الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / إحياء ديالكتيك النمو : (مدخل محدود من كتاب قديم: مقدمة فى العلاج الجمعى 1978)

إحياء ديالكتيك النمو : (مدخل محدود من كتاب قديم: مقدمة فى العلاج الجمعى 1978)

نشرة “الإنسان والتطور”

1-6-2011

السنة الرابعة

العدد: 1370

إحياء ديالكتيك النمو

 (مدخل محدود من كتاب قديم: مقدمة فى العلاج الجمعى 1978)

مقدمة:

نشرة أمس: اكتشفت وأنا أراجعها، كم كانت نشرة صعبة فعلا..، جدا، خاصة مع تكرار أن هذا العلاج هو بمثابة “إحياء ديالكتيك النمو!!!! تصورت لو أننى قلت هذا التعبير لأى من أفراد مجموعات قصر العينى، التى هى مصدر معرفتى عن هذا العلاج(1) لأى فرد فى المجموعة، ونحن نعقد الاتفاق المبدئ العلاجى (preliminary contracting) فهل أكون عاقلا اصلا، ناهيك عن كونى معالجا أو طبيبا نفسيا، وقد ذكرت سالفا أن أغلبهم يقرأ يكتب أو لا يفك الخط، وهذا ما أعطى التجربة عمقها ونكهتها.

ليس هذا فحسب، بل إننى أعتقد أن مجرد استعمال هذا التعبير “إحياء ديالكتيك النمو” هو مرفوض أصلا فى أى مؤتمر علمى تقليدى يمكن أن يلصق بى تهمة الهرطقة، أو على الاقل التفلسف، أو على أحسن الفروض الغموض.

فكيف بالله عليكم تصدر نشرة أمس، فى موقع عام، يتكرر هذا التعبير بهذا الإلحاح الذى ورد هكذا.

من أهم ما طمأننى إلى سلامة فهمى نسبيا لموضوع الديالكتيك (الجدل) هو ما قرأته يوما فى مجلة “فصول” (المتخصصة فى النقد الأدبى) عن أن الحديث او الكتابة فى الديالكتيك هى ضد الديالكتيك، من لا يفهم هذه الجملة لا يمكن أن يعرف ما هو الديالكتيك

رجعت إلى علاقتى بالتطور ومعلوماتى وتنظيرى فيه، لأتبين أكثر فأكثر أن الذى حفظ بقاء الواحد فى الألف من الأحياء عبر التاريخ الحيوى كله هو أن هذه الأحياء التى بقيت قد مارست الديالكتيك دون أن تعى ما هو، (ناهيك عن أن تكتب عنه فى دورية علمية أو مرجع فلسفى أو مجلة نقدية، أنا لا أمزح)

إذا كانت الكتابة عن الديالكتيك عموما هى ضده، فما العمل؟

هل نمارسه صامتين؟

هل نعايشه دون تسميته (ونحن نستعبط) لعلنا ننجح كما نجح أسلافنا؟

هل نركز على تقييم ناتجه دون فتح ملف تنظيره (كما حدث ويحدث فى هذا العلاج الجمعى الذى أمارسه، وهو الذى تورطت بالوعد بالكتابة عنه كما طلبت منى ابنتى مؤخرا)؟

رجعت إلى هذا الكتيب المفاجأة، فوجدت أن ما جاء بعد فصل علاقة هذا العلاج بالفلسفة (ص149 إلى ص185) مباشرة ما يشير إلى الأسس العامة لنظريتى فى النمو البشرى (وربما النمو عامة)، قلت لعل الصعوبة تخف قليلا أو كثيرا إذا بدأنا بتوضيح رؤيتى لمسيرة النمو منذ كتابة هذا العمل (1976).

وهذا بعض ما جاء فى بداية الجزء الثانى من هذا الكتيب، وهو ليس له علاقة “مباشرة” بالعلاج الجمعى وعنوانه: “فى ‏النظرية‏ ‏والأداة‏ ‏البشرية”

مقدمة:

لاشك‏ ‏أنه‏ ‏قد‏ ‏يسئ‏ ‏إلى ‏أى ‏فكر‏ ‏أن‏ ‏يقدم‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏العجالة‏ ‏بهذا‏ ‏الإيجاز، ‏ولكن‏ ‏قد‏ ‏يسء‏ ‏إلى ‏صاحبه‏ ‏أكثر‏ ‏وإلى ‏الناس‏ ‏ألا‏ ‏يظهر‏ ‏أصلا، ‏وإذا‏ ‏كنت‏ ‏قد‏ ‏أشرت‏ ‏إلى ‏بعض‏ ‏الأسس‏ ‏النظرية‏ ‏التى ‏أثرت‏ ‏فى ‏طريقة‏ ‏العلاج‏ ‏الجمعى ‏الذى ‏أقوم‏ ‏به‏ ‏فى ‏الجزء‏ ‏الأول‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏الكتيب‏… ‏فقد‏ ‏أحسست‏ ‏أنى ‏لابد‏ ‏وأن‏ ‏أرسم‏ ‏الخطوط‏ ‏العامة‏ ‏التى ‏تحدد‏ ‏فكرى ‏من‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏جانب‏ ‏وأنا‏ ‏أقدم‏ ‏هذا‏ ‏الجزء‏ ‏الثانى ‏لأكمل‏ ‏فهرست‏ ‏بعض‏ ‏مايشغلنى، ‏وبما‏ ‏أن‏ ‏الكتيب‏ ‏كما‏ ‏أشرت‏ -وكما‏ ‏شرح‏ ‏مصدره‏ ‏الدكتور‏ ‏رفعت‏ ‏محفوظ‏- ‏ليس‏ ‏إلا‏ ‏مقدمة‏ ‏عجلى ‏لما‏ ‏سيأتى ‏بعده، ‏وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏هو‏ ‏إلزام‏ ‏بأن‏ ‏يأتى ‏بعده‏ التفاصيل اللازمة ‏فى ‏حينها (2)‏ فإنى ‏سأقوم‏ ‏هنا‏ ‏بإيضاح‏ ‏بعض‏ ‏جوانب‏ ‏فكرى ‏النظرى ‏أساسا‏ ‏مع‏ ‏بعض‏ ‏الارتباطات‏ ‏التطبيقية‏ ‏فى ‏أقل‏ ‏نطاق‏ ‏ممكن‏.‏

الخطوط‏ ‏العامة

أولا‏: ‏الأسس‏ ‏المبدئية‏:

لكل‏ ‏فكر‏ ‏مصادره‏ ‏الواعية‏ ‏التى ‏بنى ‏عليها‏ ‏نسقه، ‏فلا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يبدأ‏ ‏فكر‏ ‏من‏ ‏فراغ، ‏ولكن‏ ‏علمنا‏ ‏بوجه‏ ‏خاص‏ ‏له‏ ‏مصادر‏ ‏واعية‏ ‏ومصادر‏ ‏غير‏ ‏واعية، ‏وهى ‏جميعا‏ ‏تؤثر‏ ‏مباشرة‏ ‏على ‏الممارسة‏ ‏وعلى ‏التنظير‏ ‏معا، ‏وقد‏ ‏أشرت‏ ‏إلى ‏هذا‏ ‏الأمر‏ ‏فى ‏الجزء‏ ‏الأول‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏الكتيب‏ ‏ولكنى ‏هنا‏ ‏أقول‏ ‏أن‏ ‏على ‏كل‏ ‏منظر‏ ‏أن‏ ‏يسعى ‏إلى ‏توضيح‏ ‏مصادر‏ ‏فكره‏ ‏من‏ ‏خارج‏ ‏ومن‏ ‏داخل‏ ‏ما‏ ‏أمكن، ‏حتى ‏يتيح‏ ‏للمتلقى ‏أن‏ ‏يقف‏ ‏منه‏ ‏موقفا‏ ‏مختارا‏ ‏يأخد‏ ‏ما‏ ‏يريد‏ ‏ويدع‏ ‏ومايشاء‏..، ‏ولن‏ ‏أستطرد‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الجزء‏ ‏لذكر‏ ‏المصادر‏ ‏الذاتية‏ ‏التى ‏أوضحت‏ ‏بعضها‏ ‏فى ‏الحديث‏ ‏عن‏ ‏نشأة‏ ‏هذه‏ ‏الطريقة‏ ‏فى ‏العلاج‏ ‏الجمعى، ‏وسأكتفى ‏هنا‏ ‏بتعداد‏ ‏بعض‏ ‏الأسس‏ ‏المبدئية‏ ‏التى ‏يستند‏ ‏عليها‏ ‏فكرى ‏أصلا‏.‏

‏1- ‏تمثل‏ ‏نظرية‏ ‏التطور، (‏النشوء‏ ‏والارتقاء‏) ‏دعامة‏ ‏أساسية‏ ‏فى ‏وجودى ‏وتفكيرى ‏معا‏. ‏وبغير‏ ‏وضوح‏ ‏هذه‏ ‏النظرية‏ ‏فى ‏عقل‏ ‏ووجدان‏ ‏أى ‏متلق‏ ‏فإنه‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يتواصل‏ ‏مع‏ ‏فكرى، ‏بل‏ ‏فى ‏اعتقادى ‏أنه‏ ‏يفتقد‏ ‏الكثير‏ ‏وهو‏ ‏يتواصل‏ ‏مع‏ ‏أى ‏فكر‏ ‏بل‏ ‏وربما‏ ‏أى ‏علم، ‏وبالرغم‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏النظرية، ‏التى ‏ترجع‏ ‏حديثا‏ ‏إلى “‏داروين”‏ و “‏ولاس”‏ ‏معا، ‏تكاد‏ ‏تفرض‏ ‏نفسها‏ ‏على ‏كل‏ ‏فكر‏ ‏فى ‏عديد‏ ‏من‏ ‏فروع‏ ‏العلم‏ ‏حتى ‏لتكاد‏ ‏تبدو‏ ‏كالبديهية، ‏إلا‏ ‏أنها‏ -ولابد‏ ‏من‏ ‏التسليم‏- ‏لا‏ ‏تزال‏ ‏فرضا‏ ‏قويا‏ ‏ليس‏ ‏إلا‏ … (‏حتى ‏يرتاح‏ ‏المهاجمون‏ ‏والخائفون‏ ‏معا‏)، ‏ولكن‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يفهم‏ ‏علمنا‏ ‏هذا‏ -‏الطب‏ ‏النفسى- ‏دون‏ ‏إيمان‏ ‏بهذا‏ ‏الفرض، ‏والمتصفح‏ ‏لأى ‏كتاب‏ ‏فى ‏علم‏ ‏تشريح‏ ‏الجهاز‏ ‏العصبى ‏المقارن‏ ‏لابد‏ ‏وأن‏ ‏يتساءل‏ ‏كيف‏ ‏يمكن‏ ‏فهم‏ ‏تطور‏ ‏الجهاز‏ ‏العصبى ‏دون‏ ‏إيمان‏ ‏بهذه‏ ‏النظرية، ‏فإذا‏ ‏انتقلنا‏ ‏إلى ‏الفليسوف‏ ‏عالم‏ ‏الأعصاب، ‏هوجلج‏ ‏جاكسون‏ ‏وما‏ ‏أضافه‏ ‏فى ‏علم‏ ‏الأعصاب‏ ‏والأمراض‏ ‏النفسية‏ ‏نجد‏ ‏أنه‏ ‏يستحيل‏ ‏أن‏ ‏نفهم‏ ‏نظرته‏ ‏ونظرياته‏ ‏دون‏ ‏الإيمان‏ ‏بالنشوء‏ ‏والارتقاء، ‏وأخيرا‏ ‏فإن‏ ‏فرويد‏ -مثلا‏- ‏لم‏ ‏ينس‏ ‏الرجوع‏ ‏إلى‏ ‏هذه‏ ‏النظرية‏ … ‏ولكنه‏ ‏لم‏ ‏يستطع‏ ‏الغوص‏ ‏إلى ‏نبضها‏ ‏وغلب‏ ‏على ‏فكرة‏ ‏أخيرا‏ ‏الاهتمام‏ ‏بخبرات‏ ‏الطفولة‏ “‏الفردية‏” ‏أساسا‏.. ‏ولكن‏ ‏تصورى ‏أنه‏ ‏بغير‏ ‏التحام‏ ‏فكره‏ ‏أصلا‏ ‏بهذا‏ ‏البعد‏ ‏البيولوجى -‏الذى ‏أخذه‏ ‏عليه‏ ‏تلامذته‏ ‏المحدثون‏ ‏فيما‏ ‏بعد‏- ‏ماكان‏ ‏ليصل‏ ‏إلى ‏ماوصل‏ ‏إليه‏ ‏على ‏المستوى ‏الفردى‏..‏

وقد‏ ‏سار‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الاتجاه‏ ‏التطورى ‏مباشرة‏ ‏كثيرون، ‏من‏ ‏أول‏ ‏ساندور‏ ‏رادو‏ ‏وهنرى ‏إى ‏حتى ‏أو‏ ‏بنهايم‏ ‏والمدرسة‏ ‏المسماة‏ ‏بالطب‏ ‏النفسى ‏البيولوجى ‏برمتها، ‏والذى ‏يقرأ‏ ‏الفقرة‏ ‏السابقة‏ ‏يلاحظ‏ ‏أنى ‏ذكرت‏ ‏كلمة‏ “‏الإيمان‏” ‏بهذا‏ ‏الفرض‏ ‏وليس‏ ‏مجرد‏ ‏معرفته، ‏ولم‏ ‏أذكرها‏ ‏اعتباطا‏ ‏لأنى ‏لاحظت‏ ‏فى ‏تدريسى ‏أن‏ ‏من يعرف‏ ‏هذه‏ ‏النظرية‏ ‏تمام‏ ‏المعرفة‏ ‏غير‏ ‏من‏ ‏يؤمن‏ ‏بها‏ ‏حتى ‏يعايش‏ ‏التناسق‏ ‏التى ‏تحتويه‏ ‏فى ‏كل‏ ‏فكر‏ ‏وفى ‏كل‏ ‏رؤية‏ ‏وفى ‏كل‏ ‏تفسير، ‏فالأول‏ ‏يحفظ‏ ‏أشياء‏ ‏تفسر‏ ‏له‏ ‏ظواهر‏ ‏والثانى ‏يغوص‏ ‏إلى ‏وجود‏ ‏ممتد‏ ‏ينسق‏ ‏فكرة‏ ‏ويمتد‏ ‏به‏ ‏دائما‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏قبل، ‏وإلى ‏ما‏ ‏بعد، ‏وجوده‏ ‏الزمنى ‏الضئيل، ‏وحين‏ ‏كنت‏ ‏أناقش‏ ‏من‏ ‏يزعم‏ ‏الإيمان‏ ‏بهذه‏ ‏النظرية‏ ‏عما‏ ‏تعنى ‏بالنسبة‏ ‏لحياته‏ ‏الخاصة‏ (‏مثلا‏ ‏بالنسبة‏ ‏لتنظيم‏ ‏وقته‏ ‏وعلاقاته‏ ‏واهتماماته‏ ‏فى ‏الحياة‏) ‏ويعجز‏ ‏عن‏ ‏أن‏ ‏يجد‏ ‏ارتباطا‏ ‏مباشرا‏ ‏بين‏ ‏هذا‏ ‏وذاك‏ ‏كنت‏ ‏أدرك‏ ‏مدى ‏بعده‏ ‏عن‏ ‏التجاوب‏ ‏مع‏ ‏فكرى ‏الذى ‏أريد‏ ‏أن‏ ‏أقدمه‏ ‏له، ‏وقد‏ ‏وجدت‏ ‏أن‏ ‏الصعوبة‏ ‏فى ‏الإيمان‏ ‏بهذه‏ ‏النظرية‏ (‏بديلا‏ ‏عن‏ ‏معرفتها‏) ‏تكمن‏ ‏أساسا‏ ‏فى ‏العجز‏ ‏عن‏ ‏إدراك‏ “‏وحدة‏ ‏الزمن‏” ‏التى ‏تتكلم‏ ‏بها‏ ‏هذه‏ ‏النظرية‏.‏

فعمر‏ ‏التطور‏ ‏مثلا‏ ‏يرجع‏ ‏إلى ‏حوالى ‏خمسة‏ ‏ألاف‏ ‏مليون‏ ‏سنة‏ ‏حسب‏ ‏آخر‏ ‏رأى ‏وظهور‏ ‏فصيلة‏ ‏الإنسان‏ ‏والقردة‏ ‏العليا‏ ‏احتاج‏ ‏إلى 4.5 – 5 ‏ملايين‏ ‏من‏ ‏السنين، ‏ونشأة‏ ‏اللغة‏ ‏بدأت‏ ‏منذ‏ ‏حوالى ‏مابين‏ 50.000 ‏إلى 500.000 ‏سنة‏ ‏حسب‏ ‏مختلف‏ ‏التقديرات(3).. ‏الخ‏ ‏وكل‏ ‏هذه‏ ‏الأرقام‏ ‏قد‏ ‏يسهل‏ ‏قرائتها‏ ‏والنقاش‏ ‏بها‏ ‏ولكن‏ ‏قد‏ ‏يستحيل‏ ‏تصورها‏ ‏بنفس‏ ‏الوحدة‏ ‏الزمنية‏ ‏التى ‏أعتدنا‏ ‏التعامل‏ ‏بها‏ ‏فى ‏حياتنا‏ ‏اليومية‏.‏

أما‏ ‏المصدر‏ ‏الثانى ‏للصعوبة‏ ‏فهو‏ ‏التهديد‏ ‏الذى ‏يحمله‏ ‏الإيمان‏ ‏بهذه‏ ‏النظرية‏ ‏وهى -‏لا‏ ‏محالة‏- ‏خطورة، ‏أو‏ ‏ضرورة، ‏الارتقاء‏ ‏وبالتالى ‏فإن‏ ‏الكائن‏ ‏الفرد‏ ‏العادى ‏يواجه‏ ‏هذه‏ ‏الخطورة‏ ‏كتهديد‏ ‏لنوعه‏ ‏الحالى ‏وهو‏ ‏بالتالى ‏يقاومه‏ ‏تمام‏ ‏المقاومة‏ ‏حفا‏ظا ‏على ‏بقائه‏ ‏العرضي‏…‏

وهنا‏ ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏نشير‏ ‏إلى ‏طبيعة‏ ‏التطور‏ ‏وأنه‏ ‏يشمل‏ ‏الحفاظ‏ ‏على ‏النوع‏ ‏وتطوره‏ ‏فى ‏آن‏ ‏واحد، ‏وأن‏ ‏قوانينه‏ ‏عرضية‏ ‏كما‏ ‏هى ‏طولية‏ ‏فى ‏آن‏ ‏واحد‏ ‏أيضا، ‏وبدون‏ ‏تفصيل‏ ‏نقول‏ ‏أن‏ ‏الفيروس‏ ‏والأميبيا‏ ‏مازالا‏ ‏حتى ‏يومنا‏ ‏هذا‏ ‏يحافظان‏ ‏على ‏نوعهما‏ ‏رغم‏ ‏أن‏ ‏الإنسان‏ ‏تطور‏ ‏منهما‏ (‏أو‏ ‏من‏ ‏أولاد‏ ‏عمومتها‏ !!)، ‏واستيعاب‏ ‏هذا‏ ‏التناقض‏ ‏وحده يمثل‏ ‏صعوبة‏ ‏جديدة‏…. ‏فما‏ ‏بالك‏ ‏إذا‏ ‏انتقل‏ ‏إلى ‏تهديد‏ ‏مباشر‏ ‏للكيان‏ ‏البشرى ‏للفرد ‏بمجرد‏ ‏وعيه‏ ‏لدرجة‏ ‏الإيمان‏ ‏بهاتين‏ ‏الضرورتين‏ ‏المتناقضتين‏ ‏فى ‏آن‏ ‏واحد‏.‏

وحين‏ ‏أذكر‏ ‏أن‏ ‏التطور‏ ‏البيولوجى ‏هو‏ ‏الأساس‏ ‏الأول‏ ‏لفكرى ‏النظرى، ‏فإنى ‏لا‏ ‏أشير‏ -إذن- ‏إلى ‏تفاصيل‏ ‏فرض‏ ‏قوى ‏فرضه‏ ‏داروين‏ ‏وغيره‏ ‏فحسب، ‏ولكنى ‏أؤكد‏ ‏ارتباط‏ ‏الوعى ‏الإيمانى ‏به‏ ‏بالارتباط‏ ‏بجذور‏ ‏الوجود‏ ‏الممتدة‏ ‏إلى ‏ماقبل‏ ‏النبض‏ ‏الحيوى ‏البروتوبلازم‏ ‏وكذلك‏ ‏ارتباط‏ ‏اليقين‏ ‏الاستشعارى ‏الذى ‏يتحسس‏ ‏تناسق‏ ‏التكامل‏ ‏المستقبلى ‏إذ‏ ‏يتفق‏ ‏مع‏ ‏نظام‏ ‏الكون‏ ‏الأكبر‏ … ‏بالممارسة‏ ‏اليومية‏ ‏لمشاكل‏ ‏النفس‏ ‏فى ‏سوائها‏ ‏واضطرابها‏.‏

ويعتبر‏ ‏انتقال‏ ‏العادات‏ ‏المكتسبة‏ ‏بالوراثة‏ (من هربرت سبنسر إلى الهندسة الوراثية الحديثه) ‏جزء‏ ‏هام‏ ‏من‏ ‏نظرية‏ ‏التطور‏ ‏كما‏ ‏وصلتنى، ‏وهو‏ ‏محدد‏ ‏لطبيعة‏ ‏تفكيري‏.‏

‏2- ‏حتمية‏ ‏ارتباط‏ ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏ ‏ومفهوم‏ ‏النفس‏ ‏بالصفات‏ ‏الحيوية‏ ‏للمادة‏ ‏الحية‏ ‏عامة، ‏وبالجهاز‏ ‏العصبى ‏خاصة، ‏أساسية‏ ‏فى ‏تنظيرى، ‏وذلك‏ ‏مع‏ ‏الاحتفاظ‏ ‏بفكرة‏ ‏التميز‏ ‏الوظيفى ‏الذى ‏تتصف‏ ‏به‏ ‏الكائنات‏ ‏العليا‏ ‏جنبا‏ ‏إلى ‏جنب‏ ‏مع‏ ‏بقايا‏ ‏ضرورة‏ ‏التجاوب‏ ‏الكلى ‏الذى ‏تتميز‏ ‏به‏ ‏الكائنات‏ ‏الدنيا‏ (‏مادام‏ ‏الإنسان‏ ‏لم‏ ‏يبلغ‏ ‏مرحلة‏ ‏التكامل‏ ‏بعد، ‏تلك‏ ‏المرحلة‏ ‏التى ‏تتآلف‏ ‏فيها‏ ‏هاتين‏ ‏الخاصيتين‏ ‏فى ‏خاصية ولافية ‏عليا‏). ‏وعلى ‏ذلك‏ ‏فإن‏ ‏تحديد‏ ‏الوظائف‏ ‏تحديدا‏ ‏تشريحيا‏ ‏فى ‏خلايا‏ ‏المخ‏ ‏هو‏ ‏أعجز‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏يلم‏ ‏بطبيعة‏ ‏الوظائف‏ ‏النفسية، ‏كما‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏العجز‏ ‏فى ‏ذاته‏ ‏ليس‏ ‏مبررا‏ ‏لتصور‏ ‏أنها‏ ‏ليست‏ – ‏إذا‏ – ‏من‏ ‏وظائف‏ ‏المخ، ‏وفى ‏تقديرى ‏أن‏ ‏مايحل‏ ‏هذا‏ ‏الإشكال‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏للوظيفة‏ ‏النفسية‏ “‏مدى ‏ونسقا‏ Extent & Organization ‏وليس‏ ‏موضعا‏ “Locality، ‏وأن‏ ‏هذا‏ ‏المدى ‏ليس‏ ‏كميا‏ ‏فحسب، ‏بل‏ ‏له‏ ‏نسقه‏ ‏المنتشر‏ ‏وطرق‏ ‏ترابطه‏ ‏الخاصة، ‏ومن‏ ‏خلال‏ ‏هذا‏ ‏المفهوم‏ ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏يعاد‏ ‏النظر‏ ‏فى ‏المعطيات‏ ‏الجزئية‏ ‏التى ‏أغرت‏ ‏البعض‏ ‏بتحديد‏ ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏ ‏تحديدا‏ ‏يشبه‏ ‏تحديد‏ ‏وظائف‏ ‏الحس‏ ‏والحركة‏.. ‏وأنا‏ ‏لا‏ ‏أرفض‏ ‏هذه‏ ‏المعطيات‏ ‏الجزئية‏ ‏ولكنها‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏تعتبر‏ ‏جزءا‏ ‏من‏ ‏الكل‏ ‏الجديد‏ ‏بلغة‏ “‏المدي‏” ‏و‏ “‏النسق‏” ‏معا، ‏وهنا‏ ‏لابد‏ ‏من‏ ‏إشارة‏ ‏عابرة‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏الفصل‏ ‏بين‏ ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏ ‏هو‏ ‏فصل‏ ‏تعسفى ‏إذا‏ ‏بولغ‏ ‏فى ‏حقيقته‏ ‏أو‏ ‏إلزامه، ‏وأن‏ ‏وجهة‏ ‏النظر‏ ‏التى ‏ترتبط‏ “‏بالمدى ‏والنسق‏” ‏لابد‏ ‏وأن‏ ‏تشمل‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏وظيفة‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت، ‏وكأن‏ ‏أغلب‏ ‏الفصل‏ ‏بين‏ ‏الوظاءف‏ ‏النفسية‏ ‏كان فصلا‏ ‏لغويا فحسب بغرض ‏التواصل‏ ‏والتنسيق‏ ‏أكثر‏ ‏منه‏ ‏تعبيرا‏ ‏عن‏ ‏حقائق‏ ‏بيولوجية‏ ‏مستقلة‏ ‏بذاتها‏.‏

ولتوضيح‏ ‏هذا‏ ‏المفهوم‏ ‏الأشمل‏ ‏نورد‏ ‏هنا‏ ‏بعض‏ ‏ملامح‏ ‏إعادة‏ ‏النظر‏ ‏فى ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏ ‏بلغة‏ (‏المدى ‏والنسق‏) ‏مع‏ ‏الاعتذار‏ ‏عن‏ ‏عدم‏ ‏التفصيل، ‏فنقول‏ ‏إنه‏ ‏يمكن‏ ‏ترتيب‏ ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏ ‏حسب‏ ‏شمول‏ ‏مداها‏ ‏ووحدة‏ ‏نسقها‏ ‏ودرجة‏ ‏تميز‏ ‏تفاصيلها‏ ‏من‏ ‏الأهم‏ ‏إلى ‏الأخص‏ ‏رغم‏ ‏اختلاف‏ ‏طبيعة‏ ‏كل‏ ‏مجموعة‏ ‏كالتالى:‏

‏(‏أ‏) ‏الوظائف‏ ‏الوسادية‏ Matrix Functions ‏وهى ‏الدعامة‏ ‏الشاملة‏ ‏الأساسية‏ ‏أو‏ ‏الأرضية‏ ‏التى ‏تحدث‏ ‏داخل‏ ‏بقية‏ ‏الوظائف، ‏وأعنى ‏بها‏ ‏الشعور‏ Consciousness ‏والوعى Awareness (4)(‏وتشمل‏ ‏النوم‏ ‏كأحد‏ ‏صورها‏ … ‏إلخ‏).‏

‏(‏ب‏) ‏وظائف‏ ‏الطاقة‏ (‏أو‏ ‏الوظائف‏ ‏الدوافعة‏) Motivating Functions ‏وأعنى ‏بها‏ ‏الوظائف‏ ‏الدافعية‏ ‏أو‏ ‏بلغة‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏العام‏: ‏العواطف‏ ‏والانفعالات‏ ‏والدوافع‏ (‏والغرائز‏: ‏لمن‏ ‏يجرؤ‏ ‏على ‏استعمال‏ ‏هذه‏ ‏اللغة‏ ‏المضطهدة‏)، ‏أما‏ ‏بلغة‏ “‏نقط‏ ‏الانبعاث‏” Pace Maker ‏والكيانات‏ ‏النفسية‏ ‏فإن‏ ‏هذه‏ ‏المنطقة‏ ‏تشمل‏ ‏مختلف‏ ‏حالات‏ ‏الأنا‏ Ego States ‏أو حالات العقل Mental states بلغة علم الأعصاب المعرفى حيث كل‏ “‏حالة‏” هى قادرة على أن ‏تطلق‏ ‏طاقة‏ ‏خاصة‏ ‏لها‏ ‏معالم‏ ‏سلوكية‏ ‏محددة‏ ‏وتسير‏ ‏ارتباطات‏ ‏الواظائف‏‏ الأخرى والمستويات الأخرى.

‏(‏جـ‏) ‏وظائف‏ ‏الارتباط‏ ‏والتعبير‏ ‏والتواصل‏  Associative expressive & relating function ‏وأعنى ‏بها‏ ‏الوظائف‏ ‏التى ‏تشمل‏ ‏التعلم‏ ‏والتذكر‏ ‏والتفكير‏ ‏الترابطى ‏والتعبير‏ ‏اللغوي‏.. ‏إلخ‏. ‏وبنظرة‏ ‏سريعة‏ ‏إلى ‏هذا‏ ‏الترتيب‏ ‏نجد‏ ‏أن‏ ‏الوظيفة‏ ‏الأولى ‏أساسيا‏ ‏وشاملة‏ ‏لما‏ ‏بعدها‏ ( ‏الثانية‏ ‏والثالثة‏ ) ‏والوظيفة‏ ‏الثانية‏ ‏دافعة‏ ‏وباعثة‏ ‏لما‏ ‏بعدها، ‏والوظيفة‏ ‏الثالثة‏ ‏تفصيلية‏ ‏ومحدده.

ورغم‏ ‏ان‏ ‏هذا‏ ‏المجال‏ ‏لا‏ ‏سبيل‏ ‏فيه‏ ‏لتفصيل‏ ‏هذا‏ ‏الاستطراد‏ ‏إلا ‏انه‏ ‏ينبغى ‏ذكر‏ ‏ان‏ ‏هذا‏ ‏التميز‏ ‏الى ‏هذه‏ ‏المستويات‏ ‏المتداخلة‏ ‏يسبقه‏ ‏مرحلة‏ ” ‏لا‏ ‏تميز‏” ‏حيث‏ ‏تختلط‏ ‏فيها‏ ‏الوظائف‏ ‏ببعضها‏ البعض ‏ومثال‏ ‏ذلك‏ ‏الإدراك‏ ‏خارج‏ ‏نطاق‏ ‏الإحساس‏ Extra – Sensory Perception ‏فهو‏ ‏فى ‏شكله‏ ‏البدائى ‏وظيفة‏ ‏قبلية‏ ‏غير‏ ‏مميزة، (‏لذلك‏ ‏فإنى ‏أفضل‏ ‏تسميته‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏المرحلة‏ “Pre – sensory Perception”) أقول‏ ‏إن‏ ‏هذه‏ ‏الظاهرة‏ ‏تشمل‏ ‏الثلاث‏ ‏مستويات‏ “‏معا‏” ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يتميزوا‏ ‏ويتلاحقوا‏ ‏فهى ‏ظاهرة‏ ‏وسادية‏ (‏عامل‏ ‏الحدس‏ ‏فيها‏) ‏دوافعية‏ (‏شحنتها‏ ‏العاطفية‏ ‏الممتزجة‏) ‏ارتباطية‏ (‏مايميزها‏ ‏من‏ ‏إدراك‏) ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏.‏

وعلى ‏الطرف‏ ‏الآخر‏ ‏من‏ ‏تصاعد‏ ‏نمو‏ ‏هذه الوظائف نجد‏ ‏أن‏ ‏المرحلة‏ ‏التالية‏ ‏لهذا‏ ‏التمييز‏ ‏التلاحقى ‏هى ‏ولاف‏ ‏أعلى ‏يشمل‏ ‏الثلاث‏ ‏مستويات‏ ‏معا‏ ‏ولكن‏ ‏على ‏أرقى ‏نطاق‏ ‏وتشمل‏ ‏هذه‏ ‏المرحلة‏ ‏الوظائف‏ ‏الولافية‏ ‏مثل‏ ‏الإرادة‏ ‏والإبداع‏ (‏التفكير‏ ‏البعترابطىMeta associative Thinking).‏

وهكذا‏ ‏أردت‏ ‏أن‏ ‏أوضح‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏العجالة‏ ‏نموذج ‏للحديث‏ ‏بلغة‏ “‏المدى ‏والنسق‏” ‏بالنسبة‏ ‏للوظائف، ‏مع‏ ‏إشارة‏ ‏جانبية‏ ‏إلى ‏طبيعة‏ ‏مراحل‏ ‏النمو‏ ‏من‏ ‏اللاتميز‏ ‏إلى ‏التميز‏ ‏التلاحقى ‏الاحتوائى ‏إلى ‏الالتحام‏ ‏الولافى‏.‏

‏3- ‏العلاقات‏ ‏بين‏ ‏المستويات‏ ‏المختلفة‏ ‏فى ‏المخ‏ ‏علاقات‏ ‏دينامية‏ ‏ترابطية‏Dynamic correlative relations ‏وليست‏ ‏علاقات‏ ‏سببية‏ ‏خطية‏ Linear-causal relation (‏أو‏ ‏ميكانيكية‏) ‏وبالتالى ‏فإن‏ ‏مستويات‏ ‏المخ‏ (‏المقابلة‏ ‏لمستويات‏ ‏التطور‏) ‏إنما‏ ‏تتنافس‏ ‏وتتبادل‏ ‏وتتصارع‏ ‏وتتقابل‏ ‏بشكل‏ ‏متداخل‏ ‏ومركب‏ ‏بحيث‏ ‏تحتاج‏ ‏إلى ‏عمق‏ ‏صبور‏ ‏حتى ‏نُلم‏ ‏بطبيعة‏ ‏هذه‏ ‏العلاقات‏ ‏دون‏ ‏الاكتفاء‏ ‏بسطحية‏ ‏الارتباطات‏ ‏الظاهرة‏…‏

‏4- ‏إن‏ ‏تطور‏ ‏وظيفة‏ ‏المخ‏ – ‏ومن‏ ‏قبل‏ ‏تطور‏ ‏تركيبه‏ – ‏إنما‏ ‏يتم‏ ‏بانتقال‏ ‏العلاقة‏ ‏الدينامية‏ ‏الترابطية‏ ‏إلى ‏علاقة‏ ‏ديالكتيكية‏ ‏جدلية‏ ‏تبدأ‏ ‏بالتناقض‏ ‏وتنتهى ‏بالولاف‏ ‏الأعلى، ‏وقد‏ ‏أشرت‏ ‏إلى ‏هذه‏ ‏الفقرة‏ ‏فى ‏الجزء‏ ‏الأول (من هذا الكتيب)‏ ‏ولكن‏ ‏دون‏ ‏تفصيل عن‏ نمو‏ ‏وظيفة‏ ‏المخ، ‏وكل‏ ‏ما‏ ‏أؤكده‏ ‏هنا‏ هو ‏أن‏ ‏طبيعة‏ ‏نمو‏ ‏المخ‏ ‏البشرى ‏تطوريا‏ ‏وحالا‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تُدرك‏ ‏بتعقيداتها‏ ‏الهائلة‏ ‏إلا‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏استيعاب‏ ‏فكرة‏ ‏الولاف‏ ‏الديالكتيكى ‏المتصاعد، ‏وعلى ‏ذلك‏ ‏فيكون‏ ‏من‏ ‏أهم‏ ‏مصادر‏ ‏التنظير‏ ‏لدى ‏هو‏ ‏استيعاب‏ ‏فكرة‏ ‏الديالكتيك‏ ‏كما‏ ‏أشرت‏ ‏فى ‏الجزء‏ ‏الأول‏.‏

‏5- ‏إن‏ ‏ضرورة‏ ‏ارتباط‏ ‏المفهوم‏ ‏الطبى ‏البراجماتى ‏والميكانيكى ‏معا‏ ‏بمفهوم‏ ‏كلى ‏مرتبط‏ ‏بالوعى ‏والوجود‏ ‏يعتبر‏ ‏حتما‏ ‏لا‏ ‏مفر‏ ‏منه‏ ‏ويتطلب‏ ‏استعمال‏ ‏أساليب‏ “‏كلية‏” ‏مثل‏ ‏لغة‏ ‏بعض‏ ‏الفلسفة، ‏و‏”‏تركيبية‏” ‏مثل‏ ‏لغة‏ ‏الرياضة‏ ‏الحديثة‏ ‏والطبيعة‏ ‏الحديثة‏.‏

‏6- ‏الرجوع‏ ‏إلى ‏نظرية‏ ‏الطاقة‏: ‏من‏ ‏دعائم‏ ‏فكرى ‏الأساسية‏ الارتباط‏ ‏بلغة‏ “‏الطاقة‏ ‏البشرية‏ ‏الأساسية‏” ‏والطاقة‏ ‏المخية‏ ‏خاصة، ‏(ربما هو ما‏ ‏يقابل‏ ‏استعمال‏ ‏فرويد‏ ‏مثلا‏ ‏لكلمة‏ “‏ليبيدو‏) ‏رغم‏ ‏اصطباغها‏ ‏عنده‏ ‏بالمفهوم‏ ‏الشامل‏ ‏للجنس، ‏وربما‏ ‏بما‏ ‏يقترب‏ ‏من‏ ‏فكر‏ ‏برجسون‏ ‏عن‏ ‏الطاقة‏ ‏الحيوية‏… ‏إلخ، ‏وقد‏ ‏ثار‏ ‏العلماء‏ ‏فى ‏السنين‏ ‏الأخيرة‏ ‏لتصورهم‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏الحديث‏ “‏عن‏ ‏طاقة‏ ‏ما‏” ‏هو‏ ‏ضرب‏ ‏من‏ ‏البعد‏ ‏عن‏ ‏المعطيات‏ ‏العلمية‏ ‏المحددة‏ ‏التى ‏حاولوا‏ ‏أن‏ ‏يحبسوها‏ ‏فى ‏المشتبك‏ ‏العصبى synapse‏ ‏أو فى ‏بضعة‏ ‏هرمونات‏ ‏عصبية، ‏بل‏ ‏إنهم‏ ‏فى ‏ثورتهم‏ ‏هذه‏ ‏أنكروا‏ ‏الغرائز‏ ‏أصلا، ‏ولكنى ‏أصر‏ ‏على ‏أن‏ ‏الحديث‏ ‏بلغة‏ ‏الطاقة‏ ‏ليس‏ ‏حديثا‏ ‏ميتا‏فيزيقيا‏ ‏أو‏ ‏ضربا‏ ‏من‏ ‏التخمين، ‏بل‏ ‏إن‏ ‏الحياة‏ ‏هى ‏أصلا‏ ‏تشكيل‏ ‏للطاقة‏ ‏فى ‏شكل‏ ‏بيولوجى ‏كيميائى، ‏ومفهوم‏ ‏الطاقة‏ ‏مباشر‏ ‏وأساسى ‏من‏ ‏أول‏ ‏تحول‏ ‏الطاقة‏ ‏الشمسية‏ ‏إلى ‏طاقة‏ ‏كيميائية‏ ‏فى ‏النبات‏ ‏إلى ‏تحول‏ ‏الطاقة‏ ‏الكيميائية‏ ‏المرتبطة‏ ‏بالرباط‏ ‏الفوسفاتى ‏ذى ‏الطاقة‏ ‏العالية‏ ‏فى ‏مركبات‏ ‏ثنائى ‏وثلاثى ‏فوسفات‏ ‏الأدينوزين‏ (ADP&ATP) ‏إلى ‏طاقة‏ ‏فيزيائية‏..، ‏فلماذا‏ ‏لانفكر‏ ‏فى ‏تحول‏ ‏الطاقة‏ ‏الكيميائية‏ ‏إلى ‏طاقة‏ ‏نفسية‏ ‏وبالعكس، ‏أليس‏ ‏هذا‏ ‏أقرب‏ ‏ما‏ ‏يكون‏ ‏إلى ‏التفكير‏ ‏العلمى ‏الموحد؟‏ ‏وبالتالى ‏فإن‏ ‏تحويل‏ ‏مفهوم‏ ‏الغرائز‏ ‏والعواطف‏ ‏عندى ‏إلى ‏مفاهيم‏ ‏ارتباطات‏ ‏كيميائية‏ ‏وحيوية‏ (‏كلية‏ ‏تركيبية‏) ‏نوعية‏ ‏ذات‏ ‏طاقة‏ ‏وذات‏ ‏مسارات‏ ‏سلوكية‏ ‏وجودية‏ ‏ذات‏ ‏دلالة، ‏يعتبر‏ ‏من‏ ‏أبجدية‏ ‏تفكيرى ‏المبنى ‏عليه‏ ‏هذا‏ ‏التنظير‏.‏

وبعد (1/6/2011)

تصورت أننى بهذا الاستطراد سوف أسهل مفهوم العلاج الجمعى باعتباره “إحياء ديالكتيك النمو”، لكن يبدو أن العكس هو الذى حدث فلنتحمل معاً، ولنبذل جهداً فالعلم يحتاج إلى جدية ومثابرة، أو فلننتظر للأسبوع القادم أو للكتاب القادم.

عذرا

[1] – (بالإضافة إلى هذه المجموعة التى أجرى عليها بحث الماجستير والدكتوراة للأستاذ الدكتور عماد حمدى غز رئيس قسم الطب النفسى الذى يخرج للمعاش هذه الأسابيع، وأيضا بالإضافة إلى خبرتى الشخصية التى ظهرت فى ديوانى بالعامية أغوار النفس، والذى انتهى شرحه على المتن هنا منذ شهور).

[2] – ولعله قد حان حينها الآن وأنا أكتب “الأساس فى الطب النفسى” الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية، برغم توقفه مؤقتاً.

[3] – رغم أنى لم ألتزم بتحديد أى مرجع فى هذه المقدمة إلا أنى فضلت أن أورد المرجع الخاص بهذه الأرقام بضخامتها وغرابتها عن الأرقام المألوفة

Grenell R. & Gabay S 1976 Biological foundations of Psychiatry, Vol. I, Raven Press, N. Y. USA

[4] – فضلت بعد ذلك أن أترجم consciousness إلى “الوعى”، وأترجم awareness إلى “الدراية” لكننى لست متمسكا بذلك جدا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *