الرئيسية / حوارات وأحاديث / جيشنا هو الشعب المصرى “لابس ميرى”

جيشنا هو الشعب المصرى “لابس ميرى”

نشرت فى جريدة الأخبار

الأربعاء: 9 ديسمبر 2015

د. يحيي الرخاوي أستاذ الطب النفسي :

جيشنا هو الشعب المصري “لابس ميري”

أجرت الجوار : منى الحداد

د.يحيي الرخاوي (82) عاما لا يغوص فقط في أغوار النفس الإنسانية لتحليلها من واقع كونه أستاذا للطب النفسي بل هو شخصية إنسانية متعددة المواهب فهو شاعر وأديب  وله في المجالين عدة مؤلفات نالت إحداها وهي رواية صدرت في جزءين تحت عنوان (المشي علي الصراط) جائزة الدولة التشجيعية للآداب عام 1979 .

ومن خلال حواره  لـ (الأخبار) أطلق د.الرخاوي إنذارا مبكرا لكل مصري أن عليه أن يعرف أن مصلحة البلد هي مصلحته الشخصية جدا حتي لو افتقد العدل في التوزيع وأنه ليس أمامه إلا العمل الحقيقي الفعلي طول الوقت فهو يري أن مصر تتعرض لعدوان جماعي الهدف منه سحق الشعب وجره إلي تبعية اقتصادية ذليلة،ويأسف د.يحيي علي «الشمّاتين»الذي تعلو أصواتهم مع أي أزمة تمر بالبلاد مؤكداً أنهم سيكونون أول الخاسرين إذا فشلت الدولة «لا قدّر الله»،كما يثمّن د.الرخاوي  دور الجيش المصري الذي يراه9-12-2015 إيجابيا وضروريا مما جعله في موضع حسد وغيرة، وأيضا هدف للهجوم من أي كاره لمصر حاقد علي سعيها نحو استعادة توازنها وموقعها وقيادتها..وإلي المزيد في الحوار التالي.

مصر تتعرض لعدوان جماعي هدفه سحق  الشعب وجر البلاد إلي تبعية اقتصادية ذليلة

 هل تعتقد أن الشخصية المصرية تظهر صلابتها وقت الأزمات..خاصة أننا رأينا هذا في ثورتي 25  يناير و30 يونيو وفي الاكتتاب لقناة السويس؟

ــ من حيث المبدأ، ومن منطلق تاريخي، لا شك أن المصري قادر علي التعامل مع الزمن، والزمان كله أزمات، وتاريخ الفرد كما تاريخ الشعوب، لا ينصهر إلا بالأزمات، لكنني أحذر أن نسمي كل محنة أزمة، وكل خطأ أزمة، وكل ضائقة أزمة، فمثلا : الاكتتاب لقناة السويس ليس أزمة، بل هو مشروع وصل إلي وعي الناس أنه يحيي تاريخا طيبا، ويفتح إشراقة محتملة، وأيضا يعود علي المساهمين فيه بعائد مادي مناسب يسد بعض احتياجاتهم، فأين الأزمة في ذلك؟ أما اعتبار ثورتي يناير ويونيو أزمات فهذا غير صحيح، الازمة ظهرت حين انقلبت الثورة الأولي، أو كادت تنقلب، إلي فوضي، وأيضا ثورة يونيو ليست أزمة، الأزمة كانت قبلها حين تولي أمورنا من لايصلح لها، ولا يصلح لنا، فجاءت الثورة لتحل هذه الأزمة فهي ليست في حد ذاتها أزمة، لكننا حين اعتبرنا أنها نهاية وليست بداية، واسترخينا، وبدأ مسلسل الاعتمادية والمطالب الذاتية والفئوية، أدخلنا أنفسنا في أزمة اقتصادية جديدة أرجو أن نخرج منها أقوي وأصلب، هذا فضلا عن امتحانات القدر بعد ذلك.

إنذار مبكر

 هل تري أن المصريين يحتاجون إلي روشتة علاجية للمشاركة الإيجابية في المساهمة في العملية الإقتصادية؟

ــ بصراحة أنا ضد وصف شعب بأكمله بصفة مرضية، وكلمة روشتة علاجية ذكرتني بذلك، أنا رفضت مرارا أن أصف الشعب المصري بأن عنده «الاكتئاب القومي»، هذا ليس صحيحا ،من حق أي إنسان عنده مشاعر عادية طيبة أن يحزن لأحوال بلده، وأن يأسي لحال ناسه، وأن يهتز عنده الأمل إذا تأخر تحقيقه، لكن كل هذا ليس مبررا لأن نسمي ذلك اكتئابا لا قوميا ولا غير قومي.

ولا أظن أن هذا هو زمن النصائح، ولا الروشتات، الأمر يحتاج إلي إنذار مبكر، وتوصيل حجم المشكلة لكل الناس بشكل موضوعي: لا هو باعث لليأس، ولا هو ملوّح بأمل لا تبدو في الأفق بدايات السعي إليه، علي كل واحد منا أن يعرف أن مصلحة البلد هي مصلحته الشخصية جدا حتي لو افتقد العدل في التوزيع، فعليه أن يعرف أن توقفه عند مقارنة حالة بحال غيره من المحظوطين أو المتميزين، قد يعود عليه هو بالخسارة قبلهم،  إلا أنها لو أضرت اقتصاد الدولة، فإن ذلك، سوف يعود علي الأفقر والأحوج، لأن القادر سيجد طريقه الخاص لتلافي الإفلاس أو الجوع بشكل أو بآخر، إن ديننا  ونحن نكرر باستمرار اننا شعب متدين  يذكرنا أن مسئولية الناس جميعا تبدأ بمسئولية كل فرد عن نفسه، ثم عن الناس جميعا، حتي لو لم يكن رئيسا أو قائدا في موقعه «.. وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً» ، لا توجد عندي وصفة ملزمة إلا العمل الحقيقي الفعلي طول الوقت، ويكون العمل لوجه خالقنا ولعيالنا قبل أن يكون لصاحب العمل، و«كلهم آتيه يوم القيامة فردا»، والحساب يكون دائما حسابا شخصيا قبل أن يكون حسابا رسميا أو سلطويا «مـِن خَدِ الأجرة حاسبه الله عالعمل».

يعتقد الكثيرون أن في مصر الآن أزمة ثقة بين المواطنين والحكومات المتتالية..هل توافق علي هذا الطرح؟

ــ نعم أوافق، والحكاية قديمة جدا، نبدأ بالتعبير الذي لا أحبه كثيرا وهو، تعبير الافتقار إلي «الشفافية»، بمعني أن الحكومات المتتالية لا تبلغ الناس أولا بأول ما ينبغي أن تبلغهم إياه، وبحجمه الموضوعي، حتي لو كان ما تبلغهم به مؤلما أو قاسيا، فهم أصحاب المصلحة ولا بد أن يشاركوا في إزالة الأسباب، إن نقص الشفافية عندي يساوي الكذب، حين تقول الحكومة للناس معلومات غير الحقيقة، وهذا يرجع إلي عدم الثقة في قدرة الناس علي التعاون واستعدادهم للبذل لتجاوز الأسباب، السبب الثاني الذي يساهم في فقد الثقة هو أن الحكومات المتتالية تكرر نفس الأخطاء مهما اختلف أفرادها، فمن أين يحصل الناس علي الثقة ليدعموا الجدد منهم حتي لو اختلفت أسماؤهم .

تحمل المسئولية

 هل تعتقد أن مصر بها قصور في فكرة التعامل مع الأزمات المتتالية التي تمر بها؟وما أهم الوسائل لعلاج هذه الحالة؟

ــ طبعا بها قصور، ومن ذا الذي ليس به قصور، ولكن حين نقول مصر بها قصور لا بد أن نفرق بين مصر الحكومة، ومصر الناس، فالقصور عند الحكومة يأتي من عدم الخبرة، خصوصا الخبرة السياسية، وليس بالضرورة الخبرة الفنية أوالعلمية، فالحاكم هو سياسي في المقام الأول، والسياسي هو القادر علي تحريك جموع الناس إلي مصالحهم ومصالح البلد قبل ومع وبعد أن ينجز هذا المشروع أو ذاك، هناك أزمات نحن السبب فيها تفرض علينا فرضا مثل أزمة التعليم التي وصلت إلي حد الجريمة القومية بل الكارثة الحضارية، وهناك أزمات مثل سقوط الطائرة الروسية، وفي جميع الأحوال علينا أن نتحمل مسئولية تقصيرنا لا لنكرر اللوم والشجب، ولكن لنصلح المائل، أما ما يفرضه علينا القدر فنحن أقدر علي احترام مشيئة الله.

الجيش المصري

 هجمات إعلامية علنية علي الجيش المصري من الغرب وأمريكا..كيف نفسر هذه الظاهرة نفسيا؟

ــ الجيش المصري هو الشعب المصري «لابس ميري»، وهو ما زال المؤسسة المنتجة المنضبطة عبر تاريخه، وهو يقوم بدور إيجابي وضروري في هذه المرحلة، من أول واجبه الأساسي في الحفاظ علي حدودنا، حتي الإسهام في حل أزمة الأسعار وفتح منافذ بيع تمنع استغلال الإنسان العادي المحتاج، مرورا بالتعاون مع الشرطة لحفظ الأمن، وبالتالي هو موضع حسد وغيرة، وأيضا هدف هجوم لأي كاره لمصر حاقد علي سعيها نحو استعادة توازنها وموقعها وقيادتها.

 كيف نشفي من هوس الوقوف عند آراء الغرب فينا واتخاذ موقف المدافع منها؟

ــ  سيكون ذلك ممكنا حين نعرف أن الغرب يريد أن يتعلم منا لو عمقنا إيجابيات ثقافتنا، بقدر ما نحتاج أن نتعلم من إيجابياته، الغرب الآن يتعلم من الصين عبادة العمل وتقديس الإنتاج، وهو يحتاج إلي التخلي عن قيم التركيز علي الذات، وتقديس الثقافة الورقية القانونية المكتوبة، إن عندنا ما نصدّره لهم لو بدأنا بأنفسنا ونحن نعمل مستشعرين حضور الله في كل ثانية، وفي كل عمل، والحرص علي خير الآخر وليس مجرد حساب عدم إيذائه، ولا تقاس قيمنا الإيجابية بإعلانها أو الحديث عنها، وإنما تقاس بإنتاجنا واستقلالنا الاقتصادي وإضافاتنا الإبداعية.

 هل تري تشابها بين ما يحدث الآن وما حدث قبل حرب 1956؟

ــ التاريخ لا يعيد نفسه كما يزعمون، ولكل مرحلة معالمها، فالمؤامرات الجارية الآن ليست عدوانا ثلاثيا مثل عدوان 1956، بل هي عدوان جماعيّ، وهي لا تستهدف كسر شوكة ثورة وليدة، ولكنها تستهدف سحق شعوب بأكملها وجرها إلي تبعية اقتصادية ذليلة.

متفائل  مزمن

 هل أنت متفائل بشكل البرلمان المقبل وأنه سيكون معبرا عن طوائف الشعب المصري؟

ــ أنا متفائل مزمن، أنا لا أملك إلا أن أتفاءل، ولم أسمح لنفسي أبدا أن استرخي في رفاهية اليأس، التفاؤل عندي إلزام أن اشارك وحالا (بدءا من هذه اللحظة) في الإسهام في تحقيق تفاؤلي علي أرض الواقع.

أما بالنسبة للبرلمان القادم ، فأنا لا أرجو منه خيرا كثيرا، كل ما أتمناه ألا يكون عاملا سلبيا يضيف إلي ما نعاني منه من سلبيات، وكثيرا ما أعجز عن تقمص شخصية المرشحين وأنا اسأل نفسي ، دون أن أعرف صاحب الصورة ، يا تري ماذا في ذهن هذا الرجل (أو هذه السيدة) لصالح البلد ولأولاده وأولادي، وللأسف فإني لا أجد جوابا جيدا يطمئنني، وأخشي ما أخشاه أن تنقلب المسألة إلي منظرة استجوابية، فيضيف هذا البرلمان منبرا إعلاميا أجوف  جديدا، أو أن يكون الهدف هو مجرد خدمة دوائرهم، أو ملء جيوبهم. 

 الشامتون ظاهرة انتشرت مؤخرا بشكل كبير وترتفع أصواتهم أكثر مع كل أزمة تتعرض لها مصر ..فما تفسيرك لها؟ 

ــ أقول لهم هناك بيت شعر بسيط:»فدام لي ما بي ومابهم..ومات أكثرنا غيظا بما يجد»إذن في ماذا يشمتون وهذا يقال في الحسد،أما الشماتة فهي ألعن لأن بداخلهم نارا مشتعلة وهؤلاء من الممكن ضمهم لمن يطلق عليهم «كارهي الحياة»فهم يكرهون أنفسهم قبل أن يكرهوا الآخرين بالإضافة لأعداء النجاح،فالشامت مجرد أن يري أحدا تفوق عليه وتميز يبدأ الحسد بعد ذلك ينتظر له أي غلطة يقع فيها يشمت فيه،إذن الشماتة عملية مكملة وبالتالي الشمّاتون يفرحون في فشل الآخرين حتي ولو هم أصيبوا بخسارة بسبب هذا الفشل.

 بعد التنبيهات العديدة من الرئيس السيسي لوسائل الإعلام بتحري الدقة..كيف يتحول إعلامنا المصري إلي دافع للحركة الوطنية؟

ــ لا تكفي تنبيهات الرئيس السيسي التي أساءوا  فهمها، ولكن ليعلم الإعلاميون أنهم مسئولون عن تشكيل وعي الناس، وليس فقط عن إبلاغهم ما يثيرهم، وجلب الإعلانات لمن يعملون عندهم، أما تحري الدقة، فهو تابع لقيم الإتقان الذي لا تبني حضارة بدونه، وأغلبنا يفتقر إلي هذه القيمة وينسي “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *