نشرة “الإنسان والتطور”
الاثنين: 22-7-2013
السنة السادسة
العدد: 2152
كتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (48)
مؤتمر: العلاج الجمعى والعمليات الجماعية: الأمل فى أوقات عصيبة
(القاهرة 25 – 27 سبتمبر 2013)
“شعن” والعمليات الجماعية قياسا بالعلاج الجمعى
لهذه المجموعة التى تكونت من خلال فضل شبكات التواصل الأحدث قائدٌ محدد اسمه “جمال التركى” له هدف ظاهر وهدف أبعد، هو يعرف بالتقريب الهدف الظاهر ألا وهو إتاحة الفرصة لأكبر عدد من المختصين العرب المشتغلين بالعلوم النفسية:
أولا: أن يلتقوا بشكل مستمر من كل حدب وصوب (1) للتعرف، (2) والحوار، (3) والتباحث (وليس فقط البحث)، (4) والتبادل، (5) والتفاعل، (6) والتعاون، (7) والاختلاف.
ثانيا: أن يتخلق من هذا كله وعى آنىّ عام يمكن من خلاله أن تتجه أسهم الأفراد والجماعات إلى وعى مركزى يتمحور حوله المشاركون، دون التركيز على أمجاد الماضى (الحقيقية والمزعومة) ودون استبعاد أية تغذيه من ثقافات أخرى: داعمة أو ناقدة، موازية، أو متكافلة، أو متناقضة: قديمة أو حديثة.
وأما الهدف الغامض الأبقى والأسمى فى الغيب، وهو الأهم، فلن أتحدث عنه بشكل مباشر (تماما مثلما أتجنب مثل هذه المباشرة فى العلاج الجمعى).
ثالثا: أن نتعرف من كل ذلك على هويتنا الحالية التى نستمدها من لغتنا العريقة الراسخة المتحدية (غير المتجددة للأسف) أكثر من أى مصدر تاريخى سالف.
رابعا: أن ندعم هذه الهوية بمواصلة الممارسة المباشرة والتفكير النقدى الموضوعى، بلغتنا العربية بما فى ذلك اللهجات العامية، ومن واقع خبرات ثقافتنا الجارية، دون شرط الالتزام بالحصول على الموافقة المحددة المباشرة من مصادر فوقية تمثل ثقافة مختلفة، لها ما لها وعليها ما عليها، وأيضا دون إهمال أو رفض هذه التجارب الموازية الداعمة أو المكملة أو المثيرة للجدل.
خامسا: أن نسجل هذه الخبرات العملية الثقافية بشجاعة مُبَادِئَة، لتكون فى متناول من يهمه الأمر، مع أملى الشخصى أن يقوم هذا الذى يهمه الأمر من ثقافة أخرى بترجمتها متى شاء كيف شاء إلى لغته، وأن يجرب تطبيق ما يروق له منها فى ثقافته مع كل الاحترام المتبادل
وقد جرى كل ذلك خلال عشر سنوات بدرجات متفاوته فى كل بند من هذه البنود بفضل قائد المجموعة (قياسا على قائد جماعة العلاج الجمعى) بقواعد موضوعية أخلاقية غير مكتوبة، لكنها أقوى من كل كتابة، أهم ما وصلنى منها هو: “إتاحة نفس الفرص لكل من ضغط على الزر وهو شهيد” وقد راح قائد هذه المجموعة المتنامية – ومازال – يوصّل بين هذا وذاك، وبين ذاك وتلك، وبين هؤلاء وأولئك بصبر دؤوب، وعدل فائق، تماما مثلما يفعل قائد المجموعات العلاجية فى العلاج الجمعى، حتى بدأت تلوح معالم وعى عام اسمه “شعن” يتمحور حوله النفسيون العرب، ليس فقط من العالم العربى وإنما من كل أنحاء العالم.
وبعد
برغم الاقتصار على شفرة واحدة وقناة واحدة للتواصل هى اللغة المكتوبة، وندرة من التسجيلات المتاحة بجهد خاص، فإن ما تم تخليقه من هذا الوعى العام لهذه الجماعة “شعن” يبشر بمسار واعد، وكما تعلمنا فى العلاج الجمعى أن نرضى ونفرح بأية درجة من التغير الايجابى ولو بضع درجات من ثلاثمائة وستين درجة، فإنه يحق لنا أن نفرح بهذا البزوغ المتواضع لهذا الوعى العام لمجموعة “شعن” الذى يضم كل هؤلاء فى عمل جماعى حقيقى صعب، ومتميز.
“الوعى العام”، كما تذكرون وأكرر، هو “غير الرأى العام”، وما أفرحنى ويفرحنى فى هذه المجموعة، كما فى العلاج الجمعى، هو تنشيط العملية المعرفية، وتجديد المنهج، وليس (أو أكثر من) الاتفاق على معنى كلمة أو محكات مصطلح، ربما لهذا لم أبادر فى الاشتراك فى العمل المعجزة لمعاجم الترجمة التى تتعهدها الشبكة، ولا فى مناقشة تسمية مرض بذاته، فهذه كلها نشاطات طيبة موازية، وهى ضرورية، لكنها لا تشكل وعيا، بل اتفاقا مفيدا فى حدوده، لكن تخليق الوعى العام الذى أتحدث عنه، والذى أثق فى نموه فى الاتجاه الصحيح أطال الله عمر قائد المسيرة وهدى مَنْ بعده، هو تخليق الوعى المعرفى النفسى العام، وهو بُعد المعرفة الأعمق والنفسية الأشمل لأية ثقافة مبدعة متميزة (وهو هو العامل العلاجى الفعال فى العلاج الجمعى).
ومثل أية مجموعة علاجية تعتمد على القائد فى البداية، وأحيانا لفترة طويلة من عمرها، تصبح مهددة بتخثر أو تراجع أو نكسة متى غاب قائدها المسئول عن جمْع الخيوط وتضفيرها، فإنى أخشى على هذا الوعى الجماعى الوليد من التخثر أو التجمد إذا غاب – لا قدر الله- قائد الجماعة. فما العمل؟
فى العلاج الجماعى حين يلوح فى الأفق مثل هذا التهديد، يلجأ القائد أحيانا إلى الغياب قصدا لبعض الجلسات، مع الإصرار على استمرار اجتماع أفراد المجموعة بدونه فى نفس مكانها وموعدها، وحين بدأتُ هذه التجربة كنت أغيب بانتظام جلسة بعد جلسة وإذا بالحضور يتناقص باضطراد فى الجلسة التى أغيب فيها لأنها تكون معروفة مسبقا، فعدّلت المحاولة إلى الغياب المفاجئ دون إنذار أو نظام، فانتظموا أكثر ونجحت التجربة نسبيا، وكان يقود المجموعة فى غيابى أى فرد تختاره المجموعة طول الجلسة أو بالتناوب بين بعض أفرادها.
لا أعتقد أننا – مجموعة “شعن”- جاهزون بعد لمثل هذه المغامرة مع أن عمر المجموعة أكثر من عشر سنوات.
الأمل فى الأوقات العصيبة
بعد هذا الموجز السريع عن هذا النموذج المحدد لخبرة تكوين الوعى الجمعى من خلال فضل قائد ماهر امتلك ناصية تكنولوجيا التواصل، برغم الافتقار إلى التواصل الحيوى الشخصى المباشر اكتفاء بقناة واحدة للتواصل هى الألفاظ والكلمات والتفكير المنظم (النصف الطاغى للمخ)، يمكننا الانتقال للنظر فى ماهية هذا “الأمل” فى الأوقات العصيبة.
شطحٌ مشروع
برغم قصور القياس، وتواضع بداية تخليق هذا الوعى العام المتناغم القادر على مواجهة مسؤولياته، دعونا نُعمل الخيال قليلا (أو كثيرا) ونحن نتصور أنه توجد فعلا فى أنحاء كثيرة من العلم مثل هذه المحاولات الأساسية الرائعة، وبرغم أننا لا يعرف بعضنا بعضا، إلا أننا نستشعر الخطر معا، كل من موقعه وبلغته وفى سياق ثقافته، دعونا نتصور أن الحق سبحانه قد جعل فى كل بقعة من هذا العالم “جمال التركى” البرازيلى و”جمال التركى” اليابانى و”جمال التركى” الأمريكى وألف “ألف جمال” فى مواقع لا نعرفها، ثم لنسمح لخيالنا أن يمتد لينمو نحو غايته حتى نتصور أننا استطعنا من خلال هذا الوعى العام المتخلق فى كل العالم أن نكتشف أننا جميعا فى طريقنا إلى التعرف على “اتجاه السهم” الصحيح الحقيقى الذى يجعل من الإنسان بشرا سويا، أنا لا أخص بالذكر تجمعات أهل مهن نفسية فى نشاط علاج نفسى جمعى ولا حتى طب نفسى، وإنما أنا أتكلم عن ما فتحه لنا عنوان هذا المؤتمر من فرصة النظر فى طبيعة محورية “العمليات الجماعية” ودورها فى إصلاح ما أفسده العقل الرمزى الكمّى: تخصص المخ الأيسر (الطاغى) المغرور بقوته ومنطقه، وإذا بالخيال الواقعى يسمح لنا أن نشاهد الوعى الجمعى لهذه الجماعات “الجمالية” وهى تتجمع أيضا عبر التواصل التكنولوجى قياسا بتجمعها حول الوعى الجمعى المتخلق وسط المجموعة العلاجية، فتتسع الرقعة فى مجموعات وعى أكبر فأكبر عبر العالم، ثم تلتقى المجموعات مدعمة طبعا بقدرات اقتصادية وحضارية وعملية وإبداعية على أرضية من العدل إلى وجه العدل الأعظم (مع احتفاظ كل مجموعة بما تشاء من مسميات)، وهكذا يقف الوعى البشرى العالمى الجديد قويا راسخا فى مواجهة النظام العالمى الطغيانى الجديد، يقف واثقا راسخا يتحدى!
وبعد (مرة ثانية)
أكتفى بهذه الجرعة من الخيال اليوم خوفا عليك صديقى القارئ، وأيضا حماية لنفسى من اتهامات لعلك تعرف بعضها، ولكن دعنى أذكرك بقول “بالمر” الذى جعله قائد مجموعة “شعن” د. جمال التركى الشعار الثابت لما ينشره بعنوان “كلمات أصلها ثابت وفرعها فى السماء” وهو القول الذى استعرته من ابنتى منى، “بالمر” هو شاعر أمريكى (هل رأيت أنه ليس كل الأمريكيين كيسنجرا أو أوباما!!) دعنى أذكرك بقول هذا الشاعر الجميل:
“إنك لن تعلم أبدا مدى تأثير ما قد تفعله أو تقوله أو تفكر فيه اليوم على حياة الملايين غدا”.
فنضف هنا بعد إذنه:
“…من خلال تخليق الوعى العالمى الجديد بين أفراد هذه المجموعات من الأحياء التى تستعمل العمليات العلاجية البقائية كما خلقها الله”.
ليكن!!
ليكن شطحا يا منى، لكن عليك أن تتذكرى أنه إما هذا، وإما أننا سوف نلحق – نحن البشر – بالأغلبية من الأحياء التى انقرضت وهى أغلبية ساحقة كما تعلمين:( 999 من كل الف).
هل هذا يا منى هو الأمل الذى يشير عنوان مؤتمركم إليه؟
وهل تقصدون – فعلا – “الأوقات العصبية” التى يمر بها العالم العربى، أم تمر بها مصر أم يمر بها العالم كله؟
وهل تشاركينا – تشاركونا – أملنا فى الشبكة، مع دعوة لأن يشارك المهتمون من زملاء فى الشبكة فى المؤتمر بناء على ما ورد فى هذه النشره
سواء جاءتنى الإجابات كما أرجو أو غير ذلك، فأرجو أن يكون ما اجتهدت فيه اليوم ضمن ما يؤثر فى الملايين غدا، وأرجو أن يكون تأثيرا إيجابيا.
شكرا يا عم بالمر،
شكرا يا جمال،
شكرا يا منى
بعد حمد الله أولا وأخيرا