نشرة “الإنسان والتطور”
18-1-2011
السنة الرابعة
العدد: 1236
اعتذار:
لأسباب خاصة، وردًّا على تقصير الزملاء أبنائى وبناتى الذين اقترحوا تخصيص يوم الثلاثاء والأربعاء لكتاب الأساس: الافتراضات الأساسية، تقصيرهم فى التعليق والنقد والترجمةّّّ!! أعتذر اليوم وباكرا عن مواصلة ما وعدت، مع أملى أن أعاود استكمال موضوع “الحرية والجنون” فى الأسبوع القادم.
هذا وأرجو أن يقبل الأصدقاء أن أنشر اليوم أطروحتى الباكرة عن الصمت، بمناسبة ندوة هذا الشهر، يوم الجمعة الماضى، بعنوان: “فن الصمت فى المقابلة الإكلينيكية”. (روزاليوسف: 23/9/2005)، ثم أضيف غدًا بعض ما دار فى الندوة ثم مالم أستشهد به فى هذا المقال الباكر.
كيف يتكلم الصمت ؟!!
المشكلة، مثلما كان الحال ونحن نعيد التعرف على أجسادنا، أننا كما اكتشفنا أننا لا نملك إلا أن نستعمل العقل (وهو المتهم بتغييب الجسد) لاستحضار الجسد والاعتراف به ، لا مفر هنا أيضا من أن نستعمل الكلام (مكتوبا) لنتعرف على الصمت.
أى بديل عن الكلام، الموسيقى، أوالنحت أو الرسم، أو لغة الإشارة، كلها كلام بحروف أخرى: أى وإن اختلفت الأبجدية والأدوات، إذن ماذا ؟
للمنهج العلمى القح إسهاماته فى هذه المنطقة، لكنها إسهامات مازالت متواضعة لا تكفى، أما الأدب فهو يقول أعمق واخطر. النصوص الأدبية الأصيلة يمكن أن تقوم باللازم باعتبارها كلاما يتجاوز الكلام.
من وفرة ما حضرنى من نصوص تتناول دور الصمت وتشكيلاته، احترت ماذا أختار من بينها، حتى تصورت أن لنا عودة فى نفس الموضوع يوما ما.
برجاء ملاحظة النصوص التى لا يذكر اسم صاحبها، هى لكاتب هذه السطور، وهى نصوص ليست إبداعية طليقة، بقدر ما يمكن أن نعتبرها بمثابة: “نصُ عبر المعرفة”، (قياسا على الإبداع عبر النوعية) وهى قد تكون أقل طلاقه، وأكثر إطالة وذلك نظراً لقيودها المرتبطة بتحديد هدف مسبق بشكل أو بآخر، فعذرا.
نبدأ بخير البدء:
(1)
نجيب محفوظ
قرب نهاية الأصداء، يعلمنا محفوظ على لسان الشيخ عبد ربه التائه، كيف أن الزمن يحقق أهدافه دون أن يسمع له صمت
النص : فقرة 204 من أصداء السيرة
“الزمن”
قال الشيخ عبد ربه التائه:
يحق للزمن أن يتصور أنه أقوى من أى قوة مدمرة، ولكنه يحقق أهدافه دون أن يُسمع له صوت.
القراءة:
هل توجد دعوة أقوى من ذلك تنبهنا أن ما تحقق عبر تطور الحياة لم يكن نتيجة لآراء أو كلمات، ولا لحروب وانتصارات، ولا لأرقام وحسابات، وإنما كان بقوانين لا تحتاج إلى إعلان اصلا، قوانين ليس لها صوت !! التطور يتواصل بقوة تفوق أى قوة ، وفى نفس الوقت هو يتحدى أى تدمير غبى لم يستطع أن يوقف المسيرة حتى تاريخه.
لكن محفوظ فى الأصداء أيضا يقدم لنا صمتا آخر أبسط وأرق، يقول محفوظ :
النص الأصداء 160
– الحياء:
قال الشيخ عبد ربه التائه
ما تجلى لعينى إلا نور الوجنات وعذوبة الحياء
أكرر السؤال فتغوص فى الصمت أكثر.
تجود بكل ثمين ولكنها من الكلام تجفل.
هذا الصمت الذى تعلنه هذه الفقرة التى رسمها محفوظ لصاحبته وهى تجفل من الكلام، له لغته الخاصة التى تصلنا من خلال نور الوجنات وعذوبة الحياء. ربما يسهل عليك أن ترى الوجنات منيرة بحمرة الخجل، لكن أن تستمع لهمس عذوبة الحياء، هذا يحتاج لانصات من نوع آخر لحديث صمتٍ آخر.
(2)
صلاح عبد الصبور
النص:
لا أملك أن أتكلم،
فلتتكلم عنى الريح، لا تمسكها إلا جدران الكون
لا أملك أن أتكلم
فليتكلم عنى موج البحر
لا يمسكه إلا الموج على حبات الرمل
لا أملك أن أتكلم،
فلتتكلم عنى قمم الأشجار
لا يحنى هامتها إلا ميلاد الأثمار
لا أملك أن أتكلم،
فليتكلم عنى صمتى المفعم.
(هذا ما خط مساء اليوم الرابع)
يا أهل مدينتنا
يا أهل مدينتنا
هذا قولى:
رعب أكبر من ذلك سوف يجىء
لن ينجيكم أن تعتصموا منه بأعلى جبال الصمت
أو ببطون الغابات
لن ينجيكم أن تختبئوا فى حجراتكم، أو تحت وسائدكم، أو فى بالوات الحمامات
….. إلخ
القراءة:
الصمت المفعم الذى راح ينذرنا بهذه النذر، يهاجم صمت الأحياء الموتى، يهاجم ذلك الصمت الجبان الذى لا يتكلم رعبا وتخليا وتقية، يهاجم ذلك الصمت المختبئ فى جوف جباله أو فى بطون غابات الكلام المفرغ من معناه، أو فى حجرات الصفقات، أو تحت وسائد النقاق، أو فى بالوعات التخلى واللامبالاة.
هكذا نتبين أن الصمت أنواع،
قالوا: وكيف كان ذلك؟
(3)
…. من كتاب “حكمة المجانين”
النص: أنواع الصمت
– الصمت الميت: وهو أنانية وإلغاء للآخرين.
- والصمت الجبان: وهو المحافظة على مظهر الحكمة، مع الخوف من التعرى دون حساب .
- والصمت الخبيث: وهو الذى يشترى ولايبيع، اتقانا لصفقة الشطار.
- والصمت الساخر: وهو الذى ينظر من أعلى على كل آخر.
- والصمت المتأمل: وهو الذى يحسن الاستماع ليستوعب التفاصيل
- والصمت اليقظ: وهو الرحلة المتصلة الصادقة بين الداخل والخارج وبالعكس، احتراما للكلمة الفعل المسئولية .
القراءة:
لا يحتاج هذا النص إلا إلى إضافات محدودة
- الصمت الميت، هو إعلان عن استكفاء ذاتى خادع، يغلق مسام التلقى، ويجهض أى احتمال لحوار قبل أن يتخلّق، إنه صمت يقول: “أنا لا أحتاج إليك، فلا داعٍ للكلام معك”.
- والصمت الجبان : هو الذى يرسل رسالة غامضة تعطى فرصة للآخر أن يتصور ما ليس هناك، هو تغطية للذات ولما بداخلها، هو نوع من ممارسة مبدأ السلامة بالانسحاب الباكر والدائم، وهو عادة يرجح تحسبا للأحوط، وتجنبا للاختبار من حيث المبدأ.
- أما الصمت الخبيث فهو نوع من المناورة الصفقاتية، التى ترجح فيها كفة المهارة المحسوبة، تجنبا لخطأ عشوائى يمكن أن يؤدى إلى خسارة صاحبه، ويظل هذا الصامت التاجر محتفظا بمعظم مستنداته وهو يتصور أنه بذلك يربح الصفقة (وهو كثيرا ما يحدث فى المفاوضات السياسية اللئيمة)
- ثم الصمت الساخر الذى يستهين بما يقال ، حتى يصل الأمر إلى اعتبار المتكلم لا يستحق الرد أصلا، لا لأنه يقول ما نكره فقط، ولكن لاستهانته بالقائل تكبرا واستعلاءً.
(1) الصمت المتأمل، فى قراءتى الآن انتبهت إلى أن التأمل لا يكفى لاعتباره الصمت إيجابيا، وقدرت أنه يمكن تطويره لتسميته “صمت التلقى”، بمعنى أن يتجاوز التأمل الإمعان فى التفاصيل إلى التهيؤ لاستقبالها ليهضمها فيتمثلها لعله يكون “بها إليك”،
(2) وأخيرا : الصمت اليقظ ، ربما هو التفعيل الختامى لصمت التلقى الجاهز للحركة، وهو صمت لا يكتفى بمجرد التلقى من الآخر،لكنه يواصل حركته الداخلية النشطة ، يعيد بها تنظيم الذات ليكون صمتا أقرب إلى ما وصفه المقتطف : بأنه يحمل كلا من حضور الفعل، ووعى المسئولية.
وبعد
إن ما انتهى إليه هذا المقتطف هو تحذير من تعميم لغة الصمت، وتأكيد على أنه كما للكلام أنواع ومستويات، فإن للصمت أنواع ومستويات، وأنه ليس معنى أننا ننبه إلى ضرورة الاهتمام بلغة الصمت، أننا نعلى من شأنها أكثر من لغة الكلام.
(4)
الطبيعة : تتكلم لغة أعمق:
ننتقل الآن إلى صمت آخر علينا أن نحسن الاستماع إلى كلامه، وهو صمت الطبيعة المفعم بكل قوانين وجمال الحياة، وما يصاحب ذلك من صمت المشاعر القادر على تشكيل الجمال ، وتخليق الإبداع.
طاغور -1
النص:
روائع فى المسرح والشعر ترجمة :
بديع حقى ، مكتبة نوبل : 1998دارالمدى: ص120
“……………
……………
وقال الألم : سألوذ بصمت عميق كآثار خطاه
وأجابت حياتى : سأموت وأنا فى منتهى الكمال.
وقالت الأرض: إن أنوارى تلثم أفكارك فى كل لحظة.
وقال الحب: وتمضى الأيام ولكننى أنتظرك
وقال الموت: سأقود زورق حياتك عبر البحر
القراءة:
نحن لا نحسن الإنصات إلى رسائل الطبيعة المتجددة، ولا إلى همس الحياة الزاخر بالمعنى والحب والحياة بل ووعود الموت الجميل، نحن نحسب أن كل هذه المخلوقات، مثل شتى تنويعات الوجود التى لا تتكلم بألفاظنا (بما فى ذلك الموت) نحسبها صامتة، مع أننا نحن الذين لا نحسن الإنصات. حين أنصت طاغور بكل رقته وآلمه وحبه، استمع للموت وهو يبعث الحياة ، واستمع للحياة وهى تموت فى منتهى الكمال (هل تذكر ما فعله نجيب محفوظ فى الأصداء ، وقدمناه هنا من قبل عن “جدل الموت والحياة”؟) ، ليس هذا فحسب ، بل إن الألم هنا مع طاغور هوالذى لاذ بالصمت، فأصبح صمتا زاخرا عميقا كآثار خطى الألم. اعتدنا أن نلغى الألم أو ننكره أو نلغيه بالصمت، لكن طاغور جعل الألم يلوذ بصمت عميق كآثار خطى الألم ،ياه !!! ثم إنه جعل الحب هو الذى ينتظر بلا كلل، ولا ييأس من مرور الأيام فهو قائم حاضر مهما طال الزمن، يتخلل ذلك اعتراف الأرض أن أنوارها تلثم أفكارنا فى كل لحظة. أىَُ همسً، وأىًُ حوار!!.
هل يستطيع أى منا أن يصم أذنيه عن كل هذا الكلام، الصادر من صمت الطبيعة المفعم؟ هل يدفعنا ذلك أن نراجع أنفسنا لنتصور كما قال محفوظ فى الصدى الأول كيف حفظت خطى الزمن الواثقة استمرار الحياة المتدفقة دون كلمة واحدة. ؟ ولماذا نذهب بعيدا ، هل يولد الطفل متحدثا ؟ هل تأملنا كيف يمضى الطفل سنينه الأولى وهو يتكلم أعمق لغة بلا لفظ واحد من ألفاظنا المنطوقة أو المكتوبة؟ نستمع إلى لغة هذه المرحلة التى تقابل بشكل ما لغة التطور قبل نشأة الكلام، نستمع إلى طاغور مرة ثانية بأقل قدر من التعقيب.
طاغور -2
درب الطفل
النص:
إن الطفل الصغير يحيط بجميع ضروب الكلام السديد، غير أن الذين يدركون معناها فى الأرض قلائل
فليس عبثاً ألا يرغب فى الكلام
أنه الشئ الوحيد الذى يتشوف إليه هو أن يتلقَّن كلمات أمّه من شفتيها، ولهذا يتراءى بريئاً نقيّاً.
إنّ فى حوزة الطفل الصغير أكواما من الذهب واللآلئ، ومع ذلك فقد قدم كشحاذ إالى هذه الأرض
إنّ لديه سببا يحفزه على أن يقدم فى هذا التنكر.
أجل. إنّ هذا الشحاذ الصغير الأثير العريان يصطنع العوز الشديد ليتيسّر له أن يطالب أمّه بكنز حبّها
لقد كان الطفل الصغير حرّاَ من أى رباط فى هذه الأرض التى يتسامى فوقها الهلال الصغير
فليس عبثاً أن يتخلى عن حريته
القراءة:
وهل يحتاج هذا الكلام إلى تعقيب نؤكد به أن صمت الطفل عن الكلام هو حريته التى تسمح له بكل هذا التحاور الخلاق الذى يحفظ حياته، ويثرى وجودنا حتى يكمل بالكلام الحقيقى / المعنى.
(5)
صمت الفصامى
ننتقل أخيرا إلى الإنصات إلى صوت المريض الفصامى حين يصل به المرض إلى البكم الذى سنكتشف أنه احتجاج صارخ على ما آل إليه اغتراب الكلام، وأنه انسحاب فى مواجهة عدم الإنصات إلى صرخته المستغيثة (قارن ذلك الشحاذ الصغير فى طفل طاغور الجميل، بهذا الشحاذ الفصامى المتجمد إهمالا وإنكارا).
من ديوان سر اللعبة
النص:
وهتفت بأعلى صمتى …
يا أسيادى
يا حُفّاظ السقر الأعظم
يا حمّال سر المنجم
يا كهنة محراب الفرعونْ
يا أفخم من لاك الألفاظ تموء كقططٍ جوعَى فى كهفٍٍ مظلمْْ
يا أذكى من خلق الله وأعلم
يا أصحاب الكلمة والرأى،
هل أطمع يوما أنََ يُسْمَع لي؟
هل يُسمحََ لي؟
هل يأذن حاجبكم أن أتقدمْْ
لبلاطكمو التمس العفوْْ
أنشر صفحتى البيضاءْْ
أدفع عن نفسى
أتكلمْْ
أحكى فى صمت عن شئٍ لا يُحْكَى
عن إحساسٍ ليس له اسم
إحساس يفقد معناه، إن سكن اللفظ الميت.
شىء يتكّور فى جوفى
يمشى بين ضلوعِى
يَصَّاعد حتى حلقى
فأكاد أحس به يقفزُُ من شفتىّ
وفتحت فمي:
لم أسمع الا نفساًً يتردد
إلا نبضَ عروقى
وبحثت عن الألف الممدودةْ،
وعن الهاءْْ
وصرخت بأعلى صمتى،
لم يسمعْنى السادةْْ،
وارتدتْ تلك الألف الممدودةُ مهزومةْْ
تطعننى فى قلبى.
وتدحرجت الهاء العمياء ككرة الصلب..،
داخل أعماقى ،
ورسمتُ على وجهىِ بسمةْْ،
تمثالٌٌ من شمع ،
ورأيت حواجب بعضهمو ترفع
فى دهشةْ،
وسمعت من الآخر مثل تحية،
ظهرت أسنانى أكثر،
وكأنى أضحك
ومضيت أواصل سعيى وحدى
وأصارع وهمى بالسيف الخشبىّ
السيف المجدافِ الأعمي..
والقارب تحتى مثقوبٌٌ
والماء يعلو فى دأب
والقارب تحتى يتهاوى ..
فى بطء لكن فى إصرار
فى بحر الظلمة
فى بحر الظلمة .
القراءة:
لا يزعجنى من الشخص العادى، ولا من بعض الزملاء، أكثر من استهانتهم بما يقوله الفصامى بصمته، وتخشّبه، وتفسخه، لا يزعجنى أكثر من اختزال ما هو “فصام” (تراجيديا الوجود المنهزم) إلى أى سلوك متناقض أو متغير من النقيض إلى النقيض، ناهيك عن الاختزال الكيميائى. هذا ليس وقت ولا مجال مناقشة هذه القضية، لكنها تقدمة لازمة قبل أن نقول:
إن الفصامى ثائر حقيقى لكنه ثائر فاشل مهزوم، الفصامى يكتشف اغتراب الكلام ولا جدواه، لكنه يفشل فى تشكيله بعد أن يفككه، فى حين ينجح الشاعر.
الفصامى علاقته باللغة بالغة الرهافة، ثقيلة المسئولية، حتى أنه يرزح تحت وطأتها، فيتجمد ويبكم من أثر ثقلها على وعيه، أدْهى تحمل عنده حقيقة معناها، لذا هو لا يقدر أن يلفظها، فيبكم، أو تتناثر منه.
النص السابق يُظهر بعض ذلك على لسان الفصامى، ومع روعة دلالته فما أسهل أن نصف الفصامى – نحن الأطباء- فى النهاية بلغة الأعراض بأنه: قد أصيب بالبكم، mutism وأنه يبتسم ابتسامة لا معنى لها facile smile وأنه انسحب من عالم الواقع إلى قوقعة خياله.
(6)
استلهام نص صوفى
(تكرار دائم : النصوص الصوفية والنبوية والإلهية ليست نصوصا للنقد، ولا حتى للتفسير، إنها مصدر إلهام متجدد، وهذا بعض ذلك).
النص:
من مواقف النفرى
وقال لى:
أصمت لى الصامت منك، ينطق الناطق ضرورة
القراءة:
لقد تعجبت لهذا الموقف من مولانا النفرى، فهو خطاب من الله رب العالمين كما استلهمه النفرى فى وعيه، فلماذا يطلب الله سبحانه من النفرى أن يصمت الصامت فيه، لا بد أنه صامت من النوع السلبى الذى عددناه ونحن نشرح النص الثانى المقتطف من كتاب حكمة المجانين، أو لعله الصمت الذى أعلن به الفصامى هزيمته ، إذا كان الأمر كذلك فعلى هذا الصامت الشحاذ المستجدى ، أو السلبى المستعلى، أو الصامت المنسحب،على أى من هؤلاء أن يصمت فعلاً.
حين صاح نبى عبد الصبور: “لا أملك أن أتكلم” كان يعلن صمته المتألم، حتى أمتلأ الصمت، فأصبح صمتاً مفعما فنطق بكلام آخر. هل الناطق عند النفّرى هنا هو صمت مفعم آخر، فهو ليس الناطق بالكلام العادى كما نعرفه؟.
(7)
هامشان
الهامش الأول:
من الذاكرة: مسرحية آه ياليل يا قمر – نجيب سرور: الباشجاويش (لا أذكر اسم الممثل) يقول لسهير البابلى: الكلام ممنوع يا ست، فتسكت، فيكمل قائلاً: “والسكات ممنوع يا ست” فتصرخ مندهشة “والسكات ممنوع كمان”؟ فيرد الباشجاويش “السكات مشروع كلام”.
الهامش الثانى:
أحمد فؤاد نجم من قصيدة “الصمت”.
سكات سكات سكات، لكن لسكاتنا معنى: أنطق من الكلام، وكل مِنْ سمعنا، يفهمنا بالتمام.
إلى هنا وهذا المقطع يؤكد ما ذهبنا إليه، لكن القصيدة تواصل كالتالى.
“… وحق من جمعنا: لينطق الكلام، ويقول الصمت مات، ويصرخ فى السكات، سكات، سكات”.
قراءة سريعة: السكات الأول الذى هو “أنطق من الكلام” غير الصمت الذى يموت حين ينطق الكلام فى الفقرة الثانية. المفروض أن الذى سينطق هو السكات وليس الكلام.
أليس كذلك يا عم أحمد؟.