نشرت فى الدستور
23-4-2008
تعتعة
الأحدب، والسياسة، والقـفَا، ولعنة العمر!!
ما الذى يحضرك حين تُذكر كلمة “أحدب” أمامك؟
أنا شخصيا تحضرنى رائعة فكتور هوجو “أحدب نوتردام”، ليست القصة، وإنما الفيلم والفوازير، يحضرنى غور الألم على وجه “تشارلز لوتن” فى الفيلم، كما أرى دموع “جورج سيدهم” فى فوازير أوائل الستينات (ابيض واسود) وهو ينهنه مدندنا “يا بختك يا خشب، يا بختك يا خشب، ياريتنى كنت زيك بقلب من خشب”.
كانت صورة الأحدب نفسها قد اقتحمتنى حين بدأتُ كتابة هذه التعتعة عن “قفا الشعب المصرى والسياسة، إذْ قفز إلىّ ابن الرومى يذكرنى بتشكيل بديع، رسمه للأحدب، وكأنه يصفنا اليوم، وقد أصبح الضرب على القفا موضوعا تناقشه الصحف والمحاكم فى علاقة السلطة بالناس. قلت هذه فرصتى أن أعلن للناس مدى حبى للفصحى، (بعد تعتعة الأسبوع الماضى) وهو الحب الذى جعلنى أعتذر للفصحى حين اقتحمنى الشعر بالعامية (ديوان سر اللعبة): فأكرر هذا المقطع باستمرار حين يُـشتبه فى أمرى: “…، أصل الحدوتة المرادى كان كلها حسّ، والحس طلعْ لِى بالعامّى بالبلدى الحلو، والقلم استعجل، ما لحقشى يترجم لتفوته أيها همسةْ، أو لمسةْ، أو فتفوتة حس، معلشى النوبة، المرّا سماح، واهى لسة حبيبتى، حتى لو ضرّتها غازية بتدق صاجات”. نعم، الفصحى ما زالت هى حبيبتى الأولى. لا أجد تعارضا بين دفاعى عن دلالات “اللغة الشبابية” ولغة “الناس البيئة” وبين عشقى للغة العربية الفصحى، ومن ذا يستطيع ألا يعشقها وهو يرى بن الرومى يصف هذا الأحدب بكل قسوة وسخرية، حتى يزيح من أمامك صورتىْ تشالز لوتن، وجورج سيدهم معا، لكنك لا تملك إلا الإعجاب بتصوير ابن الرومى سامحه الله
لا بد من تفسير بعض ألفاظ البيت الأول مسبقا : الأخدع: أحد عرقين على جانب الرقبة، والقذال: جمّاع مؤخر الرأس فوق القفا،
يقول ابن الرومى:
قصُرَتْ أخادِعُهُ وطالَ قذالـُهُ
فكأنـّهُ متربَّصٌ أن يُصْفعا
وكأنما صُـفعَت قفاهُ مرّةً
وأحسَّ ثانيةً لها فتجمَّـعَا
هل لاحظت البيت الأخير، وكيف يمكن أن يذكرنا بما آل إليه حال شعب ظل أغلبه يصفع على قفاه من كل سلطة داخلية وخارجية سنين بلا حصر، حتى راح يستشعر فى كل حركة يد أو تشويحة ذراع، أو حتى من سماع هسيس ورقة شجرة جافة، أو صوت كابح (فرملة) سيارة مسرعة، يستشعر قدوم الصفعة الثانية فيتجمع حول نفسه بأن تندفس رأسه فى أعلى جذعه، ليخفى رقبته فى عمق مصالحه الخاصة جدا، إن استطاع، وهو يتلفت يمينا ويسارا ينتظر الصفعة الثانية والمائة، وبلا عدد؟ (لكن يبدو أنه بدأ يتحرك مؤخرا، يارب!)
قلت فى البداية أننى كنت أنوى أن أكتب اليوم عن “القفا”، فى أمثالنا العامية وعلاقته بالسياسة، فإذا بقفا أحدب ابن الرومى يتصدر خيالى فيجرنى إلى هذه الفرصة لأعلن من خلالها حقيقة عشقى للفصحى الجميلة، ثم هأنذا أجد أفكارى تتنقل بعيدا عن القفا، ولكن ليست بعيدة عن السياسة، فأتساءل: هل يعرف القارئ أصل كلمة “أحدب”؟ فيحضرنى بيت شعر لكعب بن زهير يقول:
كلُّ ابن أنثى وإن طالت سلامته
يوما على آلة حدباء محمول
(والآلة الحدباء هى النعش)
فيجر هذا بدوره بيتا لأبى العلاء المعرى (على ما أذكر) يقول:
ما كل نطقٍ له جوابٌ
جوابُ ما تكره السكوتُ
واعجبنْ لامرؤ ظلوم
مستيقن أنه يموتُ
فأقول للمعرى، عندك حق فى العجب، لكنك أخطأت حين تصورت أن هذا الظالم، الذى قد تصل به غفلته أن يمارس ظلمه من خلال هذه الإهانات ، حقيقة أو مجازا، باستباح أقفية الناس، يمكن أن يستيقن أنه يموت أصلا.
أحاول أن أجرجر نفسى للموضوع الأصلى عن علاقة “قفا المصريين” بالسياسة فأجد التعتعة قد قاربت الانتهاء، فأكتفى بتذكرة القارئ – تمهيدا لتعتعة قادمة – بروعة الفصحى وهى تستعمل القفا مجازا ونحن نقرأ هذا الحوار بين سليمان الناجى وابنه “سماحة” فى ملحمة الحرافيش (نجيب محفوظ) ” ص 142″
– ماذا تعلمون عن لعنة العمر؟
فيقول سماحة
– إنه ينقلب نعمة بين أحضان الراحة
فيعقب سليمان
– ويطمع الآخرون فينا، ما أبغض “قفا الحياة”
ياه!! هل للحياة قفا ؟؟
فلماذا يا شيخنا لم تبلغ المسئولين بعض ذلك؟
الآن الشعب قد تجمع حول نفسه خشية الصفعة التالية؟
ثم: أوَ لم يبلغ هؤلاء المسئولين التعبير المجازى الآخر أن “ردّ قفا”يعنى هرِم، أى بلغ من العمر عتيا، يقول شاعر آخر لا أذكر اسمه:
إن تلقَ ريبَ المنايا أو تـُرد أذى
لا أبكِ منك على دين ولا حسب
أليس لهذا أيضا علاقة بالسياسية جدا؟