نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 31 -8-2013
السنة السادسة
العدد: 2192
حوار مع مولانا النفّرى (43)
من “موقف الدلالة”
قال مولانا النفرى فى موقف “الدلالة”
وقال لى:
من سألك عنى فَسَلْه عن نفسه، فإن عرفها فعرّفنى إليه
وإن لم يعرفها فلا تعرفنى إليه فقد غلقت بابى دونه.
فقلت له
ألم يبلغك يا مولانا خير هذا الذى ضلّ حين تصور أنه هو الله لمّا أساء استيعاب ما وصله من أنه ما دام قد عرف الله من خلال معرفته لنفسه فلا فرق بينهما، فاغتر وعمى وتاه؟
لا أحد يعرف نفسه طريقا إلى الله، إلا من حفظه ربه من نفسه، الأغلب أن من يردد أنه يعرف نفسه إنما يتصور أنه حين يتأمل نفسه فإنه يعرفها، أو أنه حين ينظر إلى داخلها فيستنبط بعض ما كان غائبا عنه فإنه قد عرفها، ويسمى هذا استبطانا أو تأملا ذاتيا، معظم الذين يرددون أن “من عرف نفسه فقد عرف الله”، يتوقفون عند “المعرفة التفكير” دون “المعرفة الإدراك” و”المعرفة الوجدان”، وآخرون يتعرفون على ما يشبه أنفسهم وليس على حقيقة أنفسهم، فهم يخلطون بين الصورة التى رسموها لأنفسهم، فيخيل إليهم أنهم عرفوا أنفسهم وما هى أنفسهم، فتنغلق أمامهم السبل وهم لا يدرون.
أن أعرف نفسى يعنى أننى أسعى إلى التعرف على ما جهلت منها دون أن أعرفها، هل يا ترى هذا هو المعنى الذى تنبهنا إليه بما استوحيَته منه؟ طيب، إن كان الأمر كذلك وعرفت نفسى هكذا بمعنى أننى فى الطريق إليها، فكيف النقلة لتعرّفنى به؟
وصلنى أنه كلما زادت مساحة الوعى الجامع ليحيط بمستويات الوعى الهيراركية المتداخلة زادت فرصة تعرفى على نفسى، وحينئذ يشحذ إدراكى حواسى، ويخلّق حواسا أخرى، وأستطيع أن أتحسس الطريق إلىّ، فأجد أنه ليس كذلك فقط، وإنما هو الطريق إليه، فأنا أعرفه من خلال معرفة السبيل إليها فإليه، فأطمئن، وأواصل، ليس أكثر.
الآن أدرك كيف تغلق الأبواب أمام من يسلك سبيلا متجاوزا نفسه، وأيضا كيف تغلق أمام من يخلط بين معرفة نفسه ومعرفته،
من عرف نفسه يا مولانا بما أوضحت ربما أصبح جاهزا أكثر وأرحب لأن يرتقى فيعرفه، وإلا فالأبواب مغلقة عن نفسه وعنه.