يحيى الرخاوى طبيب نفسى
العودة إلى الفهرس
“يوميا” الإنسان والتطور
24 – 10 – 2007
أدمغة المدمن ومستويات الوعى (2)
طارق “فى حركية خياله” مع اختبار إسقاطى
قدمنا أمس بعض أحوال حالة “طارق”، واستنتجنا منها احتمال تحقيق فرض: أن كلمة “دماغ” التى يستعملها المدمنون، قد تشير إلى “تغير نوعى فى الوعى“، الأمر الذى هو – فى الأحوال الصحية وبالطرق السليمة – دليل حركية النمو، وحيوية الحياة، والذى إذا حُرَمْنَا منه، لجأ بعضنا إلى تحقيقه “بتحريكٍ مصنوع”،بسموم خبيثة هى مواد الإدمان، وقد انتهى التقديم أمس بالاستشهاد بقول طارق:
“نفسى أبطل وأكمل حياتى محترم…”
لكنه يردف:
“أنا مش متخيل إن أنا حاعيش بدماغ واحدة….، أسيب كل ده وأعيش بدماغ واحدة؟! دماغ مِبَطَّل”؟!!
(قبل الدخول إلى الحالة ننصح من تساءل عن أساسيات فكرتنا عن الإدمان أن يرجع إلى يومية (س،ج عن الإدمان) بتاريخ 21/10/2007.
هذا شاب عمره 17 سنة، مدمن من سن 11 سنة، يعلمنا، وهو يهبط إلى الهاوية، أن لنا أكثر من دماغ (لمن لم يقرأ يومية أمس، يستحسن أن يضغط على خانة المقالة السابقة، أو هنا (أدمغة المدمن ومستويات الوعى “1”)، ويقرأ ما نشرناه أمس، قبل أن يكمل. شكراً).
الاختبار الذى أجريناه لطارق والذى سنعرضه اليوم، لا يتعلق بمشكلة هذا الشاب كمدمن، بقدر ما يتعلق بإمكانية تحريك الوعى للأصغر، من خلال تنوع الحوار، ومحاولة التباديل الممكنة التى يمارسها الإدراك البشرى، مع “حركية الخيال” بإسقاطات متنوعة.
أشرنا أمس إلى ما يذكّرنا كيف أننا فى أشد الحاجة إلى قبول فكرتين أساسيتين:
الأولى: تعدد مستويات الوعى.
الثانية: إمكانية احتواء هذه المستويات على مسار النمو فى جدل يخلّق منها – مع وبعد – أن تتبادل، وتتوازن، وتتصارع، ثم تتضفر باستمرار، يخلّق منها تنويعات متجددة من الوعى، هو ما يسميها المدمن “دماغ“، وهو ما تحققه له السموم التى يتعاطاها، والتى تقوم بهذا التقليب قسراً، بعد العجز عن تحريك الوعى خيالا وإبداعا ونمواً، لكن النتيجة هى كارثة الضياع فى خراب ظاهرة الإدمان.
التجربة:
عرضنا على طارق، وهو متوقف عن التعاطى تحت العلاج، بضعة صور (خمسة) منتقاه من اختبار معروف، هو اختبار “تفهم إدراك” الموضوع Thematic Apperception Testمضافاً إليها صورتان محليتان من ثقافتنا، ثم صفحة بيضاء ليكون المجموع ثمانية.
فكرة الاختبار هى شديدة البساطة، أما دلالات الاختبار وقراءاته فهى شديدة التنوع من جهة، وعليها خلافات علمية وتطبيقية بلا حصر، الفكرة مبنية على ميكانزم الإسقاط، وعلاقته بالإدراك. فنحن ندرك الأشياء والمثيرات والموضوعات ليست “كما هى“، وإنما كما تصلنا بعد أن نُسقط عليها ماتيسر مما أثارته فينا بمجرد وقوعها على حواسنا، هذه الفكرة البسيطة يعرفها أبسط الناس، كما يعرفها الأطفال، كما تؤكدها الأمثال العامية [1] من أول “القرد فى عين أمه غزال” حتى “الخنفسة” التى رأت ابنتها على الحيط فقالت إنها “لؤلؤة فى خيط“.
نطلب من المريض أن يروى قصة، أو يصف ما يصل إليه من كل صورة من الصور الثمان (سبعة+1)، ونسجل الوقت إلى أن يبدأ (وهو ما يسمى “زمن الرجع بالثانية”)، ثم نسجل الزمن الكلى بعد انتهائه من الحكى، ومن خلال استجاباته، جنبا إلى جنب مع ما نعرفه عنه تاريخا شخصيا وحضورا إكلينيكيا، نجتهد فى قراءة حالته دون محاولة الوصول إلى تشخيص، ودون الحماس إلى أى حسم نهائى فى أى اتجاه، وإنما هى إضافات دالة للحالة إكلينيكياً، تضئ جوانب أخرى غير التى أضاءتها المقابلة، والأسئلة والأجوبة، والمعلومات، ثم يُطلب من المفحوص وضع عنوان لما حَكَى أو كَتَب، بعد أن ينتهى من الحكى.
هناك أساليب مختلفة، ودرجات وتقنينات مجتهدة لقراءة هذه الاستجابات، لكننا نتبع هنا منهجا يعتبر كل استجابة إضافة إكلينية مفتوحٌ قراءتها للخبير، بما فى ذلك إسقاطات الخبير نفسه على إسقاطات المريض.
أما كيف تقرأ -عزيزى القارئ- ما ننوى تقديمه هنا فننصحك – دون إلزام – فى الهامش نصيحة اختيارية [2]:
بطاقات T.A.T
الاسم: طارق السن: 17 سنة
مناقشة الاستجابات
أولا بصفة عامة، لاحظنا ما يلى:
(1) إن “طارق” يتمتع بخيال مرن طول الوقت، سواء وهو منغمس (فكراً وخيالاً) فى مشكلة إدمانه، أو وهو مستجيب لتجنب الحديث عنها.
(2) إن استجابته الأولى لجميع الصور بما فى ذلك الصفحة البيضاء كانت حول موضوع المخدرات بشكل أو بآخر. (وهذا ما جعلنا نحاول إعادة الاختبار كما أوضحنا).
(3) إنه على النقيض من قصائد المديح التى أثنى بها طارق على “الأدمغة” التى تُحققها له مختلف المواد، سواء بذاتها، أو بعد إعداد “كوكتيل” منها بمعرفته، وهو ما أسميناه أمس “التباديل والتوافيق”، على النقيض من ذلك جاءت معظم استجاباته اليمنى (المنغرسة فى فكرة الإدمان) تعلن وعيا مباشرا وغير مباشر بالأضرار، والصبر، والرفض، واليأس، وأعمال الشيطان.
(4) إنه بالرغم من كل ذلك انتهى فى الصورة الأخيرة إلى ما يؤكد ما أعلنه فى آخر مقتطف أمس، وهو ما بدأنا به كلمة “اليوم” من أن “اللى مالوش فى الضرب مالوش فى حاجة“، كما ظهر فى وصفه للرجل البدين فى الصورة الأخيرة، وهو نفس الموقف الذى انتهى إليه، وأظهرناه فى نهاية حلقة أمس من قوله متعجِّباً: “أسيب كل ده وأعيش بدماغ واحدة؟ دماغ مِبطَّل” ؟!!
(5) إنه حين طلبنا منه الاستجابة دون التطرق لموضوع الإدمان، تحرك وعيه بنفس المرونة والتلقائية، وذلك فى اتجاهات مختلفة منها: اتجاه الندم، أو اللعنة، أو التوبة، ولكنه تحرك أيضا فى اتجاهات أقسى وأخطر مثل: البذاءة والقتل، لينتهى نفس النهاية، وهو يصف الرجل البدين بأنه “قرنى” ومراته راكباه لأنه مالوش فى الضرب ولا فى أى حاجة، ومع ذلك “بس هو سعيد”.
قراءة فى استجابات طارق “المنغمس[3] مقابل طارق “بدون”[4]:
الصورة [5] (1) “طارق المنغمس”
لم أستطع أن أحدد ما يقصد طارق بالعنوان “مدمن يتألم” “هذا المدمن: يتألم مِمَّ؟ من أنه “تعبان يريد أن يضرب ومش لاقى عروق”، أم من السيرنجة الواضحة وهى تنغرس فى رقبته (وهذا ما يلجا إليه كثير من المدمنين حين تتخثر معظم عروقهم الظاهرة فى الذراعين أو الساقين)؟
لكن نلاحظ أن استجابته لهذه الصورة بدأت بغير ذلك، فقد التقط فيها لأول وهلة محاولة للخنق (إزهاق الروح)، وهو ما ظهر أيضا فى استجابة “طارق: بدون“.
فهل يمكن أن نفترض أن طارق يعلن بذلك أن أى شخص يساعده فى استمرار إدمانه، وهو ما يتمثل فيمن يضرب الحقنة (السرنجة) فى رقبته، إنما يقتله بذلك؟ يجوز!
الصورة (1) “طارق بدون“
على الناحية الأخرى كانت الصورة أكثر إيجازاً، لكن ظهرت فيها أبعاد: السّرية والتحتية، (بير السلم) والقتل، صحيح أن استجابته اقتصرت على الاثنين الظاهرين فى الصورة، وأن القاتل محترف (العنوان: ربما هو هو غارز السيرنجة فى الناحية الأخرى) لكنهم كانوا جماعة، وكأن جماعة المدمنين الذين يسمحون لهذا القاتل المحترف أن يتمادى فى الحفز إلى استمرار الإدمان، هم قتلة أيضاً مشاركون فى الجريمة بشكل ما.
الصورة (2) أولا “طارق المنغمِسْ”
استجابته هنا غير واضحة، قفلة الباب قد تشير إلى المأزق الذى هو فيه وقد مضت ست سنوات مع محاولات علاجية مختلفة بلا طائل، أما بكاؤه فقد ربطه بأن الشخص فى الصورة قد توقف عن التعاطى ومع ذلك، مازال متهما، ولا أظن أن الأمر بهذه البساطة، فقد نفهم من ذلك أن الوعى الذى يريد أن يتوقف هو “وعى” حسن النية “على أحسن الفروض، وهو الذى ظهر فى نهاية ما عرضناه أمس “نفسى أبطل وأبقى باشا“. لكنه (كما نشرنا فى يومية أمس) سرعان ما استبعد أو استنكر أن يرضى بأن “يعيش بدماغ واحد “دماغ مبطَّل”!
فى كثير من الأحيان تكون هذه الأنواع من الوعود، وهذه الانفعالات بالبكاء: مؤقته، وُمْفَرغَة، وبرغم احتمالات صدقها المبدئى هى لا تفيد كثيرا فى مسيرة العلاج.
الصورة (2) “طارق بدون”
ارتبط التبطيل هنا بالاعتراف والندم (ربما للتطهير)، وهذا أيضا ليس بالضرورة من العلامات الإيجابية التى نفرح بها عادة حين تظهر عند المدمن.
أما كَوْن الاعتراف والندم جاءا هنا مرتبطين بالكنيسة، فهذا أمر لا نرى أنه يدل على أية درجة من السماح أو قلة التعصب، حيث ظهر التعصب بشكل مباشر فى استجابته فى الصورة الرابعة (الصفحة البيضاء – طارق بدون:) أنظر بعد [6].
الصورة (3) “طارق المنغمس”:
حين تصل جرعة المخدر إلى إحداث غياب الوعى “وليس مجرد تغييره أو إبداله” “يسقط” المدمن (يصب[7])، هذه المرحلة يكرهها المدمن عادة برغم أنه فى كثير من الأحيان لا يستطيع تجنبها، ويصبح المخدر فى هذه الحالة هو “مادة سم” (العنوان).
الصورة (3) “طارق بدون”
يظهر أنه حين يخرج الخيال من انغماسة فى المخدر، ينقلب “التسقيط [8]” إلى إفاقة نسبية: تدفع إلى اللجوء إلى سندٍ ما، مجرد استناد، فلا يتمادى الوعى الظاهر فى الانسحاب حتى الغيبوبة، وتظل المشاعر قادرة على استيعاب الموقف (يبكى) ويَظْهَرُ الندم (العنوان: لحظة ندم)
الصورة (4) “طارق المنغمس”:
أسقط طارق على هذه الصفحة البيضاء [9] موقفه “هنا والآن”، وحضرتْ عواطف أمه وألمها مما آل إليه حاله (مع أنه لم تظهر لنا فى تاريخه أى اعتبار العواطف أمه أو توجه وجدانى مفيد من ناحيته نحو أمه) يبدو أنه يربط هنا البياض، بما يشاع من أن إزالة التسمم “سريع-سريع”، تُرجعُ المدمن كما ولدته أمه، وهذا ما يزعمه البعض فى الدعايات العلاجية المغرضة المسطحة.
ربما يرى طارق من خلال هذا البياض أن عليه – إذا ما عاد بريئا نقيا- أن يتحمل بُعْدَه عن أمه، ويستمر فى المستشفى صابر ليحقق لها أملها فى شفائه ليرجع “أبيضا” كما ولدته [10]!!
الصورة (4) “طارق بدون”
هنا بدت الاستجابة لهذه الصفحة فى الاتجاه العكسى تماما، وكأنها كشفت خدعة “براءة البياض” المزعومة – لأنه بدا أن وراء هذا البياض الذى يزعم أنه تحقيق لأمنية أمه، وراءه جريمة قتل جماعى تعصبى انتحارى نذل: سائق مسيحى ينتحر بركابه المسلمين لمجرد أنهم ذاهبون للحج.
فأين ذهب البياض وأين النقاء وأين أمه وأين الآخر؟
إن هذا ينبهنا إلى خطورة ادعاء المثالية النظرية ، والتسامح الكاذب.
أما عن العنوان فربما يعنى به طارق وصف السائق بأنه “الرجل الملعون“، لكن هل هو ملعون لأنه قاتل، أم لأنه منتحر، أم لأنه هذا وذاك، وهل لحقته اللعنة بعد موته مع ضحاياه؟ أم أن اللعنة هى التى دفعته إلى هذا القتل الجماعى الأعمى التعصبى الانتحارى؟ ثم هذا الموت الجماعى “كلهم ميتين” هل يمكن أن يكون الذى أوحى به “سكون بياض الصفحة”. أيضا، كفناً هذه المرة وصمتاً؟!
كل هذا قد يشير إلى أن الغطاء الأبيض، الذى نختبئ وراءه أحيانا ببلاهة، ولو بالمخدر، قد يكون وراءه كل هذا القتل الانتحارى البشع.
الصورة (5) “طارق المنغمس”
هذه الاستجابة قد تعبر عن رؤية المدمن لمعنى “اللذة” كقيمة منفصلة فى ذاتها، وهذا قد وَرَدَ بعض ذكره من طارق فيما قدمناه أمس-وفى بقية أوراقه- وهو يتغزل فى تأثير المخدر تلو الآخر، ويمثلها هنا ما أسماه “غُرْزَة السعادة“، التى تعدُ بأن تحقق له أنواع اللذة التى حققتها له المواد المختلفة.
الصورة (5) “طارق بدون”
فى حين رأى طارق هذه الصورة وهو منغمس فى المخدرات على أنها ” غُرْزَة السعادة” ، فقد تصورنا أنه استقبلها هنا ليواصل دمغ الرجل العادى ويصفه “بالسلبية والتعريص على زوجته شخصيا. وقد انقلب الرجل الذى كان يخّدم على المخدر على اليمين (مع المنغمس)، إلى زبون يساوم على زوجة هذا الرجل السلبى. فهل يشمل ذلك ما يهجس فى النفوس أحيانا، ولو فى اللاشعور: أن كثيرا من الحياة العادية (التى نعيشها بدماغ واحد) إذا ما تعرّت ظهرت فيها مثل هذه الصفقات “مجازا على الأقل”.
لا أظن ولا أستبعد.
الصورة (6) “طارق المنغمس”
بالمقارنة بالصورة التالية نجد أن طارق هنا يعرّى “تفاهة” “ولاجدوى” النصائح الفاترة المعادة التى نتعامل بها مع المدمن بإلحاح غبى، فالشاب هنا “مبسوط كده”، فكيف ينفذ إليه النصح.
الصورة (6) “طارق بدون”
حين أزيح موضوع الإدمان من الخيال، استطاع طارق أن يرى الصورة بشكل موضوعى نسبيا، وفعلا يبدو الرجل الأصغر فى الصورة به شبه من فريد الأطرش، كما يمكن أن يكون العجوز ملحنا، ثم أن طارق يعطى عنوانا مناسبا لهذه الموضوعية النسبية الظاهرة وهو “فنان عظيم” وهو لا يبالغ [11].
الصورة (7) “طارق المنغمس”
يُرجع طارق “هنا” الضرب – رغم قصائد المديح التى أشرنا إليها أمس- إلى وسوسة الشيطان، وهو يزعم أن الشخص الصغير- فى الصورة- المبطل “قد أعجبته حياة التبطيل، وهو زعم يتنافى مع الصورة السابقة كما أشرنا.
الصورة (7) “طارق بدون”
استمر حضور الشيطان فى خيال طارق حتى بعد إزاحة مشكلة الإدمان من فكره، وهذا هو ما يؤكده ذلك العنوان أيضا: “الساحرة الشريرة” فاقتربت فكرة رفض السوء بما ذكر وهو يزعم على الناحية اليمنى (المنغمس) أن الذى بطّل استطاع أن يظل يقاوم وسوسة الشيطان.
الصورة (8) “طارق المنغمس” + “طارق بدون”
ما وصلنا من هذه الصورة من الناحتين يكمل بعضه بعضا فى نفس الاتجاه، وهو متعلق بالفرض الحالى، لذلك فضلنا أن نجمع القراءة لهما معا: هذه الصورة التى أشرنا إليها فى مقدمة هذه الحلقة تبدو لنا من أهم الصور التى تؤيد ما ذهبنا إليه من فروض، فهى تعلن: إنه برغم كل حركية الرفض، والوعود، والندم، وبرغم حضور القتل والسموم والانتحار، فى معظم الاستجابات، تعلن كيف تصل الحياة البليدة الروتينية إلى الشباب فى هذه السن باعتبارها حياة مغتربة فاترة “دماغ واحد ثابت فاتر“.
الصورة (8) “طارق المنغمس”
– ده راجل أهبل.
– موظف.
– مالوش فى الضرب.
– مالوش فى حاجة خالص.
ثم الصورة (8) “طارق بدون”
– راجل أهبل
– مالوش حل
– تخين
ومراته راكباه
ثم برغم كل ذلك أنه
“بس هو سعيد”.
هذه السعادة “المضروبة” التى يسخر منها طارق، وهو مغموس بأفكار الإدمان، وأيضا وهو “بدون” هذه الأفكار، هذا الخمول، واللاشيئيه، هذه البلادة واللامبالاة “مالوش فى أى حاجة”، يبدو أنها هى التى حاول طارق أن يهرب منها وهو يبحث عن سعادة “الأدمغة المتغيرة“، حتى “بالوعى المصنوع“.
علينا أن نتساءل: هل لهذا بديل صحى كما أشرنا أمس إلى ما هو: سماح، وحركة، وتغير، وإبداع؟.
طارق راح يبحث عن كل ذلك لأنه افتقده، وهو فى أشد الحاجة إليه فى هذه المرحلة من العمر، فراح “يجرّب” باستعمال كل هذه السموم بديلا لينتهى به الأمر أن يخاف أن يشفى حتى لا يعود إلى حظيرة “الدماغ الواحد المبطّلْ“.
فهل عندنا للباحثين مثله عن حقهم فى حركة مستويات معاً، من الشباب وغير الشباب، بديل حقيقى؟
الخلاصة:
بعد المراجعة الأخيرة، استشعرت الصعوبة بقدرٍ أكبر مما حسبت، حتى كدت أتراجع عن النشر.
لكن مرة أخرى، نحن لا ننشر الأسهل، كما أننا لا نكتفى بأن “نقرّ بالمعروف مسبقا لنؤكده”.
ما نريد أن نخلص إليه إن أمكن هو:
إن قراءة إشكالة الإدمان من منطلق أنها “لغة”، إنما هى عملية تساعدنا أن تعرف مدى تقصيرنا فى فهم الطبيعة البشرية واحتياجاتها، وهذا لا يساعد فقط فى مساعدة المدمن، بل إنه قد يرشدنا إلى تصحيح أنفسنا.
ما أمكن ذلك.
[1] – الحيل النفسية فى الأمثال العامية (يحيى الرخاوى).
[2] – (1) يمكن أن تقوم بنقل الورقتين الحاملتين للصور والاستجابات إلى حاسوبك (الكمبيوتر)، وتطبعهما.
(2) يستحسن أن تعمل ثلاث نسخ من الورقة:
أ- الأولى تحوى الصور فقط.
ب- الثانية تحوى الاستجابات على اليمين (المحملة بمشكلة الإدمان).
جـ- الثالثة تحوى الاستجابات على اليسار (بعد أن طلبنا من طارق أن يتجنب ذكر الإدمان فى استجاباته فى اليوم التالى).
(3) أن تحاول أنت شخصيا أن تكتب (أو تسجل) قصة قصيرة أو رؤية مما يصلك من كل صورة بعيدا عن استجابات طارق.
(4) ألا تقرأ استجاباتك شخصيا الآن، فقط تتعرف على طبيعة الاختبار.
(5) أن تعود إلى النسخة الثانية وتقرأ استجابات “طارق” ووعيه الظاهر منغمسا فى مشكلة الإدمان، مع النظر فى كل صورة مقابلة (قد اسميناها: “طارق المنغمس”).
(6) أن تضع ذلك جانبا وتنتظر قليلا.
(7) أن تعود إلى الاستجابات على اليسار وقد طلبنا من “طارق” أن يتجنب ذكر الإدمان فى استجابته وقد اسميناها “طارق: بدون”..
(8) أن تعود إلينا بعد كل ذلك تقرأ معنا ما حاولنا قراءته، ولا تعتبر قراءتنا هى “نهاية الأرب أو فصل الخطاب“، بل هى اجتهاد مثل اجتهادك مع فارق الخبرة لا أكثر.
[3] – المنغمس: تعنى المشغول طول الوقت فى مشكلة الإدمان التى حددت إستجاباته الأولى.
[4] – بدون: تعنى طارق بعد أن أوصيناه ألا يتحدث فى استجاباته عن الإدمان
[5] – يستحسن أن تقرأ هذا الاجتهاد التفسيرى الناقد وأنت تضع الصور والاستجابات مجتمعة أمامك بعد أن تطبعها.
[6] – أحيانا – سواء فى حالة الإدمان أو الذهان- يتحرك “الدين” الآخر داخلنا كنوع من إعلان تحريك النقيض الداخلى فى (وعىٍ عكسىّ) وهذا يقابل ما يتفق مع ما هو شائع من محاولة علاج بعض المرضى المسلمين فى الكنيسة وبعض المرضى المسيحيين عند الشيوخ، وهو يتفق أيضا مع الشائع عند العامة من أن قرين الذكر أنثى تحت الأرض (أى تحت الوعى) وقرين الأنثى ذكر تحت الأرض (تحت الوعى) (وهو قريب لما قال به كارل يونج)، فظهور “النقيض” فى الإسقاط هو دليل على تحريك “وعى العمق” لا أكثر.
[7] – يصب: كلمة يستعملها المدمن تعنى الوسن المفاجئ أو قرب السقوط فى الغيبوبة.
[8]– التسقيط: كلمة بنفس معنى “يصب” يستعملها فريق آخر من المدمنين لتؤدى نفس المعنى.
[9]– عموما بالنسبة لهذه البطاقة البيضاء، كثيرا ما توقعتُ أن يرفض الكثيرون الاستجابة لها، ومع ذلك فكثيرا أيضا ما كانت أكثر ثراءً من كل الصور، وكأنها مجال الإسقاط الحقيقى، هذه الدهشة مبررة أكثر حين نتذكر أننا نطلب من المريض أن يحكى مايراه فى الورقة وهو يعلم ونحن نعلم أنه ليس بها شىْ أصلا
[10]– هذا ما يشيعه أخصائيون إزالة التسمم كما ذكرنا فى المتن حالا.
[11] – لا مجال لمحاولة أن نربط هذا الموقف بحركية الإبداع لعمل دماغ بديلا عن الإدمان كما افترضنا أمس، الغناء والطرب ليسا هما الإبداع الذى نعنيه فى تحريك الوعى لعمل دماغ مبدع سليم.