الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (78) من الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (78) من الكراسة الأولى

نشرة “الإنسان والتطور”

31 – 5 – 2012

السنة الخامسة

 العدد:  1735
M_AFOUZ

ص 78 من الكراسة الأولى

31-5-2012

بسم الله الرحمن الرحيم

نجيب‏ ‏محفوظ

أم‏ ‏كلثوم‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ

فاطمة‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ

يا‏ ‏أيها‏ ‏المدثر

يا‏ ‏أيها‏ ‏المزمل

يا‏ ‏أيها‏ ‏المؤمنون

والضحي‏ ‏والليل‏ ‏اذا سجى

ما‏ ‏ودعك‏ ‏ربك‏ ‏وما‏ ‏قلى

الحلم‏ ‏سيد‏ ‏الأخلاق‏.‏

نجيب‏ ‏محفوظ

 19/4/1995

القراءة:

رجعنا إلى الصفحات الشديدة الثراء التى تحوى الجديد الجميل، لكن الصفحات التى يمكن أن يقال عنها أنها الأقل ثراء هى تحوى الجميل القديم مع الجديد الجميل أيضا،

إذن ماذا؟ فنبدأ بإشارة للتذكرة بما سبق وردوه من قبل: “يا أيها المدثر“، ثم “الحلم سيد الأخلاق“.

نبدأ أولا بهذه الحكمة الشائعة “الحِلم سيد الأخلاق“، وقد سبق أن وردت فى صفحة التدريب (9) فى النشرة بتاريخ 28 /1/ 2010 وحين عدت إليها الآن فى صفحة التدريب تلك، وجدتنى قد كتبت ما احتاج لإعادته من أن “…منظومة شيخى الأخلاقية تحتاج لموسوعة لترتيب هيراركيتها وبيان تعريفاتها، ربما نعرف ما هو “الحِلم” عنده، وهل صحيح أنه السيد، سيد الأخلاق، ثم ما الذى يليه، ثم ما إذا كانت الأخلاق يمكن أن ترتب أصلا (الأهم فالمهم أو السيد فالتابع)”، ثم أشرت إلى محاولتى المتواضعة فى هذه المنطقة ، مع إشارة إلى نقدى بعض أعماله بالنسبة لهذا الموضوع، دون تفصيل”

يبدو أن شيخى عاد  يعطينى اليوم فرصة إضافة محدودة لما تجاوزته سابقا، فأقول: “..أنا لم أر شيخى إلا حليما، مع أننى رأيته فى لحظات غضبه واحتجاجه شديد التوتر ضائق الصدر، لكنه لم يتخل عن حلمه حتى فى هذه اللحظات، ولا أنا أعلم إن كان ذلك كان يتم على حسابه، أم أن إبداعه الدائم الحضور كان يجعله الأقدر على تحمل التناقض واستيعاب البشر، وهو الذى اتاح له فرصة الجمع بين فضيلة الحِلم، وحق الغضب فى كثير من الأوقات.

أما عن الآية الكريمة: “يا أيها المدثر” فقد ورد هذا النص فى صفحة التدريب رقم (35) بتاريخ: 1/9/2011، ثم ها هى تَرِدَ هنا مع الأية الكريمة الأخرى “يا أيها المزمل” ،

 (1) وقبل أن ننتقل إلى سورة المزمل مستقلة، وهى التى دائما ما تقارن بسورة المدثر، أقرر أننى لم أجد مبررا لهذه المقارنة برغم التشابه الظاهر، لذلك أركز الآن على الآيات الأولى لسورة المزمل

“يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً”

لى علاقة شخصية مع هذه الآيات، ترجع إلى طفولتى فقد استيقظت ذات ليلة، وأنا بعد فى السادسة -على ما أذكر- فى جوف الليل لقضاء حاجتى غالبا، فإذا بى أتعثر فى شبح قائم يتمتم فى هدوء، ففزعت وحسبته ما حسبته، لكن سرعان ما تبينت أنه والدى واقفا منتصبا، فهو يصلى، ولم يخرج من صلاته وإن كان راح يهدهدنى وهو يكمل (غالبا) فتعرفت عليه وأنا أهدىء من روعى، ومكثت ملتصقا به حتى أكمل وسلّم، ثم راح يشرح لى ببساطة سهلة علاقته بربنا، وعلاقة ذلك بما كان يفعل ومغزاه وسره، كان ذلك هو أول معرفتى بما يسمى “قيام الليل” الذى ظل والدى يمارسه عشرات السنين، ثمان ركعات، “تأخذ منه كل ركعتين أكثر من نصف ساعة” وما سمعته يتحدث أبدا عن ذلك مع أحد منا، ولا مِنْ معارفه.

وتمر الأيام، وأبدأ فى التعرف على دينى وربى من منطلق مستقل، حتى وصل بى الأمر إلى ما يلى:

 كلما قال لى أحد المرضى أو أهل المرضى، يخبرنى أو يستأذننى، أنهم يجهزون للقيام بالعمرة “رقم كذا” أملا فى أن يشفى مريضهم، أو حتى يدعوا الله له هناك أقرب: اعترضت بمسئولية حاسمة وطلبت منهم تأجيل ذلك بعض الوقت، حتى ننتهى من المرحلة الجارية من العلاج، لكنهم عادة يصرّون، ويرفضون النصيحة، وأتشجع مع القريب منهم الواثق من تقبله لرأيى دون أحكام جاهزة واسأله عن قيامه الليل، فأكتشف أنه لا يعرفه أصلا، فأقول له إن فى القرآن الكريم  أمراً  صريحا بقيام الليل فى حين أنه لا يوجد مثل ذلك بالنسبة للعمرة، وأن الله سبحانه قريب منا فى هذه الحجرة – حجرة الكشف عادة –  يجيب دعوتنا إذا دعوناه كما وعدنا، دون حاجة إلى تأشيرة من السفارة السعودية، فيفهم أغلبهم ولكن أغلبهم أيضا يواصلون الإصرار، فأدعو لهم بالسلامة والقبول.

الأمر صريح، ومن يزعم أنه خاص بالنبى عليه الصلاة والسلام دون غيره فليتحمل مسئولية ذلك، وما تلى هذه الآية الكريمة من آيات يؤكد لى كيف أن القول أمانة (قولا ثقيلا)، والتنزيل أمانة، والوقت أمانة ، والقراءة أمانة، والحياة كلها أمانة، فأربط كل ذلك بأية “بالأمانة” التى أبت الجبال والسماء والأرض أن يحملنها لثقلها، فحملها نبينا امتثالا لهذا الأمر بهذه الطاعة الجميلة، لنحملها مثله حتى لا يكون أى منا “ظلوما جهولاً” …. الخ

لا أعرف لماذا شعرت أن كل ذلك أو أغلب ذلك قد حضر مع حركة سحاب وعى شيخى الملىء خيرا وإيمانا، فتساقط منه هذا الرذاز المُـفـِيق.

(2) ثم ها هو شيخنا يلحق بخطاب المدثر والمزمل خطابا جامعا للمؤمنين، وكأنه ضمنا ينبهنا إلى ما انتبهتُ إليه من أن القدوة الحقيقية هى فى تعميم أوامر الخير، وفرص القرب، وحق الدعاء، يكتب شيخنا “يا أيها المؤمنون” وكأنه يدعو – ضمنا- كل المؤمنين ليحذوا حذو نبينا المدثر والمزمل صلوات الله عليه، ثم أروح أبحث عن هذا النداء “يا أيها المؤمنون” فى كل القرآن الكريم فلا أجد ما هو قريب منه إلا فى آخر آية تقول: “… وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” الآية (31) سورة النور، فى حين أجد “يا أيها الناس” أكثر من عشرين مرة، فيصلنى مرة أخرى أن الله سبحانه لم يكن يخص المؤمنين، ناهيك عن المسلمين، بالخطاب، بقدر ما كان يخاطب الناس أجمعين بما فى ذلك من دلالات سبقت الإشارة إليها.

(3) ثم ننتقل الآن إلى سورة “َالضُّحَى“، وأربط بين ما أثبته شيخى وما وصلنى من بعض آياتها عن هذه العلاقة الحميمة الرقيقة بين العبد وربه،

رحت أعايش هذا الود الذى وصلنى بعد القسم بالضحى والليل إذا سجى: ما بين ربنا سبحانه ونبيه الطيب صلى الله عليه وسلم، فيصلنى كيف يُطَمِئنُ الحبيب حبيبه، ويذكره أنه لم ينسه، ولم يهجره، ولم يُبعده، ولم يكرهه، ولا يكتفى بذلك بل يدلل له على ذلك ، وكأنه يحتاج إلى دليل: بانه حين وجده يتيما آواه، وحين وجده ضالا هداه، وحين وجده عائلا أغناه، مرة أخرى: وهل يحتاج ربنا أن يدلل على أنه لم يهجر حبيبه وصفيه؟! لكننى أتوقف فرحا وأنا أعايش كل رقة هذه العلاقة إذْ تصلنى على أنها مطروحة بين العبد وربه عموما على نفس القياس ونفس السماح. وبالذات بين شيخى وربه، وخاصة حين تصله اتهامات العميان بما لا يعرفون عنه، ومالا يريدون، وربما لا يستطيعون أن يتعلموه منه.

بعد توصية ربنا لنبيه ولنا باليتيم والسائل (دون حاجة إلى رواية محددة بأحداث محددة، ودون إنكارها كذلك) تنتهى السورة بهذه الآية الكريمة “وأما بنعمة ربك فحدث” ، وأذكر أننى تناقشت فيها الأستاذ وقلت له رأيى وكيف أننى لا أكتفى بتفسيرها: بأن المطلوب أن نظهر نعمة ربنا علينا حمدا وشكرا، حتى لا نخفى ثراءنا، ولا بهاءنا، ولا ما نرفل فيه من فضل الله، إلا أن وعيى امتد إلى الاعتقاد بأن “الحديث عن نعم ربنا علينا” لابد أن يشمل حسن استعمالها فيما خُلقت له، وحسن توظيفها لخدمة صاحبها وناسه ومن ثَمَّ كل الناس، وأيضا نحن نتحدث بنعم ربنا بها بأن نحسن الحفاظ عليها جميعا، باعتبار أن النعمة بقدر ما هى نعمة، هى أمانة أيضا

وهكذا تهب علىّ نسائم شيخى اليوم رقيقة حانية منعشة محرِّكة للمسئولية والود آمرة برعاية الأضعف، والرفق بالأكثر حاجة، والدماثة مع الأقل منزلة.

فما أجمل كل هذا يا عمّنا!

أدع معنا،– يا شيخنا- لمصر هذه الأيام أكثر فأكثر

 ربنا يخليك

ويحفظها منّا ومنهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *