الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى أحلام فترة النقاهة (حلم 51)، (حلم 52)

قراءة فى أحلام فترة النقاهة (حلم 51)، (حلم 52)

“يومياً” الإنسان والتطور

24-4-2008

العدد: 237

قراءة فى أحلام فترة النقاهة

(حلم 51)، (حلم 52)

حلم‏ 51

وقف القطار دون وجود محطة فتساءلت صاحبتى عن السبب ولكنى لم أدر كيف أجيبها.

واذا بكتائب من الجيش تطوقه فتقتحمه شاهرة أسلحتها وساقت الى الخارج كثيرين من ضباط الجيش الذين كانوا بالقطار وعددا محدودا من المدنيين. وقبض علىّ فيمن قبض عليهم فتركت صاحبتى منزعجة خائفة. وجدنا أنفسنا فى صحراء. أمرنا الجنود المسلحون بخلع بدلنا والبقاء بملابسنا الداخلية، ولكنهم وضعوا العسكريين فى ناحية والمدنيين فى ناحية، واخذنا نتهامس أننا ضعنا وانتهى الأمر.

وجاء قائد الجنود ونادى علينا كل واحد باسمه. وتساءل صوت منا

– هل تقتلوننا بلا محاكمة؟

– فأجاب القائد بصراحة:

– الامر لا يحتاج الى محاكمة

وتحرك القطار فتذكرت صاحبتى.

القراءة

هذا حلم آخر من الأحلام التى تفرض نفسها لنقرأها رمزا لم يعد له ضرورة أن ينوب عن الموضوع الأصلى، تفرض مثل هذه القراءة المرموزة نفسها على الناقد، وربما تسحبت الكتابة إلى الكاتب بنفس الطريقة، أى : فرضت نفسها فرضا

الذى عاش هذه الفترة مثلى ومثله لا يتردد فى قراءة هذا الحلم قراءة مباشرة.

كان القطار قد توقف بنا فعلا، دون وجود أى أمل فى قيام بعد هذه الوقفة، إذن فهى ليست محطة يتوقف فيها قطار يجدد ركابه، وقد يتزود بوقود، أو يراجع خط سيره، ثم يقوم من جديد، التوقف هنا عجز عن الحركة، لا أكثر، كان الحال قد وصل إلى التوقف التام حتى راح كل الناس يعرفون أن شيئا ما لا بد أن يحدث وإلا..، الفترة ما بين حريق القاهرة فى يناير وحركة يوليو فى يوليو كانت وقفة لم تنجح فى استثمارها تغيير الوزارات (حسين سرى باشا، نجيب الهلالى باشا، ..إلخ)، ولا إشاعات تغييرالحاشية أو تطهيرها، ولا محاولات فى دهاليز انتخابات نادى الضباط، ولا أصوات المعارضة الحقيقية بعد أن استبعد حزب الأغلبية كالعادة، ولا هتافات وتهديدات وتجاوزات الإخوان، حين وقف القطار هكذا لنفاد الوقود، أو غباء السائق أو سلبية الركاب انتهزت الفرصة كتائب الجيش، وتحوطته واقتحمته، ثم فصلت من فصلت من الجيش، ليتبين أن ذلك لم يكن ليعود القطار إلى سيره، وإنما تأمينا للكتائب التى اقتحمت، أما المدنيين القلة فقد تكون إشارة لأن المدنيين لم يكن لهم دور مباشر فى تسيير الأمور، ومع ذلك فقد استبعدت كتائب الجيش المقتحمة كلا من القلة والكثرة المنسحبة عن المشاركة على حد سواء،

برغم أن أغلب هذه الكثرة ربما تصورت أنها وقفة فى محطة لتجديد الركاب ومراجعة المسار فرحَّبت بالوقفة من حيث المبدأ، بل وبالهجمة والتطويق قبل أن تتبين، بعد فترة ليست طويلة، أنه لم تكن ثمة محطة أصلا.

مضطر اضطرارا أنا أن أرى صاحبته تلك هى “مصر” (برغم تحفظى المتكرر على مثل ذلك)، مصر الحقيقية كانت منزعجة فعلا برغم الحماس المبدئى، وإرهاصات احتمال تحقيق الحلم. سُحِبت الأرض من تحت الجميع، انهارت الحياة المدنية كأصل فى تجديد الركاب ومراجعة المسار، حُلَّت الأحزاب، واستُبعد أصحاب المصلحة من المشاركة فى القرار، وضاعت المعالم فهى الصحراء “ضعنا وانتهى الامر

عادة ما تلحق الثورات- أو حتى الحركات التى تثورت- مرحلة دستورية قانونية تستوعب نتائجها، فالعدل هو الحل، والمحاكمات قادرة على أن تفرز الخونة من الأبرياء.

ما هذا التخريف بالله عليك؟

الحلم ينتهى كما انتهى الأمر الواقع، وكما يمكن أن ينتهى حالنا هنا والآن، برغم أن العساكر يلبسون حللا مدنية،

هل يمكن أن نقرأ نهاية الحلم باعتبارها أحوالنا “الآن”:

وتساءل صوت منا

– هل تقتلوننا بلا محاكمة؟

– فأجاب القائد بصراحة:

– الامر لا يحتاج الى محاكمة

لكن القطار تحرك

تحرك وتركهم فى الصحراء ينتظرون القتل بلا محاكمة

أين صاحبته؟

هل هى بداخل القطار، وقد تحرك بها إلى المجهول؟

أم أنها تسللت من وراء هؤلاء وأولئك تبحث عن وسيلة أخرى تنقلها إلى ما تستأهله؟

تذكر صاحبنا صاحبته بعد حركة القطار، تُرى ماذا سيفعلون بها؟

إن كانت ما زالت بداخله

فإلى أين؟

يا رب سترك!

 إن كانت قد نجحت فى الهرب للاستعداد أو لإنقاذ الممكن؟ فهى تنادينا لنقوم بدورنا الآن وليس بعد،

وإلا..

فالأمر لا يحتاج إلى محاكمة

* * *

حلم‏ 52

دعينا‏ ‏إلى ‏اجتماع‏ ‏فى ‏حديقة‏ ‏الأزبكية‏. ‏وهناك‏ ‏طرح‏ ‏علينا‏ ‏اقتراح‏ ‏بتكريم‏ ‏أستاذنا‏ ‏الجليل‏ ‏بمناسبة‏ ‏مرور‏ ‏مائة‏ ‏عام‏ ‏على ‏مولده،‏ ‏ولم‏ ‏يتحمس‏ ‏أحد‏، ‏ولكن‏ ‏لم‏ ‏يبد‏ ‏أحد‏ ‏منا‏ ‏اعتراضه‏. ‏واتفق‏ ‏على ‏أن‏ ‏يتم‏ ‏التكريم‏ ‏فى ‏وزارة‏ ‏الخارجية‏ ‏التى ‏قضى ‏فيها‏ ‏زهرة‏ ‏عمره‏ ‏وأنجز‏ ‏أكبر‏ ‏مآثره‏.‏

وفى ‏اليوم‏ ‏الموعود‏ ‏ذهبت‏ ‏مبكرا‏ ‏لأتفقد‏ ‏المكان‏ ‏واتجهت‏ ‏من‏ ‏فورى ‏إلى ‏البهو‏ ‏المختار‏، ‏كان‏ ‏أنيقا‏ ‏مهيبا‏ ‏كعادته‏ ‏ولكن‏ ‏ازدان‏ ‏هذه‏ ‏المرة‏ ‏بوجود‏ ‏الفتيات‏ ‏الحسان‏ ‏اللائى ‏عشقهن‏ ‏على ‏مدى ‏العمر‏.‏

جئن‏ ‏فى ‏زى ‏موحد‏ ‏ليقمن‏ ‏بالخدمات‏ ‏المطلوبة‏ ‏وقد‏ ‏اكتسين‏ ‏برونق‏ ‏الشباب‏ ‏الريان‏، ‏خفق‏ ‏قلبى ‏بشدة‏ ‏وتحيرت‏ ‏بين‏ ‏نداءات‏ ‏الحسن‏ ‏وجاء‏ ‏قلبى ‏بأقصى ‏قدراته‏ ‏من‏ ‏الحب‏. ‏وجاش‏ ‏صدرى ‏بالمعانى ‏التى ‏سألقيها‏ ‏فى ‏خطاب‏ ‏التكريم‏.‏

القراءة

حضرنى أورليانو من مائة عام من العزلة الذى كان له فى كل موقع (وموقعة) خليلة، وأولاد منها يشبهونه بشكل أو بآخر.

هذه الحياة الحافلة فى الخارج، التى صاحبت كل هؤلاء الحسان، الذين ظلوا حسانا وشابات برغم أن صاحبهم قد بلغ المائة، العلاقات – ربما مثل أورليانو على ما أذكر – كانت لحساب أرليانو أكثر مما كانت لحساب أحد آخر، ربما كانت الانتصارات كذلك، هل هذا هو سبب عدم الحماس لإقامة حفل التكريم بعد هذا العمر المديد (مائة عام، ليست بالضروة من العزلة)، عزلة الأستاذ الجليل الرئيس عن الناس واردة،  برغم وفرة من عشقهن طوال رحلاته التى أنجز خلالها أكبر مآثره، لم  يقل لنا الحلم ما هى أكبر مآثره، وهل كان فتور الحماس لأن مأثره هذه قد اقتصرت على مكاسبه الذاتية وملذاته وغزواته الخاصة التى تتمثل فى هؤلاء الحسان اللاتى لم يستطع الزمن أن يلمس محاسنهن، فظللن يكتسين برونق الشباب الريان؟

كيف استطاع صاحبنا هكذا، وبكل بساطة أن يجعل قلبه يأتى، أقصى قدراته من الحب، وكأنه يدير ماكينة عواطف التكريم؟ كيف أزاح الحقد الطبيعى المنتظر فى مثل هذا الموقف، وهو الذى قد يفسر عدم الحماس لفكرة تكريمه رغم أنه أستاذهم؟ وهل الاجتماع فى حديقة الأزبكية، فى حين أن الحفل يقام فى بهو وزارة الخارجية يعلن اختلاف الانتماء بين المحتفلين والمحتفى به، فهم ينتمون إلى بلدهم، وهو يمارس حياته الزاخرة اللذيذة فى الخارجية مع من يتمتع بهن من صاحبات الشباب الدائم والحسن المتجدد؟

 أن تحب غير أن تستحضر أقصى قدرات قلبك من الحب،

كما يبدو أن المعانى التى سيلقيها صاحبنا فى خطاب التكريم ليست تلقائية برغم أن صدره قد جاش بها!!

فبدا لى أنه “يسِّمعها” لنفسه حتى لا يخطئ ويقول ما كان يجب أن يقال،

وليس ما أعدّه ليقال:

ما دام الأمر كذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *