقوس علاج الإدمان (مثلا بالإثنى عشرة نقطة)

(هـ) ظهرت ‏أيديولوجيات‏ ‏بديلة، لها مواصفات ما هو دين، برغم أنها قد تكون مبنية على إنكار الدين إطلاقا، وقد حسب (أو أمِلَ)  أصحابها أنها يمكن أن ‏تقوم‏ ‏مقام‏ ‏الدين‏ ‏وتؤدى‏ ‏وظيفته،‏ ‏ومن ذلك‏ المناهج‏ ‏العلمية‏ المغلقة‏ اليقينية (دين العلم)‏ وكذا المناهج ‏ ‏التنويرية‏ ‏المتعصبة (دين التنوير) أو المناهج ‏ السياسية‏ ‏العقائدية (الماركسية الأصولية)‏، كل ذلك دار فى فلك العقل الممنطق، لكنه اتصف بكل المواصفات التى يمكن أن يدرج بها تحت ما هو “دين”.

وقفة؟

مما تقدم يمكن أن نخلص إلى ما يلى كاحتمالات راجحة:

(1) إن‏ ‏كل‏ (‏أو‏ ‏أغلب‏) ‏محاولات‏ ‏الاستغناء‏ ‏عن الدين نهائياً‏، أو استبداله، ‏قد‏ ‏فشلت‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر.

(2) إن‏ ‏الأديان‏ ‏جميعا‏، ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏تشوه،‏ ‏تكاد‏ ‏تتفق‏ ‏فى ‏بداياتها، ‏وإن‏ ‏اختلف‏ ‏المحتوى، واختلفت اللغة، واختلف المسار (ربما حسب الموقع الجغرافى والظرف التاريخى) ‏لكنها‏ ‏تعود‏ ‏تتفق‏ – ‏إلى ‏درجة‏ ‏ما‏ – ‏فى ‏غايتها. ‏

(3) إن‏ ‏الإيمان‏ ‏ليس‏ ‏هو‏ ‏الدين، ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏قبله، ‏وبعده، ‏وقد‏ ‏يكون‏ ‏مع‏ ‏التدين ، (وقد لا يكون).

(4) إن العلم ليس له علاقة –مباشرة- بالدين، لكن هذا لا يمنع أن تلتـقي  نتائجهما الإيجابية فى ما هو معرفة أو نفع  للناس كافة.

(5) إن الدين ليس نشاطا ترفيهيا اختياريا انتقائيا يستعمل بعض الوقت، فى بعض ما تيسر من جوانب السلوك، أو أثناء الأزمات …إلخ

 وبعد

مقتطفات تصدّرت الفصل

عن أينشتاين أنه قال :

* العلم بلا دين أعرج، والدين بلا علم أعمى.

من أقوال ابن عربى

* ..لا أعلمُ من العقل، ولا أجهل من العقل.

      من مواقف النفرى

* اطلِّعْ فى العلم: فإن لم تر المعرفة، فاحذرْه، واطلِّع فى المعرفة فإن لم تر العلم فاحذرها. (موقف المطلع)

[1] – من كتاب “الفطرة والطب النفسى” 1998: تحت الطبع الورقى

 

النشرة السابقة 1النشرة التالية 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *