الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الحلقة الثامنة والثلاثون الخميس‏:23/2/1995

الحلقة الثامنة والثلاثون الخميس‏:23/2/1995

نشرة”الإنسان والتطور”

26-8-2010

السنة الثالثة

العدد: 1091
Photo_Mafouz

الحلقة الثامنة والثلاثون

الخميس‏:23/2/1995

أصبحت‏ ‏أنتظر‏ ‏يوم‏ ‏الحرافيش‏ (الخميس) ‏بشعور‏ ‏مختلف‏ ‏عن‏ ‏سائر‏ ‏الأيام، ‏أمر‏ على أحمد مظهر‏ ‏ثم إلى توفيق صالح ‏لنذهب‏ ‏سويا‏ ‏إلى ‏الأستاذ‏ ‏ويسألنى ‏أحمد‏ ‏مظهر‏ ‏فى ‏الطريق‏ ‏إلى بيت توفيق‏ ‏صالح‏ ‏عن‏ ‏ما هو‏ ‏ ‏المرض‏ ‏الذى ‏تظهر‏ مظاهره ‏فى ‏العينين‏ ‏والتى ‏تعلن أنه سوف يؤدى ‏إلى ‏الموت القريب، وأسأله عن سبب سؤاله القريب هذا، ‏وأعرف‏ ‏أنه‏ ‏يكتب‏ ‏نصا‏ أو يراجع نصا ‏عن‏ ‏السلطان‏ ‏قلاوون‏ ‏الذى ‏تولى ‏الملك‏ ‏طفلا‏ ‏ولم‏ ‏يتزوج‏ ‏إلا‏ ‏فى ‏سن‏ ‏الرابعة‏ ‏والثلاثين (حسب روايته)، ‏وظل‏ ‏مخلصا‏ ‏لزوجته‏ ‏طول‏ ‏الوقت،‏ ‏وأسأل مظهر عن سر اهتمامه هكذا، وأفهم أنه ليس بالضرورة يستعد لمهمة فنية يقوم فيها بدور هذا الرجل، لكنه يستعد على أيه حال، ثم حكى لى أن ‏المخرج‏ ‏قال له أن المعلومات التى يهتم بها هكذا ليس فيها ‏ ‏قصة‏ ‏حب، ‏وأنه ‏ ‏(المخرج) مضطر‏ ‏أن‏ “‏يحشر‏ ‏قصة‏ ‏حب فى الحكاية هنا أو هناك، ‏ولو ‏مع‏ ‏جارية، ‏ ‏ثم‏ ‏يحول‏ ‏بينه‏ ‏وبين‏ ‏الزواج‏ ‏منها‏ لمرض قاتل لمحه فى عينيها، فلا يخدش بذلك التاريخ، قلت له يا بو حميد، وهل هذا كلام يصح؟ قال الفن فن، والتاريخ تاريخ، هذا شئ، وذاك شئ آخر، وقد كان سؤالى عن المرض الذى يمكن أن يظهر فى العين ويكون خطيرا وقاتلا، لأفهم منطق المخرج وهو يقترح حشر قصة حب السلطان لهذه الجارية المسكينة التى تموت قبل أن تتزوج، قلت له تقصد قبل ان تدخل التاريخ، ضحك، فذكرت له بعض خصومتى مع التاريخ حتى لو اعتبروه علما، وأن خصومتى تمتد من التاريخ، المروى شفاهة إلى التاريخ المكتوب ممنهجا، ولم يمنعه ذلك من أن يواصل الحكى عن وقائع وتفاصيل تاريخية، ليست فقط عن السلطان قلاوون، وإنما عن المماليك، والفاطميين وغيرهم، وكان يحكيه بحماس ويقين وكأنها حدثت أمس، وكأنه رآها شخصيا رأى العين، ولم يعتن باعتراضى المتكرر وإعلان رأيى أن أغلب هذه الحكايات هى من نسج الخيال، وأن ما يجرى بيننا –مثلا- فى جلسة الحرافيش الليلة هو تاريخ ليس كمثله تاريخ، ومع ذلك فلا أحد يستطيع أن يحكيه كما يحدث، فكيف كتبوا هذا التاريخ بكل هذه الحوارات بنفس ألفاظها بعد مئات السنين، وهو لا يهتم بكل ذلك ويواصل حماسه، ثم راح يعرج بحديثه إلى مسائل لغوية جادة قابلته أثناء فحصه هذا التاريخ وغيره، وأنه اكتشف من خلال ذلك روعة اللغة العربية ودقتها وإبداعها، ولم أكن أعرف عنه ذلك أيضا، بصراحة فرحت به وكأنى أكتشفه من جديد، هذا شخص آخر غير فتى الشاشة الفارس السمهرى محبوب الفاتنات، عرجت بالحديث مرة أخرى إلى ما آل إليه وزنه، وأبلغته أننى فرح أنه يبدو أنه قد استرد ولو كيلو أو اثنين منذ أول رمضان، ونبهته أن يحرص ألا يرجع إلى موقفه من الطعام من جديد، فوعدنى خيرا، وإن كنت لم أجد فى لهجته ما يطمئن، ‏علمت أن ‏وزنه‏ ‏هو حول الخمسين‏ ‏كيلو جراما‏ وذكر لى‏ ‏أنه‏ ‏كان‏ ‏يلعب‏ ‏فى ‏وزن‏ ‏الديك‏ ‏طول‏ ‏عمره، ‏سألته‏ ‏ماذا‏ ‏كان‏ ‏يلعب، ‏فذكر‏ ‏لى ‏كيف‏ ‏حصل‏ ‏على ‏بطولات‏ ‏فى ‏الملاكمة، ‏وفرحت لهذه الإضافة الجديدة، وربما غرت قليلا أو كثير، لكنها غيرة بحب أبوى غريب، مع أنه أكبر منى سننا،، هل توجد غيرة بحب!!؟ هذا الفتى الفارس الملاكم الفنان كاد يذوى جسده حتى كاد يختفى لولا يقظة ذهنه الفائقة وهو يتكلم فى التاريخ واللغة والفن، وأذكر له قول المتنبى وهى يستدر عطف سيف الدولة وأن جسمه هزل (من فرط حبه لسيف الدولة!!) وهو يقول “كفى بجسمى نحولا أننى رجل، لولا مخاطبتى إياك لم ترنى”، وأضيف لمظهر منبها أننى أحيانا أكاد أرى صوته وفكره أكثر مما أرى حضوره جسدا وهو بكل هذا الذبول، ويحترم ملاحظاتى، ويعدنى خيرا، ولا أثق فى وعوده مرة أخرى، إذ يبدو أن مخاوفه من الأكل، مع وحدته، مع فقد الشهية قد تضافروا عليه بلا رحمة.

بعد أن مررنا على الأستاذ واكتملنا فى العربة، انطلقنا إلى الجزء الأول من ليلة الحرافيش، ‏ ‏إلى ‏فندق‏ ‏الواحة فى أول الطريق الصحراوى نجرب مكانا جديدا، نحن فى رمضان، ‏سرادق‏ ‏كبير، ‏وخدمة‏ ‏طيبة، ‏لكن‏ ‏الافتعال يفسد ‏كل المحاولات، هذه الفنادق الكبرى تقلد الأحياء العريقة والشعبية فى رمضان، فيبدو رمضان مصنوعا من البلاستك، نفس الشعور الذى انتابنى يوما وأنا أقارن الأويمة الدمياطية المتقنة على الموبيليا مع الأويمة البلاستك المسماة “بلاستو أويمو” التى يلصقونها لصقا فاشلا قابلا للتفكك فيعرى الكذب أكثر مما يعرى الخشب، الحمد لله شعرت أن الأستاذ، وهو ابن الحسين، ودرب هرمز، والأزهر، لم يصله بفضل ضعف الحواس كل هذا القبح، وقاومت رغبة أن أنقل له مشاعرى السلبية هذه حرصا على مزاجه.

يفتح‏ ‏توفيق‏ من جديد ‏مع‏ ‏الأستاذ‏ ‏موضوع‏ ‏تنظيم‏ ‏الخروج بهذه الصورة الثابتة ، ‏ويصر‏ ‏على ‏أن‏ ‏مقتضيات‏ ‏الأمن‏ ‏تستدعى ‏عدم‏ ‏تثبيت‏ ‏المواعيد‏ ‏والأماكن، ‏فأصر‏ ‏بدورى ‏على ‏أن‏ ‏التغير المستمر خوفا من مجهول بهذه الصورة يفسد كل شىء، وأن هذا التغيير رعباً هو‏ ‏مخالف‏ ‏لطبع‏ ‏الأستاذ‏ ‏ولا لزوم له أصلا‏، ‏ثم‏ ‏إنه أيضا يحرم الأستاذ من أصدقائه الذين من حقهم أن يعرفوا أماكن تواجده يوميا بشكل ثابت ليتمكنوا من الحضور والمشاركة، ويصر توفيق، وأصر، ولا يتدخل مظهر، ‏وبعد‏ ‏مناقشات‏ ‏تفصيلية‏ ‏ألخص ‏ ‏للأستاذ‏ ما كنا فيه موضحا طريقة تفكيرى من حيث أن ‏ ‏الأوليات‏ ‏عندى هى ‏على ‏الوجه‏ ‏التالي‏: ‏راحته‏ ‏وألفته‏ ‏وعاداته، ‏ثم‏ ‏مقتضيات‏ ‏الأمن، ‏ثم‏ ‏التسهيل‏ ‏على ‏المريدين، ‏فأفاجأ بأنه يريد ‏أن‏ ‏تأتى ‏راحته‏ ‏وألفته‏ ‏وعاداته‏ ‏فى ‏المقام‏ ‏الثالث، ‏فأقول له إن اقتراح توفيق سوف يجعل حركتنا أشبه بحركة طرزان وهو يقلد القردة وينتقل من فرع شجرة إلى آخر، فيقول الاستاذ ضاحكا إن هذا جدير بأن يربك رجال الأمن أكثر منا، نحن بذلك سوف نجرجرهم معنا إلى حيث لا يعرفون كل مرة، ‏وحين‏ ‏يصل‏ ‏ضجرهم‏ ‏مما‏ ‏نفعل‏، (وتتسع ضحكته) سوف يتحولون إلينا ويخلصون علينا ويرتاحون، يقول ذلك وهو يميل إلى الخلف ويشير بيده كأنه يمسك مسدساتهم، ويقهقه، ثم يضيف مكررا أن الأمن قد عرض عليه مثل هذه الحراسة أو أقل أو أكثر قبل الحادث، وأنه شعر أنه سوف يختنق، وأنه سيكون سجين حركاتهم ومخاوفهم، ورفض الحراسة، فكان ما كان، فأؤكد له أن الأمن غير قادر إلا على منع “القضاء المستعجل”، وأذكره بمثل أمى كانت تردده: أن “الباب المقفول يمنع القضا المستعجل”، فيستفسر منى أكثر، فأقول إن القضاء المخطط مع سبق الإصرار والترصد لا يمنعه باب مقفول ولا أمن محكم، فيوافقنى من حيث المبدأ مع اختلاف الظروف، ويعيد علينا ما قاله للمسئولين حين عرضوا عليه الحراسة قبل الحادث، بأن‏ ‏حراسته‏ ‏مستحيلة، ‏فإنه‏ ‏يلف‏ ‏القاهرة‏ ‏كلها‏ ‏يوميا، ‏فكيف‏ ‏يجر‏ ‏وراءه‏ ‏حارسا‏ ‏يذنبه‏ ‏هكذا‏ ‏طول‏ ‏الوقت، ‏وأن الحارس غالبا سوف “يطخه” تخلصا من كل هذا التعب، تماما كما عقب الآن على اقتراح توفيق بالحركة المُجَهّلة يوميا، وأؤكد لهم أنه لو كان حوله عشرون من رجال الأمن لحظة الحادث، ما كان أحدهم سوف يفعل ما فعله د. فتحى هاشم بتلقائية وحب وهو يجلس بجواره، كانوا سوف ينتبهون للقبض على المعتدى أكثر من انتباههم لوقف الدم المتدفق من رقبته والإسراع به إلى مستشفى الشرطة بحب ودعاء مستجاب والحمد لله. وينتهى النقاش بقبول رأيى فى تثبيت الأماكن مع الحذر، وأضحك، وأصر أنه لا يغنى حذر عن قدر، فيقول الاستاذ “إنت معانا ولا مع التانيين”، دون أن يشير إلى نكتة على سالم، (الحلقة الخامسة والثلاثون: نشرة:5-8-2010)

ثم‏ ‏ينتقل‏ ‏الحديث‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏نشر‏ ‏فى ‏الوفد‏ ‏حول‏ ‏فضفضة‏ ‏تعريف‏ ‏ما‏ ‏هو‏ “‏شرق‏ ‏أوسط‏” ‏ويأسف‏ ‏الأستاذ‏ ‏على ‏عدم‏ ‏قراءته ‏للصحف‏ ‏بنفسه شخصيا، لأنه‏ ‏وهو‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الحالة‏ ‏من‏ ‏الإعاقة‏ ‏الحسية‏ ‏كان‏ ‏يعتمد كليةً على ‏الحاج‏ ‏صبرى ‏ساعة أو بعض ساعة صباح كل يوم، ويضيف أن ما يصله من الأهرام مثلا من خلال تقليب الحاج صبرى له صفحة بصفحة، أنه انقلب إلى نشرة إعلانات مزركشة، وهكذا تحولت فائدة قراءة الصحف إلى أن يلم كل صباح  ‏تماما‏ ‏بما‏ ‏يعلن‏ ‏عنه‏ ‏الناس‏ ‏وكأنه‏ ‏يدفع‏ ‏ثمن‏ ‏الأهرام‏ ‏ليحقق‏ ‏هدف‏ ‏المعلنين من زيادة أعداد التوزيع وبالتالى أعداد المستهلكين، كل ذلك دون اختيار من جانبه، ويضيف أنه لولا العادة، لاستغنى عن الأهرام وتركه لكل هذه الإعلانات اللحوح.

ننصرف‏ من الفندق مبكرا عن موعدنا، ‏ ‏فالمكان‏ ‏ليس‏ ‏مناسبا‏ ‏فعلا، لا هو فندق خمس نجوم، ولا هو رمضان شعبى، اختلطت الرفاهية الترفيهية البلاستيك بادعاء الشعبية الدينية الموسمية، فبدا الجو كله مصنوع بغباء.

 ‏فى ‏منزل‏ ‏توفيق‏ ‏صالح‏ ‏عاد الجو الطيب يلفنا من جديد، خاصة وأن ‏الحرفوش الأخير، (الذى اصبح ‏ ‏”قبل‏ ‏الأخير”‏ ‏بالتحاقى، حسب تصنيف الأستاذ وتصحيحه باستمرار) “جميل شفيق” قد حضر بعد غيبة أسابيع،‏ ‏شعرت‏ ‏أنه‏ ‏أوحشنى ‏بجد، ‏فشعرت‏ ‏أكثر‏ ‏ ‏أننى ربما ‏أصبحت‏ ‏حرفوشا‏ ‏بجد، ‏الحديث‏ ‏هادئ ‏هذه‏ ‏الليلة، ‏بدأ‏ ‏توفيق‏ ‏يقرأ‏ ‏للأستاذ‏ ‏الكلمة‏ ‏التى ‏كتبتـُها‏ ‏فى ‏الأخبار‏ ‏عن‏ ‏قراءتى‏ ‏القرآن فى رمضان مع والدى رحمه الله، ‏وفعلا‏ ‏كنت‏ ‏حريصا‏ ‏أن‏ ‏يسمعها‏ ‏الأستاذ، ‏طلب منى الأستاذ أن ‏أكملها‏ ‏له‏ ‏قراءة، ‏وكنت‏ ‏فخورا‏ ‏بها، ‏ففيها‏ ‏اجتهاد لقراءتى ‏ ‏كيف‏ ‏تنزل‏ ‏القرآن‏ ‏فى ‏ليلة‏ ‏القدر، ‏وفيها‏ ‏رؤية‏ ‏جديدة‏ ‏لحضور‏ ‏القرآن‏ ‏فى ‏الوعى، ‏وفيها رفض‏ ‏لاختزاله‏ ‏أو‏ ‏تجميده‏ – ‏فضلا‏ ‏عما‏ ‏فيها‏ ‏من‏ ‏ملامح‏ ‏طفولتي، ‏وتقبلها‏ ‏الأستاذ‏ ‏بقبول‏ ‏حسن، ‏لكن‏ ‏يبدو‏ ‏أننى ‏كنت‏ ‏أتوقع‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏أكثر،  

ثم ‏حكى لنا‏ ‏جميل‏ ‏شفيق‏ ‏عن‏ ‏خبرته بالنسبة لحقوق النشر فيما يتعلق بلوحة ‏رسمها‏ ‏لنتيجة‏ ‏عالمية‏، وكيف أن ‏هيئة‏ ‏مصرية‏ ‏تعاقدت‏ ‏معه‏ ‏على ‏رسمها‏ ‏وظهرت‏ ‏فى ‏النتيجة‏ التى أصدرتها، ولكن لم ‏ ‏تصله‏ ‏أتعابه‏ حتى الآن وكلام‏ ‏من‏ ‏هذا، ‏ثم راح يشير إلى ‏اسماء‏ ‏فنانين‏ ‏أو‏ ‏مفكريين‏ ‏ ‏انقلبوا مضطرين إلى “شطّار” نتيجة لخبث هذه التعاملات التى ‏تـحول‏ ‏الفنان‏ ‏يأسا‏ ‏أو‏ ‏هربا‏ ‏أو‏ ‏قرفا‏ ‏من‏ ‏فنان‏ ‏صاحب‏ ‏رؤية‏ ‏وقضية‏ ‏إلى ‏شيء‏ ‏آخر، ‏وبدون‏ ‏ضرب‏ ‏مثال‏ ‏محدد‏ ‏قال‏ ‏جميل‏ ‏إن‏ ‏فنانا عربيا‏ ‏يدعى ‏برهان‏ ‏كركوتلى (أرجو أن يكون هذا هو اسمه) كان‏ ‏رساما‏ ‏مهما‏ ‏وعاش‏ ‏فى ‏المانيا‏ ‏وتزوج‏ ‏من‏ ‏ألمانية‏ ‏وهو‏ ‏حاضر‏ ‏الآن‏ ‏فى ‏مصر‏ ‏ليحضر‏ ‏تخرج‏ ‏ابنه‏ ‏من‏ ‏الجامعة‏ ‏الأمريكية،‏ ‏هذا‏ ‏الفنان‏ ‏ترك‏ ‏الرسم‏ ‏والقضية‏ (‏الفلسطينية‏) ‏وراح‏ ‏يعمل‏ ‏حكواتى ‏بالألمانية، ‏فى ‏ألمانيا، ‏وقد‏ ‏وجدها‏ ‏طريقة‏ ‏أكسب، ‏وهو‏ سوف يعقد‏ ‏حاليا فى ‏نقابة‏ ‏الصحفيين المصريين ‏ ‏ليلة‏ ‏مماثلة‏ ‏لكن‏ ‏حكايته‏ ‏الليلة سوف‏ ‏يحكيها‏ ‏بالعربية، ‏والأهم‏ ‏من‏ ‏ذلك‏ ‏أنه سوف يعرض‏ ‏شريط‏ ‏فيديو‏ ‏قد‏ ‏سجله‏ ‏لرقصات‏ ‏زوجته‏ ‏الألمانية‏ ‏التى ‏طلقها‏، ‏والتى ‏غوت‏ ‏الرقص‏ ‏الشرقى ‏بعد‏ ‏زيارة‏ ‏إلى ‏سوريا، ‏ثم‏ ‏تقمصته، ‏ثم‏ ‏تعلمته، ‏ثم‏ ‏راحت‏ ‏تفتح‏ ‏له‏ ‏المدارس‏ ‏وتعلمه‏ ‏حتى ‏صار‏ ‏بجهودها‏ ‏وجهوده‏ ‏فى ‏المانيا‏ 20.000 ‏عشرون‏ ‏ألف‏ ‏راقصة شرقية، ‏ بصراحة لست متأكدا من نطق اسم هذا الحكواتى، كما أننى استسلمت للرقم دون تصديق نهائى، ودون تكذيب أيضا، ليس فقط الرقم الذى أدهشنى، ولكن أيضا علاقة هذا الرجل بزوجته بعد أن انفصلا، ‏قال‏ ‏توفيق‏: ‏من‏ ‏منا‏ ‏يجرؤ‏ ‏أن‏ ‏يعمل‏ ‏هذا‏ ‏مع‏ ‏زوجته، فقلت له: ومن منا له زوجة بهذه المواصفات حتى تطرح سؤالك هذا؟ وضحك الأستاذ.

أحببت فى بيت توفيق‏ ‏هذه‏ ‏الحجرة‏ ‏المظلمة‏ نصف نصف، ‏بغض‏ ‏النظر‏ ‏عما‏ ‏يجرى ‏فيها‏ ‏من‏ ‏أحاديث‏‏، الأستاذ لا يتحمل الضوء الباهر، ومن حسن توزيع الإضاءة وتثبيتها، أصبح لضوئها ما ذكرت عنه حالا، انتقل حديث جميل شفيق إلى الإشادة بالفن التشكيلى فى إيران، وأنه يتطور ويتقدم مثل السينما الإيرانية ، وان الثورة الإسلامية لم تعق خطى هذا أو ذاك بالرغم من كل المزاعم (وجميل شفيق قبطى جميل)، تذكرت‏ ‏فجأة‏ ‏إسم‏ ‏الفيلم‏ ‏الإيرانى ‏الذى ‏شاهدته‏ ‏قبل‏ ‏الثورة‏ ‏الإسلامية، ‏وهو‏ ‏فيلم‏ “‏الغريب‏ ‏والضباب‏”، وأننى كتبت عنه نقدا مهما نشر فى نشرة نادى السينما أظن سنة 1972، وعقب ‏ ‏ ‏توفيق‏ ‏بأن‏ ‏السينما‏ ‏فى ‏إيران‏ ‏الآن‏ ‏أرقى ‏منها‏ ‏فى ‏مصر، ‏وأنه‏ ‏شاهد‏ ‏فيلما‏ ‏إيرانيا‏ ‏فى ‏إيطاليا‏‏ ‏وكان إبداعا‏ ‏شديد‏ ‏الإتقان‏. ‏وأن المخرجة‏ ‏إمرأة‏ ‏ومحجبة‏، ‏فقال‏ ‏أحمد‏ ‏مظهر‏ ‏إن‏ ‏عندنا‏ ‏أيضا‏ ‏مخرجات‏ ‏مثل‏ ‏إيناس‏ “‏الدغيدي‏” ‏وانعام‏ ‏الجريتلى ‏وإنهما‏ ‏كذا‏ ‏وكيت، ‏ثم‏ ‏كيت‏ ‏وكذا، ‏ثم‏ ‏ما‏ ‏لا‏ ‏يقال

تحول الحديث إلى كتابة السيناريو، وأفتى توفيق بتفاصيل تنفع جاهلا مثلى عن كيفية كتابة السيناريو، وأنه إبداع مستقل، وأنه يساعد المخرج بشكل هائل، ‏وسأل‏ ‏أحمد‏ ‏مظهر‏ ‏توفيق‏ ‏عن‏ ‏الفرق‏ ‏بين‏ ‏كتابة‏ ‏السيناريو‏ ‏بالطريقة‏ ‏المصرية‏ ‏المستمدة‏ ‏من‏ ‏النظام‏ ‏الفرنسى ‏وبين‏ ‏الطريقة‏ ‏الامريكية‏ ‏على ‏وجه‏ ‏التحديد، ‏فذكر‏ ‏له‏ ‏كلاما‏ ‏بدا لهما مهما، وراح ‏توفيق‏ ‏يشرح‏ ‏على ‏ورقة، ‏وذكر‏ ‏أن‏ ‏الطريقة‏ ‏المصرية‏ / ‏الفرنسية‏ ‏تكتب‏ ‏المشاهد‏ ‏على ‏اليمين‏ ‏ثم‏ ‏تترك‏ ‏ثلث‏ ‏الصفحة‏ ‏للإشارة‏ ‏إلى ‏الصوت‏ ‏(‏الحوار)، ‏أما‏ ‏الطريقة‏ ‏الإنجليزية‏ ‏فتشغل‏ ‏الصفحة‏ ‏كلها‏، ‏مع‏ ‏الإشارة‏ ‏إلى ‏الحوار‏ ‏أسفل‏ ‏كل‏ ‏فقرة، ‏ ‏إلى ‏آخر‏ ‏ما‏ ‏لم‏ ‏أفهم‏ ‏من‏ ‏تفاصيل، ‏المهم‏ ‏فى ‏كل‏ ‏ذلك‏ ‏هو‏ ‏منظر‏ ‏الأستاذ، ‏وهو‏ ‏كاتب‏ ‏سيناريو لفترة مهمة من حياته، ‏وهو‏ ‏يشرئب‏ ‏بعنقه ليتابع، شرح توفيق لمظهر، ‏ويحاول‏ ‏بنظره‏ ‏المحدود‏ ‏وسمعه‏ ‏المتواضع‏ ‏أن‏ ‏يلتقط‏ ‏الحوار‏ ‏ويتابع‏ ‏التخطيط‏ على الورق ليعرف‏ ‏الفروق، ‏ما زلت منبهرا من احتفاظه بكل هذه‏ ‏الرغبة‏‏ ‏للتعلم‏ ‏والدهشة‏ ‏والاستزادة، حتى مما يعرف، استمر‏ ‏توفيق‏ ‏فى ‏حواره‏ ‏مع‏ ‏مظهر‏ ‏فنبهته‏ ‏إلى ‏رغبة‏ ‏الأستاذ‏ ‏فى ‏المتابعة، ‏فأعاد‏ ‏عليه‏ ‏شرح‏ ‏الفروق، ‏فقال‏ ‏الأستاذ‏ ‏”أهكذا؟‏!! ‏هذه‏ ‏إضافة‏ ‏لم أكن أعرفها”، ‏

ما‏ ‏كل‏ ‏هذه التلمذه المبدعة؟‏ ‏ربنا‏ ‏يخليه‏.‏

ثم تطرق‏ ‏الحديث‏ ‏إلى ‏ضرب‏ ‏العود، ‏وذكر اسم أمين‏ ‏بك‏ ‏المهدى (يارب يكون الاسم صحيحا) ‏أول‏ ‏وأعظم‏ ‏من‏ ‏عزف‏ ‏على ‏العود‏ ‏قديما، ‏وكيف‏ ‏أنه‏ ‏اشترى ‏البكوية‏ ‏بكذا‏ ‏من‏ ‏المال، ‏وكان‏ ‏هذا‏ ‏عرفا‏ ‏متبعا‏ ‏ومفيدا، ‏ثم‏ ‏ذكر‏ ‏سامى ‏الشوا‏ ‏وكيف‏ ‏عُـرض‏ ‏عليه‏ ‏من‏ ‏حوالى ‏خمسين‏ ‏سنة‏ ‏مبلغ‏ ‏ألفين‏ ‏دولار‏ ‏للعزف‏ ‏فى ‏أمريكا، ‏ثم‏ ‏كيف‏ ‏أن‏ ‏العود‏ ‏كان‏ ‏من‏ ‏أربعة‏ ‏أوتار‏ ‏فقط، ‏ثم‏ ‏أضيف‏ ‏إليه‏ (‏من‏ ‏العراق‏) ‏وتر‏ ‏خامس، ‏وأحينا‏ ‏وتر‏ ‏سادس، ‏وتحدث‏ ‏جميل شفيق عن‏ ‏فرقة‏ ‏تنشد‏ ‏فى ‏المسرح‏ ‏الصغير‏ فى الأوبرا ‏تواشيح‏ ‏دينية‏ فى رمضان ‏فذكر‏ ‏توفيق‏ ‏أنه‏ ‏من ‏عهد‏ ‏محمد‏ ‏على ‏إلى ‏عهد‏ ‏سعيد‏ ‏باشا‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏فى ‏مصر‏ ‏غير‏ ‏الأناشيد‏ ‏الدينية، ‏ثم‏ ‏حدث‏ ‏التطور‏ ‏من‏ ‏الاختلاط‏ ‏بالأتراك‏ ‏ذهابا‏ (‏محمد‏ ‏عثمان، ‏وسى ‏عبده‏) ‏وإيابا‏ ‏لما‏ ‏استدعى ‏الخديوى ‏بعض‏ ‏الملحنين‏.‏

لست‏ ‏أدرى ‏ما‏ ‏الذى ‏عرج‏ ‏بالحديث‏ ‏إلى ‏على ‏أحمد‏ ‏باكثير‏، أظن أنه أحمد مظهر، حين ذكر كيف أن باكثير ‏أراد‏ ‏تحوير‏ ‏نص‏ ‏كان‏ ‏سيقوم‏ ‏فيه‏ ‏أحمد‏ ‏مظهر‏ ‏بدور‏ ‏متميز، ‏وإذا‏ ‏به‏ ‏يغيره‏ ‏تماما‏ ‏إلى‏ ‏الناحية‏ ‏التى ‏يراها‏ ‏أصوب‏ (‏الناحية‏ ‏الأخلاقية‏ ‏فى ‏الآغلب‏) ‏وكيف أن هذه الوصاية يمكن أن تفسد الإبداع، وذكرت رأيى فى كتابات باكثير أنها هادئة أكثر من اللازم، فتطرق الحديث‏ ‏إلى‏ ‏يوسف‏ ‏السباعى ‏وأعاد توفيق والأستاذ ما دار أمس (الأربعاء)‏ فى ‏صوفيتيل‏ ‏المعادي، ‏حيث‏ ‏ذكروا‏ ‏يوسف‏ ‏السباعى ‏كمثال‏ ‏لصاحب‏ “‏الأسلوب‏ ‏غير‏ ‏المتغير”، ‏وهى ‏الصفة‏ ‏التى ‏لا‏ ‏يشرف‏ ‏بها‏ ‏المبدع‏ ‏الأصيل، ‏فاستثنيت‏ ‏من‏ ‏أعماله‏ “‏السقا مات‏” ‏وكان‏ ‏لمزا‏ ‏قد‏ ‏سرى ‏فى ‏جلسة‏ ‏سابقة‏ ‏على ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الرواية‏ ‏المتميزة‏ ‏المختلفة عن‏ ‏كل‏ ‏أعماله‏ ‏ليست‏ ‏من إبداعه شخصيا‏، ‏وأن‏ ‏أباه‏ “‏محمد‏ ‏السباعي‏”، ‏هو‏ ‏الذى ‏كتبها‏، ‏وغمز‏ ‏لى ‏توفيق‏ ‏أن‏ ‏الأستاذ‏ ‏يحب‏ ‏يوسف‏ ‏السباعى (‏وثروت‏ ‏أباظة‏)، فأضفت باسما هامسا “وكل الناس”، سألت‏ ‏الأستاذ‏ ‏مباشرة، ‏فقال‏ ‏إن‏ ‏يوسف‏ ‏السباعى ‏كان‏ ‏يكتب‏ ‏قصصا‏ ‏قصيرة‏ ‏سريعة‏ ‏تتميز‏ ‏بميزة‏ ‏مهمة‏ ‏وهى ‏أنها‏ “‏مرحة‏”، ‏قالها‏ ‏بيقين‏ ‏وأمانة متذوق‏ ‏محب‏ ‏فعلا، ‏وحاولت‏ ‏أن‏ ‏أجهد‏ ‏ذاكرتى ‏فى ‏تذكر‏ ‏ولو‏ ‏قصة‏ ‏واحدة‏ ‏قصيرة‏ مرحة‏ قرأتها ليوسف السباعى ‏فلم‏ ‏أفلح، ‏لكننى ‏أضفت‏ ‏أنه‏ ‏كان‏ خفيف الظل فعلا فى بعض الأحيان وهو يكتب المقال لا القصة، وأننى ‏مازلت‏ ‏أذكر‏ ‏مقالا‏ ‏له‏ ‏يصف‏ ‏حاله‏ ‏وحال‏ ‏حماه‏ (‏طه‏ ‏السباعي‏) ‏حين‏ ‏هاجما‏ ‏زوجتيهما‏ ‏لكثرة‏ ‏التنظيف‏ ‏والوسوسة‏ ‏والحركة المنزلية ليل نهار.‏ ‏ثم‏ ‏سبقتهما‏ ‏الزوجتان للمصيف، ‏وتخلص‏ ‏كل‏ ‏من‏ ‏يوسف‏ ‏وطه‏ ‏باشا‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏المبالغة‏ ‏النسائية‏ ‏التنظيفية، ولكن سرعان ما ‏بدأت‏ ‏آثار‏ ‏ا‏لحرية الرجولية‏ ‏تتراكم‏ ‏شيئا‏ ‏شيئا‏ ‏فى ‏الحجرات‏ ‏والمطبخ‏ ‏وغيرها‏ ‏حتى ‏انقلب‏ ‏البيت‏ ‏فى ‏خلال‏ ‏أيام‏ ‏إلى ‏خليط‏ ‏عجيب‏ ‏من‏ ‏الأشياء‏ ‏المبعثرة‏ ‏صعبة‏ ‏التمييز‏ ‏والتصنيف‏ وكأنه مقلب قمامة عصرى جدا.‏

انتقل‏ ‏توفيق‏ ‏للتعقيب‏ ‏عما‏ ‏نشره‏ الاستاذ ‏عن‏ ‏جمال‏ ‏عبد‏ ‏الناصر‏ ‏متحاورا‏ ‏مع‏ ‏سلماوى ‏فى ‏أهرام‏ ‏اليوم‏ (‏وجهة نظر الخميس‏ 23/2) ‏قال‏ ‏إن‏ ‏هذه‏ ‏أول‏ ‏مرة‏ ‏يقارن‏ فيها الأستاذ ‏بين‏ ‏عبد‏ ‏الناصر‏ ‏وسعد‏ ‏زغلول، ‏فنبهته‏ ‏إلى ‏أنه‏ ‏لم‏ ‏يقارن‏ ‏بينهما‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏قارن‏ ‏بين‏ ‏علاقة‏ ‏جيله‏ ‏أصلا‏ (‏جيل‏ ‏الأستاذ‏)، ‏بسعد‏ ‏زغلول، ‏وعلاقة‏ ‏جيل‏ ‏الثورة‏ ‏بعبد‏ ‏الناصر، ‏فأشار الاستاذ‏ ‏أن‏ ‏ايجابيات‏ ‏عبد‏ ‏الناصر‏ ‏قدر‏ ‏هكذا‏ (‏وأشار‏ ‏بيديه‏ ‏مثل‏ ‏طفل‏ ‏يقول‏ ‏له‏ ‏والده‏ ‏بتحبنى ‏قدرماذا؟‏) ‏وأنه‏ ‏لم‏ ‏ينكرها‏ ‏فى ‏يوم‏ ‏من‏ ‏الأيام، ‏فذكر‏ ‏توفيق‏ ‏صالح‏ ‏ثورة‏ ‏لويس‏ ‏عوض‏ ‏حتى ‏السٍّباب المقذع‏ ‏حين‏ ‏هاج‏ ‏على ‏صلاح‏ ‏جاهين فى إحدى أمسيات الحرافيش‏ ‏وهو‏ ‏متحمس‏ ‏لعبد‏ ‏الناصر‏ أشد الحماس دون تحفظ، وحين‏ ‏هم‏ ‏توفيق‏ ‏بالدفاع‏ ‏عن صلاح‏ ‏هاج‏ لويس عوض ‏عليه‏ ‏بدوره‏ ‏لأنه‏ ‏كان‏ ‏قد أفرط فى الشراب، ‏وقال‏ ‏الأستاذ‏ ‏إن‏ ‏لويس‏ ‏عوض‏ ‏حين‏ ‏كان‏ ‏يزودها كان‏ ‏ينطلق‏ ‏على ‏سجيته‏ ‏بلا‏ ‏حدود، ‏وذكروا‏ ‏جميعا‏ ‏أن موقفه‏ ‏هذا‏ ‏قد‏ ‏ظهر‏ ‏أكثر‏ ‏بعد‏ ‏خبرة‏ ‏اعتقاله‏ ‏أيام‏ ‏عبد‏ ‏الناصر‏.‏

انتهت‏ ‏الليلة‏ ‏هادئة‏ ‏طيبة‏ ‏بحكاية‏ ‏حكاها‏ ‏مظهر‏ ‏قال‏:

سوف‏ ‏أحكى ‏لكم‏ ‏حكاية، ‏الذى ‏لا‏ ‏يضحك‏ ‏منكم‏ ‏عليها‏ ‏سأعطية‏ ‏مائة‏ ‏جنيه، ‏فضحكنا‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يحكيها، ‏وطمأنتة‏ ‏أنه‏ ‏الآن‏ ‏”فى ‏السليم‏”، ‏إذ‏ ‏ضمن‏ ‏مسبقا‏ ‏أننا‏ ‏ضحكنا، ‏فرفض‏ ‏هذا السماح‏ ‏وقال‏ ‏إنه لن يحسب‏ ‏الضحك‏ ‏إلا‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏ينتهى ‏من‏ ‏الحكاية، ‏ ‏قال‏:

 ‏إنه‏ ‏تعود‏ ‏أن‏ “‏ينسى” ‏هذه‏ ‏الأيام‏، ‏بحكم‏ ‏السن‏ ‏أو‏ ‏غير‏ ‏ذلك، ‏وأن‏ ‏هذا‏ ‏النسيان‏ ‏يبلغ‏ ‏قمة‏ ‏خطورته‏ ‏حين‏ ‏ينسى ‏شيئا‏ ‏على ‏النار‏ ‏التى ‏يشعلها‏ ‏ليسوى ‏أو‏ ‏يسخن‏ ‏شيئا يأكله، ‏ثم‏ ‏ينسى ذلك ‏لدرجة‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يعود‏ ‏ليطفيء‏ ‏البوتاجاز‏ ‏فى الوقت المناسب، فيترتب على ذلك أن يحرق ما على النار، حتى يكاد يتفحم الإناء، وتتصاعد الأدخنة والروائح تملأ كل الشقة، وان هذا يزعجه جدا وهو الذى يخشى التسمم من الهواء الطلق، كما يخشى الحريق طبعا، ‏وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏قال إنه ‏ ‏يعانى ‏حاليا‏ ‏من‏ ‏أنه‏ ‏إذا‏ ‏تذكر‏ ‏أغنية‏، أية أغنية تظل ‏ ‏تلف‏ ‏فى ‏رأسه‏ ‏تكرر‏ ‏نفسها‏ ‏ولا‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يتخلص‏ ‏منها‏ ‏إراديا‏ (‏فرحت‏ ‏بالوصفين‏ ‏معا‏ ‏وقد اتبطا فى سرى بمعلومات‏ ‏فى ‏تخصصى تنعلق بهذه السن ودعوت لى وله بالستر‏) ‏ثم يكمل مظهر: إنه بناء على هذا وذاك، قال‏ ‏لنفسه‏: ‏الأفضل‏ ‏أن‏ ‏يحاول‏ ‏أن‏ ‏يربط‏ ‏بين الظاهرتين ‏بأن‏ ‏يؤلف‏ ‏أغنية‏ ‏تذكّره‏ ‏بما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏ينساه، ‏فإذا‏ ‏وضع‏ ‏الفرخة‏ ‏على ‏النار مثلا، ‏راح‏ يردد لنفسه بتنغيم : “‏الفرخة‏ ‏عالنار‏” ‏الفرخاا‏ ‏عالنار‏” ‏وبالتالى ‏سوف‏ ‏تستمر‏ ‏الأغنية‏ تلف فى فكره ‏للتنبيه، ‏وبدلا‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏يحاول‏ ‏طردها‏ ‏سوف‏ ‏تذكره‏ ‏بما‏ ‏ينبغى ‏ليرفع‏ ‏الفرخة‏ ‏من‏ ‏على ‏النار فى الوقت المناسب، وبذلك‏ ‏يستفيد‏ ‏مما‏ ‏كان يعانى ‏منه، ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏يشكو‏ ‏منه، ثم ذكر كيف‏ ‏نجحت‏ ‏الفكرة إلا قليلا، وأنه أطفأ البوتاجاز فى وقت مناسب فعلا، وقد توقع أن الأغنية لابد أن تتوقف لأنها أدت الغرض، لكنها استمرت‏ – ‏حتى ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏لم‏ ‏تعد‏ ‏”الفرخا ‏عالنار”‏ وأنه لم يعرف كيف يتخلص منها لمدة ليست قصيرة. ضحكنا جميعا ليس لطرافة الحكاية بقدر ما ضحكنا لتصور منظره وحيدا فى الشقة يتحايل على صعوبات الذاكرة، كما يتحايل على إلحاحها فى نفس الوقت بهذا الإبداع العملى، تساءلت دون أن أعلن:‏ ‏ما‏ ‏الذى ‏يرغم‏ ‏هذا‏ ‏الفنان المحبوب‏ ‏المتعدد‏ ‏المواهب‏ ‏على ‏هذه‏ ‏الحياة‏ ‏الوحيدة‏ ‏لدرجة‏ ‏التعرض‏ ‏لهذه‏ ‏الصعوبات هكذا؟

لست أدرى أيضا ما الذى عرج بالحديث إلى عبد الرحمن بدوى بالذات، لعلها المقارنة بين سلاسة حضور وحكى أحمد مظهر، وبين تجهم عبد الرحمن بدوى العبوس دائما، حكى الأستاذ عن واقعة غريبة عن عبد الرحمن بدوى حين كان يسير أمام كازينو الأوبرا ذات يوم، فالتقى بالشيخ كامل عجلان، وبدون سابق معرفة، هاجمه الشيخ عجلان محتجا على عبوسه وقرفه من كل الناس، حتى كادا يتشابكان، لم افهم المناسبة بوضوح وخاصة وقد صوّر الاستاذ الشيخ كامل وهو بجبّته وقفطانه ونعله الذى كاد يشارك فى الاشتباك، ولكننى فرحت بالحكاية، وتعجبت من التلقائية والحوار الساخن إلى هذه الدرجة بين اثنين لا يعرفان بعضهما البعض أصلا.

 ‏وعند‏ ‏انصرافنا‏ ‏ذكرتهم‏ ‏بأن‏ ‏الخميس‏ ‏القادم‏ ‏هو‏ ‏أول‏ أيام ‏العيد‏.‏

فأجابنى ‏الأستاذ‏ ‏إن‏ ‏ميعاد‏ ‏الحرافيش‏ ‏مستمر‏ ‏تحت‏ ‏كل‏ ‏الظروف‏ ‏بما‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏العيد‏.‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *