الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / بريد الجمعة، وحوار “شعن” (الشبكة العربية للعلوم النفسية)

بريد الجمعة، وحوار “شعن” (الشبكة العربية للعلوم النفسية)

نشرة “الإنسان والتطور”

11-5-2012

السنة الخامسة

 العدد: 1715   

بريد الجمعة، وحوار “شعن” (الشبكة العربية للعلوم النفسية)

مقدمة:

هذا هو الأسبوع الثانى الذى أحاول فيه أن أقسم بريد الجمعة إلى قسمين: الجزء الأول: هو البريد المعتاد منذ أكثر من خمس سنوات ويشمل التعقيبات على نشرة “الإنسان والتطور” اليومية، والثانى مخصص لما يتفضل به الزملاء الأفاضل المشاركون فى الشبكة النفسية العربية، سواء كان ذلك بالنسبة لأرائى وفروضى شخصيا، أم كان متعلقا بأراء علمية أو ثقافية أو سياسية أو عامة.

ذكرت فى الأسبوع الماضى بعض اسماء وأصحاب الرأى والفضل الذى أنوى أن أناقشهم فى هذا الجزء الثانى على سبيل المثال لا الحصر، وحين هممت بإكمال النقاش الذى بدأته مع المبدع أ.د. صادق السامرائى فوجئت بوصول تعقيب جديد منه على مقال قديم لى، أعيد نشره فى الشبكة ردا على مقال أ.د. قدرى حفنى وقد وجدت أن هذا التعقيب الجديد به من الاتفاق والاختلاف ما يحتاج أن أسارع بالرد عليه أولا، بأن أقدم ترتيبه فى أولويات الرد، وبالتالى توفقت عن إكمال ما بدأت الأسبوع الماضى، عن مداخلته حول “الطغيان”… إلخ خاصة وأننى كنت قد أخطأت البداية.

لم أستطع اليوم – بسبب الوقت والأهمية – أن أنشر ردّى كاملا حتى على هذا التعقيب الأخير للصديق السامرائى على مقال “سوء استعمال العلوم النفسية”، حيث أن تعقيبه جاء مليئا بالعلم والمعلومات والحكمة والشعر والسياسة والحب والإيمان، كما أننى كنت أود بشدة أن أسارع بالرد على تعقيبات وتساؤلات الابن الدكتور إدريس الوزانى، وخاصة فيما يتلعق بموقع وأهمية معنى “الحرف” (الشكل/المنهج/الكلمة) استلهاما من مولانا “النفرى” خاصة، كما أن لمداخلاته علاقة ما بالاختلافات الثقافية الجوهرية التى ورد عنها الكثير المفيد فى تعقيب د.السامرائى، انطلاقا من تساؤلات وتعقيبات د. الوزانى وآخرين بما يامس قضية منهجية جوهرية تناولتها الشبكة، وهى علاقة الدين والإيمان (وخاصة الإسلام) بالصحة النفسية والعلاج النفسى، وحين أولى الدكتور السامرائى بدلوه فيها كنت قد ارسلت له رأيى مرفقا بمقال قديم لى بعنوان “ماذا آل إليه حال الدين”، ويبدو أنه لم يصله لأنه لم يعقب عليه على غير عادته.

ما علينا، مرة أخرى مازال الوعد قائما، ومازال الوفاء بالمبادرة لحوحا، ولو بالنسبة لمن ذكرت من أسماء زملاء أفاضل، وفيما يلى أسماء الزملاء وعناوين التعقيبات والمداخلات التى وصلت الشبكة فوصلتنى مؤخراً مما أنوى الحوار معه أو التعقيب عليه فى إحدى الجمع القادمة إن طال العمر وأمكن الوفاء.

د إدريس الوزانى

– رسالتان فى تأملات في فرضيات د. يحيى الرخاوي

– الحرف والمعنـى

– قضية الموت والحياة

– مع الفروض الرخاوية العقل والروح

– العلاج النفسى وخطورة المنطلق

د.صادق السامرائى

– الاقتراب النفسى الثانى

– (بقية) نظرة فى الطغيان

– ومضات معرفية

– الاختصاص والهوية

– ومضات فكرية

– قراءة نفسية فى ملحمة الأمل المصرية

د مرسلينا شعبان

– حول فكرة العلم على إيجاد نظرية نفسية عربية

– الإرهاب النفسى  ما بين طرفى الصراع

د سداد جواد التميمى

– معاملات بشرية قصة رجل وحصان

أ‌.  د. إبراهيم رجب

– تطبيق منهجية التأصيل الإسلامى فى: دراسة قضية “الطبيعة البشرية”

 د قاسم العوادى

– علاقة الدين بالطب النفسى

د. قاسم حسين صالح

– الشيزوفرينيا… مرض وراثى ام منغصات حضارة

د. مها يونس

– إلا الفصام

تعقيبات على مقال الشيزوفرينيا .. مرضى وراثى أم منغصات حضارة

د. حمدى فؤاد مصيلحى

د. شعبان أ.محمد بشر

  د. يحيى:

كل ما أرجوه مؤقتا، ولحين عودة إذا استمر هذا الطرح هكذا مقبولا، هو أن يسامحنى الزملاء الذين أجلت الحوار معهم، مع رجاءات خاصة أخرى أكثر عشما مثل أن يتفضل د. الوزانى بالعودة فى الموقع إلى نشرات “حوار مع الله” ليكتشف ردودا تبين موقفى من الحرف/الشكل/المنهج، انطلاقا من استلهاماتى لمواقف النفرى 19-11-2011، 12-11-2011، 5-11-2011،  وربما يدرك – حتى نعود فنلتقى-  بعض رأيى الذى تحدد أيضا من زاوية متواضعة فى نشرة أخرى بعنوان: “علمٌ هذا أم ماذا؟”   ثم وما جرى حولها من حوار مع ابنى د. محمد يحيى الرخاوى، نشرة 28-3-2008 أول 8 صفحات كذلك فأملى فى الزملاء د. قاسم حسين صالح، د. مها يونس، د. حمدى مصيلحى، د.شعبان مطر، أن يجدوا بعض الوقت لينظروا فيما نشرته عن الفصام فى سلسلة النشرات، 30-10-2007   إلى 25-4-2012 .

 وليس بالضرورة، كلها، ولا ما سبق نشره فى مواقع أخرى علما بأن موضوع الفصام تجرى مراجعته عبر العالم منذ خمسين سنة وحتى الآن، سواء من ناحية المصداقية أم الثبات فى التشخيص أم من ناحية الإمراضية الأمر الذى وصل إلى التشكيك فى أحقية وجود مرض بهذ الاسم أصلا وأكتفى بالإشارة إلى وثيقة لمرجع مهم موجود فى موقعى بعنوان: Is Schizophrenia Objectively Real   

****

القسم الأول:

حوار/بريد الجمعة (أصدقاء نشرة الإنسان والتطور)

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (72)

الإدراك (33) “العين الداخلية” (4) و”عملية اعتمال (معالجة) المعلومات”

 Information Processing

د. أسامة فيكتور

فى حوار مع رشاد قلت حضرتك لرشاد:

يجى واحد فى السرير اللى جنبك تلاقيهم معلقين عليه نفس اليافطة؟ وهو فين وأنت فين، مش يبقى فيه غلط فى الموضوع ده برضه؟

وربطتها بالعبارة الأولى فى اليومية:

…. ومع ذلك لم ينفصم  رشاد بمعنى التفسخ والميل إلى التدهور، بل احتذت يقظته (درايته) الداخلية.

وتمنيت أن يصل المعنى للمهتمين بوضع تشخيص – مع عدم نفى أهميته – فيدركوا أهمية رؤية كل مريض على حدة وتجنب التعميم.

د. يحيى:

لم أفهم يا أسامة ماذا تريد تحديدا بهذا الاقتطاف، فإن كنت توافقنى فقد وصلت الرسالة، وإن كنت تخالفنى فأهلا بك برجاء توضيح نقطة الخلاف.

****

تعتعة الوفد

قـُرعَة مقترحة بين المتقدمين للرئاسة

أ. عمر صديق

استاذي العزيز، شكراً جزيلاً لاعطاء رأيك ولو بأسطر قليلة عن كل مرشح، حتى وان كان رأياً شخصياً فهو مفيد، وعلى الرغم من الاقتراح الذى يبدو ساخراً تعجبت جداً! هل من المعقول حقاً ان جميع المرشحين بالنسبة لك هم واحد؟! كيف؟ قد افهم انه لايوجد من يرضي كل المقايس؟ ولكن لم اعتد من حضرتك هذا التعميم.

وهل يمكن انك لا ترى فرقا بين هؤلاء ليس من حيث أشخاصهم ولكن لما سيؤول اليه الحال من سيطرة خارجية!!! ماذا أسمي هذا؟؟؟

د. يحيى:

عندك حق يا عمر، فظاهر المقال – أو نهايته الساخرة وعنوانه على الأقل- هو أننى لا أجد فروقا جوهرية، أما بالنسبة لرأيى العلمى والعملى (والإكلينيكى!!) فإنه لايوجد شخص مثل الآخر بين مليارات البشر على ظهر الأرض الآن ودائما، سليما أو مريضا، رئيسا أو عامل نظافة، أعتقد  أننى أردت أن أوصّل ما يشغلنى فى كل المجالات من أول فن ممارسة “نقد النص البشرى” (الطب والعلاج النفسى) حتى معضلات السياسة انطلاقا من بلدنا حتى عصابات الجماعات السرية فى البنوك المعولمة، ما يشغلنى هو الآن، ودائما “العملية” قبل المحتوى، هو آليات التغيير وليس ميزات (أو حتى عبقرية) المنفذ، هو “محكات الإنجاز”، وليس “برامج الوعود”، هو “طريقة المحاسبة” وليس “حسن النوايا”.

هذا كل ما فى الأمر، هات لى قديسا يا عمر، وضعه على كرسى الرئاسة دون الاطمئنان إلى عدل وموضوعية آليات اختياره وعزله، وسوف تجد أن النبى نفسه يمكن أن ينقلب إبليسا، وأن نلسون مانديلا يمكن أن يصير راسبوتينا، أقول “يمكن” وليس “بالضرورة”.

د. ماجدة صالح

أعجبتنى فكرة اختيار الرئيس بالقرعة على سبيل الدعابة المحببة، ولكننى حين نظرت إلى نفسى وأنا أحاول اختيار الرئيس المقبل وجدتنى اختار بطريقة (الانتقاء السلبى) أى عن طريق اختيار الأقل ضرراً وليس الأقدر برنامجاً، فضحكت حين لاحظت أن هذه الطريقة لا تختلف كثيرا عن القرعة التى اقترحها.

د. يحيى:

يا لعدلك يا ماجدة وأمانة حكمك.

****

حوار مع الله (60) : من موقف “العظمة”

أ. ياسمين عبد اللطيف

ما اجمل الا تخون الله وان تحاور الله الطيب الجميل انا احبه اوي بس كيف اثبت علي الله

د. يحيى:

حركتك يا ياسمين أصبحت أهدأ، تقتربين من ربنا الحقيقى الذى هو هو قبل كل هذا الخلق وبعده، والذى بغيره لا يكون الإنسان إنسانا حتى لو تصور لبعض الوقت أنه ابتعد أو أنكر أو ألحد، الحركة هى الأصل، وهى التى سيثيبنا الله عليها، وليس التسليم الذاهل دون بذل جهد،

 فافرحى يا ياسمين، فالله سبحانه لا يحب إلا الفرحان، كما علمنا مولانا النفرى (نشرة 8-10-2009 “ثراء حركية الجهل، والخوف من جمود منظومة العلم 3).

****

حوار مع الله (61) : من موقف “التيه”

د. أميمة رفعت

وادخل على بغير إذن فإنك إن استأذنت حجبتك

وإذا دخلت إلى فاخرج بغير إذن فإنك إن استأذنت حبستك.

وافرح فإنى لا أحب إلا الفرحان\”

وصلنى قدر الحب الذى يغمرنا به الله تعالى ، هو يحبنا فعلا ، فلماذا لا يرى الناس هذا ويصرون على رؤيته جبارا متربصا مترصد يرتعبون منه و يرعبون أولادهم و الآخرين؟

لماذا يحرمون أنفسهم من حبه لهم و حبهم له ؟ كيف يعيشون بكل هذا الخوف؟ كيف يتحركون فى الحياة و هم خائفون لا امل لديهم فى رحمة و رفق إلهى؟

د. يحيى:

هذا هو ظلم الإنسان لنفسه، وهو أقسى من ظلم الغير، “الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ “!! لقد نهانا الله أن نظلم أنفسنا بإنكاره، أو باثباته بطريقة لا تثبته بل تفرض غيره بديلا عنه، “إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ”

 لماذا يخسر الإنسان وهو يستطيع أن يكسب؟!

د. أميمة رفعت

لا أتحدث عن الإسلاميين أو المتأسلمين أو حتى المسلمين، ولكننى أتحدث عن كل خائف من الله مهما كانت ديانته وافكاره، وهو من شدة الخوف لا يفكر حتى فى إستئذانه ليقترب منه ، وربما لو إستأذنه لرفق به وأخذ بيده ليرى رحمته ، ثم طلب منه عدم الإستئذان .

د. يحيى:

لا حاجة بنا إلى استئذانه، وكما قلت فى حوارى معه، لقد أذن لنا بمجرد أن خلقنا، فهو إذن دائم، لكننا ننساه ونحبس أنفسنا، ثم نعود نستأذنه، هل هذا يليق؟

د. أسامة فيكتور

حديث رائع قريب لنفسى، اتونست به، عجبتنى عبارتين منه:

(1) حتى لو تأخرت الاستجابة فهى استجابة أخرى.

(2) أفرح بالسعى، ولا أفرح بالوصول لأنى أواصل.

د. يحيى:

لقطتها يا أسامة

حلال عليك

فهى لك

ولكل من يلقطها.

****

 تعتعة التحرير

الأسئلة المتعددة الاجابات لمرشحى الرئاسة

د. مروان الجندى

لا أعتقد أن أى مرشح يستطيع أن يجيب بصدق على هذه الأسئلة، وإن فعل- قبل أن يصبح رئيساً- فسوف يتغير الفعل بعد ذلك.

د. يحيى:

عندك حق

غالبا.

د. مينا جورجى

أتمنى أن تصل بلدنا إلى درجة من الوعى والديمقراطية ما يسمح أن نسأل رئيس الجمهورية، وأتمنى أيضا أن يكون لديه من الضمير ما يجعله يجيب بصدق حتى لو كانت اجابته محبطة. لأنى أتوقع أنه حتى لو سمح لنا بالسؤال لن يسمح لضميره أن يجيب أو أن يترك السلطة مهما كانت الاجابة.

د. يحيى:

الأرجح هو ما تقول فى نهاية تعقيبك، ولكن دعنا نتمنى غير ذلك

أ. ياسمين عبد اللطيف

هل ستتغير اسرته من الناحية الشخصية والماليه والمعيشية كيف سيتعايشون؟

هل سيتغيرون من داخلهم وكيف سيتعاملون مع الشعب ومادورهم في الدوله؟

د. يحيى:

الأرجح أنهم سيتغيرون إلى الأسوأ ولكن دعينا ندعو لهم بالهداية والرشاد.

****

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (71)

الإدراك (32) “العين الداخلية” ترصد خلل (3):

“اضطراب اعتمال (معالجة) المعلومات” Information Processing

د. أميمة رفعت

أعتذر عن المقاطعة ولكن مرة أخرى أجد نفسى أتفق معك تماما وتقترب ممارساتى العملية من فروضك ونظرياتك فأسعد وأفهم أكثر وأجد كلماتك تصوغ ما أراه، وهوما أجهل فعله : أى وضع شرح مكتوب لأى تجربة .

د. يحيى:

هذه الآلية “وضع شرح مكتوب لأية تجربة” صعبة فعلا، وما زلت أعانى من صعوبتها، ويظهر أثر ذلك حين أحاول أن أنقل ما جرى من  “لعبة” مثلا فى العلاج الجمعى، أنقلها إلى الورق بكلمات مكتوبة، وأقارن ذلك بما سجلته صوتا وصورة، وأجد أن الكلمات يستحيل أن تبلغ الرسالة، بل إنه حتى الصورة الناطقة تعجز عن ذلك لأنها تكتفى بالتركيز على متحاورين دون الباقى، هذا عند من حضر جلسة المجموعة، فما بالك بمن لا يعرف شيئا – إلا سماعا أو قراءة (أو حتى من غير ذلك) – عن هذا النوع من العلاج وعن هذه الخبرة؟

 د. أميمة رفعت

منذ عام تقريبا لا أعرف لماذا شغلنى الفرق بين الإستماع إلى تمثيلية فى الراديوومشاهدتها فى التليفزيون، فى الحالة الأولى يرتع الخيال كما يشاء،  بينما يكون مقيدابالمشهد المفروض على المشاهد فى الحالة الثانية .. ولكننى شعرت أن هناك ما يحدث أكثر من هذا .. هناك اشياء أخرى غير الخيال تتحرك بالداخل .

المهم أننى إنتقلت فجأة من هذه الفكرة إلى سؤال آخر، ماذا لوأغلقت لشخص ما النافذة التى تطل على العالم الخارجى؟ ماذا سيفعل؟ فبدا لى منطقيا أنه سيلتفت إلى ما هومتاح له  حوله وبداخله، وربما مع الوقت سيهتم بتفاصيله التى لم يكن يهتم بها أصلا فى وجود العالم الخارجى، هل يمكن شحذ العين الداخلية بهذه الطريقة؟ .

فقررت أن أقوم بتجربة ما فى العلاج الفردى ولكن يجب أن أعترف أن نتائجها أربكتنى قليلا فلم أكررها كثيرا، فقط حالة كل بضعة أشهر وحتى الآن لم يجربها معى سوى خمس مريضات أعمارهن من 15 – 25 سنة .

د. يحيى:

ما أصعب – وأخطر – أن تتم مثل هذه التجارب فى العلاج الفردى دون الجمعى أو علاج الوسط، أنا لا أرفض، لكننى أنبه.

د. أميمة رفعت

بإختصار شديد كالعادة، أطلب من المريضة أن تسمح لى بوضع غمامة على عينيها وأطلب منها أن تتحسس بيديها كل ما فى الحجرة كما تشاء ليس فقط بأطراف أصابعها ولكن بكفيها ولا يوجد محظورات أى أشياء لا يمكن القيام بها أولمسها بما فيها الجدران والأرض ومكتبى وما عليه، كما يمكنها أن تستعمل بقية حواسها كالشم مثلا كما تريد … أعطى التجربة 10 دقائق إلا إذا طلبت أكثر أوأقل أثناء القيام بها .

د. يحيى:

مازلت أنبه على الصعوبة، وأحترم المحاولة.

د. أميمة رفعت

لاحظت الآتى :

  * مجرد طلب إلغاء البصر يسبب ضيق شديد للمريضة ولكنها توافق (على مضض) ما عدا مريضة واحدة (15 سنة) برغم محاولتها نزع الغمامة  مرتين أثناء ربطها إلا أنها كانت تضحك وإعتبرتها لعبة لطيفة .

  * بمجرد ان تبدأ فى لمس الأشياء أرى إبتسامة عل وجهها بها بعض الخجل الذى لا يخلومن إستمتاع وربما هوخجل من الإستمتاع .

*   ثم فجأة تظهر الجدية الشديدة على وجهها والتركيز .

*   عادة ما تكمل المريضة 10 دقائق، مريضة واحدة (25 سنة) ظلت 20 دقيقة تتحسس الأشياء بل وتتفاعل معها بشكل غريب كأن تشم وسادة صغيرة ثم تحتضنها ثم تتركها وبعد قليل ترجع لها وتجلس واضعة إياها على ركبتيها … إلخ .

  * هناك دائما شىء ما تهتم المريضة بملمسه وتعود إليه مرارا وتكرارا، مثل جلد الكرسى، زجاج المنضدة، دهان الحائط … إلخ

كنت أصمت تماما أثناء التجربة . وبعد الإنتهاء منها خفت أن يُبطل الحديث مفعول ما جرى بالداخل فقررت أن أتعامل مع ما حدث بشكل آخر، بإعطاء المريضة ورقة رسم وألوان وتركها ترسم ما تشاء .

د. يحيى:

أوافق – بحذر –  على التجريب وأحذر من التعميم.

د. أميمة رفعت

هنا أصابنى الإرتباك، فالعالم الخارجى كما كانت تراه المريضة لا يختفى تماما ولكنه أيضا لا يظل كما هوفمثلا إحدى المريضات (24 سنة) تحسست نتيجة مكتب عدة مرات ورسمتها كما هى تماما ولكنها كتبت تحتها كلمة (المقصلة) ثم رسمت نفسها فتاة صغيرة بلا يدين ولا قدمين وقالت أنها تشعر بغضب شديد وخنقة .

د. يحيى:

هذا جيد أيضا، لكنه أقرب إلى الفعل الفنى الذى هو أساس العلاج، ثم إنه لابد من اعتباره نوعا من البدايات، لا أكثر.

د. أميمة رفعت

أخرى (22 سنة) تحسست الحائط أيضا عدة مرات ثم رسمت نقاط متراصة وإناء نباتات به نبتة صغيرة، وتذكرت نبات مماثل فى منزل أسرتها كانت تعتنى به وعندما ساءت العلاقة معهم أهملته حتى مات، وقد مر على هذا أكثر من 3 سنوات !!

د. يحيى:

نفس التعليق السابق.

 د. أميمة رفعت

بالأمس كانت لدىً مريضة (16 سنة) وقد إصطدمت بمروحة  stand  أثناء تجولها بالحجرة وكادت توقعها فوقفت قليلا ثم أكملت، ثم رسمت شكلا مشوها لم أميزه فى البداية وظننته إنسان فضائى أوما شابه، ولكنها تركته وهربت منه، ثم بعد أن إنتهت من كل الرسوم رجعت إليه لتكمله وقالت  (دى مروحة) ووضعت بجانبها ما يشبه الباب ولكنها قالت أنه حائط وأوصلتهما بالكاد بفيشة، أى أن الفيشة لا تلمس الحائط وإنما تمتد إليه وكتبت عليها كلمة \” حب \” ، وقالت (لما إتخبطت فى المروحة إفتكرتها ماما بتقع ولقيت نفسى بأسندها .. مع إن ماما هى اللى ساندانى فى الحقيقة) .. أنا أعرف الأم، والحقيقة أنها أم سلبية للغاية أشعر أن لا طعم لها ولا لون ولكن بداخها طاقة تنافسية هائلة بدلا من أن تستعملها لنفسها تحاول زرعها فى أولادها الخمسة، ولم تنجح سوى مع تلك الفتاة التى أصبحت بطلة عالمية فى الإسكواش، يوم أن تمرض البنت أولأى سبب لا تذهب إلى التمرين، أولا تحصل على النتائج المرجوة فى المباريات تنهار الأم وتبدأ فى إبتزاز مشاعر إبنتها بطرق شتى حتى لم يعد للفتاة أية حياة خاصة وتصف كرة الإسكواش (التى رسمتها أيضا) بأنها حياتها كلها . أعتقد ان البنت هى التى تسند الأم بإستمرارها فى اللعب دون توقف، تماما كما إلتقطت داخلها  .

فى نهاية تجربتها رسمت خطا أفقيا  يقطر دموعا وكتبت عليه(إحباط) وعندما طلبت منها أن تحدثنى عن هذا، قالت أنها رأت وهى مغمضة العينين الحجرة مزدحمة بأشياء كثيرة وكانت مندهشة ولديها فضول ورغبة فى الإستكشاف، ولكن عندما فتحت عينيها فوجئت بعكس ذلك فالأشياء محدودة معدودة وهذا محبط .

د. يحيى:

كل هذا طيب وأمين، ولكن أوصيك بأن تهدئى من “حركة عقلك فى التفسير والتأويل” أولا بأول حتى تصلك النتائج أوضح وأعمق دون تدخل “عضلة عقلك المنبهرة”،

النتائج الإمبريقية هى التى حفظت، وحافظت على الحياة عبر التاريخ.

د. أميمة رفعت

والمثال الأخير: مريضة (15 سنة) رسمت بعد تجولها بالحجرة حديقة واشجار وورود وكتبت (مفاجأة) ثم اخذت ترسم ما تحسسته : سطح المكتب وكتبت (فشل) – االزجاج (فرحة) .. إلخ  وهكذا ألحقت مشاعرها بكل ما رسمته وتحسسته بسهولة ويسر شديدين برغم أنها لا تحسن الكلام ولا التعبير عن مشاعرها لدرجة ان أهلها جاءوا بها لأنها لا تتحدث مثل من فى سنها وإنما تكتفى بالزن كالأطفال .

د. يحيى:

مرة أخرى: أرجو أن تنجحى أن تعتبرى كل ذلك مجرد عينات ظهرت على قمة خبرات أكثر كثافة وأشد عمقا لا نعلم أغلبها، لكننا نعيش نتائجها.

د. أميمة رفعت

ما يحيرنى هواننى ظننت أننى ألغى العالم الخارجى، ولكن هذا ليس صحيحا فقد ظل موجودا بالداخل والخارج، وحدث إختلاط ما بينهما فى الداخل، وربما تغير فقط إدراكه بتغير الحواس المستعملة مثل اللمس والشم والسمع، بالإضافة إلى عالم آخر داخلى لا أعرف إذا كان له علاقة بالخارج أم لا، وتداخلت الذكريات القديمة والأحدث مع كل هذا، وتحركت المشاعر بصورة أوضح وكان لها شكل إستطاعت المريضات رسمه بوضوح فالحزن مثلا على شكل مربع أسود وفرحة النجاح أمواج بحر زرقاء وأضافت تلك المريضة أنها تشم الآن رائحة البحر وهى ترسمه …

د. يحيى:

أرجو أن تواصلى متابعة تتابعى حلقات ملف “الإدراك” فى النشرة اليومية وخاصة فيما يتعلق بـ “تجاوز الحواس الخمسة” بالإضافة إلى “العين الداخلية”.

د. أميمة رفعت

أنا مرتبكة ولا أستطيع ربط كل هذا ببعضه حتى الآن ، المعلومات كثيرة  وربما تساعدنى.

د. يحيى:

أحسن!!

هذه بدايات لمعرفة أخرى.

د. أميمة رفعت

عندما قرأت لك هذه الجملة : وهذه العين تستطيع أن ترصد الداخل بما هو، وهى تنشط فى النوم أثناء النشاط الحالم أساسا (نوم حركة العين السريعة  REM\”ريم\”)، كما تنشط بإفراط فى بداية الذهان خاصة، وهى تستطيع أن ترصد الداخل \”بما هوكما هو\” فى البداية، كما قد تتعامل معه بآليات الذهن الأحدث من خيال، ولغة، وتفكير، وذاكرة، ولكن هذا ليس ضرورة للاعتراف بها، وإن كان هومن أهم السبل إلى توضيح آثار فاعليتها ونشاطها.

زاد إرتباكى وإحتياجى للربط وإن كان الموضوع أصبح له معنى وحجم .. فعلا أحتاج مساعدة.

أشكرك على سعة صدرك .

 د. يحيى:

وأنا أيضا أحتاج إلى مساعدة وحوار، فمازلت لا أعرف كيف أوصّل هذا المفهوم العملى الواقعى البسيط، وفى نفس الوقت المستحيل صياغته فى كلمات، خاصة لمن ليس لديه فرصة لمعايشة التجارب والخبرات – مثل الصديق الطيب عمر الصديق.

****

بريد الجمعة، وحوار الشبكة العربية للعلوم النفسية

د. مروان الجندى

– وصلتنى صعوبة الرد على سؤالى الأول وشكراً على محاولة التوضيح.

– أتابع حالة رشاد فى محاولة لإيجاد اجابة على السؤال الثانى.

د. يحيى:

ربنا يسهل

(أهلا مروان، حمدًا لله على السلامة).

****

عــام

أ. عمر صديق

استاذي العزيز، وانا اقرأ سلسة مقالات انا واحد ولا كثير وقد انهيتها والحمد لله، اعتقد ان هناك تكملة لان اخرها كان ملف الجنون من حلقتين فقط ويبدو ان هناك تكملة ولكن لا أدري هل هي في مكن اخر ام ماذا؟

د. يحيى:

لم أرجع إلى النشرة التى أشرت إليها، الأرجح أننى لن أرجع لها قريبا، ولكن دعنا نستمر.

أ. عمر صديق

وددت ان اعلق واسال بشكل عام على الرغم من اني نسيت كثيراً مما قرأت ولكن اكثر ما وصلني من الموضوع العام وهو تعدد الذوات ما يلي:

  • وجدت ان سلسلة المجانين اقربها الى فهمي ووضوحاً ووصلني منها الكثير مما لا يتسع له المكان، سؤالى هو وانت تعلق على المهدئات التي اعطيت للمريض حيث جعلته  ينام يومين، تساءلت هل لذلك علاقة بأحلام الREM  من خلال اعطاء فرصة للذوات/ الافكار الاخرى ان تتنظم خلال فترة النوم وهل لذلك علاقة ايضاً ان معظم العقاقير، حسب معلوماتي البسيطة، انها تطيل فترة النوم؟

د. يحيى:

شكراً لذكاء السؤال،

مسألة فنية التعامل بالعقاقير مسألة شديدة الدقة والأهمية، وهى غير ما تسوقه شركات الأدوية فهى أقرب إلى حرفية الفنان التشكيلى فى التعامل بالألوان،

 الخطوط العامة لوظيفة حركية نوم الريم REM (النوم النقيضى، نوم حركة العين السريعة) هى قريبة جدا مما وصلك وأنت غير مختص، وهذا يسعدنى جدا، لأننى – كما قلت لك سابقا- أستطيع أن أوصل رسالتى إلى غير المختص أوضح وأكمل، وإلى المرضى أيضا (ربما كما تلاحظ حاليا فى الحوار الجارى مع “رشاد”) تصل الفروض العلمية لهؤلاء وألئك أسرع وأنفع مما تصل للأسوياء والأكاديميين.

أ. عمر صديق

وجدت ووصلني ايضاً حُسن استعمال كلمة الافكار باعتبارها ذوات ايضاً  –كتشبيه–

د. يحيى:

حين نستطيع أن نتعرف على الأفكار، بل وعلى الكلمات، على أنها ذوات، نقترب جدا من عملية تكامل بنّاء، لكن هذا نادر، وأنا حين أقرأ فى البدء كان الكلمة “… تصلنى الكلمة صورة حية،

 أما حين تنقلب الأفكار إلى رموز شائكة وصية، تطرد  ما سواها .. فخذ عندك..” أعوم فى شبكة سلك ألومنيوم من التى يغسلون بها الأطباق

أ. عمر صديق

عبارة ( أول خطوات الوقاية من الجنون الصريح، هو احترام الكثير فى داخلنا وإعطائهم الفرصة للتناوب والتعبير من خلال الأحلام أو اللعب أو الإبداع، بل كل ذلك.) هل هناك خطة معينة لاتباعها خصوصاً في مجال الابداع؟

د. يحيى:

على حد علمى لا توجد خطة محددة، وإنما هناك خطوط عامة، ومبادىء أساسية، ومساحات رحبة، وسماح صبور، وكل ذلك لا يمكن اختصاره فى 1، 2،3 … (واحد، اثنين، ثلاثة…الخ) وهو يحتاج إلى توعية، وتدريب، ووقت دون تعميم!

ولكل مجتهد نصيب.

أ. عمر صديق

 لم استطيع ان اغوص معك بشكل يرضيني في سلسلة الحب، لما وجدت فيها صعوبة وتداخل، وأكثر ما علق في ذهني او عجبني هو (البومة) وجدتها حاضرة فيي.

اسف على الاطالة ولكن وودت شكرك على كمية المعلومات التي وصلتني، جزاك الله خيراً

د. يحيى:

لا أعرف أية “سلسلة حب” تشير إليها، برجاء تحديد أكثر

 عموما شكراً جزيلاً.

أ. ياسمين عبد اللطيف

احيك يادكتور علي مقلاتك لانها جيدة وربنا يوفق حضرتك وشكرا

د. يحيى:

ربنا يفرحك، وأكرر لك أنه يحبك جدا مهما كان.

أ. ياسمين عبد اللطيف

كيف اثبت علي عدم انكاري لله ارجوك يادكتور ساعدني انا بحبه جدا

د. يحيى:

وسواس إنكار الله هو نفسه ذكر لله. ربنا يتقبل.

أ. ياسمين عبد اللطيف

ماهو الاسلام اريد ان اعرف

د. يحيى:

هو ما تعيشينه الآن، الحمد لله.

أ. ياسمين عبد اللطيف

محتجالك اوي يادكتور لمحاربة الشيطان والاستسلام لله

د. يحيى:

نحن نحتاج معا لربنا، وهو معنا دون استئذان.

أ. ياسمين عبد اللطيف

اقتراح بان يكون للموقع منتدي خاص بافكار الشباب ونفسيتهم ويقولوا فيها اقتراحاتهم

د. يحيى:

ياليت

أ. ياسمين عبد اللطيف

الفكرة ان عايزة يبقاعندي شخصية قوية مش مضطربه ازاي اكون مسلمة وفي نفس وقت شخصية قوية ارجوك ساعدنى

د. يحيى:

القوة هى بالله، دون تفكير، لا يوجد شىء اسمه شخصية قوية وشخصية ضعيفة، الأفضل هو التوجه نحو شخصية حقيقية، (ليست كاذبة، ولازائفة).

أ. ياسمين عبد اللطيف

انا بحبك اوي يادكتور وادعولى انا كمان وربنا يحمى مصر

د. يحيى:

يارب، وأنا كذلك، يا رب

أ. ياسمين عبد اللطيف

نفسي ابقا داعية اسلامية طيبة حنينة علي الناس ثابتة

د. يحيى:

أرجوك، خلّ حكاية داعية إسلامية هذه الآن.

أ. ياسمين عبد اللطيف

انا احب الله مثل مولانا النفري الا اغضب الا لله ولا اكون عصبية هذا ما فهمتو

د. يحيى:

هذا طريق جيد جداً، ما أصعبه، حافظى على صداقة مولانا وعشمه حتى لو لم تفهمى شيئا.

* * *

 (قراءة فى يوميات سابقة) من (نشرة 12-5-2009)

(فصامى يعلمنا (7): وقفة مراجعة، وربما تراجع!)

د. مصطفى مرزوق 

تعليقا على الفرض الرئيسى:

المقتطف:   “…إن ثمة عين داخلية (آلة “حس” داخلية لها علاقة بالحواس وما حولها)، هى نوع متطور من الإدراك القديم، (مراحل الادراك الأولى إلى ما قبل الإنسان)، (وهذه الحاسة الداخلية – العين الداخلية) تستطيع أن ترصد الداخل بما هو، وهى تنشط فى النوم أثناء النشاط الحالم أساسا -نوم حركة العين السريعة  REM”ريم”-، كما تنشط فى بداية الذهان خاصة، وهى ترصد الداخل “بما هو” فى البداية، كما قد تتعامل معه بآليات الذهن الأحدث من خيال، ولغة، وتفكير،وذاكرة“.

د. مصطفى مرزوق(1) 

السؤال الأول: ما المقصود بالإدراك القديم؟ وكيف تتطور؟ وتطور من ماذا إلى ماذا؟

د. يحيى:

برجاء متابعة ملف “الإدراك” من أوله لو سمحت

[عذراً لإضاعة وقتك].

د. مصطفى مرزوق (2)

السؤال الثانى: ما المقصود بـ “ترصد”؟ هل تراقب أم تصف أم تترجم أم تنقل أم ماذا؟ “نتعامل معه”.

د. يحيى:

المسألة تحتاج إلى “معايشة” أكثر مما تحتاج إلى شرح بمزيد من الألفاظ، وأنت بصفتك طبيبا نفسيا وطالب علم، عندك فرصة ثمينة جدا لمعايشة ما تسأل عنه بمجرد أن تبدأ بتصديق خبرات المريض، خاصة الذهانى، خاصة فى بدايات الذهانات، وبالتالى ومن خلال ذلك أساسا لا من خلال ردودى سوف تجد إجابات أوضح لكل تساؤلاتك هذه، وربما لهذا أنا أوصى بتناسب جرعة القراءة والفهم، مع جرعة الخبرة والمعايشة، حتى يثرى بعضها بعضا.

د. مصطفى مرزوق (3)

السؤال الثالث: (آلة حس داخلية لها علاقة بالحواس وما حولها) لماذا لفظ “آلة” بالذات؟ وما المقصود بـ “ما حولها”؟

د. يحيى:

لعلنى لم أوفق فى اختيار كلمة “آلة” لكنها الأقرب وخصوصا إذا استعملت بصيغة الجمع آليات (آليات الذهن) وهى أقرب إلى البرامج أو أجزاء البرامج الفاعلة،

 أما تعبير “ما حولها” فأنا لا أعرف ما قصدته به إلا أن أؤكد عدم الاقتصار على الحواس الخمس كما نعرفها.

د. مصطفى مرزوق (4)

السؤال الرابع: هل هناك أدوات حس داخلية – افتراضية أخرى؟ أما هما الأنف والعين وكفى؟

د. يحيى:

وحتى الأنف والعين، هى تعبيرات مجازية غالبا، لكنها حسية فعلا، واستعمال كلمة حسية هنا مهمة خصوصا إذا تذكرنا التجارب التى ترصد تغيرات كهربائية فى مناطق الحس فى الدماغ وقت ظهور الهلاوس الحقيقية (وليس الصور الخيالية. انظر بعد)

 وأعتقد أنه قد تم رصد تغيرات فى أعضاء الحس الخارجية أيضا مع هذه الهلاوس (وربما مع الخبرات الإبداعية الموازية)، لست متأكداً.

****

من (نشرة 5-12-2007)

الأنفُ تدرك مثل العين أحياناً!!

د. مصطفى مرزوق(1) 

السؤال الأول: ماذا تعنى “ميْلُ الوعى” Tilting of consciousness

د. يحيى:

هو تعبير جاءنى وأنا ألاحظ الخبرات الذهانية النشطة، بما فى ذلك خبرة ظهور الهلاوس الحقيقية، فانتبهت إلى أنها تحدث فى نفس حالة الوعى العادية مع تغير طفيف فى النوعية، وكأنها نقلة خفيفة لترس خفى فى أسطوانات الوعى (وليس نقلة جسيمة مثل النقل من الثانى للثالث فى السيارة) وأن هذه النقلة هى بمثابة فتح باب نصف نصف أو حتى ربع ربع (مواربة) على حجرة كانت مغلقة الأبواب تماما، وهذه المواربة هى التى تجعل الداخل فى متناولنا ربما كما عبرت عنه شعرا فى قصيدة “ملهى العرى” (ديوان البيت الزجاجى) .

د. مصطفى مرزوق (2)

السؤال الثانى: ما الفرق بين استجلاب الخبرة و”حضورها فجأة”؟ وما هو دور الخيال فى الحالتين؟

د. يحيى:

“استجلاب” الفكرة عملية، أقرب إلى التذكر،  Remembering Recall، وأحيانا إلى الاستبطان  Introspection ، أما حضورها فجأة فهى أقرب إلى كل من خبرات لحظات بداية الإلهام (وحدتها) فى الإبداع والضلالات الأولية  Primary delusion فى بداية الذهان أو الأفكار الذاتوية  Autoctonus Ideas

(ولهذا – كما تعرف – شرح يطول)

د. مصطفى مرزوق(3) 

(تعليق): طوال – مذاكرة – اليومية ومنذ بدايتها أحسست بشكل من أشكال “فرض الفرض” بمعنى أن لديكم تصور معين وأن أى ردود من قبل مرضى العلاج الجمعى سوف تصب فى هذا الاتجاه فسواء “شموا” أو ” لم يشموا” فالفرض قائم فى الحالتين، وبعد قراءات متتالية أرجعت السبب فى ذلك لعدم قدرتى على ترجمة ذلك عملياً لصالح المريض وصالحى.

يعنى لو شامم كاوتش تفرق إيه عن لو شامم جلد محروق ولا ….. أم كان الهدف فقط هو تشجيع المرض للمشاركة بهلاوس كانوا قد أنكروها؟

صدقت المرض – بصعوبة شديدة – ولكن أبدا لم أتسطع أن أصدق – د. حسام- برغم تزكييتك له؟

السؤال: هل ما حدث له علاقة بالإيحاء Suggestion من قريب أو بعيد؟

د. يحيى:

ما حدث ليس له علاقة بما شاع عن الإيحاء، ولا يوجد رد على تساؤلاتك هذه إلا أن تعيش الخبرة (ربما كما يقول الصوفيون)

ثم إنه لا يوجد شىء اسمه “تشجيع المرضى للمشاركة”، بالمعنى الذى وصلنى الآن منك، وأرى فى تعقيبك أنك نفيت عن نفسك أى احتمال لتنشيط الحواس الداخلية، وهذا حقك، وحق كل سليم معافى، أما أن تعمم هذا النفى على من عاش الخبرة، وتقلبها إلى “إيحاء”، و”فرض الفرض”، وكلام من هذا، فأعتقد – والله أعلم – أن هذا تمادٍ فى الدفاع لا أرفضه، ولكننى لا أستطيع أن أقبله مجاملة لك، أو لمن يريد ألا يرى أو يفترض إلا ما هو مقتنع به مسبقا، وهذا حقك وحقه، فلك اعتذارى، لكننى سأواصل اثبات ما يصلنى من مرضاى احتراما لخبراتهم فهم مدرستى الأولى وليس الأخيرة.

شكراً.

*****

من نشرة 27-7-2008

استشارات مهنية (7) (أعراض الرأس فى الفصامى، والعين الداخلية)

د. مصطفى مرزوق 

(السؤال): ما المقصود بالوعى الفائق (لدى الذهانى)؟ وكيف يحتاج الوعى الخاص؟

د. يحيى:

تعبير “الوعى الفائق” هو تعبير قديم شائع، ولم أصكه أنا، وهو تعبير جيد له استعمالات مختلفة، من أهمها أن يكون وعيا أعلى وأعمق وأكثر اتساعا من الوعى العادى فى حالة الصحو، وهو مرادف أحيانا للوعى الإبداعى، وكذلك قد يستعمل للإشارة إلى حالة من تناسق تناغم عمل النصفين الكرويين معا.

*****

من نشرة 28 -4-2009

فصامى يعلمنا (3): مستويات وتشكيلات “الحقيقة”، والعين الداخلية

د. مصطفى مرزوق 

(تعليق على فقرة (د): إن هذا المنهج قد يحل إشكالة التفسيرات العشوائية التى تمارسها العلاجات الشعبية، وأيضا قد يساعد فى الإستفادة من الفهم الإمراضى لصالح إعادة التشكيل الصحى للمريض.

السؤال: كيف ذلك؟

د. يحيى:

يمكن أن ترجع إلى وثيقة “التفسير العلمى للعلاجات الشعبية  Scientific Interpretation of Traditional Healing وهى موجودة بالموقع بشكل شرائح برنامج باور بوينت  Power Point. ندوة نوفمبر 2008 بعنوان: “التفسير العلمى للعلاجات الشعبية للأمراض النفسية”.

*****

من نشرة 29 -4-2009

فصامى يعلمنا (4): … “الكلام” يُحرِّك ما حول “الكلام”!!

د. مصطفى مرزوق(1) 

(السؤال): ما دلالة نفى صفة “الفصم” عن (رشاد) برغم ظهور أعراض “ذهانية” – “فصامية” واضحة؟

د. يحيى:

أعتقد أن “الفصم” يبدأ بالتعتعة  Dislodgement  ويتمادى إلى التباعد  Displacement ثم يتمادى أكثر إلى التفسخ  disorganization وقد يصل إلى بالتناثر Disintegration، كما أعتقد أن ما حدث عند رشاد هو المرحلتين الأولى والثانية ثم توقف عندهما، فاحتدت بصيرته أكثر وتتشطت عينه الداخلية حتى تم اللقاء معى الذى دهش فيه وأنا أعترف له بحقه فى معايشة هذه الخبرة الحقيقية، فلم يحتج إلى التمادى فيما يسمى الفصام، ولو تذكرت يا مصطفى أن الفصام هو عملية تفسخية مع ميل للتدهور كما يقول دليلنا المصرى/العربى الرائع DMP I، وليس مجرد وجود أعراض كذا وكيت وإذا كانت الحالة قد أظهرت بداية العملية التفسخية دون أن تتمادى، فلا توجد عند رشاد أية إشارة إلى احتمال الميل للتدهور اللهم إلا توقفه عن العمل وتذبذبه فى القرارات، أما تماسكه وصدق خبرته وحواره، فكل ذلك غالبا هو ما تسأل عنه، وهو ضد الفصام حيث رشاد أدق تسلسلا وأحد بصيرة من الشخص العادى

 فنفى الفصام عنه – بما شائع عنه – هو أحق به منى ومنك.

شكراً.

*****

من نشرة 6-5-2009

فصامى يعلمنا (6): العين الداخلية (أداة الحس الداخلية)  وموضوع السفر

د. مصطفى مرزوق

(تعليق): فى هذه اليومية بالذات بدأت مقاومتى لكلام المريض – وحقيقة – خبراته تقل شيئا فشيئا ومع مراجعة ما قاله وإعادة عدة مرات، سألت نفسى هو حايكدب ليه؟ وبعدين حتى لو بيحاول يكدب، الصنايعى اللى معاه دبلوم – ومش فى الأمراض النفسية – هايجيب الكلام ده منين؟

واشمعنى هوه بالذات – كفصامى – بيقول الكلام ده؟ وبعدين بعد ده كله لو الراجل ده – كفصامى – قال الكلام ده – غير كل فصامى – والكلام ده ماكنش ليه وزن ولا تفسير ولا معنى ويبقى شوية كلام وخلاص، أى كلام يعنى .. يبقى إيه بقى؟ طول الوقت وأنا بقرأ الحالة وأنا بقول لنفسى طيب ما هو القرآن لما نزل على الرسول – محمد صلى الله عليه وسلم – ماكنش فيه أى وسيلة الناس تصدق بيها إن الكلام ده من عند ربنا – يمكن – غير إنهم يصدقوا فعلا أنه من عند ربنا، وبداية ده كانت إن محمد صلى الله عليه وسلم – هو الصادق الأمين، يعنى هيكدب ليه؟ ثم أشياء أخرى.

د. يحيى:

أظن أن هذه المراجعة شديدة الصدق والأمانة، لأنها دليل على تخفيف المقاومة عندك بدرجة ما، وهى تدل أيضا على مرونة الفكر، وإبداع التلقى

برجاء مواصلة متابعة إعادة عرض الحالة لعلنا نصل معا إلى بعض ما نرجوه.

د. مصطفى مرزوق 

(ملحوظة): لم أكمل بعد قراءة كل اليوميات الخاصة بالحالة (رشاد)، ولكن هذه بعض الأسئلة التى خطرت لى – حتى الآن – وربنا يبارك.

أنا عارف يا د. يحيى أنك مش بتحب الشكر، علشان كده مش هاشكرك، لكن حادعيلك زى ما بتحب “ربنا ينفع بيك”.

د. يحيى:

آمين

شكرا مرة ثانية.

****

القسم الثانى:

مشاركة فى حوارات الشبكة العربية للعلوم النفسية (شعن)

اعتذار:

طال منى الجزء الأول بفرط كرم إثنين من الأصدقاء هما: عمر الصديق، ود.مصطفى مرزوق، وبالتالى طال البريد حتى شككت أن أحداً سيصبر على قراءته حتى ينتهى منه

وقد أثر ذلك أيضا على أن أكمل الرد على أول رسالة (أعنى الرسالة قبل الأخيرة، فهى الأولى ردًّا فقط) التى أرسلها الأخ الفاضل أ.د.صادق السامرائى

 وحتى رسالته هذه الآن فإنى أنشرها ناقصة مع وعد بالتكملة الأسبوع القادم

فعذرا له

وعذرا للجميع.

عزيزى الشاعر المبدع أ. د. صادق السامرائى فارس الشبكة (شعن)

وعليكم السلام ورحمة الله

أرجو أن تعذرنى مرة أخرى لتأخرى، والأهم أن تعذرنى للمقدمة المبتورة التى بدأت بها الأسبوع الماضى ردا على ملاحظتك عن “الطغيان” حين خلطتُ بين “الطغيان” و”العدوان”، وبدأت ملاحظاتى على هذا الأساس، والحمد لله أننى لم أكمل، لأنه يبدو أن تركيزى كان على عنوانك ثم المقدمة، فى حين كان جوهر مداخلتك هو أن ترسم نكوص هذا الكائن البشرى إلى وجود حيوانى بشع، وكنت أنا، ومازلت ، أرصد تدهوره إلى ما هو أدنى، كما أننى أدافع عن العدوان الإيجابى من قديم وأربطه بالإبداع بشكل ما (“العدوان والإبداع” عدد يوليو 1980 – مجلة الإنسان والتطور)، وهذا وذاك جرجرانى بعيدا عن الجوهر.

 أعتقد أنك تعلم يا صديقى، تمسكى بتكرار الحقيقة العلمية المؤكدة التى تفيد أن ما بقى من الأحياء عبر تاريخ التطور هو واحد فى الألف، وأن من انقرض منهم هو 99.9%، وأن النوع البشرى هو من بين هذا الواحد فى الألف التى بقيت، وهو يتصور – بحق غالبا- أنه يقف على قمة الهرم الحيوى، لكنه لا يريد أن يتعلم من زملائه الناجين (بقية الواحد فى الألف) كيف قاوموا الإنقراض، وحين بينت أن الإنسان بما آل إليه من عمىً صار أقرب إلى الأغلبية المنقرضة، رحت ألفت النظر إلى رقى عدوان الحيوان مقارنة بافتراسية وطغيان قادة الإنسان المعاصر الذين بدوا لى أنهم يستعجلون انقراض الجنس البشرى كافة بممارسة كل هذا الظلم والطغيان على أفراد من نفس النوع هكذا، “كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى”، لماذا لا يتذكر المسلمون بمسئولية لائقة أن هاتين الآيتين نزلتا فى بداية البداية على رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، بعد أمره بالقراءة: بالمعرفة، بالرؤية، بشحذ البصيرة، هذه آيات أولى تعّرفنا موقع ديننا من الحضارة والمعرفة، بها إشارات ودلالات يمكن أن تغيرا العالم، أين نحن منها الآن، مع أن الله سبحانه أعطانا مفتاح الإفاقة فالرجوع “إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى”.

اسمح لى يا صديقى اليوم ألا أكمل فى موضوع الطغيان (والعدوان) بعد أن تفضلت بإرسال هذه القصيدة الجديدة متخفية فى ثوب تعقيب على مقال قديم لى، تعقيبك البديع على هذا المقال هو قصيدة طويلة فعلا، كله كذلك، وليس فقط القصيدة العمودية فى آخره، وصلتنى القصيدة جميعها بكل موسيقاها الظاهرة والباطنة. نعم هى قصيدة بكل معنى الشعر، وصلنى منها، كما وصلنى من رسائلك السابقة هذا المعنى الأشمل للشعر، وتقمصُتكَ وأنت لنا ومعنا فى غربتك، وقد حملتـَنا معك إليها، فكسرتَ غربتنا التى غرقنا فيها، ونحن لم نبرح أماكننا هنا، وفرحت بكسر غربتك بلغتنا العبقرية التى أرى حبك لها متمثلا ليس فقط فى إتقانها، وإنما فى الرقص بها ومعها، تناغما إليه.

قلت مرارا أن هذه اللغة بالذات هى التى طمأنتنى على أننا – نحن العرب –  لا ندعى حين نتكلم عن أننا نملك حضارة تليدة مهما طمسناها وهمشناها، وأهملناها بإسهامنا فى خططهم الاستعلائية المغيرة علينا، وكأننا نكمل علينا بظلمنا أنفسنا لحسابهم، لكن تلوح بين الحين والحين إشراقات إفاقة حين يجتمع نفر منا يعانون من نفس الألم ويعايشون نفس الأمل، مثلما جمعنا جمال التركى، فإذا بنا نكتشف أننا مازلنا نستنشق ريح حضارتنا الممتدة فى لغتنا التى تعلن برسوخ قادر ثقافتنا المختلفة عنهم، لنتكامل بهم، دون النيل من ثقافتهم.

 إن كان لهذا النوع البشرى كافة ألا يكون فى مقدمة من ينقرض ممن بقى على هذه الأرض من أحياء، فعلى كل جماعة من جماعاته أن تنطلق من ثقافتها (بما فى ذلك دينها المختلف) فى توجه ضام حول التوحيد بلا شريك له ” إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً”، الشرك يا صادق أخفى على النفس من دبيب النملة، والمصيبة أنهم همشوا التوحيد أيضا وهم يهمشون الدين والإيمان جميعا، مع أنهم أحوج ما يكونون إليه مثلنا وربما أكثر.

 ثم دعنى الآن أواكب بعض كلماتك اقتطافا ، وأنا أعلم – كما بينت الجمعة الماضية – أننى أظلم  كل مقتطف حين أنزعه من سياقه، وأظلم كلية المداخلة وأظلمك كذلك، لكنها الضرورة”…والقوس له وترٌ عُـردّ،  مثل ذراع البكر أو أشدُّ”.

 أنت تكرمنى أكثر مما أستحق وأنت تقول فى تعليقك:

“… كلماتك تبعث الأمل والرجاء وتعلن أن القوة فى الحوار، وأن الأمة تمر بأدوار، فما عجزت ولا خابت، ولا انهزمت أو انكسرت، وإنما كمنت واختمرت ونضجت فأطلقت ما بها نبضا إنسانيا حضاريا ثوريا أصيلا، وشعشعت أنوار دورها الجديد من تونس الرائدة وتألقت فى مصر الباسلة..”

أشكرك وأدعو الله أن أكون، ونكون عند حسن ظنك، ثم أمضى فأقول:

 لعلك لاحظت أن المقال الذى تقوم بالرد عليه قد كتب منذ إحدى وثلاثين سنة بالتمام والكمال، وبالتالى فربما هو من بين الذى قد كمن واختمر حتى وصلك حين وصلك هذا النور المنبعث من الانتفاضات الواعدة بما تأمل فى قولك :

“… ولا زالت الأيام واعدة، والآفاق تشتاق لمزيد من التوهج والسطوع العربى الفياض..”

ثم تقول:

“حواراتنا تمنحنى شعورا دافئا بعروبتى وتؤكد فى أعماقى الإحساس الصادق بالانتماء وتؤكد أن الأمة بخير مادامت عقولها تتفاعل، ثم هذه الحوارات تستحضر الأفكار الأصيلة اللازمة لصيرورة فاضلة راشدة تأخذنا إلى مدارات التحقق الواعى المعاصر..”

فأقول:

كل هذا الأمل وسط كل هذا الألم يجعلنى أثق بالحياة، وبنا، برغم ما آل إليه حالنا، أنا لا أستطيع أن أعترض على حرف مما تقول، وكنت على وشك أن أقول لك “واحدة واحدة”، لكننى حين أكملت قراءة قصيدتك/تعقيبك، وجدتك تصف سلبياتنا الجارية أدق وصف وأصدقه، فاطمأننت وتعجبت معا: كيف استطعتَ  أن تحتفظ بكل هذا الأمل فى حواراتنا هنا فى الشبكة، جنبا إلى جنب مع كل هذه الرؤية لما وصلنا إليه بصفة عامة، أنت تشير إلى إشراقة حوارات تستحضر الأفكار الأصيلة، وهذا صحيح، بفضلكم وفضل مَنْ جَمَعَنا فى هذه السوق الجديد للوعى البازغ د. جمال التركى، لكنك فى نفس الوقت تنتبه إلى أنه :

حين يفقد الإنسان قيمته، يضيع الحوار وينتفى دروه فى البناء وإنضاج الأفكار الحيوية لغد أفضل

ثم تضيف

لا يوجد فى تاريخنا المعاصر حوارات ثقافية تعطى المثل الإيجابى لجدوى الحوار ما بين أبناء الأمة

فها أنت ذا تعرف تمام المعرفة ماذا صارت إليه حالنا، وبرغم ذلك تأمل أن تستحضر هذه الحوارات التى نمارسها هنا معا ما يأخذنا إلى “مدارات التحقق” ..يا لقوة صبرك ونبل صدقك يا أخى، ، يا لقوة الأمل وشرف الألم معا، ليكن، وليكن حديثنا عن سلبياتنا هو سياط تلهب مسيرتنا إلى مدرارات التحقق، وليس جَلْدا للذات يبرر توقفنا. لم اقف موقفا رافضا لما يجرى حاليا ، على الأقل فيما أتابع فى مصر تحت مسمى “حوار” مثلما أقفه الآن، وذلك بعد أن بدا الأمل يخفت يخفت يخفت، ذلك الأمل الذى  لاح بفضل الشباب، ومشاركة الشعب، وبرغم تلمظ الورثة، واحتمال خبث القوى التحتية المثيرة لبعض ذلك لأغراضها الخاصة، علما بأننى اكتشفت باكرا أن  الأمور تسير فى غير الاتجاه المأمول، وحين أصبحت المسالة نصّا (سكريبتا) يعيد نفسه، دون وقفة للتأمل والتأكد من اتجاه المسار، وجدتنى أغرق تحت أكوام الكلمات الرنانة بلا محتوى وهى تحيط بنا من كل جانب واشتعلت نيران الحقد والثآر والانتقام، “وتضرى إذا ضرّيتموها فتضرم”، لا أحد يريد أن يلتقط أنفاسه  ليرى إلى أين انحرف مؤشر البوصلة، أوراق الصحف تمتلئ كل صباح بنفس الاستعادة وكأنها لم تقل ذلك أمس وأول أمس، هذا الذى يسمى “التوك شو” (والذى أشارك فيه أحيانا أمِلا ان أحول دون ما هو أسوأ)، يذكرنى بالمثل العربى الذى وصفها قبل أن تظهر بعقود وعقود ” أسمع جعجعة ولا أرى طحنا”، تذكرت كتاب الراحل عبدالله القصيمى بعنوان “العرب ظاهرة صوتية”، وبرغم اعتراضى عليه، وكم ناقشته فيه محتدا محبا فى بيت منفاه/مقره فى منيل الروضة فى مصر، إلا أننى استحضرته ورحت  أعتذر له عن حدتى مع احتفاظى بحقى فى الاستمرار فى موقفى محتجا، لو كان القصيمى بيننا الآن لأصدر – بقسوته الاستقطابية-  الطبعة الثانية، وربما عنونها بعنوان أحدث يقول: “العرب ظاهرة صراخية نعابية معادة”، أغلب الذى يسوَّق الآن لا يستحق أن يسمى حوارا، بل إنه حتى لا يستحق وصف “حوار الصم”، يمكن أن يسمى “نزال الفخر والهجاء”، أو “مناقشات الحذق والدهاء”، أو “استعراض القفش والقفز”، أو أى اسم آخر غير “الحوار”، نحن نتكلم  عن الحوار وعن التعايش وعن المواطنة، ولا نمارس إلا الأحضان اللزجة، والتسويات المعطـلة التى تجمع كل المختلفين فى منتصف الطريق، فتخفت معالمهم وتثلم حدودهم وهم فرحين بالوسطية الشكلية جاهلين أن الوسطية الحقيقية هى شهادة وأمانة، وليست وقفة تسوية أو ترضية أو علامة للميوعة ودليل التنازل الكاذب، أغلبنا لا يعرف الفرق بين أن ترضى بحل وسط “يُرضى جميع الأطراف” بتنازلات خائبة أو زائفة، وبين الجدل الناتج عن حركية حوار الأضداد فى تلاحم قادر على تشكيل مستوى أعلى غير ما كان عليه كل طرف فى مواجهة نقيضه حين بدأ الجدل الخلاق،

 أظن يا عم صادق (وقد علمنى جمال التركى ان أستغنى عن الألقاب كلما اقتربت أكثر من أخ أو صديق أسوة بالفرنسيين) أنك تعنى ذلك بتمييزك الحوار الذى فرحت به على شبكتنا عن الحوار الذى فزعت منه نافرا حين وصلك من عموم لغو إعلامنا وساستنا هذه الأيام، وقبل هذه الأيام.

 الحوار الجدلى الخلاق هو الذى انتبهتَ أنت إلى أننا نتهيّب منه، لكننى أقول لك إن أغلبنا لا يعرفه اصلا حتى يتهيب منه، الحوار الخلاّق هو التلاحم مع مجادل آخر باحترام صادق يجعلك بعد أن تنتهى من لقائه تكتشف أن  محاورك أصبح كله أو بعضه بداخلك أقرب فأقرب، وأنه يضيف إليك ويعدل موقفك بعد انتهاء التحامكما، فتجدك أقرب إليه كما أنه أقرب إليك، وكلاكما أقرب إلى المشروع الذى يتكون منكما  دون أية حساسية أو شعور بالهزيمة، غياب هذا الجدل الخلاق هو الذى جعلك تتساءل

 “هل نحن أمة تعادى الحوار”؟

إنتظر قليلا يا صادق ودعنى أنتقل إلى الجانب الآخر لأخالفك، فأنا لست معك أن هؤلاء السادة الذى انت بينهم الآن، والذين أراك لا تبخسهم حقهم وهم يتحاورون ويتجادلون فيما بينهم  بكل هذا الذى يبدو إيجابيا أرقى، أنا لا أرى ذلك بمثل نفس الحماس والتصفيق الذى وصلنى منك، صحيح أنهم ينظمون كلماتهم بطريقة تبدو هادفة ولها منطق فعلا، وأن عندهم آليات الدماثة وقدرات منطق النصف الطاغى من المخ التى جعلتك تصفهم بقولك :

“…يتركز الاهتمام على تعلم كيفيات صب الأفكار فى كلمات، فالكلمة لا بد لها أن تكون ذات إسهام واضح فى صياغة الفكرة والعبارة، وتجدهم يركزون على كيف تفكر وتكون مؤهلا لتصنيع الفكرة وتحويلها إلى مشروع مؤثر فى مسيرة الحياة، وكذلك كيف تقرا ، وتحاور وتتفاعل مع الاختلاف وتستثمر طاقاته للبناء والتقدم، فلا يوجد كلام مبهم”.

وصلتنى هذه الشهادة الأمينة عن مضييفك الأمريكى الكريم الدمث (لا القبيح) على أنها إحياء لبعض قيمنا العريقة حين نعترف بالفضل أو التميز لمن نخالفهم،  وانتبهت إلى نقطة لا أستطيع إلا أن أوافقك عليها وهى قولك عن تحويل الفكرة ” إلى مشروع مؤثر فى مسيرة الحياة”، أظن أن هذا صحيح فيما يخص كثيرا من حواراتهم فيما بينهم، لكن دعنى اختلف معك فيما هو قبل ذلك وبعد ذلك:

أنا  لست منبهرا جدا بأغلب حوارهم المصقول هذا، وكم كنت أتعجب من أحد محدثىّ منهم حين يوافقنى بطيبة مسامحة على ما لم أوافق أنا نفسى عليه بعد، يصلنى هذا النوع من الحوار مهذبا مصقولا متكاملا لكننى أحيانا أرى كماله نقصا، حتى  ختمتَ أنت إعجابك بهذا النوع من الحوار بأنه “فلا يوجد مبهم”. فرددت عليك فى نفسى فورا أنه “لا”:  “بل يوجد مبهم رائع، ومبهم خائب!”

تأكد لى رضاك وإعجابك غير المشروط  بهذا المستوى من الحورا والتفكير الذى لا أرفضه، ولكننى لا أكتفى به، يمكنك  يا دكتور صادق – إن كان لديك الوقت- أن  تواصل متابعة ما أكتبه هذه الأيام فى “نشرة الإنسان والتطور” اليومية عن موضوع “الإدراك” (فى مقابل التفكير الذى تمدحه كل هذا المديح)، وهو نفس الموضوع الذى تناولته بأسلوب آخر لهدف آخر وأنا أعرض بعض الألعاب العلاجية، ربما وصلتك من هذا وذاك وجهة نظرى  أسهل وأوضح لتبلغك طبيعة اعتراضى ومغزاه، فأنا أدافع عن ” الغموض الإيجابى” وعن “عدم الفهم الذى لا يكتمل الفهم إلا به”، وكلاهما من نشاط المخ المتنحى (النصف الكروى المتنحى) كما تعلم.

 ثقافتنا العربية الشرقية التوحيدية التى نحاول إحياءها معا إنما تنطلق من الاختلاف حول هذه النقطة، ومن ثَمَّ كيفية التكافل بين النصفين الكرويين، بين ثقافة التفكير وثقافة الإدراك، بين حبكة الرموز والأرقام وجمال الصور والأنغام، ولا أريد أن أطيل عليك، ولا أن أضيع وقتك الثمين، لكن من واجبى أن أشير عليك أن تنتقى نشرة أو اثنتين، كأمثلة لهذا الموضوع:  نشرة 13-3-2012 (الإدراك 18 “علم الإدراك” يتجاوز “علم النفس” نبدأ من ثقافتنا: من  حيث نمارس ونفعل)، ونشرة 21-3-2012 (الإدراك 21 “عن ثقافتنا: ومحاولاتنا للتميز – المنطلق والمنهج والغاية”)، أو أن تنظر فى لعبة جماعية واحدة (نشرة 10-4-2012: الإدراك 26 “السماح بعدم الفهم ينشط الإدراك”) ، ثم إنى أعدك أن أنشر قريبا اللعبة الجديدة التى هبطت علىّ مؤخرا من ملف “الإدراك” أثناء قيامى بالعلاج فى قصر العينى فلعبتها مع مجموعة العلاج الجمعى هناك، يوم الأربعاء الماضى، وقد  طلبت فيها من المرضى والمعالجين أن يكملوا النص التالى بكل ما أوتوا من وسائل التعبير (بالكلام والعيون والجسد والحركة) ونص اللعبة يقول: “أنا أخاف أقول كلام من غير كلام لـَحْسَنْ…”، وباللغة الفصحى العربية كما علمنى جمال، “أنا أخافُ أن أقول كلاما بلا كلام خشية أن …”، وغالبا سوف أثبت استجاباتهم فى نشرة قادمة، فقد تم تسجيلها – بإذنهم – صوتا وصورة، وربما أناقشها  ضمن ملف الإدراك الجارى فحصه حاليا يومى الثلاثاء والأربعاء من كل أسبوع فى نشرتى اليومية. (هذا علما بأن أغلب المشاركين فى هذه المجموعة العلاجية هم من العامة، وبينهم أميون، لكن المعالجين شاركوا أيضا).

المصيبة أن أغلب هؤلاء القوم الدمثون عندك (وليس كلهم)  يقدسون نصف مخهم الطاغى لدرجة أنهم يكادون لا يخاطبون إلا نظيره فى حوارهم مع بعضهم البعض، أما إذا جرى الحوار مع من يعتقدون أنهم أدنى منهم ثقافة وتطورا، فالأمر قد يختلف حتى يصل إلى الموافقة الفوقية ، بمعنى “برافو”، أو التفويت المنشغل، بمعنى “على قدرهم”، أو “على قدر عقولهم”، اللهم إلا إذا أخفوْا أغراضا أخطر مثل أن نتبعهم ضاربين تعظيم سلام، ولهم حق، شعوريا أو لا شعوريا،فهم يقيسوننا  بخيبة  إنجازاتنا،..إلخ (مرة أخرى: طبعا ليسوا كلهم هكذا!!)

 نحن فى الشرق عموما، وعند العرب خصوصا، وربما عند المسلمين الحقيقيين أكثر تخصيصا، نحاول (أقول نحاول)  أن نحترم حق المخ المتنحى، وهو ليس متنحيا ولا حاجة، أغلب المعاصرين هم  الذين نحّـوه  قهرا، ثم إننا رحنا نقلدهم فاشلين مقتصرين على نسخ قشور هذا الجانب الطاغى فرحين بالتقدم الشكلى، ودمتم، لكن عندك: أكرر أنه ليس كل أصحابك الأفاضل يهمشون أو يهملون الجانب التصويرى الكلى كما يصور لنا نقصنا، فإن منهم من يطلقون سراحه ليساهم فى مجالات إبداع فائق لا جدال حول جدته وعمقه.

……………..

ثم تنتقل فى تعليقك إلى نقدنا بحق، فأوافقك من حيث المبدأ، ولكننى أقف طويلا عند بعض التفاصيل، حين تقول:

وفى مجتمعنا نميل إلى عدم الوضوح، وقد هيمنت على تفكيرنا آلية” المعنى فى قلب الشاعر:، والتى أراها تصف عجزنا التام على وضع الأفكار فى كلمات.

هذه الفقرة تؤكد ما لاح لى فى أول خطابك، ولقد تعجبت وأنت الشاعر الجميل أن تتحفظ على هذا التعبير الرائع الذى أحفظه على أنه “المعنى فى بطن الشاعر” وليس فى “قلب الشاعر”، فقد جرجرتنى إلى قضية نقدية ليس لها حل قريب، لأن المعنى ينبغى أن يظل فى بطن الشاعر، حتى لو أعلن أنه كذا أو كيت، فلا ضمان أن يكون هذا هو المعنى، لأن الشعر حين ينطلق لا ينتظر إذن صاحبه

 فى قصيدتى “ياليت شعرى لست شاعراً”  جاء ما يلى:

‏………‏

‏………‏

‏-2-‏

‏ ‏تدقُّ‏ ‏بابى ‏الكلمة

أصدّها.‏

تُغافل‏ ‏الوعى ‏القديم‏،‏

أنتفضْ‏.‏

أحاولُ‏ ‏الهربْ‏،‏

تلحقنُى.‏

‏ ‏أكونُها‏،‏

‏ ‏فأنسلخ‏ْْ.‏

‏………‏

‏………‏

 (إلى أن قلت:)

‏-3-‏

أمضى ‏أغافل‏ُُ ‏المعاجِمَ‏ ‏الجحافل‏ْْ، ‏

بين‏ ‏المَخاضِ‏ ‏والنحيبْ‏.‏

أطرحُنى:‏

بين‏ ‏الضياع‏ ‏وَالرُّؤى.‏

بين‏ ‏النبىَّ ‏والعدَمْ‏.‏

أخلّق‏ ‏الحياة‏ ‏أبتعث‏.‏ ‏

أقولُنى ‏جديدا‏،‏

‏ ‏فتولًدُ‏ ‏القصيدةْ‏.‏

إذن القصيدة هى التى تكتبنى بعد هذا الصراع الجدلى للكلمة وهى تتخلص من وصاية المعاجم لتصبح طليقة فى السياق الجديد، أنا معك من الحذر مما يسمى “قصيدة النثر”، وإن كنت لا أرفضها جميعها، فكم هى رائعة قصائد النفرى التى لم يسمها كذلك، لكنها كذلك ثم إنى لم أستطع أبدا أن أتخلى التفعيلة لأسمح لنفسى أن أسمى ما أحاوله شعرا، وإن كنت توقفت عن كتابة الشعر العمودى ومازلت معجبا به أشد الاعجاب وأبلغه، ليس عندى مشكلة فى أن يكون المعنى فى “وعى” الشاعر، لكن ليس عندى اعتراض أيضا أن يظل فى بطنه، وقد كررت مرارا حكاية تأليفى للكتاب الأم “دراسة فى علم السيكوباثولوجى” وأن ذلك كان استمرارا لحوار لى مع المرحوم صلاح عبد الصبور عندما ناقش الديوان فى البرنامج الثانى، وقلت له إن المعنى ليس فى بطنى وإنما فى عقلى فأنا أقصد شرح تسلسل إمراضية مرضانا مرحلة فمرحلة، فأصر هو أن هذا غير صحيح، وأنه شعر خالص، فوعدته أن أكتب المعنى الذى فى عقلى شرحا على المتن فكان الكتاب الذى يناهز الألف صفحة “دراسة فى علم السيكوباثولوجى” والذى وضعت له عنوانا فرعيا قبيحا هو “شرح ديوان سر اللعبة”، فالشعر يُمسخ كما تعرف حين يُشرح.

لكل هذا لم أوافقك على رأيك فى تحفظك على نقد الشعر حين يأخذون على بعضه نزوله إلى مستوى المباشرة، حين تقول:

فالشعر له دور فى بناء تصورنا وتفكيرنا، والشعر الجيد، حسب ما نراه، هو الذى لا يعرف مقاصده إلا كاتبه، والحقيقة المريرة أن كاتبه قد عجز عن وضع افكاره فى كلماته، فأشاع الوهم بأن ما يكتبه فن بمواصفات رمزية وتعبيرات بلاغية عصية على الوضوح السهل، وكم تقصدت أن أكتب بنصوص مباشرة ذات تعبير صريح عن الفكرة، فيغضب منها النقاد ويحسبون ذلك إمعانا فى المباشرة.

وكم قرأت شرحا أونقدا لقصائد، فأرى المكتوب لا يتصل بالقصيدة وإنما تخيلات وتوصيفات  من وحى المعنى فى قلب الشاعر، وهذا  إبداع انحرافى وليس إبداعا صادقا خالصا أصيلا يساهم فى بناء عقل الأمة ووعى الأجيال، وإنما هو أداة تشويه وتكفير وتشويش وعى.

هذا هو ما لا أوافقك عليه لأن النقد إبداع تال، وهو أصعب ما يكون حين يكون نقدا للشعر، وكل ما هو ممكن إذا لم يعجبنا النقد: هو أن نقوم بنقد آخر (إبداع آخر) أو بنقد النقد، لا أن نصفه بأنه انحراف أو أداة تشويه إن كنتُ لم أسىء الفهم.

ثم نعود لموضوعنا الأصلى وأنت تقول:

فالمسافة شاسعة ما بين آليات تفكيرنا وآليات تفكير العالم المتقدم، وهذه المسافة تنعكس فى تداعيات التواصل ما بين العالمين

فأوافقك أيضا من حيث المبدأ، لكننى أختلف معك فى أن أعزو سبب اتساع المسافة إلى اختلاف آليات التفكير فحسب، فأنا أعزوها إلى عشرات العوامل التى لابد سترد لاحقا فى حوارنا

ثم دعنى أخفف حدة الخلاف بالترحيب بالحكايات الدالة الرائعة التى ضربتها وأنت تحكى بصدق عن أصدقائك كما يلى :

“لدى صديق صينى يمزح معى عندما يدور الحديث عن بلادى، فيقول لى ضاحكا” إعطونا بلادكم لمدة خمسة أعوام فقط: وعندما زرت الصين أدركت أن صديقى كان على صواب!

ذات عام، كنت فى لقاء ضم عددا من الأخصائيين النفسيين العرب والامريكان،وبعد أن دار الحديث فى موضوعات متنوعة، صعقت بما قالته إحدى الزميلات الأمريكيات، قالت: “كأنكم أعداء بعضكم” ، وأصافت. ولهذا لن تحققوا شيئا مهما”، وكنا فى الاجتماع  زملاء وأصدقاء، وما عندنا ما ذكرته، لكننا من خلال أسلوب تفاعلنا أوحينا بذلك. وعندما تأملت بواعث قولها، تبين لى أن طريقة الطرح والنقاش كانت تؤكد ما ذهبت إليه، بما لا يقبل الشك للعقل الآخر، بأننا أعداء أو لا نعرف كيف نتفق ونستثمر فى المشتركات، ونميل إلى تعزيز مسوغات العجز والافتراق، ذلك لأننا لا نملك مهارات الحوار وقدرات وضع الفكرة فى كلمات، ونتعامل بعقل منفغل لا فاعل، فقد برزت الانفعالات وعجزت الكلمات عن التعبير عن الأفكار، وهذا سلوك يوحى بأننا لسنا على مايرام، وفقا للذى يرانا بعقله ومنظار تفكيره، وهذا معوق سلوكى وبائى مستوطن فى مجتمعنا ويصيب الجميع بأضرار مزمنة”.

فرحت بهاتين الحكايتين، بقدر ما تحفظت على بعض تعليقك، فرحت وخاصة بتعليق الصديق الصينى، ذلك أننى أثناء محنتنا الحالية ونحن عاجزون عن ضبط وربط الشارع حتى نبدأ فى تكوين دولتنا (دولنا) الجديدة تمنيت بالذات أن ندرس نظام وآليات الضبط والربط، كما ندرس آليات التعبير للتغيير، وليس للتنفيث والتفريغ، تمنبت أن نقتدى بأى نموذج نجح فى تكوين دولة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وتوقفت عند الصين مغيظا (وحاقدا بينى وبينك) على هذه البلاد وكيف استطاعت (واستمرت) أن توازن بين الاقتصاد الحر وبين الضبط والربط السياسى الرئاسى هكذا، وهى تصدّر للعالم ليس فقط منتجاتها الصناعية بل والزراعية، ووافقت صديقك الصينى وصدقته وحلمت بالدعوة أن تكون واقعا، لا لنعتمد عليهم، ولكن لنتعلم منهم حتى لو أنا أجرناها مفروشه خمسين عاما لا خمسة أعوام ليس ليديرها بدلا منا طول الوقت، ولكن – كما قلت– لتتعلم وننطلق بعد أن نستغنى عنه.

أما صديقتك الأمريكية فقد وصلت إلى ما وصلت إليه ليس بنوع التفكير الذى مدحته كل هذا المديح سابقا،  وإنما باستعمال آلية الادراك الذى أتصور أنه يميزنا أو أتمنى أن يميزنا، وأن نتحمل مسئوليته حتى نتميز، وقد كانت أيضا صديقتك محقة جدا أن تراك وترى زملاءك بمخها المتنحى بهذه الصورة الكلية التى ألهمتها هذا التعليق الذكى  حدْسا.

وبعد

اسمح لى الآن أن أتوقف لأن الجزء التالى سوف أتناوله بمنهج آخر، يمكن أن نسميه “شعر على شعر” وهو المبدأ الذى  تعلمته من استاذى المرحوم محمود محمد شاكر، وهو ينقد قصيدة الشماخ  “القوس والعذراء”، بقصيدته الرائعة شعرا أيضا(1)، ما وصلنى من ذلك هوأن الشعر لا يُنقد إلا شعرا، وقد حاولت أن أمارس هذا المنهج فى الفصل الثالث من نقدى لأحلام فترة النقاهة لنجيب محفوظ (2) التى اعتبرتها شعرا خالصا، فكتبت الفصل الثالث بمنهج التقاسيم “حلم على حلم” لأجرب هذا السبيل.

فى النصف الثانى من تعليقك الذى سأرد عليه الأسبوع القادم، وصلنى شعرك شعرا صريحا واضحا جميلا، وبما أن الشعر يأتى على مزاجه وبما أننى توقفت عن كتابة الشعر من زمن ليس قصيرا فكان علىّ أن ألزم حدودى وأنا أنقد (أو أرد على) شعرك الجميل شعرا، فخطر ببالى أن أبحث فى أوراقى القديمة لعلى أجد ما يعيننى، وفعلاً وجدت ما يستحق، ليكون ردى على ما تبقى من تعليقك أغلبه شعرا، فنثبت أيضا بذلك أن الرد قد يسبق المبادأة، ولم لا؟

وهذا ما سأحاوله الأسبوع القادم، بعد اعتذار لباقى زملاء الشبكة المنتظرين، إن كانوا ينتظرون.

شكراً جزيلا.

[1] – محمود‏ ‏محمد‏ ‏شاكر‏: “‏القوس‏ ‏العذراء” ‏مكتبة‏ ‏الخانجى ‏القاهرة‏. ‏الطبعة‏.‏

[2] – يحيى الرخاوى “عن طبيعة الحلم والإبداع” دار الشروق – الطبعة الأولى 2011

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *