“يومياً” الإنسان والتطور
17-7-2008
العدد: 321
أحلام فترة النقاهة “نص على نص”
نص اللحن الأساسى (حلم 73)
وجدتنى فى البيت القديم بالعباسية، ويبدو أننى كنت متكدر المزاج فلم يسلم من نقدى شئ مثل طلاء الجدران وخشب الأرضية والأثاث حتى جاءنى صوت أمى من أقصى الشقة وهو يقول .. بنبرة باسمة.. لطيفة: إنه آن الأوان كى أبحث بنفسى عن شقة جديدة تعجبنى.
وانتقلت إلى مكان وزمان آخرين فوجدتنى فى بهو متعدد الحجرات والأشخاص، يوحى منظره بأنه مصلحة حكومية. وأكد ذلك مجئ زميلى المرحوم ح .أ ليخبرنى بأن الوزير أرسل فى طلبى، وذهبت من فورى إلى حجرة الوزير واستأذنا ودخلت. ورأيت الوزير على غير عادته من البشاشة وقال لى أنه علم بنقدى للثورة وزعيمها فساءه ذلك فقلت له إنى أعتبر نفسى متيَّماً بمبادئ الثورة ولم أكن من رافضيها غير أنى تمنيت دائما لها الكمال وتجنب العثرات والنكسات.
وانتقلت إلى مكان وزمان آخرين فوجدتنى صبيا يتجول فى ميدان بيت القاضى، وجاءنى صديق فى مثل سنى يدعونى لحضور حفل زفاف شقيقه الأكبر، وقال إن شقيقه دعا سعد زغلول ليشرف الفرح ويباركه وأنه قبل الدعوة ووعد بالحضور. فدهشت دهشة كبرى وقلت له بأن سعد زغلول هو زعيم الأمة فضلا عن أنه اليوم رئيس وزرائها. وأنتم لستم من أقربائه ولا من زملائه فى جهاده، فقال إن سعد هو زعيم الأمة حقا ويخص البسطاء بوافر الحب وإننى سوف أرى.
وفى الميعاد ذهبت إلى الحفل فى درب قرمز ومضى بى صديقى إلى حجرة فرأيت فى الصدر سعد زغلول فى بدلة التشريفة يجلس معه ويتبسط معهما فى الحديث ويشاركهما الضحك، بهرت بما رأيت انبهارا استقر فى أعماقى.
* * *
التقاسيم
… تقدمت إليه وأنا فى حال لا أكاد أصدق، قلبى يكاد يطير من صدرى، لا أتصور أن القدر سيسمح لى أن ألمس أطراف أصابعه، لا أعرف كيف لمحنى بين الحضور، والأغرب أننى لا أعرف كيف عرف اسمى حتى نادانى به، وهو يشير إلىّ أن أقدم، رحت أقفز بين الموائد وأنا أقرص نفسى لأتأكد أننى لست فى حلم، وحين وصلت إلى حيث يجلس فوجئت أنه اختفى وحل محله النحاس باشا، غمرتنى فرحة أخرى فأنا أحب الرجلين، لكن لكل حب طعم مغاير، وما كدت أمد يدى للسلام حتى وجدت يدا غير اليد، فرفعت رأسى فإذا به مكرم عبيد، ما غمرنى هذه المرة هو احترام أكثر منه حب، وهل هناك فرق؟
بعد أن وقف لى يصافحنى وقبل أن تلتقى يدى بيده أحسست بقبضة تطبق على كتفى، فالتفت ورائى وإذا بضابط شرطة على كتفه علامات لامعة كثيرة، ينظر إلىّ باستعلاء قائلا:
“أنت متَّهم بقتل أمك”،
فزعت لموت أمى أكثر مما فزعت لاتهامى بقتلها.
فتح علىّ الشرطى الزنزانة وأخبرنى أن الرئيس يطلبنى شخصيا، وأنه حدث خطأ فى الأسماء، وأن اسمى من بين المرشحين للوزارة، فظننت بعقل الشرطى الظنون، لكنه أطلق سراحى فعلا، فانطلقت إلى الفضاء كأنى أطير، ولم يخطر على بالى إلا محاولة التمادى فى الخلاص، وكنت قد نسيت تماما رسالة الرئيس والوعد بالوزارة.
فى الشارع، فى بيت القاضى من جديد، وقد عدت صبيا مرة أخرى، عاد صديقى شقيق العريس يقول: أسرع فالزفة بدأت، وما كدنا نعدو بجوار بعضنا لنلحقها حتى سمعنا صفارة إنذار، وأطفئت الأنوار جميعا، وانبطح بعض الصغار على الأرض، وجلست أنا القرفصاء وعملتها دون خجل.
وحين أطلقت صفارة الأمان، وعادت الأضواء، وجدت الشوارع كلها خالية، لكننى لمحت شبح أمى قادمة من بعيد،
وحين اقتربت قالت فى حنان متألم: ألم أقل لك؟!
فقلت لها: سامحينى، يبدو أننى بالغت فى نقدى بيتنا القديم.
* * *
نص اللحن الأساسى (حلم 74)
هذا ملعب كبير حل محل بيوت الجيران فى الجانب المقابل من الطريق يملأه الجنود البريطانيون، فيغنون ويرقصون.. ونحن نتابعهم بدهشة وقلق، ثم ينتشرون فى شارعنا والشوارع المتفرعة منه.
وتشاورنا فى الأمر واستقر رأينا على الانتقال إلى حى آخر، ولما لم نجد بيتا مستقلا رضينا بشقة فى عمارة ضخمة ولم نضن بجهد حتى جعلناها صالحة للمعيشة، وما كدنا نركن إلى شئ من الراحة حتى سمعنا صوت خرفشة مما يصدر عادة من الفئران فتعكر صفو راحتنا.. وقبل أن نفكر فى شئ ينبغى عمله سمعنا طرقات الباب الخارجى. ولما فتحت الباب رأيت كثرة من الرجال المسلحين بالعصى، قالوا إنهم سكان العمارة يطاردون لصا يظنون أنه تسلل إلى شقتنا واقتحموا الشقة وتفرقوا فى الحجرات وأحدثوا جلبة مزعجة، ولكنهم أعلنوا أنهم لم يعثروا على اللص، وغادروا المكان بعد أن قلبوه رأسا على عقب.. بل واكتشفنا اختفاء اللص المتخفى، وبينما نحن نتبادل النظر فى غيظ وضيق إذ سمعنا من جديد صوت الخرفشة.. فثرت غضبا وقلت ليكن فأرا أو لصا أو عفريتا فلن أفتح الباب للطارق.
* * *
التقاسيم
…. وتوقف الصوت، وسمعنا وقع أقدام تبتعد تدريجيا، وبمراجعة أشياء المنزل اكتشفنا أن مصاغ أمى وزوجتى وأختى وحافظة أبى قد اختفت كلها، ولم يشك أحد منا فى اللص المختفى المتخفى، ولا فى الفئران.
رحنا ننظر إلى بعضنا البعض دون أن ينبس أى منا ببنت شفة، لكن أخى الأكبر مضى مسرعا يفتح التليفزيون، ربما ليكسر الصمت، ويمنع التعليق فى آن واحد، كانت الأخبار تتحدث عن تصريح كوندا ليزا رايس بالعثور على جثة دبليو بوش فى الأهواز، وأن جنازته ستشيع من مسجد باريس، بعد أن يصلى عليه الشيخ حسن نصر الله فى المسجد الأقصى، وسألت أخى الأكبر كيف يحدث ذلك كله ومازال الجنود البريطانيين يحتلون مدن القناة.
فقال: إنها إرادة الله
قلت له: بل إرادتنا نحن بفضل الله
فسألنى فزعاً: بفضل من؟
قلت له: أستغفر الله العظيم، بفضل الله!
قال: حسبتك قلت شيئاً آخر.
قلت: أنا لم أقل شيئا أصلا، أنت تسمع ما تريد، هذا كل ما فى الأمر.