الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الغنيوة الثانية (الفصل الثالث) الخلاص (2) ليس كل الشعر شعراً!! (إذن ماذا؟)!!!

الغنيوة الثانية (الفصل الثالث) الخلاص (2) ليس كل الشعر شعراً!! (إذن ماذا؟)!!!

نشرة “الإنسان والتطور”

25-8-2010

السنة الثالثة

العدد: 109025-8-2010

الغنيوة الثانية (الفصل الثالث)

الخلاص  (2)

ليس كل الشعر شعراً!! (إذن ماذا؟)!!!

مقدمة:

انتهت الحلقة السابقة والأم تنكر على ابنها تساؤلاته: “أنا مين أنا فين أنا كام يامّه، أنا إيه؟”، كما تنكر احتجاجاته “ليه يا مّه كان ليه؟ لما ما انتيش كان ليه”، ثم تنصحه  أن “يعيش وخلاص”، (بقى دا اسُمُه كلام؟! ما هو كله تمام!) كما تنصحه بأن يواصل عطاءه (يا جدع يا أمير يا للى بتدّى، إوعى تهدّى) ..إلخ

فيواصل الإبن: ليكن، ما دامت أمه بكل هذه الطيبة، أو حتى بهذا الضياع، وما دامت لم تقصد، فهى حتما لم تقصد، وحتى لو تقصد فقد اعتذرت: (دِهْدِىْ!! هيَّا عاملة؟ ولا انا قصدى؟ دِهْدِىْ!!)، ليكن، وليجب هو عن تساؤلاته شخصيا من واقع رحلته كما يتصورها

‏- 2 – ‏

‏- ‏علشان‏ ‏يامّه‏ ‏مش‏ ‏على ‏بالِكْ‏، ‏أنا‏ ‏حاحْكِيلِكْ‏:‏

أنا‏ ‏زرع‏ ‏شْطَانِى،‏

ولا‏ ‏حدّ فْ يوم جه ورَّانى

ولا شفت ازاى أو كام أو مين

ولا حد‏ ‏عـرف‏ ‏أنا‏ ‏باعمل‏ ‏إيه‏،‏

أو‏ ‏ليه‏ ‏أو‏ ‏فين‏.‏

‏حين كتبت هذا المتن سنة  1973/1974، كنت أتصور أنه يمكن أن يكون الإنسان “زرع شيطانى”، وأن مَنْ حُرِمَ حق الاعتراف كما ينبغى لما ينبغى، يمكن أن يخلق نفسه بنفسه، لكننى حين كتبت الجزء الثالث من الترحالات (ذكر ما لا ينقال: “سيرة ذاتية”)، وأثبت هذه القصيدة فى الفصل المعنون “أمى”، تجسد لى قبح، وتشوه ما هو “زرع شطانى”: زرع لا يزرعه أحد، ولا يرويه أحد، ولا يستفيد منه أحد، ويضر ببقية المزروعات النافعه، فجأة: استنارت بصيرتى أن هذا هو أبشع ما يمكن أن يُمتحن به بشر، المتن هنا يبدو وكأنه يعلى من قيمة أن يصنع الانسان نفسه بنفسه كأنه ابن نفسه، يظل المتن ينفخ فى هذه الصورة ويزيّنها حتى قرب النهاية، هذه الصورة الملوّحة: أن تخلق نفسك بنفسك هى شديدة الإغراء مع أنها فى عمق معين لا تعنى إلا ألوهية زائفة، كتلك التى تورط فيها “غرينوى” بطل رواية العطر، حتى صار إلها كاذبا، ومن ثم قاتلا بالضرورة، وقد أثبتُّ هذا التراجع فى الترحال الثالث كما ذكرت فى الحلقة السابقة، وأعتقد أنه من المهم إثبات نص التراجع هنا كما جاء فى الترحال الثالث قبل أن نكمل قراءة المتن، وما طرأ عليه، وما آل إليه:

15 يوليو2000

“…عذرا أمّى، ظلمتُـك، وكأنى فعلتـُها وحدى، إن كنت قد فعلتـُها أصلا.

قرأت لاحقا رواية “العطر”لباتريك زوسكند…….، وأعدت اكتشاف مسائل كثيرة تتعلق بما سبق أن أثبته هنا من افتراضات،

ولد جان  باتيست غرينوى سفاحا من أم كانت تتخلص من أطفالها أولا بأول، وحين حاولت أن تتخلص منه عقب ولادته مباشرة  ضُبطت، وحوكمت، وأعدمت.

أطلق غرينوى من تحت طاولة السلخ “صرخة مدروسة بدقة، ويكاد المرء أن يقول إنها صادرة عن عقل مفكر، أراد بها الوليد الجديد أن يحسم أمره ضد الحب ولصالح الحياة”، لأول وهله بدا (لى) هذا الاختيار مستحيلا، هل يمكن أن يكون الحب على ناحية، والحياة الناحية الأخرى؟

كان غرينوى بلا رائحة، بلا وصلة بين “لا رائحتة” ورائحة البشر، بلا :تـواجد معا”، فراح يشكّل نفسه بنفسه، يصنّع له رائحة مميِّزة،  راح يحاول أن يصنع  كل ما يحقق استمراره، ونجاحه، بل ونجاته من الموت بعد أن أزهق أرواح العذارى الواحدة تلو الأخرى  ليحقق تصنيع “العطر الإله  البديل” (الوجود المصنوع زيفا)، نجح فى أن يصنع كل ما  أراده إلا أن تكون له (بشرية) رائحة مميزة (عن كل البشر) كما صورتها له ألوهيته الزائفة، رائحة يستطيع هو أن يتحقق منها (وبها) متفردا ساحرا قاتلا مسيطراً على الحياة.

وانتهت الرواية بأن الْتـَهـَمه الأوغاد “عن حب“(!!) (ليعلنوا بذلك أنه بدون أن يكون جزءًا منهم لا وجود له أصلا).

 الـعَـدَم الذى  انتهى إليه غرينوى تمّ من خلال علاقة التهامية بديلة عن التخلّق النابض بالناس ومعهم، هو النتيجة الطبيعية لهذا الزيف الخادع الذى يوهم الواحد أنه يمكن أن “يصنّع نفسه بنفسه” مستغنيا عن التواصل  الطبيعى المتخلّق من جدل العلاقة والسعى المشترك فى رحاب الحق المشترك الأعظم.

أين تقع هذه الاستطرادة من هذه المحاولة للمكاشفة؟ لو استطعتُ ألا أجيب لفعلت، لكن هذا الكتاب (الترحالات) سوف ينشر، وسوف يقرأه الناس.

خلاصة القوله هو أنى اكتشفت أننى كنت أكذب على نفسى وأنا أزعم أننى “أَنا حابقى أبويا وأُمى كمان.،  أَنا حابقى كتير، أنا حابقى الناس. أنا حابقى”أنا”. إٍزاى؟ ما اعرفْشْ. أنا لازم “أكون” و”أعيش،

أيضا كانت ومازالت خدعة كبيرة حكاية “وحادوّرعلى نفسى بنفسى ولقيت لى خلاص”. أو مقولة “أنا حابقى الحب ” (!!) أليس هذا الذى قلتُه يكاد يكون مكافئا للعطر الخادع فعلا الذى كان سببا فى هلاك غرينوى.

 لكن ربنا ستر !!!!!

 هذه الخدعة الكبرى لم أكتشفها طبعا من قراءة العطر فقط .

إن ربع قرن من الممارسة والتقليب والمراجعة قد سمح لى  أن أصل إلى ما جعلني أفهم هذا الإبداع الروائى بما ذكرتُ. أتصور أن هذا هو مدخلى لما مارسته وما أمارسه ممايسمى النقد الأدبى.

أى غرورٍ غبى!!!  هل يمكن أن يفعلها أحٌد وحده؟ ما هذا؟!!

أيام كتبت هذا الكلام كنت فى بؤرة تجربة تصنيع الحياة، ربما  كما كان باتيست غرينوى يصنّع العطر (الخاص جدا الفريد جدا).  لا أحد يمكن أن يبحث عن نفسه بنفسه (حتى يبدعها بدون الناس)، لا أحد يكون  الناس، إلا على حساب علاقته بالناس، لا أحد يصنّع الحب إلا إذا كان ينتحر به، لا أحد يخلّق إله زائفا إلا إذا أصبح قاتلا محترفا.

 يبدو أن ما أنقذنى من هذا المصير هو  أمّى الحقيقية وزوجتى الحقيقية وأبنائى الحقيقين وطلبتى الحقيقيين ومرضاى الحقيقيي وأصدقائى الحقيقيين، وصديقاتى الحقيقيات ربما لهذا شعرت بعد ما يقرب من ستين عاما، وبعد رحيلها، أننى أريد أن أتعرّف عليها، ربما لأشكرها، وربما لأعتذر لها.

(انتهى المقتطف مع زيادة ما بين قوسين):

الآن وأنا أراجع المتن، وأراجع استدراكى فى الترحالات فى فصل “أمى”، وجدت الفرصة تسنح من جديد للتأكيد على بعض الحقائق والرؤى التى تتعلق بالنمو الإنسانى، والعلاج النفسى الذى هو “مصغر النمو الإنسانى” (والمفروض أنه موضوع هذا العمل)

أولا: لا أحد يصنع نفسه بنفسه إلا الله

ثانيا: يمكن أن يخلّق الإنسان نفسه بنفسه، قد يبحث عنها، وقد يسهم ذلك فى إعادة  تشكيلها، ولكن ربما أو هو الذى قد يعطله لو استغرق فى ذلك فقط، يتوقف هذا على  موقفه من الناس وبالناس وهو يبحث عن نفسه، إذ يتشكل بهم ومنهم.

ثالثا: إن أى استغناء عن الناس (ربما بدءًا بالأم) يستحيل أن يكون استغناء مطلقا، إنه لا يعدو أن يكون مظهرا دفاعيا مؤقتا على أحسن الفروض، أما إذا تمادى فهو الذبول، أو التأله أو الجنون الانسحابى أو المتفسخ.

رابعا: إن العلاقة العلاجية فى العلاج النفسى تكاد تدور بداية ونهاية حول محاولة كسر هذا الوهم (الاستغناء حتى الإنسحاب) دون استبداله بالاعتمادية الرضيعية التى ربما تُقبل كمرحلة عابرة قصيرة تماما لازمة أحيانا لإعادة البداية.

خامسا: إن هذا التراوح بين حركية النمو ما بين “الاستقلال”، وضرورة “قبول الاحتياج” هو من ضمن “برنامج الخروج والدخول” الذى اشرنا إليه سابقا فى أكثر من موضع.

وبعد

كل هذه الحقائق والرؤى جعلتنى أرجع إلى أوراقى على الحاسوب، وليست المسجلة فى ديوان أغوار النفس، ولا حتى فى الترحال الثالث “ذكر ما لا ينقال”، فضبطت نسخة من نفس القصيدة، لاحظت فيها اختلافات قليلة عن الأصل حتى الضد أحيانا، ويبدو أن ذلك قد تم من ورائى بعد مراجعتى للقصيدة فى فصل أمى فى الترحال الثالث، نعم إلى الضد، تصوروا أن ينقلب ذلك المقطع:

‏- ‏علشان‏ ‏يامّه‏ ‏مش‏ ‏على ‏بالِكْ‏،

 ‏أنا‏ ‏حاحكيلِكْ‏:‏

أنا‏ ‏زرع‏ ‏شطانى،‏

ولا‏ ‏حدّ فْ يوم جه ورَّانى

يتحول إلى هذا المقطع:

‏- ‏علشان‏ ‏يامه‏ ‏مش‏ ‏على ‏بالك‏،

 ‏أنا‏ ‏حاحْكِيلِـكْ‏:‏

أنا‏ ‏خدت‏ ‏الدنيا‏ ‏معاكــى ‏بيكى،‏

من‏ ‏ورا‏ ‏ضهرك‏،‏

مش‏ ‏زرع‏ ‏شطانى،‏

مع‏ ‏إن‏ ‏ماحدش‏ ‏ورانى،‏

هل هذا يجوز؟

الشعر “حالة” والحالة ترتبط بلحظتها، فإذا تغيرت الحالة فلتفرز شعرا آخر، إن كانت الحالة الجديدة قادرة على ذلك؟  ما هذا الذى فعلته هكذا بالقصيدة؟ فوجدت نفسى بين اختيارات كالتالى:

 أولاً: إما أن أتنازل عن كون ما كتبته شعرا أصلا، فهو رسالة منظومة دالة هادفة، وبالتالى فلى حق تطويره أو تحديثه حسب تغيَر حالتى وخبراتى، ولتكن سيرة ذاتيه متعمة ولو هى منغرسة فى الألم والتعرّى فالمراحعة.

ثانياً: وإما أن أكتب قصيدة جديدة تؤرخ اللحظة الجديدة، وهذا أمر ليس بيد أى شاعر حقيقى، ليس بيد أحد يعرف ما هو الشعر أن يفرز شعرا متى شاء لما شاء.

ثالثاً: وإما أن أسجل الذى طرأ على “حالتى” فغيّر شعرى ذاك إلى شعرى هذا وأترك الحكم للقارىء، وليدرج هو العمل تحت الاسم الذى يفضله حتى ولو كان ذلك الاسم هو البدعة المسماة “الكتابة عبر النوعية”.

استطراد

موقفى من الشعر غريب، أعتقد  أننى لم أكتب شعرا فيما عدَا بضع عشرة قصيدة، لا أظن أن ما أكتبه شعرا، هذا بصفة عامة، وإن كان بعض من يتلقونه يعتبرونه كذلك.

فى نفس الوقت فهمت ثم توصلت: كيف أن الموت شعر أخر(1) والعلاج الجمعى يتراوح بين الشعر الجماعى (المرتبط بالوعى الجماعى وتخليق الأسطورة الجماعية الأحدث) وبين النقد التشكيلى لنصوص  بشرية متناصة وهكذا:

ففى الوقت الذى ضاق عندى مفهوم الشعر حتى يستبعد كل ما هو مقصود هادف بوعى كامل، اتسع ما هو شعر حتى يشمل كل ما هو تشكيل مبدع طليق مفاجئ جديد.

الأقرب عندى أن أعترف أننى لم أكتب الشعر الشعر إلا نادرا، ولعل أقرب ما كتبت شعرا هو ما نشر هنا فى النشرات بعنوان “مقامات الرخاوى” 23-3-2009 ، 23-2-2009 ، 12-1-2009 ، وأيضا لعل أقرب وأجمل ما كتبت شعرا هو قصيدة “دورة حياة فقاعة“، وقصيدة: “النورس العجوز“، ثم إن ما هو شعر حقيقى، لم ينشر أغلبه ديوانى “البيت الزجاجى والثعبان” خليط من هذا وذاك.

يبعد الشعر عن الشعر كلما كان هادفا ويقترب الشعر من الشعر كلما كان طليقا يتخلّق من “حالة” فريدة يستطيع بتشكيله وصوره وأنغامه أن يوصلها إلى متلقيه أقرب إلى “الحالة” التى كتب بها، أو أن يصل به إليها.

مازلت متمسكا بتصنيف صلاح عبد الصبور أن الشعر “حالة” لا هو “حليه” ولا أسلوبا.

حين كتبت ديوانى “سر اللعبة” كان هادفا (أغلبه) لشرح طبقات ومراحل المرض النفسى إمراضا (سيكوباثولوجيا).

فى نفس الوقت رفضت رفضا تاما أن أعتبره نظما يشرح علما نفسيا مثل ألفيه ابن مالك شرحا لقواعد النحو العربى، أو مثل محاولة المرحوم “سليم عمار” من تونس فى وصف النفس والأمراض النفسية وهى من أبشع ما قرأت، وأيضا لعلمن أسخف ما قرأت فى هذا المجال شعر ابن سينا عن النفس كذلك، وأفضل منه قليلا – لكنه ليس شعرا أيضا – شعر المعرى فى الحكمة وغيرها.

أنهيت ديوانى سر اللعبة هذا بنص يحدد موقفى من هذا الديوان قلت:

‏لا‏ .. ‏لا‏ .. ‏لا‏.. ‏

‏يا‏ ‏من‏ ‏ترقب‏ ‏لفظى ‏العاجز‏ ‏بعيون‏ ‏الفن‏ ‏المتحذلق‏،

‏أو‏ ‏تفهم‏ ‏روح‏ ‏غنائى ‏بحساب‏ ‏العلم‏ ‏الأعشى،

‏لا‏ ‏تحسب‏ ‏أنى ‏أكتب‏ ‏شعرا‏ ‏بخيال‏ ‏العجز‏ ‏الهارب‏،

 ‏أو‏ ‏أنى ‏أطفئ ‏نارى، ‏بدموع‏ ‏الدوح‏ ‏الباكى،

 ‏لا‏ .. ‏لا‏ .. ‏لا‏.. ‏

‏ ‏هذا‏ ‏قدرى، ‏

……………

‏فليحترق‏ ‏المعبدْ‏، ‏ولتذرُ‏ ‏الريحُ‏ ‏رماَد‏ ‏الأصنام‏ْْ،

 ‏ولتُسْاَلُ نفٌس ما كسبتْ‏،

 ‏وليعْلنُ‏ ‏هذا‏ ‏فى ‏كل‏ ‏مكان‏:

“فشل‏ ‏الحيوان‏ ‏الناطق‏ ‏أن‏ ‏يصبح‏ ‏انسانا‏”،

‏أو‏ .. .. .. ‏فلنتطور‏‏.

إذ يصبح ما ندعوه شعرا: هو عين الأمر الواقع

…………….

…………….

وفى قصيدة لاحقة نفيت عن نفسى صفة الشاعر: كتبت أننى:

يا ليت شعرى لست شاعرا

‏-1-‏

لا‏ ‏أضرب‏ ‏الدفوف‏ ‏فى ‏مواكب‏ ‏الكلام‏،‏

ولا‏ ‏أدغدغ‏ ‏النغم‏ْْ.‏

لا‏ ‏أنحت‏ُُ ‏النقوشَ‏ ‏حول‏ ‏أطراف‏ ‏الجملْ،‏

أو‏ ‏أطلبُ‏ ‏الرّضَا‏.‏

ولا‏ ‏أقولُ‏ ‏ما‏ ‏يقرّظ‏ ‏الجمال‏ََ..،‏

يحتضرْ‏.‏

‏…..‏

لكننى أنهيتها بإعلان استقلال الشعر الشعر عنى، وأنه إن صحَّ شعرا فهو الذى يكتبنى، وليس العكس

 جاءت نهاية نفس القصيدة هكذا:

‏-2-‏

‏ ‏تدقُّ‏ ‏بابى ‏الكلمة

أصدّها.‏

تُغافل‏ ‏الوعى ‏القديم‏،‏

أنتفضْ‏.‏

أحاولُ‏ ‏الهربْ‏،‏

تلحقنُى.‏

‏ ‏أكونُها‏،‏

‏ ‏فأنسلخ‏ْْ.‏

‏-3-‏

أمضى ‏أغافل‏ُُ ‏المعاجِمَ‏ ‏الجحافل‏ْْ، ‏

بين‏ ‏المَخاضِ‏ ‏والنحيبْ‏.‏

أطرحُنى:‏

بين‏ ‏الضياع‏ ‏وَالرُّؤى.‏

بين‏ ‏النبىَّ ‏والعدَمْ‏.‏

أخلّق‏ ‏الحياة‏ ‏أبتعث‏.‏ ‏

أقولُنى ‏جديدا‏،‏

‏ ‏فتولًدُ‏ ‏القصيدةْ‏.‏

14/9/1983

هكذا صورتُ حركية الشعر شعرا فى نهاية القصيدة وأنا أعلن أننى “لست شاعرا”

وفى قصيدة أخرى هجوت شاعراً جميلا رقيقا “رومانسيا” كما يقولون، هجوته قائلاً:

 ‏-1-‏            

يا‏ ‏شاعر‏ ‏الودادِ‏ ‏والسهاد‏ ‏والمؤانسهْ،‏

‏ ‏معذرةً‏، ‏عجزت‏ ‏عن‏ ‏نثـْر‏ِِ ‏الورود‏ ‏فوق‏ ‏موكب‏ ‏الأشواق‏.‏

حقّا‏ ‏عيونها‏ ‏أصفى ‏من‏ ‏السماءْ

من‏ ‏بعد‏ ‏يوم‏ٍٍ ‏ممطرٍ‏ ‏بهيج‏ْْ.‏

وعودها‏ ‏أطرى ‏من‏ ‏النسيم‏،‏

وسـَيـْرها‏ ‏كمِثْلِ‏ ‏مِشٌية‏ ‏الَمــهـَا،

 ‏والوجهُ‏ ‏بالغماّزة‏  ‏البريئهْ،‏

‏ ‏يقول‏ ‏ما‏ ‏لا‏ ‏يقدر‏ ‏اللسان‏.‏

………

إلى أن قلت:

‏-2-‏

يــا‏ ‏شاعرا‏ًً ‏تمايلت‏ْْ ‏أعطافـُهُ‏ ‏فوق‏ ‏البـراق‏ْْ.‏

فرُحتَ‏ ‏تشدو‏ ‏للفراق‏ ‏والعناقْ،‏

وتجْدلُ‏ ‏الأنغامْ،‏

ضفائرا‏ ‏من‏ ‏ذهب‏ ‏الكلام‏،‏

تعوم‏ ‏فى ‏عيونها‏ ‏وترتوى، ‏

فتعزف‏  ‏الألحانْ

………

لأنهى القصيدة بمقابلة بتجربتى وأنا أعايش الشعر الذى أنتمى إليه قائلا:

-3-‏

وســْط‏ ‏الحياة‏ ‏كلـَّها‏ ‏

‏(‏بها‏ … ‏بدونها‏ ) ‏

نصبتُ‏ ‏خيمتى‏:‏

ناجيت‏ُُ ‏ثـُعْـباناً‏ ‏وحيداً‏ ‏ذات‏ََ ‏ليلهْ، ‏أناملى ‏ترتاح‏ ‏فوق‏ ‏شوك‏ ‏قنفدْ، ‏

حَـضرتُ‏ ‏حفلاً‏ ‏ساهرا‏ًً ‏فى ‏وكْـرِ‏ ‏صـُرْصُـورٍ‏ ‏مُـهـَاِجْـر‏، ‏

صاحبتُ‏ ‏نملة‏ًً ‏وحيدهْ،‏

‏ ‏فى ‏رحلة‏ ‏عنيده‏ْْ ‏

كلَّمت‏ ‏فرخا‏ ‏عاجزا‏ ‏قد‏ ‏أسقطته‏ ‏قسوة‏  ‏الرياح، ‏

حملـُتـُه‏ ‏مـُهـَدـْهداً‏ ‏لعشَّه‏ ‏فوق‏ ‏الـَّشـَجرْ، ‏

وما‏ ‏نسيتُ‏ ‏حورُكم‏ ‏من‏ ‏الحِـسـَانْ

‏(‏الحسن‏ ‏عندى ‏كل‏ ‏ما‏ ‏دبّت‏ ‏به‏ ‏حياه‏ْْ).

وفاضَ قلبى بالسماح والشَّجَنْ:

يمامَتَان حَطَّتَا عَلَىَ فَنَنْ

لكننى لم أَسِتَطَع أن أصْحَبَكْ،

فى المَخْدَعِ الوثيرْ

فمعذرهْ

خَرَجْتُ بَعْدَ الدَّائِرهْ.‏

6/7/1981 

برغم كل ذلك فقد أصر المرحوم صلاح عبد الصبور وهو يناقش معى ديوانى “سر اللعبة” – ناقدا–  فى البرنامج الثانى فى الأذاعة فى أواخر السبعينات أن الديوان شعر خالص، وحين أفهمته أثناء البرنامج ثم بعده أنه شعر وصفىّ هادف، تحدانى، وقبلت التحدى فقمت بشرح على المتن هو الذى أخرج أهم أعمالى “دراسة فى علم السيكوباثولوجى 1979” ولم أتمكن من إهدائه لصلاح فقد رحل قبل أن أفعل، ولم أندم لا على الديوان ولا على الشرح، وإن كان ما اسميته “ملحق الديوان” كان اقرب إلى الشعر من الديوان نفسه.

ثم استدرجتنى هذه النشرة إلى شرح هذا الديوان الآخر بالعامية “أغوار النفس”، وإذا بى أقع فى هذه الورطة الأصعب التى أظن أنها باعدت بين الديوان وبين أن يكون شعرا

ليكن.

وبما أنها رسالة، فقد تغير موقفى، بما يقابل تغير حالتى الشاعرة منذ كتابة النص الأول 1974 إلى كتابة الجزء الثالث من الترحالات سنه 2000 “ذكر ما لا ينقال” تغيّر إلى ما هو أنا الأن (2010 وقبلها لست أدرى متى) فجاء هذا التحديث أو التشويه أو التطوير، وأكتفى أن أقدم فى هذه النشرة بعض الفقرات التى تم العبث بها، أو الارتقاء بها – أنت وما ترى –.

وبعد

هكذا أعلن هنا أننى أتنازل عن تصنيف ما أكتب أنه شعر فى مقابل أن أوصّل رسالتى، وتفسير هذا التطور هو ما يلى:

 يبدو أن رؤيتى فى صدر منتصف العمر صورت لى أن من أعظم ما يعتز به شخص ما هو أن يعمل نفسه بنفسه كما ذكرت حالا، وأن يكون زرع شيطانى، وحين تواصلت ممارستى مع مرضاى وسمحت لى أن أعيد رؤيتى لمسيرتى وكتبت عن أمى من جديد (سنة 2000)، انتبهت أن هذا الزرع الشيطانى هو من أقبح ما يمكن أن يصف مسيرة إنسان يريد أن يكون إنسانا،

الذى وصلت إليه بعد هذا التحديث أو التطوير أو التطور أو قل التراجع هو أنه يبدو أن الأم لا تستطيع إلا أن تعطى، وأن العيب غالبا يكون فى القدرة على التلقى أساسا، فإن حدث قصور من ناحيه الأم فهو لعجزها وليس بسبب تقصيرها، ربما من هنا جاءنى ما لحق بالقصيدة كما سيلى:

سوف اكتفى فى هذه النشرة بأن أنشر بعض فقرات الأصل سنة 1973 مقابل ما عثرت عليه من تطوير على حاسوبى والذى جرى غالبا حول منتصف هذا العقد 2001 – 2010

سوف أكتفى الآن بنشر هذا وذاك متقابلين دون تفسير، وقد أعود للتفسير فى النشرة القادمة، أو قد أكتفى بما قد يصلنى من الأصدقاء وهم يقارنون بين النصين لا ليقولوا هذا أفضل أو هذا أجمل، ولا ليحكموا أن هذا شعر وهذا ليس كذلك، وإنما ليعرفوا كيف تتغير الحالة فيتغير الحال، ثم يقولون ما يعنّ لهم كما يشاؤون.

غالبا سوف أنشر القصيدة مكتملة فى النشرة القادمة دون شرح، ربما لأختم بها هذا الكتاب الورطة قبل أن أثبت النهاية دون شرح أيضا.

1973- 1974 حول منتصف العقد 2001-2010
‏- 2 – ‏‏- ‏علشان‏ ‏يامّه‏ ‏مش‏ ‏على ‏بالِكْ‏، ‏أنا‏ ‏حاحكيلِكْ‏:‏أنا‏ ‏زرع‏ ‏شطانى،‏ولا‏ ‏حدّ فْ يوم جه ورَّانى

ولا شفت ازاى أو كام أو مين

 

ولا حد‏ ‏عـرف‏ ‏أنا‏ ‏باعمل‏ ‏إيه‏،‏

أو‏ ‏ليه‏ ‏أو‏ ‏فين‏.‏

‏- 2 – ‏‏- ‏علشان‏ ‏يامه‏ ‏مش‏ ‏على ‏بالك‏، ‏أنا‏ ‏حاحكيلـك‏:‏أنا‏ ‏خدت‏ ‏الدنيا‏ ‏معاكــى ‏بيكى،‏من‏ ‏ورا‏ ‏ضهرك‏،‏

مش‏ ‏زرع‏ ‏شطانى،‏

مع‏ ‏إن‏ ‏ماحدش‏ ‏ورانى،‏

ولا‏ ‏حد‏ ‏عـرف‏ ‏أنا‏ ‏باعمل‏ ‏إيه‏،‏

أو‏ ‏ليه‏ ‏أو‏ ‏فين‏.

1973- 1974 حول منتصف العقد 2001-2010
‏- 4 – ‏………………….أنا‏ ‏حابقى “‏أنا‏”.

إزاى ؟

ما‏ ‏اعرفش‏.

أنا لازم “أكون” و “أعيش”

غـصـبـن‏ ‏عنهم‏.‏

غـصـبـن‏ ‏عني‏.‏

غـصـبـن‏ ‏عنك‏.‏

 

‏- 4 – ‏………………….أنا‏ ‏حابقى “‏أنا‏”. ‏

إزاى؟

ما‏ ‏اعرفش‏. ‏

أنا‏ ‏عارف‏ ‏إنى ‏حاكون‏، ‏وأصير‏،‏

ربنا‏ ‏ستار‏، ‏ربنا‏ ‏دا‏ ‏كبير‏.‏

بكره‏ ‏تشوفى، ‏لأ‏ ‏دلوقتي

غـصـبـن‏ ‏عنهم‏.‏

غـصـبـن‏ ‏عني‏.‏

غـصـبـن‏ ‏عنك‏.‏

1973- 1974 حول منتصف العقد 2001-2010
‏- 4 – ‏………………….حا‏ ‏شعر‏ ‏بالنبضة‏ ‏وبالرعشة‏، ‏من‏ ‏أى ‏كلام‏،‏

وحاعيش‏ !!!

‏= ‏والله‏ ‏يا‏ ‏بنى ‏محتاره‏ ‏معاك‏.‏

ما‏ ‏تعيش‏.‏

مين‏ ‏حايشك‏ ‏بس‏ ‏؟

– 5 – ‏

وضحكت عليكو وعشت أهه

أنا اهه.. أنا اهه

أنا اهه دلوقتى الآن حالا

أنا اهه

إزاى دا حصل؟

أنا ما اعرفش

أنا اهه وخلاص،

وباغنى مع نفسى بنفسى

ولاَقِيتْلىِ خلاص

ولاقيت الحب وكل الناس

‏- 4 – ‏………………….حا‏ ‏شعر‏ ‏بالنبضة‏ ‏وبالرعشة‏، ‏من‏ ‏أى ‏كلام‏،‏

وحاعيش‏ !!!

 

‏= ‏والله‏ ‏يا‏ ‏بنى ‏محتاره‏ ‏معاك‏.‏

ما‏ ‏تعيش‏.‏

مين‏ ‏حايشك‏ ‏بس‏؟

– 5 – ‏

‏- ‏ما‏ ‏حايشنيشي

ما‏ ‏انا‏ ‏عايش‏ ‏اهـه‏،‏

بس‏ ‏ادْعِِى ‏لى ،‏

أنا‏ ‏كنت‏ “‏خلاص‏”،‏

بس‏ ‏بفضلك‏ ‏ربنا‏ ‏قالها‏،‏

‏ ‏ولقيت‏ ‏لى “‏خلاص‏”.‏

وعملت‏ ‏منى ‏اللى ‏أنا‏ ‏هوه‏ ،‏

وباجدد‏ ‏روحى ‏من‏ ‏جوه‏، ‏

‏ ‏وباغنى ‏مع‏ ‏نفسى ‏بنفسي

‏ ‏فى ‏الناس‏، ‏بالناس‏.‏

1973- 1974 حول منتصف العقد 2001-2010
‏- 6- ‏………..………..

عايز‏؟

‏دوَّرْ‏ ‏واتخانق‏.‏

وساعتها‏ ‏حاتلقى ‏الحب

وحا تعرف معنى لأى كلام

و‏”‏تكون‏”،‏‏ ‏و‏”‏تعيش‏”،‏

وتغنى ‏الغنوة‏ ‏الحـلـوه‏. ‏

“إيه؟!”  ماانت‏ ‏عارفها‏، ‏

طب بص:

تلقاها جواك

‏- 6 – ‏………..………..

عايز‏؟

‏ ‏دور‏ ‏واتخانق‏.‏

وساعتها‏ ‏حاتلقى ‏عمار‏ ‏فى ‏عمار‏.‏

وحا‏ ‏تعرف‏ ‏معنى ‏لأى ‏كلام‏،

‏و‏”‏تكون‏”،‏‏ ‏و‏”‏تعيش‏”،‏

وتغنى ‏الغنيوه‏ ‏الحـلـوه‏. ‏

إيه؟

 ماانت‏ ‏عارفها‏، ‏

جواك‏، ‏براك‏، ‏ماليه‏ ‏الدنيا‏،

المعنى/الناس/ثانية بثانية

وخلاص!!

لأّه!

 لسّهْ شويَّة

يا ترى ماذا سنقول الأربعاء القادم؟

[1] – كررت أن هذا كان ضمن نعى أدونيس لصلاح عبد الصبور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *