الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعتعة الدستور نفس الموقف عبر ثلث قرن!! فما لزوم الكتابة؟

تعتعة الدستور نفس الموقف عبر ثلث قرن!! فما لزوم الكتابة؟

نشرة “الإنسان والتطور”

19-6-2010

السنة الثالثة

العدد: 1023

تعتعة الدستور

نفس الموقف عبر ثلث قرن!! فما لزوم الكتابة؟

لا أعرف ما الذى ورطنى فى استعمال تعبيرىْ “ثقافة السلام”، و”ثقافة الحرب”؟ أكرر أنه لم يصل الكثيرين ما أردت من محاولاتى للتفرقة بين معاهدة السلام، وبين ثقافة السلام، ولا بين “ثقافة الحرب” وفعل الحرب، استسلمت لعجزى عن توضيح الأمر أكثر من ذلك ورحت أبحث فى أوراقى.

وجدت أننى سبق أن اكتشفت ما أتصور الآن أننى أعرفه لأول مرة، فقلت أقتطف منه ما قد يكون أسهل وأوضح.

المتقطف الأول :

الاهرام 11/12/1977 العنوان:  “السلام” الجهاد الأكبر الذى ينتظرنا” قبل اتفاقية السلام 17 سبتمبر 1978م.

مخاطر‏ ‏الاستسهال

“….‏ ‏علينا‏ ‏فورا‏ ‏أن‏ ‏نراجع‏ ‏أنفسنا‏ ‏فردا‏ ‏فردا‏ ‏لنعرف‏ ‏ما‏ ‏ينتظرنا‏ ‏من‏ ‏مسئولية‏ ‏لا‏ ‏مهرب‏ ‏من‏ ‏التصدى ‏لها‏ ‏بما‏ ‏يناسبها‏.‏ فالسلام‏ ‏الذى ‏نحن‏ ‏بصدده‏ ‏ليس‏ ‏بداية‏ ‏استرخاء‏ ‏واعلان‏ ‏قدوم‏ ‏الرفاهية‏ ‏كما‏ ‏يخيل‏ ‏للبعض‏، ‏بل‏ ‏هو‏ ‏مضاعفة‏ ‏المسئولية‏ ‏والغاء‏ ‏تبريرات‏ ‏التخلف‏.‏ وهذا‏ ‏السلام‏ ‏ليس‏ ‏اتفافا‏ ‏وتعاونا‏ ‏مع‏ ‏العدو‏ ‏على ‏طول‏ ‏الخط‏، ‏بل‏ ‏هو‏ ‏تغيير‏ ‏فى ‏أسلوب‏ ‏الصراع‏”.

المقتطف الثانى : نفس المقال 11/12/1977

المعركة‏ ‏مستمرة

“…. اذن‏ ‏فالمعركة‏ ‏مستمرة‏ ‏بأسلوب‏ ‏اعمق‏ ‏وأصعب‏”،‏…….. ‏فالأمر‏ ‏ليس‏ ‏تعاونا‏ ‏بين‏ ‏عبقرية‏ ‏اليهود‏ ‏وقدرات‏ ‏المصريين‏ ‏والعرب‏، ‏وهو‏ ‏ليس‏ ‏أيضا‏ ‏تعاونا‏ ‏بين‏ ‏مال‏ ‏العرب‏ ‏وعقول‏ ‏اليهود‏، ‏ولا‏ ‏هو‏ ‏تعاون‏ ‏بين‏ ‏ثروة‏ ‏اليهود‏ ‏العالمية‏ ‏وعبقرية‏ ‏المصريين‏ ‏الحضارية‏، السلام‏‏ ‏ليس‏ ‏أن‏ ‏ينقلب‏ ‏العدو‏ ‏صديقا‏ ‏استجابة‏ ‏لمبادرة‏ ‏……” “السلام‏ ‏ليس‏ ‏تخطيط‏ ‏جنة‏ ‏الشرق‏ ‏الاوسط‏ ‏بمجرد‏ ‏التوقيع‏ ‏على ‏معاهدة‏.‏..”….. “ولكنه‏ ‏بداية‏ ‏جديدة‏، ‏وواقع‏ ‏جديد‏، ‏وتحد‏ ‏جديد‏، ‏بل‏ ‏لعله‏ ‏هو‏ ‏هو‏ – ‏بما‏ ‏يشمل‏ ‏من‏ ‏جهاد‏ ‏النفس‏ – ‏هو‏ ‏الجهاد‏ ‏الاكبر‏”.

المقال الثانى :

فى  الأهرام أيضا فى 9/9/2002 بعنوان “السلام‏: ‏غاية‏ ‏أم‏ ‏وسيلة‏؟ (بعد 14 عاما من الأول).

“…. إن‏ ‏هذا‏ ‏الاستقراء‏ ‏للتاريخ‏ ……. ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏تنبيها‏ ‏ضمنيا‏ ‏للحذر‏ ‏من‏ أن يكون السلام ‏بمثابة منحة من‏ ‏القوى ‏الكبرى من ‏بين المنح التى ‏ ‏توزعها‏ ‏على ‏المحظوظين‏‏، ‏كمكافأة‏ ‏على ‏حسن‏ ‏السير‏ ‏والسلوك‏ ‏و”قلة‏ ‏الإرهاب‏”. ‏إنه‏ ‏بقدر حرصنا‏ ‏على ‏تجنب‏ ‏الحرب‏، ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏حرصنا‏ ‏على ‏تجنب‏ ‏الخداع‏.‏

‏ثم: من نفس المقال: 9-9-2002

 “… السلام‏ (‏مثل‏ ‏الحرب‏) ‏لا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏غاية‏ ‏فى ‏ذاته‏. ‏الإنسان‏ ‏لم‏ ‏يوجد‏ ‏على ‏هذه‏ ‏الأرض‏ ‏ليحقق‏ ‏السلام‏، ‏وإنما‏ ‏ليعمر‏ ‏الأرض‏ ‏بحسن‏ ‏استعمال‏ ‏وقته‏ ‏وجهده‏ ‏وإبداعه‏، ‏فى ‏ظل‏ ‏السلام‏،‏ “و‏الحرب‏ ‏اضطرارا‏”.

‏وأيضا: (نفس المقال)

نحن‏ ‏لم‏ ‏نسع‏ ‏للسلام‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏السلام‏، ‏ولم‏ ‏يُضح‏ ‏ناسُنا‏، ‏جيشا‏ ‏وشعبا‏ ‏وقادة‏، ‏بما‏ ‏ضحوا‏ ‏به‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏أن‏ ‏يوقعوا‏ ‏معاهدة‏، ‏أو‏ ‏يتبادلوا‏ ‏أنخاب‏ ‏الاتفاقات‏، ‏أو‏ ‏يحصلوا‏ ‏على ‏الجوائز‏ ‏والرضا‏ ‏السامى ‏من‏ ‏المندوب‏ ‏السامي‏. ‏نحن‏ ‏حاربنا‏ ‏لنحقق‏ ‏السلام‏. ‏ثم‏ ‏فاوضنا‏ ‏لنؤكد‏ ‏حقنا‏ ‏فى ‏السلام‏ . ‏ثم‏ ‏إن‏ ‏ما‏ ‏يجرى ‏على ‏أرض‏ ‏فلسطين‏ ‏بواسطة‏ ‏الشهداء‏ ‏الأبطال‏، ‏والمناضلين‏ ‏المرابطين‏، ‏هو‏ ‏أيضا‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏السلام‏ ‏الحقيقى ‏الذى ‏يسمح‏ ‏للإنسان‏ – ‏على ‏الجانبين‏ – ‏أن‏ ‏يكمل‏ ‏المسيرة‏. ‏إن‏ ‏السلام‏ ‏الذى ‏يتحقق‏ ‏بالاستشهاد‏ ‏والتضحيات‏، ‏غير‏ ‏السلام‏ ‏الذى ‏يزعمون‏ ‏أنهم‏ ‏يحققونه‏ ‏بالضغط‏ ‏على ‏الأزرار‏ ‏القاتلة‏ ‏عن‏ ‏بعد‏، ‏وبتصفية‏ ‏الأبرياء‏ ‏بلا‏ ‏محاكمة‏، ‏وبتجريف‏ ‏الأرض‏ ‏وهدم‏ ‏المنازل‏ ‏على‏ ‏رؤوس‏ ‏الأمهات‏ ‏والرضعً‏. ‏

وأخيرا:

دعونا نقارن هذا القديم الأوضح بما جاء فى سلسلة المقالات الأخيرة: خذ مثلا من مقال الدستور: 5/5/2010 بعنوان:

” ثقافة الحرب، ونظرية المؤامرة، والجهاد الأكبر”!

ثقافة السلام (بغض النظر عن معاهدة السلام، أو وثيقة الاستسلام) هى أن ننخدع فنصدق أنه لم تعد بنا  حاجة إلى شحن وعينا طول الوقت بأنه على بعد خطوات منا وحش مفترس، يملك سلاحا ذريا، ودعما دوليا متآمرا، يقتلنا ويطردنا يوميا من فوق أرضنا ثم من فوق الأرض كلها. المطلوب منا – حتى نعيش ثقافة السلام !!– هو أن نسترخى، ونأخذ بالأحضان هذا الصديق الجار المسالم الذى يحتفظ بالقنابل الذرية ليرصها ديكورا فى صالات المفاوضات، ويزين بها ممرات محافل مؤتمرات القمة العربية.

انتهت المقتطفات عبر ثلث قرن!!.

وبعد

المسألة ليست أن أبين أننى شاطر وسابق للأحداث، فماذا أستفيد أو أفيد بذلك، المسألة فيما انتبهت إليه مكرراً من أن مثل هذه الكتابة لا تصل إلى من يهمه الأمر، بعد أن برمجونا بهذه التلقى الاستقطابى “إما… أو”،

حين صدمت بلا جدوى الكتابة عبر ثلث قرن، حسدت الابن الشاعر/إبراهيم داود، كان جارى هنا، وبلدياتى من قديم، حسدته لشجاعة انسحابه، لكننى أفتقده، وأرفض قراره وأذكره بــ صلاح عبد الصبور:

لا أملك أن أتكلم ، فليتكلم عنى صمتى المفعم

(ثم) لا أملك إلا أن أتكلمً  (ليلى والمجنون)

وقياسا يا إبراهيم لم أملك أن أقصف قلمى المُثْقَلْ، مرة أخرى:

“كل القلم ما أتقصف يطلعْ له سن جديد”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *