الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / أحلام فترة النقاهة الحلم (27)، الحلم (28)

أحلام فترة النقاهة الحلم (27)، الحلم (28)

“نشرة” الإنسان والتطور

24-1-2008

العدد: 146

نجيب محفوظ: قراءة فى أحلام فترة النقاهة

الحلم (27) والحلم (28)

الحلم (27)

فى ‏سفينة‏ ‏عابرة‏ ‏للمحيط‏ ‏أجناس‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏لون‏ ‏ولغات‏ ‏شتى. ‏وكنا‏ ‏نتوقع‏ ‏هبوب‏ ‏ريح‏ ‏وهبت‏ ‏الريح‏ ‏واختفى ‏الأفق‏ ‏خلف‏ ‏الأمواج‏ ‏الغاضبة ‏إنى ‏ذعرت‏ ‏ولكن‏ ‏أحدا‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏يعنى ‏بأحد‏. ‏وقال‏ ‏لى ‏خاطر‏ ‏إننى ‏وحيد‏ ‏فى ‏أعماق‏ ‏المحيط‏. ‏وأنه‏ ‏لا‏ ‏نجاة‏ ‏من‏ ‏الهول‏ ‏المحيط‏ ‏إلا‏ ‏بأن‏ ‏يكون‏ ‏الأمر‏ ‏كابوسا‏ ‏وينقشع‏ ‏بيقظة‏ ‏دافئة‏ ‏بالسرور‏. ‏والريح‏ ‏تشتد‏ ‏والسفينة‏ ‏كرة‏ ‏تتقاذفها‏ ‏الأمواج‏. ‏وظهر‏ ‏أمامى ‏فجأة‏ ‏حمزه‏ ‏أفندى ‏مدرس‏ ‏الحساب‏ ‏بخيرزانته‏ ‏وحدجنى ‏بنظرة‏ ‏متسائلة‏ ‏عن‏ ‏الواجب‏. ‏كان‏ ‏الإهمال‏ ‏الواحد‏ ‏بعشرة‏ ‏خيرزانات‏ ‏تكوى ‏الأصابع‏ ‏كيا‏. ‏وازددت‏ ‏كرها‏ ‏من‏ ‏ذكريات‏ ‏تلك‏ ‏الأيام‏. (‏وقال‏ ‏لى ‏الرجل‏ ‏سوف‏ ‏تكتب‏) ‏وهممت‏ ‏بدق‏ ‏عنقه‏ ‏ولكنى ‏خفت‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏أى ‏خطأ‏ ‏سببا‏ ‏فى ‏هلاكى ‏فسكت‏ ‏على ‏الذل‏ ‏وتجرعته‏ ‏رغم‏ ‏جفاف‏ ‏ريقى. ‏ورأيت‏ ‏حبيبتى ‏فهرعت‏ ‏نحوها‏ ‏أشق‏ ‏طريقا‏ ‏بين‏ ‏عشرات‏ ‏المذهولين‏. ‏ولكنها‏ ‏لم‏ ‏تعرفنى ‏وتولت‏ ‏عنى ‏وهى ‏تلعن‏ ‏ساخطة‏ ‏وجرت‏ ‏نحو‏ ‏حافة‏ ‏السفينة‏ ‏ورمت‏ ‏بنفسها‏ ‏فى ‏العاصفة‏ ‏واعتقدت‏ ‏أنها‏ ‏تبين‏ ‏لى ‏طريق‏ ‏الخلاص‏ ‏فجريت‏ ‏متعثرا‏ ‏نحو‏ ‏حافة‏ ‏السفينة‏ ‏ولكن‏ ‏مدرس‏ ‏الحساب‏ ‏القديم‏ ‏اعترض‏ ‏سبيلى ‏ملوحا‏ ‏بعصاه‏.‏

القراءة

المكان الحركة، الحركة المكان، السفينة عابرة للمحيط هنا تجمع بين هذا وذاك، لم يصلنى أنها سفينة نوح المعاصرة برغم أنها تحمل أجناسا من لون ولغات شتى، ربما هى أرضنا البائسة وسط الكون المضطرب، أو لعلها الحياة كما آلت إليه أخيرا، حيث لا يعنى أحد  بآخر، فهى الوحدة من جديد (وقال لى خاطر أننى وحيد فى أعماق المحيط).

 المكان‏ ‏هنا يسمح‏ ‏بالتجمع‏ ‏والتجمهر‏ ‏والانتقال منها‏، ‏لكنه‏ ‏محاط‏ ‏بالمحيط‏، ‏فلا‏ ‏مجال‏ ‏للهرب‏ ‏إلى ‏المنزل‏ ‏مع الأمل فى الأمان، أو المفاجأة بالوحشة، أو غير ذلك مما سبق أن لاحظناه، كما أنه ليس ثم‏ مهربا ‏إلى ‏الهواء‏ ‏الطلق‏ ‏قبل‏ ‏انهيار‏ ‏البيت‏ ‏الصغير‏ (‏نهاية‏ ‏الحلمين‏ 25 ،26).

 ‏وكما‏ ‏بدأ‏ ‏حلم‏ “25” ‏بتوقع‏ ‏قصر‏ ‏عمر‏ ‏السعادة‏، ‏يبدأ‏ ‏هذا‏ ‏الحلم‏ ‏بتوقع‏ ‏العاصفة‏، “وكنا‏ ‏نتوقع‏ ‏هبوب‏ ‏الريح‏، ‏وهبت‏ ‏الريح‏” (‏لاحظ‏ ‏اختفاء‏ ‏أى ‏برهة‏ ‏زمنية‏ ‏بين‏ ‏التوقع‏ ‏والواقع‏).‏

كما أشرنا: مع‏ ‏أن‏ ‏السفينة‏ ‏بها‏ ‏أجناس‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏لون‏ ‏ولغات‏ ‏شتى، ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏الراوى ‏يشعر‏ ‏بالوحدة‏ ” ‏وقال‏ ‏لى ‏خاطر‏ ‏أننى ‏وحيد‏”،

 ‏بدا لى أن هذا‏ ‏الخاطر‏ بالشعور بالوحدة، هو الذى انتقل‏ بالسفينة فجأة‏ ‏إلى ‏أعماق‏ ‏المحيط‏. ‏فتمنى صاحبنا ‏بأن‏ ‏يكون‏ ‏هذا‏ ‏الذى ‏يعيشه‏ ‏كابوسا‏.

 ‏بدت‏ ‏لى هذه‏ ‏الأمنية‏ ‏- كالعادة – ‏وكأنها‏ ‏جذب‏ ‏العودة‏ ‏إلى ‏الرحم‏ ‏الحانى ‏هربا‏ ‏من‏ ‏احتمال‏ ‏الغرق‏ ‏فى ‏المحيط‏ ‏الهادر‏ على السطح، ‏إنها‏ ‏أمنية‏ ‏نكوصية‏ ‏واضحة‏ تتكرر حتى الآن. ‏ثم إننا لو‏ ‏أحسنا‏ ‏قراءة‏ ‏تعبير‏ “‏يقظة‏ ‏دافئة‏ ‏بالسرور‏” هنا ‏للاحظنا أنه‏ ‏تعبير‏ ‏نادر‏. ‏اليقظة‏ ‏عادة‏ ‏تكون‏ ‏نقلة‏ ‏من‏ ‏الدفء‏ ‏إلى ‏النشاط‏، ‏من‏ ‏سكينة‏ ‏النوم‏ ‏إلى ‏دفع‏ ‏الحركة‏، ‏لكن‏ ‏هذا‏ ‏التعبير‏ ‏الذى ‏يصف‏ ‏اليقظة هنا‏ ‏بأنها‏ “‏دافئة‏ ‏بالسرور‏” ‏لم‏ ‏يحُضر‏ ‏إلى ‏قراءتى ‏إلا‏ ‏خدر‏ ‏الإحاطة‏ ‏بالسائل‏ ‏الأمنيتونى ‏داخل‏ ‏الرحم‏ ‏والجنين‏ ‏ما‏زال‏ “‏يبلبط‏” ‏فى ‏الداخل‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏ ‏العواصف‏ ‏والأنواء‏.

 ‏لم‏ ‏يدم‏ ‏هذا‏ ‏الخاطر‏ ‏الهروبى ‏طويلا‏ ‏وحل‏ ‏محله‏ ‏واقع‏ ‏بارد قاس بظهور حمزة أفندى معلم الحساب، وهو لا يقارن – إلا من حيث الحركة – بظهور معلم البيانو فى حلم “25”.

 ‏المعلم‏ ‏هنا‏ ‏من‏ ‏نوع‏ ‏آخر‏ “‏مدرس‏ ‏حساب‏ ‏قديم‏”. بخيزرانته العمياء، ‏هذا‏ ‏المدرس‏ ‏لا‏ ‏يسأل‏ ‏أو‏ ‏يتساءل‏ ‏عن‏: “‏معنى ‏الوقت‏” ‏مثل‏ ‏أستاذ‏ ‏البيانو‏ (‏حلم‏ 25) ، ‏وهو‏ ‏لا‏ ‏يدعو‏ ‏فى ‏حزم‏ ‏إلى ‏تدريب‏ ‏على ‏مهارة‏ (‏البيانو‏). ‏هو‏ ‏مدرس‏ ‏جاف‏ ‏لا‏ ‏يتكلم‏ ‏إلا‏ ‏بلغة‏ ‏الواجب‏، ‏وهو جاهز فى مواجهة أى إهمال‏، ‏وليس‏ ‏عنده‏ ‏إلا ‏الخيزرانة‏ ‏لا‏ ‏أكثر‏ ‏ولا‏ ‏أقل‏، ‏فكانت‏ ‏استجابة‏ ‏الراوى ‏هى ‏الرغبة‏ ‏فى ‏قتله‏. ‏وحين‏ ‏تبين‏ ‏عجزه‏، ‏استشعر‏ ‏الذل‏ ‏وابتلعه‏ ‏وهو‏ ‏خائف‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏يضبطوه‏ ‏متلبسا‏ ‏بالشروع‏ ‏فى ‏القتل‏، ‏ثم‏ ‏إن الوعى بخاطر القتل‏ ‏هكذا، جعله يرتد‏ ‏إلى ‏ذاته‏، ‏فهو‏ ‏الخوف‏ ‏من‏ ‏الهلاك‏. ‏

مازلنا‏ ‏فى ‏السفينة‏، ‏ومازالت‏ ‏العاصفة‏ ‏تحيط‏ ‏بها‏، ‏ فهى قد طفت إلى السطح، وظهور‏ ‏معلم‏ ‏الحساب‏ (‏الأب‏ ‏القاهر‏ ‏الجاف‏) كان بصيغة إجبارية “سوف تكتب”، وهى أقسى من صيغة الأمر، كأنه أمر مفروغ منه، لو أنه أمره أن يكتب، “أُكْتُبْ” إذن لكان ثمَّ اختيار، أما هكذا “سوف تكتب” فهى صيغة أكثر سحقا، والرد على مثل هذا القهر هو القتل، قتل الوالد أمر طبيعى (ديستويفسكى: كارامازوف ومن منا لم يفكر فى قتل والده؟)، لكن لابد من ضمان أن القتل سيتم مائة فى المائة، أما إذا كان فى الأمر احتمال فشل القتل ولو 1 % فهو الهلاك، أما الرجوع عن القتل فهو الذل والقهر، (وازددت‏ ‏كرها‏ ‏من‏ ‏ذكريات‏ ‏تلك‏ ‏الأيام‏)‏

‏الأرجح أن الحبيبة‏ ‏التى ‏ظهرت‏ ‏هنا هى من نسج خيال الراوى، وهى لا تعرفه‏ أصلا. ‏هو‏ ‏الذى ‏جسّدها‏،‏ ‏ثم‏ ‏راح‏ ‏يشق‏ ‏طريقه‏ ‏إليها‏، الأخطر أنها تولّت وهى تلعن ساخطة، نتذكر الرفض الذى عاناه صاحبنا فى حلم “15” يومية 13-12-2007 كان رفضاً غامضا من أكثر من واحدة (زميلة) حقيقية (على أرض، – مكتب – الواقع)، الرفض هنا يبدو أقسى حتى لو كانت الحبيبة من صنع الخيال، ذلك لأنها: أولا لم تتعرف عليه أصلا، لقد أنكرته ابتداء، وثانيا: لأن هربها كان نافرا فى المجهول بلا وعد، هى هنا فضلت الموت عن أن تكون له أو معه، فليكن هذا هو هو خلاصه، فمن ناحية: بما أنه يلحقها هنا (وهى حتى لم تقبله أصلا) فلعله يلقاها هناك، ومن ناحية أخرى! فهو الخلاص من الذل والقهر.

‏الفتاة تولت‏ ‏وهى ‏تلعن‏ ‏ساخطة‏ (‏لم‏ ‏يقل‏ ‏تلعن‏ ‏من‏)، ‏ثم‏ ‏إنها‏ ‏اختفت‏ وهو يشق طريقه بين الذاهلين، ذاهلين من ماذا؟، عن ماذا؟ عن ما آلت إليه حال الفرقة بين الناس “أحد لم يكن يعنى بأحد”؟

 وهكذا ‏‏رمت‏ الفتاة ‏نفسها‏ ‏فى ‏العاصفة‏ (‏لم‏ ‏يقل‏ ‏فى ‏المحيط‏)، ‏فكاد‏ ‏يتبعها‏ ‏وهو‏ ‏يتصور‏ ‏أنها‏ ‏بفعلتها‏ ‏تلك‏ ‏إنما‏ ‏تشير‏ ‏إليه‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏الحل‏: الخلاص ‏بإفناء‏ ‏الذات‏.‏

الذى منعه من تنفيذ هذا الحل الانتحارى الغامض كان هو هو مدرس الحساب، الذى نلاحظ هنا أيضا أنه كان ثنائى الدور والدلالة، فمن ناحية هو أنقذ حياته، لكنه فى نفس الوقت هو الذى حال دونه وحبيبته،

 ثَمّ تساؤل أخير يقول:

 هل السلطة التى تفرض وتقهر، هى هى السلطة التى تحول دون نزوات الخيال وأوهام الخلاص بالعدم؟.

يجوز.

 الحلم (28)

تتحلق‏ ‏المستديرة‏ ‏والنقود‏ ‏تذهب‏ ‏وتجئ‏ ‏أما‏ ‏الفتاة‏ ‏فكانت‏ ‏تقوم‏ ‏بالخدمة‏ ‏وتقديم‏ ‏المشروبات‏ ‏وأحيانا‏ ‏السندوتشات‏. ‏وابتسم‏ ‏لى ‏الحظ‏ ‏فربحت‏ ‏عددا‏ ‏من‏ ‏الجنيهات‏ ‏يعد‏ ‏كبيرا‏ ‏فى ‏مجالنا‏ ‏المحدود‏ ‏وشعرت‏ ‏بدوار‏ ‏خفيف‏ ‏فأعلنت‏ ‏أننى ‏سأنسحب‏، ‏وعلى‏ ‏أن‏ ‏أحدا‏ ‏لم‏ ‏يصدق‏ ‏عذرى ‏إلا‏ ‏أننى ‏انسحبت‏ ‏وعند‏ ‏ذلك‏ ‏اتهم‏ ‏أحد‏ ‏اللاعبين‏ ‏الفتاة‏ ‏بأنها‏ ‏كانت‏ ‏تكشف‏ ‏لى ‏خفية‏ ‏عن‏ ‏بعض‏ ‏أوراق‏ ‏اللعب‏ ‏فغضبت‏ ‏الفتاة‏ ‏كما‏ ‏غضبت‏ ‏أنا‏ ‏احتجاجا‏ ‏على ‏التهمة‏ ‏البطالة‏ ‏وقام‏ ‏الرجل‏ ‏ومعه‏ ‏أخران‏ ‏ونزعوا‏ ‏ثياب‏ ‏الفتاة‏ ‏حتى ‏تبدت‏ ‏عارية‏ ‏وهى ‏تصرخ‏ ‏وتهدد‏ ‏بإبلاغ‏ ‏الشرطة‏ ‏عن‏ ‏الشقة‏ ‏التى ‏تدار‏ ‏للمقامرة‏ ‏وغيرها‏ ‏من‏ ‏المحرمات‏ ‏فسرعان‏ ‏ما‏ ‏عاد‏ ‏كل‏ ‏إلى ‏مجلسه‏ ‏وساعدت‏ ‏الفتاة‏ ‏على ‏ارتداء‏ ‏ملابسها‏ ‏وغادرت‏ ‏المكان‏ ‏إلى ‏مسكنى ‏القريب‏.‏

وجلست‏ ‏أستريح‏ ‏فإذا‏ ‏بالفتاة‏ ‏تحضر‏ ‏وأخبرتنى ‏أن‏ ‏المجموعة‏ ‏غاضبة‏ ‏وزادها‏ ‏السكر‏ ‏غضبا‏ ‏وتهدد‏ ‏باقتحام‏ ‏مسكنى ‏وإشعال‏ ‏فضحية‏ ‏فى ‏الحى ‏كله‏ ‏ونصحتنى ‏أن‏ ‏أرد‏ ‏ما‏ ‏ربحته‏ ‏حلا‏ ‏للمشكلة‏ ‏ولكنى ‏قلت‏ ‏لها‏ ‏أنهم‏ ‏سيعتبرون‏ ‏ذلك‏ ‏اعترافا‏ ‏بجريمة‏ ‏لم‏ ‏نرتكبها‏، ‏فقالت‏ ‏إن‏ ‏ذلك‏ ‏أهون‏ ‏مما‏ ‏يعتزمون‏ ‏ارتكابه‏ ‏وأذعنت‏ ‏لرأيها‏ ‏وسلمتها‏ ‏النقود‏ ‏وذهبت‏ ‏بها‏.‏

وعاد‏ ‏الهدوء‏ ‏لليل‏ ‏ولكنى ‏لم‏ ‏أزل‏ ‏أتوقع‏ ‏فضحية‏ ‏أو‏ ‏شرا‏ ‏من‏ ‏ذلك‏.‏

القراءة

ظهور “الفتاة” (أية فتاة) أو حضورها يتكرر فى الأحلام حتى الآن بتنويعات مختلفة، يمكن أن نجمعها لاحقا للمقارنة فى الدراسة الطولية، مثلا الفتاة هنا أشبه بالوسيط أو الشريك فى شىء ما، وهى غير الفتيات اللاتى ظهرن حتى الآن (حلم 2، كان الراوى يتبع الفتاة ثم انتمى وهو يبحث عنها، وحلم 7 حين سار فى أثر فتاة الترام “3”، وكانت الفتاة هى أخته وأشياء أخرى فى حلم 9، وهى غير صاحبته فى الحجرة فى حلم 10،  وأيضا ليست مثل بنت ريا فى حلم 13، أما هى فهى هنا معه وهو معها دون علاقة خاصة، فلا يلوح فى الأفق أى رفض له مثلما حدث مع فتاتىْ حلم 15، وهى غير الفتاة الربان حلم 18، وغير فتاة القمر والقارب حلم 20، وغير فتاة الوعد والشروط حلم 25، هى فتاة تظهر فى الصورة بذاتها، تشاركه سحق القهر، واستسلام الذل، لا أكثر.

إنكار ضربة الحظ إلا لأحد أفراد الثلة الخاصة هو مبدأ يرتبط بتحيز الثللية الذى يلفظ الدخيل ويرفض حتى عدْل الأقدار، غير مسموح لغريب عن الثلة بالقنص والهرب بالغنيمة حتى لو التزم القواعد الظاهرة، الفتاة هنا شريكة فى شهادة العدل، وهذه جريمة فى ذاتها بقانون الثللية، فهى تستحق عليها العقاب.

عودة الراوى إلى المنزل هنا لم تكن هربا أو طلبا للأمان كما لاحظنا فى الأحلام حتى الآن، وإنما هى حق مشروع لمن يكسب ويريد أن يتوقف وأن يحتفظ بما كسب، لكنها جريمة فى عرف الثلة.

لماذا لم ينتقضوا عليه هو دونها؟

 هل كانوا يتشطرون على الأضعف الذى يحتمى بقانون اللعبة، أما هى فهى ليست إلا خادمة أو ساعية؟

 الهرب هنا والنذالة تراجُعاً يؤيد التهمة ولا ينفيها ، لذلك هو لم يتراجع أو يستذل، فهى الشهامة كما تبدو لأول وهلة.

سكرت المجموعة، وتهيجت وهددت، هو يعلم أن التراجع والانصياع إلى الابتزاز بأن يُرجع النقود ليس إلا سلبية جديدة وهزيمة تلغى كل ما همَّ به، أو بدا منه، من شهامة سابقة، حين كان يساعد الفتاة و يحاول أن يسترها أو يحميها،

 ومع ذلك، فإن هذه المقاومة والدفاع عن السمعة (لا الكرامة) سرعان ما تراجعت هى الأخرى فانهزم وسلمّ النقود.

هل هى دعوة إلى الهزيمة؟

بل هى تعرية للهزيمة؟

إن من يتنازل عن حقه، وعن شهامته، لن يتمتع إلا بهدوء كاذب، وسوف يظل مهددا بفضحيةٍ ما،

 والأرجح أن يكون التهديد من داخله،

 لأنه تنازل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *