الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (76) الإدراك (37) “العين الداخلية” (8) و”عملية اعتمال (معالجة) المعلومات” (7)

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (76) الإدراك (37) “العين الداخلية” (8) و”عملية اعتمال (معالجة) المعلومات” (7)

نشرة “الإنسان والتطور”

  16- 5 – 2012

السنة الخامسة

 العدد: 1720

 24-4-2012

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (76)

الإدراك (37)

“العين الداخلية” (8)

و”عملية اعتمال (معالجة) المعلومات” (7)

Information Processing

“تأجيل الحُكم” “والوضع بين قوسين”

والمنهج الفينومينولجى فى المقابلة الإكلينيكية

مقدمة:

انتهت المقابلة السابقة، ونشرة أمس هكذا:

د.يحيي: خلى بالك أنا عارف  أكل العيش يعنى إيه اليومين دول، بس صنعتى بتقول لى لأه مافيش سفر دلوقتى، لما يخلص التليين، تبقى تعمل اللى انت عاوزه، خلينا دلوقتى ماشين على ستين وثمانين لما يخلص التليين تمشى على 140 إنت حر، وبرضه يبقى فيه خطر، يمكن تعمل حادثة تموت فيها

رشاد: ما حدش حا يعيش يا دكتور

د.يحيي: طيب ومستعجل ليه بقى

رشاد: خلاص كده؟

د.يحيي: آه طبعاً

رشاد: لأ بجد؟

د.يحيي: أه والله ايه عاوز حاجة تانية؟

رشاد: لأ يعنى، قصدى بس كفاية القعدة جنب حضرتك يعنى

د.يحيي: متشكرين، إحنا نشوفك الجمعة الجاية، ويمكن نخصص المقابلة كلها لك، عشان نعرف أكتر، ونقرر أحسن.

….

وقد كان، وحضر الأسبوع التالى 2/4/2009 فنعرض بداية اللقاء كما يلى:  

دخول رشاد (2-4-2009)

د.يحيى: أقعد يا رشاد، يا رشاد أنا محتاج منك ساعة بحالها النهارده، ولاّ يمكن أكثر يا ابنى عشان نفسر الكلام اللى انت قلته للدكتورة “م”، إنت سلمت عليَّا إمبارح وأنا بامرّ، وأنا سألت عليك الأسبوع اللى فات بس ماكانش فيه فرصة نقعد كفاية

رشاد: تمام، أنا مع حضرتك

(*)  من هنا، وحتى نهاية اللقاء، لاحظ تماسك حديثه أثناء الحوار بدرجة تكاد تفوق الشخص السليم جدا !!، مع التذكرة أن التشخيص الرسمى ما زال : فصام بارنوى !!.

د.يحيى: حاناخد وندى النهاردة فى الكلام اللى قلته للدكتورة “م”

رشاد: ماشى بس كان عندى سؤالين بصراحة

د.يحيى: نعم؟

رشاد: عندى سؤالين محيرنّى شوية

د.يحيى: حاضر عنيّا الاتنين، أسألهم الأول عشان نخلص منهم، السؤال لازم يكون أوله اداة استفهام وآخره علامة أستفهام،  فاكر؟  أداة أستفهام زى ما علمونا زمان “هل” و”كم” و”كيف” وكده، لو قلت السؤالين من غير “هل” و”كم” و”لماذا” ما يبقاش سؤال، أنا تحت أمرك

(*) هذا الأسلوب أتبعه مؤخرا مع كثير من مرضاى، وأهلهم أيضا، كوسيلة لتحديد الحوار منعا للاسترسال المغترب الذى غلب على معظم المرضى، والأهل، نتيجة سوء فهمهم لفكرة التحليل النفسى والعلاج النفسى، هذا الأسلوب هو أيضا جزء من أسلوب التركيز فى “هنا – والآن” مع تحديد “المهمة المعنية”، سواء فى العلاج الفردى أم العلاج الجمعى، ويطرح السماح بالأسئلة المحددة، بعد التعرف الكافى أو قرب نهاية اللقاء عادة، وتكون إجاباتى قصيرة عادة.

رشاد: طب بلاش سؤال انا طالب من حضرتك طلب

د.يحيى: لأ مفيش طلب دلوقتى، السؤال الأول؟ فين السؤال؟

رشاد: هوا اللى أنا فيه ده انا مش حاسس إنه مرض بصراحه، هوّه مرض صحيح؟

د.يحيى: ما هو أنا مقابلك النهاردة عشان أجاوب على السؤال ده، عشان نعرف سوا سوا  يعنى إيه مرض ويعنى إيه مش مرض، إنت بتقول كلام كله مرض، بتوصف المرض 100%، وشكلك إن مافيش مرض، علشان كده عمالين نقلّب، ونقول ونعيد، ونزيد، عشان نشوف سوا سوا

رشاد: ما هو لازم أعرف الأول، هل ينفع إن أنا أمشى فى طريق مش عارفه؟

د.يحيى: ساعات ينفع، لما الدنيا تكون ملخبطة، لازم نتأنى شوية، مش كفاية نعرف اسم الشارع، بس لازم نشوف إحنا رايحين فين، رايحين أنهى ناحية، يعنى ساعات ينفع تمشى فى طريق مانتش عارفه أو عارفه نص نص بس الناحية الصح، ودا بدال ما تقف خالص نستهجى فى يافطة اسم الشارع لحد ما عربية تصدمك.

رشاد: يعنى أمشى فى طريق شاكك فيه؟

د.يحيى: أيوه، بس متونس باللى معاك، وبيقولوا إنهم عارفينه اكتر شوية، الدكاترة الصغيرين دول علّموهم بالشقلوب، قصدى يعنى علموهم بطريقة تانية، قالو لهم لازم يعرفوا كل حاجة الأول وبعدين يمشوا، طب وافرض ما عرفناش، نسيب العيان يمشى لوحده لحد ما نعرف أو يروح فى داهية؟، إحنا نمشى ونعرف، ونعرف ونمشى، واحنا بنشوف النتيجة أول بأول، وبعدين نكمل واحنا بنصْحَّحْ أول بأول برضه.

(*) برغم أن الحوار يدور بكلام عادى ومألوف إلا أنه يكاد يشرح اساسيات “المنهج الفينومينولوجى”، دون أن يزعم الطبيب أو يعلن أنه ينتمى إليه، وطبعا دون أن يدرك رشاد ولا حتى اسم هذا المنهج، فنلاحظ مثلا كيف أن الخبرة هى التى توجّه المحتوى، دون يقين بتحديد المحتوى مسبقا، أى دون  وصاية من أحكام أو عناوين أو ألفاظ (بما فى ذلك تسمية الأعراض وتشخيص المرض)، وفى هذا الحوار أيضا نلاحظ ممارسة فكرة “تعليق الحكم”، وأخيرا الالتزام بالممارسة الإمبريقية باعتبار أن النتيجة هى التى تقيّم التوجه الصحيح، والمنهج الأنسب، وأن النتيجة هى دائما طرْحٌ قابل للاختبار والتعديل فاستكمال الخبرة، وهكذا.

رشاد: عايز أريح بالى بس يادكتور يحيى

د.يحيى: أنا مش مريّحاتى، انا طبيب باعالج، وانت جاى تتعالج، مش كده؟

رشاد: اتفضل يادكتور

د.يحيى: تعيش، إنت قلت كلام للدكتورة “م” ماتناقشناش فيه كفاية، أصل أنا زى ما انت شايف باصدق العيانين، وبعد ما أصدقهم نختلف فى التفسير بقى زى ما احنا عايزين، يعنى نقعد نفحص سوَا: يا ترى ده معناه ايه، وده معناه إيه، إنت لما قلت مثلاً من الأول خالص (يقرأ)  “انا حاسس إنى متغير، أنا مش فاهم أنا إيه فيّا دلوقتى” وبتقول “إزاى أمشى فى طريق ماعرفوش”، وبرضه إنت بتقول “إن فيه حاجات غريبة فى عقلى، وإن عقلى مقفول، وإنى انا عايز أعرف الحقيقة”، كل ده نحترمه، فاكر؟

رشاد: فاكر

د.يحيى: الحمد لله، حتى كلمة أنا عايز أعرف الحقيقة كنا شاورنا عليها فى أول مقابلة، وقلنا أنهى حقيقة؟ حقيقتك ولا حقيقة الحياة ولا حقيقة ربنا ولا حقيقة الموت أنهى حقيقة، ولاّ لما قلت “عقلى مقفول“، أنا بقى حقول لك على كام حاجة كده قبل ما تمشى النهارده، يعنى حانتكلم فى جملة جملة، قل لى بقى: يعنى إيه عقلى مقفول؟  أنا مش عايز موضوع إنشا، إنت تقول اللى يخطر على بالك، وبس، يعنى إيه عقلى مقفول مثلا؟

(*) نوقشت بعض هذه الأقوال معه فى النشرات السابقة، وبالذات فى نشرة22-4-2009 “الوضوح الغامض”

رشاد: يعنى باحس إن عقلى مثلاً فيه زى ما تقول أُوَضْ معينة مفتوحة؟

(*) من هنا بوجه خاص : أرجو من المتتبع أن يأخذ كل ما يقوله رشاد (والطبيب) مأخذ الجد، على فرض أنه يحكى ما “يرى”، وذلك فى سعينا إلى فحص الفرض الذى يفترض أن “ثمة حاسَّة داخلية”، اسميناها “العين الداخلية”  تستطيع أن ترصد الخلل التركيبى، وباللغة المتاحة، الحسية غالبا وغير الحسية أحيانا، وأن يراعى أن هذا الوصف لا ينبغى أن يترجم إلى أعراض معينة قبل الأوان ولا أن يوصف بالغموض النسبى أو المطلق لمجرد أننا عجزنا عن فهمه فى إطار ما لدينا من معلومات.

د.يحيى: أُوَضْ معينة؟ مقفولة ولا مفتوحة ؟

رشاد: مفتوحة

د.يحيى: بس انت بتقول عقلى مقفول، ودلوقتى بتقول أوض مفتوحة

رشاد: باحس إن قبل القفل، إنها مفتوحة

د.يحيى: ما انت برضه قلت للدكتوره بعد كده وهى بتسألك، قلت “مخى صندوق مليان مش قادر أقفله”

(*) برجاء إعادة قراءة هذه الفقرة وما حولها بعد قراءة تطور الفرض فى نهاية النشرة لو سمحت، عزيزى القارئ

رشاد: أيوه

د.يحيى: أنا فهمت: تصورت إنه زى ما يكون بتحاول تقفل شنطة سفر بعد ما كبستها هدوم، فما بتتقفلش؟

رشاد: حاجة كده

د.يحيى: يعنى إيه بقى؟ قصدك إيه؟

رشاد: أنا باحس إنه مقفول، زى ما تقول إنه شىء متمسك فى بعضه

د.يحيى: متمسك فى بعضه؟ آه!! هى وصلتنى كده تقريبا.

(*) هذه النتيجة التى يعبر عنها رشاد بقوله “باحس إنه مقفول، زى شىء متمسك ببعضه” تتفق مع الغرض الأساسى لرصد ما يحدث فى بدايات وتطور عملية التفكك، فالازدحام ، فالعرقلة ، وقد سبق أن أشار رشاد إلى فتح حجرات مخه على بعضها، الذى انتهى إلى هذه القفلة التى عبر عنها بأنها :   “شىء متمسك فى بعضه”، وأظن أنه قد سبق أن شبهنا ما يحدث بغياب إشارات المرور فى ميدانٍ ما، وكذا غياب جندى المرور، فتفتح المسارات على بعضهأ، ومن ثم تحدث قفلة  المرورTrafic Jam

…….. 

 تذكرة بالفروض الفرعية (الفرض الأساسى : العين الداخلية):

(الفروض الفرعية السابقة أنظر نشرة “1-5-2012”)

تطويرا للفرض الأساسى بعد ما عرضنا من هذه الحالة حتى الآن، نقدم فروضا فرعية أكثر اتصالا بإشكالة الفصام:

(1) فى الفصام تختل عملية “فعلنة المعلومات” Information Processing فى مراحلها المختلفة، الإدخال، والفعلنة، والإخراج Input – Processing – Output.

(2) فى الفصام ينقطع (بدرجات مختلفة، التواصل التكاملى (الجدلى فى حالة الإبداع، والتبادلى التكافلى فى حالة السواء)  بين النصفين الكرويين، بما عبروا عنه أحيانا بأنه “قطع الجسم المندمل وظيفياFunctional Callosotomy.

(3) مع تمادى الانشقاق (الوظيفى) بين النصفين الكرويين تصبح عملية فعلنة المعلومات منقسمة أو بطيئة أو معطلة أو عشوائية ، كما تختلف غلبة وحدة كل عملية من هذه العمليات حسب درجة الفصام (وأحيانا حسب نوعه).

(4) فى الفصام البادئ Incipient وأحيانا فى الفصام المتماسك، وأحيانا أيضا ليست نادرة، فى أنواع تبدو متدهورة من الفصام، يمكن للمريض أن يصف هذا الخلل الذى حدث كأنه يراه رأى العين، وبالسرعة البطيئة.

(5) يختلف الوصف باختلاف ثقافة المريض، ولغته، وطلاقته، وأيضا باختلاف درجة سماح المتلقى (الطبيب المعالج أساسا)، وصبره ومحاولة استيعابه.

(6) هذا الخلل كله أو أغلبه ليس خللا أوليا، وإنما هو مترتب على إمراضية أساسية، تتمثل فى تنشيط غائى لمستويات أقدم من مستويات الوعى (المقابلة لمستويات الدماغ المرتبة هيراركيا تطوريا، وغائيا)،

(7) هذه المستويات الأقدم التى استعادت نشاطها حتى التنافس، والعرقلة نتيجة للسيطرة النسبية، إنما تحفز إلى  الانسحاب من الواقع والنكوص إلى مراحل سابقة للفرد أو للنوع، وبالتالى هى تحتاج إلى قدر من الطاقة الحيوية ، ويبدو أنها بذلك تسحب من رصيد الطاقة اللازمة لكفاءة ونجاح عملية “اعتمال المعلومات”.

(8) يترتب على سحب الطاقة هكذا أن يفتقر المخ الأحدث، (قائد حركة pace maker سائر المستويات أثناء الصحو) إلى “مرونة التماسك” و”جدلية الفعلنة”.

(9) يترتب على ذلك أيضا أن تنشق “واحدية Oneness” المريض إلى اثنين فأكثر، يتنافسان على الاستحواذ على الطاقة، (وربما هذا ما عبر عنه رشاد من أن “الأُوَض” فتحت على بعضها، بعد أن عبر عن شعوره المبدئى بالانشقاق إلى نصفين، وهذا ما يقابل فرض “الشق الوظيفى للجسم المندمل Functional Callosotomy” الذى أشرنا إليه حالا.

(10) بالتالى  تنفصل وحدات وظائف الدماغ عن بعضها البعض، (وهذه المرحلة لم يصل إليها رشاد بعد) ، وقد يحدث ذلك دون المرور بمرحلة الشق إلى نصفين التى سماها وعبر عنها رشاد هنا بتعبيرات متنوعة وألفاظ متبادلة مثل “المجرى”، “والأوض” وتصبح الحركة فيما بين الوحدتين أو الوحدات  دفْقية (من الدفقة) متقطعة، وأيضا مشتتة بشكل أو بآخر، بدلا من سريانها بنعومة وتناغم وواحدية فى حالة الصحة ، خصوصا الصحة الفائقة، ومن ثم يحدث التصادم، والعرقلة، والتدفق العشوائى.

(11)  هكذا يفقد المخ البشرى (الدماغ الكلى)  واحديته، وكذلك يفقد تمحوره حول فكرة غائية أساسية، ليس بمعنى الفكرة التى تستعمل فى التفكير، وإنما بمعنى التوجه الغائى الضام لكل وحدات الوعى والدماغ والوجدان على كل المستويات.

(12) يترتب على ذلك أن تدخل المعلومات إلى هذه القطاعات مجزأة أو متدفقة، وبدلا من “الفعلنة” (الاعتمال/المعالجة) للتمثـّل والامتزاج قد تسلك مسارات مستقلة أو متعارضة، أو عشوائية متصادمة فى كثير من الأحيان، ومن ثم الشعور بالازدحام، أو التجمد، أو القفلة.

(13) فى أطوار معينة من المرض، كثير من الذهانات، وليس الفصام تحديدا) خاصة فى البداية، يمكن للمريض أن يرصد كل ذلك أو أغلب ذلك، بدرجة أو بأخرى، باللغة المتاحة له حسب تركيبه وثقافته وحسب درجة تماسكه، وحدة رؤيته (بما فى ذلك تنشيط العين الداخلية)

وهذا هو ما نحاول أن نقدمه من خلال هذه الحالة

(وحالة (وحالات) أخرى بمشيئة الله!!).

وبعد

حتى الآن يمكن مقابلة كلام رشاد السابق إلى ما يوازى هذه الفروض، وذلك علما بأن هذه الفروض نابعة من الخبرة الإكلينيكية، دون الرجوع إلى الأصول الأكاديمية لعملية معالجة (اعتمال) المعلومات، وأيضا دون المقارنة أو الرجوع إلى كيفية عمل الحاسوب، وما زالت الدعوة مفتوحة لأى إسهام توضيحى  فى هذا أو ذاك.

هذا علما بأن ما بلغنى هو أن الحاسوب ليس هو النموذج الذى ينبغى أن نقيس عليه عمل المخ البشرى، بل لعل العكس هو الصحيح، فإن علماءه يحاولون أن يطوروا آلياته وقدراته من خلال ما يصلهم من معلومات وفروض حول كيفية عمل المخ البشرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *