“نشرة” الإنسان والتطور
22-8-2009
السنة الثانية
العدد: 722
قبل التعتعة:
لم تظهر يوم الاربعاء الماضى تعتعة الدستور لأسباب لا أعرفها، لكنهم يعتبرون صفحة الرأى من الصفحات التى يمكن الاستغناء عنها لصالح كذا أو كيت (لن أذكر أمثلة) لهذا اضطررت للرجوع لتعتعة قديمة قمت بنشرها فى الدستور أيضا بمناسبة رمضان ما (نشرت فى 5-1-1998) أى منذ أكثر من عشر سنوات، وقد قمت بحذف فقرة واحدة لا تتناسب مع “الآن” كما أضفت بدلا منها فقرة أقصر
وكل عام وأنتم بخير
(كذلك غيرت العنوان)
الصوم يكسر نمطا ثابتا، فرصة أن نتعلّم ، ونبدع !!
لا توجد كلمة ظـلمت كما ظـلمت كلمة “الإبداع،” مع أن أغلب الكلمات قد أصبحت تحتاج إلى مراجعة، كلمة الإبداع تـستعمل استعمالين أحدهما قاصر، والآخر متحيز مشوه. أما الاستعمال الأول (القاصر) فهو حين نقصر استعمالها لنصف بها فئة من الصفوة، ينتجون ما هو بديع جديد فى شكل شعر أو رواية أو تشكيل أو موسيقى، وإلى درجة أقل: فى وصف من يضع فرضا علميا أصيلا أو نظرية علمية جديدة.
أما الاستعمال الثانى (المتحيز المشوه) فهو حين يقتصر استعمال الكلمة على وصف كل ما تحرك بعيدا عن الراسخ الثابت الساكن المستقر من تفسيرات قديمة لنص دينى ملهم سئم تفاسيره الراكدة، وذلك حين نطلق على أى جديد، وصف “بدعة”، وكل بدعة (كما يفهمونها هم) ضلالة، وكل ضلالة فى النار.
فما هى الحكاية ؟ وما علاقة ذلك برمضان؟
كررت فى هذا الصدد أننى لا أستقبل صوم رمضان باعتباره الشافى من كل الأمراض أو المرقـق القلوب على المحرومين إلخ، بل وأعتبر ت شويها وتسطيحا وضعف إيمان وخيبة علم ضحل، أنا أستقبله باعتباره فرصة لإعادة النظر وكسر النمط،
فالصائم يفاجأ أن ما تصوره لا غنى عنه، هو يستطيع أن يستغنى عنه،
والصائم يجد نفسه وهو يعيد تنظيم يومه بشكل جديد، (المفروض أحسن وأكثر امتلاء بالعمل، والناس)، ولهذا أرفض أى تغيير فى المواعيد إلا مواعيد الأكل والشرب،
ما هذا الذى يجرى حتى تشل الأعمالهكذا فتزيد الذنوب وتضل القلوب تحت حجة “أنى صائم”؟
الصائم: لديه فرصة أن ينظر فى إمكان إعادة تنظيم يوميه، فحياته، برؤيتها بشكل جديد
هذا فى حد ذاته دعوة للنظر فى معنى آخر للإبداع (اليومى).
أنتهز هذه الفرصة كى أعيد للإبداع عموميته قائلا:
إن الإبداع هو التجديد:
أبدع الشئ”: أنشأه على غير مثال،
تأمل – بحق صيامك- تعبير “على غير مثال” هذا،
وحين بدأت آمال فهمى فوازير رمضان بدأتها (هى وصحبها) على غير مثال، فكان إبداعا مناسبا، ولكن من ساعتها: كل سنة وأنت طيب، هات يا تقليد، حتى أصبحت الفوازير مقررة علينا، مثل الحكومة والحزب الوطنى، ونشرات الأخبار،
وقد دافعت فى كثير من المقالات والمقامات عن حق الشخص العادى (الذى لا يقرض الشعر، ولا يلحن، ولا يكتب الرواية، ولا يكتشف نظرية علمية) عن حقه فى الإبداع، ورحت أكرر:
- كيف أننا نبدع إذا رأينا شروق الشمس مختلفا عن اليوم الذى سبقه،
- نبدع ونحن نقرأ قصة بطريقتنا الخاصة غير ما أنشأها كاتبها، وغير ما قرأها غيرنا،
- نبدع ونحن نسلم أرواحنا لله فى بداية النوم، ربما قـبضت أرواحنا بالسلامة -اللهم إن قبضت نفسى فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين: دعاء رسول الله، عليه الصلاة والسلام. عند بدء النوم –
- نبدع ونحن نحلم، فالحلم الحقيقي- هو إنشاء وتنظيم للمعلومات على غير مثال،
- نبدع حين نولد من جديد ونحن نستيقظ-“الحمد لله الذى أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور” دعاء اليقظة.
- نبدع ونحن نصوم، فنكسر بصومنا نمطا فى الاكل والشرب كنا نتصور طول العام أنه لا ينكسر
فهل يا ترى يمكن أن نستغل كسر هذا النمط هكذا فى رمضان لنسترد حقنا فى الإبداع، أم يظل الإبداع محرما علينا طول العام طول العمر- رمضان وغير رمضان-، حين يظل قاصرا على صفوة فوقية،
أو يظل ملعونا من كل من لا يريد لنا أن نعيد صياغة وجودنا على غير مثال؟
إنها دعوة لعبادة الله سبحانه البديع، الذى ليس كمثله شئ، بأن نضيف جديدا طازجا ونحن نسعى إليه نريد وجهه: بما نعبد، وما نفعل، وما نبدع، وما ندع، وما نأتى.
نتعلم من الصيام كيف أن ما كنا نتصور أنه “غير ممكن”: هو ممكن ، وجميل، وطيب !!!
كيف أننى حين أقول “مش قادر”، أكتشف بالمشاركة، والطيبة، والتوجه، أننى قادر ونصف.
نتعلم إذا كنا نريد أن نتعلم
ونتخدر إذا استسلمنا للتفسيرات السطحية، والرشاوى شبه الطبية، والعبث الإعلامى
نحن نصوم لأن الله أمرنا أن نصوم ، لا أكثر ولا أقل
والله يحبنا ويحب أن يعلمنا كيف نكسر النمط الذى استسلمنا له طوال أحد عشر شهرا
فلنتعلم، ونبدع، ونتغير، فنسعى إليه فى نشاط أجمل
ونحمده بأن نحسن التعلم
وبألا نسعى لاصطناع مبررات لصومنا غير عبادته التى من خلالها قد نكتشف ما لا نعرف.
أمره وحده يكفى
أمره لا يحتاج لما يبرره
وكل عام وأنتم ونحن بخير
وإبداع