الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الوفد / “ديمقراطية”.. حسب طلب الزبون!!

“ديمقراطية”.. حسب طلب الزبون!!

نشرت فى الوفد

15-6-2011

“ديمقراطية”.. حسب طلب الزبون!!

أقسم بالله العظيم ثلاثا أننى موافق على الديمقراطية جدا، بأمارة الانتخابات بإذن الله، جدا.

 لكن المسألة ليست بهذه البساطة، لو سمحتم، ذلك أنه توجد أنواع كثيرة من الانتخابات ترتب حسب الغرض منها، بإذن الله.

 أنا فى حال صعبة: قبضة من فولاذ سائل تعصر قلبى برغم أننى مصر أن أحتفظ بتفاؤلى المؤلم، الهم يحيط بى ويطرد التفاؤل الرخو، فيزيد همى دون أن أنسحب، فيحضرنى صالح عبد الحى وهو فى غاية الوجد الإبداعى وهو يكرر: “الله المدبِّر والدنيا شؤونْ، لا تـُكثرْ لهمـَّك ما قـُدِّرْ يكونْ”، فيصلنى الفرق بين الهم، والغم، والحزن الشفيف، وأحاول أن أصبر نفسى بمزيد من احترام اللغة السائدة، والواقع المر الخطر معا، من أول الالتزام بنتيجة الاستفتاء الذى لا أشك لحظة فى ديمقراطيته، حتى الانشغال بإشكالة الانتخابات البرلمانية قبل الرئاسية أم العكس، ثم الدستور بالسلامة، أو العكس، ويتضاعف همى، فيقفز الشيخ صالح من جديد ينبهنى ألا أكثر من همى، فتحضرنى كلمات موازية أكثر تناسبا مع واقع الحال، الآن، تقول:

إلـزمْ النتيجـــة             واترك كل دونْ

واسألـْهُ السلامة                من دار الجنون

لا تُـكثر لـهمَّـك ما قـُـدِّر يكونْ

لا يضيق صدرك               فالحدَثْ يهونْ

والبركة فْ جماعتك            والدنيا شؤون

لا تُـكثر لـهمَّـك ما قـُـدِّر يكونْ

هـمَّكْ واهتمامّكْ               كلـُّه لا يفيدْ

بالأمر اللى هوّه                 يحصل المفيدْ

ياللا خلّ عنّك                  والزمْ السكونْ

لا تُـكثر لـهمَّـك ما قـُـدِّر يكونْ

لا تِشغلـْلِى بالك،               بل خفـِّـف تعوم

 دا مجلس مـُجهَّز              مش مجلس عموم

 لا تُـكثر لـهمَّـك ما قـُـدِّر يكونْ

و”الأمـنْ” الجديدْ              إنـهُ يـَراكْ

شايفك وانت نايم                أو باصص وراكْ
كله فى الهوامش                والمتون متون
لا تُـكثر لـهمَّـك ما قـُـدِّر يكونْ

وهكذا أرضى أن تسير المركب بقيادة أى طاقم متاح، وما قـُـدِّر يكونْ، أنا موافق، ومع أن موافقتى هذه لا قيمة لها، واعتراضى أيضا لا قيمة له، فسوف أواصل تعرية الديمقراطية حتى وأنا أتبع المتاح منها، دون أن أشعر بأى تناقض: هل هى ديمقراطية قديمة ومعلبة ومجهزة بما يليق بنا (على قدّنا)، أم أنها من النوع الأصلى؟ وحتى النوع الأصلى سوف أواصل تعريته فكثير منه ظاهره الديمقراطية، وباطنه اغتيال الشعوب، واستعمال البشر،  برضاهم (بأمارة صناديق الانتخاب الشفافة!)

 هأنذا يا شيخى العزيز محفوظ وافقت أن أكون ديمقراطيا رغم أنفى، لكننى سوف أظل انبه أنها موافقة لها عمر افتراضى، ولها شوك اعتراضى، وهو الشرك المؤلم الذى سوف يدفعنا باستمرار أن نظل نبحث حتى نبدع الأفضل لكل الناس، حتى نجد البديل، وهو أمر ليس سهلا على مستوى العالم، ولكن ليس لنا خيار.

أنا أعرف أننا لن نجد بديلا أرقى وأبقى، إلا بمعاناة مؤلمة وإبداع جاد، أحيانا أتصور أن الحكم الشمولى الصريح القبيح قد تكون له ميزة أنه أقصر عمرا من ديمقراطية مغشوشة مخادعة، وبالتالى فقد يكون الأفضل لأنه يعرى نفسه بنفسه، حين يمارس الظلم ببجاحة ووقاحة، فهو بذلك يحفز رفضه، ويثير غضب الناس الذى يتراكم بطبيعته حتى تتولد طاقة انفجار كافية، ثم تتفجر، وتزيحه، أما الديمقراطية التى تقدم إليك فى طبق من الدسم، وبه من المخدرات ما يكفى لحبسك فى غيابات التخلف عقودا، أو تستدرجك إلى ألعن أنواع الاستعمار الذى قد لا يكتفى باستعمار أرضك، أو اقتصادك، بل يمتد إلى استعمار فكرك ومشاعرك، أو استعمال إيمانك وتدينك، أستغفر الله العظيم.

استعمال الديمقراطية الخبيث لتحقيق أهداف غير ديمقراطية قد يشبه الاستعمال غير الأخلاقى لعلم الإحصاء، فى البحث العلمى، وأحيانا فى مناورات الاقتصاد وألعاب السوق. معظم الناس يفترضون أن لغة الأرقام الخارجة من معادلات الإحصاء هى لغة موضوعية جدا جدا، وأنها الدليل العلمى الموثوق به لمعرفة الحقيقة، أو توصيف الواقع، وهذا أمر يحتاج حذرا ونقدا شديدين، وما زالت فضيحة أنفلونزا الطيور ثم أنفلونزا الخنازير تنبهنا كيف استغلوا رعب الناس، واستسلامهم للأرقام المجردة، فى التربح بغير وجه حق، (الأهرام العربى 11 الجارى: سبوبة استفادت منها شركات الأدوية: كلفت العالم – الثالث بالذات- تريلونى دولار).

يوجد علم فرعى يسمى “أخلاقيات الإحصاء”، يحاول أن يعرى الخبث وراء بعض ألعاب الإحصاء، حين يقدم أخصائى الإحصاء للمسئول الاقتصادى، أو للعالم الباحث من المعادلات والمعاملات الأحصائية ما يحقق به غرضه المسبق، بمعنى أن يقوم الأحصائى بتقديم المعادلة التى تحقق للباحث أو المسئول الاقتصادى ما يخدم غرضه الأخفى الذى يصب عادة فى امتلاك المزيد من المال أو السلطة على حساب العلم الحقيقى وصالح الناس، ويُختصر هذا الموقف فى قول شائع يقول “إن الإحصاء يمكن أن تــُـثبت أى شىء، حتى الحقيقة”،

 أرجو ألا أشكك بذلك فى كل التعامل مع الأرقام ومع الإحصاء، فقط هى معلومات للتحذير فالنقد.

بمجرد أن تقول “ديقراطية “، يققزإلى ظاهر وعيك آليـّتان: حرية الرأى، وصناديق الانتخاب، ولا حرية الرأى هى نهاية مطاف الحرية، ولا صناديق الانتخاب هى المعبرة دائما عن حقيقة أبعاد المشاركة فى اتخاذ القرار فالمسئولية، إلا بمقدار مصداقية كيفية الإعداد لها، وليس فقط حراسة إجراءات تنفيذ هذا أو ذاك.

خذ مثالا لنموذج أصغر وهيا نفحص هذا المطلب الذى يطالب به أغلب أعضاء هيئات التدريس بالجامعات حاليا (وسابقا) وهو : تعيين العمداء بالانتخاب، ثم انظر حولك وسوف تجد أن الابتسامات قد علت الوجوه، وروائح الديمقراطية المقدسة هبت، وكأنه من البديهى أن الانتخاب سيأتى بأفضل العناصر لأنه نابع من رأى أغلب الأساتذة !! فهل الأمر كذلك؟

 لقد عاصرت لعدد من السنوات نظام العميد بالانتخاب، ولم تكن الانتخابات تأتى بالأفضل أو بالأقدر دائما، كانت تأتى عادة بالأذكى اجتماعيا، والاكثر جاذبية (كاريزما) والأجهز خدمات شخصية وتشهيلية، وكلام من هذا، بل إن الدعاية للانتخاب (بين أساتذة يمثلون صفوة المثقفين والعلماء) كانت تتجاوز الحدود الأخلاقية والقانونية أحيانا، وتتعرى المسألة أكثر حين يكون الانتخاب لدورة ثانية، فنلاحظ كيف تزيد خدمات العميد لمطالب الاساتذة الذاتية، وكيف تتراجع اللهجة الانضباطية، وكيف تهمد المتابعة لأداء الكبار لتتركز على الأصغر فالأصغر، ويفوّت العميد للأساتذة لانهم يمثلون أصوات الناخبين الذين بيدهم أن يسمحوا له بمدة ثانية، وتمتد المجاملات، والتسهيلات، حتى تشمل بوجه خاص أولاد الأساتذة وبناتهم إن كانوا فى نفس الكلية، وقد وصل الأمر أحيانا أن يتصل العميد، أو من يؤيده قرب الامتحانات بفلذات أكبادنا!! هؤلاء: ليطمئن على مستواهم، ويسألهم عن أى طلبات لهم إزاء أيها حاجة، وكلام لم أصدقه، ولم أنكره، ولن أذكره، علما بأن لى ولد وبنت كانا طلبة فى الكلية.

روح يا زمان تعالى يا زمان، عاد العمداء يعنون من أعلى، فتحوّلت بوصلة الاتصالات إلى فوق، وحلت الاهتمامات السياسية فجأة محل العلم والإدارة والاتصالات الاجتماعية، وأصبحت المجاملات والتربيطات تجرى مع الحزب والسلطة والسياسات والهانم، بدلا من الأساتذة وأبنائهم وبناتهم داخل الكلية

بصراحة: هل يمكن الإجابة على تساؤل يقول: أى النظامين هو الأقرب إلى الديمقراطية؟ أن ترشو الأساتذة وأبنائهم وبناتهم بالمجاملات والذى منه؟ أم أن تعرف الطريق إلى الكرسى بالتواصل مع الحزب ورجال الحزب، والهانم ومعارف الهانم،  ومَن حول هؤلاء وأولئك؟

حين لم أعرف كيف أجيب على هذا السؤال، تقدمت باقتراح رسمى (1982) فى كتاب مطبوع (أسمار وأفكار)، يثبت أننى ديمقراطى حتى النخاع، وهو: أن تتسع دائرة الناخبين حتى تشمل المعيدين والمدرسين المساعدين وطبعا المدرسين والأساتذة المساعدين، وبررت ذلك بأن هؤلاء جميعا ليس لهم

أولاد وبنات فى كليات الطب بعد، وأنه من غير المنطقى أن نسمح لمن هم دونهم سنا وتعليما وثقافة بانتخاب رئيس الجمهورية، ثم نحرمهم من انتخاب عميدهم باعتبار أنهم لم يبلغو سن الرشد الانتخابى (سن الأساتذة ومناصبهم).

وطبعا لم ينظر فى هذا الاقتراح أصلا ويبدو أنه كان يحتاج استفتاء مسبقا مثل دستور هذه الأيام

وهكذا عدت أتساءل:

أى نوع من الديمقراطية يهيئ الفرصة لمن؟ وإلى أين؟

وأى مستوى من الوعى والمسئولية يخاطب المرشح ناخبيه ابتغاء مرضاة الله والوطن.

ويكثر همى، قيأتينى صوت الشيخ صالح ألا أكثر من همّى وأنجح أحيانا، وأفشل كثيرا، ويزداد همى، وأزداد مسئولية من واقع ألم تفاؤلى!!

وربنا يستر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *