يحيى الرخاوى طبيب نفسى
“نشرة” الإنسان والتطور
7-4-2009
السنة الثانية
العدد: 585
حالات وأحوال
(الحلقة الثالثة):
(سوف نكرر فى كل مرة: أن اسم المريض والمعالج وأية بيانات قد تدل على المريض هى أسماء ومعلومات بديلة، لكنها لا تغير المحتوى العلمى أو التدريبى).
الفهد الأعرج متحفزا، والخوف من الحب -3
موجز ما سبق:
ياسين رجل أعزب فى منتصف العمر، 33 سنة، مصاب بشلل أطفال منذ سن سنة واحدة، قاوم إعاقته، ودخل المدرسة، وأتقن القراءة والكتابة والحساب، دون سائر إخوته وأخواته، ولم يكمل إلا حتى بداية الدراسة الإعدادية، وعمل كهربائيا، ونجح، وفتح محلا مستقلا، ونجح، ورعى أسرته جميعها، بما ذلك الأخ الأصغر حين أصيب بذهان (جنون صريح) وعولج برعاية ياسين وحدبه فى قصر العينى أيضا.
الأسرة بها تاريخ عائلى شديد للأمراض العقلية، والأب بعيد قاس، والأم طيبة حاضرة، وياسين يعتبرها المصدر الوحيد –تقريبا- للحنان والإحاطة والحب، ماتت الأم فبدأ مرض ياسين، وظهرت أعراض صريحة للإكتاب الجسيم مع ضلالات وهلاوس مختلفة الحدة والمستويات، وذلك منذ شهر تقريبا قبل تقديم الحالة
لم تحل إعاقته الجسمية – شلل الأطفال فى إحدى ساقيه– دون أن يتميز ياسين بالقوة العضلية فى ذراعيه خاصة، ومن ثَمَّ القدرة على صد سخرية أقرانه، وغيرهم، مِنْ إعاقته، وأحيانا من جهاز السير حول ساقه المدلاة، وذلك بالهجوم والعراك والتأديب، بشكل اكتسب به هيبة كافية برغم إعاقته.
خطب ياسن مرتين: فتاة تصغره بسبعة عشر عاما، جميلة، أحبته أكثر مما أشفقت عليه، ووصله ذلك، لكنه تركها بعد ثلاثة أشهر خوفا من فارق السن (كما يزعم)، واحتجاجا على سلوك عابر أثناء شرائها حاجة ما من بقالٍ جار، ففسخ الخطبة لتوه، وتزوجت البنت بعد حوالى شهرين.
الخطبة الثانية كانت لفتاة منتقبة، تحمل بكالوريوسا (!!)، لم يكن مرتاحا لها أصلا، وتركها بعد أسبوعين.
فى الحلقتين السابقتين قدمنا موجزا أطول لحالته، ومناقشة نظرية تفسيرية لعلاقة الوراثة بالإعاقة “بصورة الجسد” و”مخططه” Body image & schema، وكذا صورة الذات ومخططها، Self image & schema كما قدمنا المناقشة المبدئية مع الزميل الأصغر مقدم الحالة، وكذلك بداية الحوار مع ياسين.
من أهم الفروض التى قدمنا الحالة من أجل مناقشتها أن ياسين توقف مسار نموه النفسى عند الموقف (لا المرض) البارنوى Paranoid Position، والموقف (لاالمرض) الاكتئابى Depressive Position، وقد يعزى هذا التوقف إلى التركيب الوراثى من جهة، والإعاقة البدنية وتشويه صورة ومخطط كل من الجسد والذات من جهة أخرى، وبالتالى نشأ ياسين وهو “يخاف الحب” كما يخاف الترك أو الهجر، ثم هو راح ينكر السخرية من إعاقته إذا لم يستطع أن يصدها، ويتوعد الساخر منه فى نفسه ليهجم عليه كالفهد انتقاما إذا ما أتيح له ذلك، وقد كان محتميا بعطف (رحم) أمه طول الوقت، وأيضا بالتعويض بنجاحه المهنى، وقوته البدنية بذراعيه، وحين ماتت أمه، أحس بالوحدة، وربما التخلى وظهر المرض.
فى هذه الحلقة اليوم يتواصل الحوار معه، حول علاقته بإعاقته صغيرا، وحول تركه لخطيبته الأولى حين وصله حبها الحقيقى خوفا من الاقتراب، هذا الخوف من الحب ظهر جليا فى مقابلته مع الطبيب المحاور (الأستاذ) وهو ما سنعرضه فى حلقة لاحقه (لعلها الخامسة) أكثر تفصيلا.
وحين وصلنا إلى حديثه عن هلاوسه وأحلامه وتخيلاته وجدنا تداخلا يحتاج حلقة مستقلة، وهو ما سنعرضه غدا فى الحلقة الرابعة.
ملحوظة(1): رأيت فى آخر لحظة أن أقدم الحوار دون أى تعليق حتى أترك للقارىء حرية التلقى دون وصاية، ثم أعيد نشره لاحقا اليوم أيضا مع هوامش محدودة مثل حالة الأحد الماضى 5-4-2009 ، بتعليقات شديدة الإيجاز.
ملحوظة(2): لم تنجح فكرة أن نعرض ما سبق نشره تفصيلا بعد كل حلقة، فقد زادت المساحة حتى أصبح هذا العرض بلا معنى، وعلى من يريد أن يرجع إلى تفاصيل ونص ما سبق نشره أن يتبع الروابط 31-3-2009 ، 1-4-2009 كل مرة
مقدمة حلقة اليوم:
….. كنا قد توقفنا عند بداية الحوار مع ياسين، بعد أخذ موافقته على التسجيل، ووصلنا إلى محاولة تذكرته واسترجاع شعوره بالنقص حين يعجز أن يجارى أقرانه فى لعب الكرة، وهو حول العاشرة ونعيد الآن آخر فقرة، ثم نكمل الحوار:
أولاً: المتن مستقلا:
د.يحيى: هما منطقتين اللى شاغلنّى جامد فى اللى سمعته عنك من الدكتور عدلى
ياسين: ماشى عادى
د.يحيى: الأولانية: لما حاولت تلعب مع العيال الكورة فى الشارع وإنت عندك 5 أو 6 أو 7 سنين والمنطقة التانية حكاية البِنيّة اللى انت شكّيت إنها كلمت جارهم البقال، قصدى الخطيبة الأولانية، فالمنطقتين دول حسيت انهم بيوجعوا قوى، وماخدوش حقهم شويتين.
ياسين: أنا أساساً…. (يسكت، لا يكمل…)
د.يحيى: لأه، واحدة واحدة، حانمسك مين فيهم الأول ؟
ياسين: البنت.
د.يحيى: ليه مانمسكش الكورة والعيال الأول، مش دى كانت قبل دى، كنت أصغر، مش كده؟.
ياسين: آه.
د.يحيى: آه إيه؟.
ياسين: ماشى، بس أنا حاكيلك حاجة حاجة.
د.يحيى: طيب ما الحاجة الأوّلانية أوّلانية، والتانية تانية
ياسين: حكاية الكورة ديه لما كنت باحط فى دماغى إنى أنا أجرى زى العيال كنت أحب أجرى زيهم وألعب كورة وكده،… ساعتها على طول تانى يوم أحلم بحلم إنى أنا بطير
د.يحيى: إنك بتطير؟!
ياسين: آه يعنى أمسك حاجة كده، اعملها كده وكده، (يشير بيديه وكأنه يقود) أحس إنى أنا بطير، وباجرى
د.يحيى: ياخبر !!، ربنا يخليك يابْنى
ياسين: آه
د.يحيى: إزاى إنت فاكر الحلم بالوضوح ده ياحبيبى!
ياسين: وافرحْ
د.يحيى: وتفرحْ!
ياسين: وأفرح واحس إن وانا باقوم من النوم باحس إنى أنا مافيش حاجة.
د.يحيى: كان عندك كام سنة
ياسين: يعنى وأنا فى سنة خامسة أو ساتّه
د.يحيى: ياااااه يعنى عشرة احداشر سنة؟
ياسين: آه ولحد وقتنا هذا، يعنى من قيمة سنتين كنت باحلم الحلم ده، يعنى كنت باحلم إنى عاوز أجرى ألعب كورة
د.يحيى: تصور يا ياسين يا ابنى إن ساعات النفساويين يشوفوا فى أحلام الطيران دى كلام أباحه، الظاهر ماخدوش بالهم إن فيه ناس بيلعبوا كورة ورجليهم واجعاهم
ياسين: … بس إيه، فى نفس الوقت بيصعب عليا وأنا بازُكّ، يعنى إيه مابرضاش ألعب كورة علشان إيه مافيش حد يضحك عليا.
د.يحيى: ما بترضاش، بس بتبقى عايز، مش كده؟ طب ده فى سن عشر سنين وانت فى سنة خامسة تقريبا، طيب ولما كنا فى ثالثه كان نفس الحكاية العيال يلعبوا، وانت تتفرج عليهم من بعيد….؟؟؟
ياسين: أنا كان صحابى بيلعبوا كورة فى الوقت ده، فى أى وقت كنت باحب أجرى زييهم
د.يحيى: ماكنتش بتقف جون مثلاً.
ياسين: كنت اقف جون وكنت ماباعرفش أدافع بالكورة كنت باحطّ فى نفسى، وتانى يوم كنت باحلم إنى باجرى وأقوم من النوم على أساس إن مفيش حاجة.
د.يحيى: فيه حاجة حصلت لى وانا صغير أنا شخصياً زى كده بس ما كانتشى رجلى واجعانى، ما كنتش باعرف ألعب فكانوا ينسونى فى التقسيمة، ويقولوا روح مع أى فريق زى ما انت عاوز، أقوم أحط نفسى مع أى فريق، واقعد أجرى جنب الخط، ولا حدشى منهم ياخد باله منى، ومالمسشى الكورة مع الفريق ده طول الهافتايم، أقوم أروح مع الفريق التانى،حتى من غير ما اقول لهم، وبرضه ما حدش يباصى لى طول الهافتايم التانى.
ياسين: مش شرط
د.يحيى: شرط إيه ياراجل ده الواحد بيتوجع وجع جامد ياشيخ حرام عليك.
ياسين: مش شرط الكورة يعنى، واحد ضايقنى وعارف نقطة ضعفى إيه إنى أنا مش حاعرف أجرى
د.يحيى: آه
ياسين: ماشى، بس لو أنا مسكته وانا واقف حاعـَـفْرتـُه
د.يحيى: (يشير إلى عضلاته) باين كده
ياسين: حافشّ غِـلّى فيه، آه، ماهو أصله عارف نقطة ضعفى وبيضايقنى وبيجرى، فالحتة دي بتحزّ فيّـا أوى
د.يحيى: إنت بتشوف الميكى ماوس ساعات فى التلفزيون
ياسين: آه
د.يحيى: وبتشوف القط والفأر بيعملوا إيه
ياسين: إنت فاهم كلامى؟
د.يحيى: آه فاهم، وحاسس كمان
ياسين: أيوه
د.يحيى: … حاجة صعبة يا ياسين يابنى، تقوم إنت تعمل إيه بقى لما يحصل كده لما حد منهم يغيظك ويضايقك ويجرى، علشان عارف إنك إنت مش حاتحصله، تقوم إنت تعمل إيه بقى؟
ياسين: باستنّاه، بادّيله إنى أنا مافيش حاجه من ناحيتى خالص
د.يحيى: هل بتروح لاغى بقى الغضب
ياسين: يعنى ….، لمّا ما اقدرشى، أقوم ساعتها انسى وانبسط وخلاص، وأبتدى أعامله بحنـّيه، بس لو مسكته ماسيبهوش، يعنى مرة كان فيه واحد قبل كده إيه، قال لى “يا اعرج” وعرف نقطة ضعفى وجرى، أنا سيبته يجرى مطرح مايجرى، بس حسيت إن هو إيه حايجرى فى حته معينة وحايمشى عادى، وفعلاً مشى ببطء، بعد كده رحت مسكته إديته قلمين، نسيتُه نفْسُه
د.يحيى: قدّها وقدود، كان عندك كام سنة ساعتها
ياسين: كان برضه فى سنة 6 أو فى سنة 5، جه كان ماشى فى ممر كده فى شارعنا
د.يحيى: وكان جسمك مليان وشديد كده ساعتها أوى زى دلوقتى
ياسين: لأه
د.يحيى: إمال ازاى قدرت عليه؟
ياسين: غـِلّ بقى، أنا فيا نوع من الغل شوية
د.يحيى: عندك حق
ياسين: لما بيكون فيه حد بيضايقنى ماباعرفش أمسكه ولاّ ماعرفش أجيبه
د.يحيى: عندك حق
ياسين: باحطّ فى نفسى
د.يحيى: عندك حق، بس إنت قلت حاجه كده قبل ده، قبل حكاية إنك مسكت الواد ده وإديته قلمين نسيته نفسه
ياسين: بقى يشوفنى يخاف منى
د.يحيى: قلت إنك إنت لما ما تقدرش تعمل كده تريح بقى وتنبسط وخلاص، أنا فاكر حاجة كده
ياسين: ما هو مش كله بقى يعنى
د.يحيى: إنت قلت ألفاظ معينة مهمة بس أنا مش حافظها دلوقتى، أظن إنك بتنسى وتريّح لما تلاقى نفسك مش قادر
ياسين: آه، بس أحط فى دماغى
د.يحيى: جوه جوه ؟
ياسين: آه
د.يحيى: تروح نايم وحلمان بالطيران برضه؟ ولاّ الطيران بس فى الكورة ؟
ياسين: لأه باحط فى دماغى ما أحلمش بيه، ومرة كنت قبل كده كنت لابس جزمه طبية
د.يحيى: برضه فى سنة 5 ابتدائى؟
ياسين: لأه فى سنة أولى إعدادى مدرسة أبو بكر الصديق
د.يحيى: ماشى
ياسين: الواد ده كان بيعايب عليا، وأنا كنت لابس الجهاز وكان يقعد يناقر فيّا، ويعايب عليّا، قلت سيبه، فى يوم من الأيام حاجيبه، مرة ماشى شفته، اتداريت وخليته ماشى بالعجلة رحت مكعبله، وإصطدته بقى فى حته مقطوعه كلها زراعة اللى جنب مساكن الجامعة، ماسيبتهوش، وافتريت فيه.
د.يحيى: كان عنده كام سنة ؟
ياسين: كان من دورى، كان ساعتها فى أولى إعدادى أخذنا سنة 6 وطلعنا أولى إعدادى.
د.يحيى: هو قليل الأدب؟
ياسين: لأ، هو مش قليل الأدب
د.يحيى: يعنى إيه “يا اعرج” دي، هو إنت اللى عرّجت نفسك
ياسين: لأه مش أنا، ربنا سبحانه وتعالى، بس إيه ممكن يجمعنا كلنا سُلام بس بيميز علشان الواحد يشوف إيه، يشوف السليم والمعوق، ويحمد ربنا على كده
د.يحيى: تصور الدكاترة دول يمكن مش فاهمين الحكايه دى، إزاى يجمعنا كلنا سُلام ؟
ياسين: يعنى مثلاً ممكن ربنا سبحانه وتعالى يجمعنا سُلام
د.يحيى: يجمعنا سُلام ولا يجعلنا سُلام؟
ياسين: يجعلنا سُلام
د.يحيى: أنا آسف، عشان ودانى، يجعلنا سُلام، إمال إيه اللى حصل؟
ياسين: آه علشان الواحد يشوف الحلو والوحش
د.يحيى: إنت واد جدع، طول عمرك جدع، سيبك انتَ
ياسين: الله يخليك
د.يحيى: إمال إيه بقى اللى جرى، خِيبتْ كده ليه
ياسين: مش عارف، أنا خيبت لما أمى اتوفت، ماباقيتش مجمّع أى حاجه خالص لدرجة إنى ممكن أقول كلام وحش على نفسى، والناس تعلق عليّا .
د.يحيى: يبقى كده بقى علاقتك بربنا مهزوزه شوية، لامؤاخذه يعنى، ماتزعلش منى
ياسين: لأه مافيش حاجه
د.يحيى: يعنى ربنا موجود واسترد وديعته، مش نسلم أحسن
ياسين: حضرتك عاوز تقول إيه ؟
د.يحيى: عاوز اقول إن ربنا موجود واسترد وديعته، حاقول إيه أكتر من كده
ياسين: آه،… يعنى إيه استرد وديعته ؟
د.يحيى: يعنى إحنا ودايع، هو اللى جابنا وهو اللى يأخذنا، مش إحنا ملكُه، وقت لما يقرر ياخذنا ياخدنا، حانقول له بتعمل كده ليه ؟
ياسين: لأه
د.يحيى: طيب يا اخى إمال إيه ؟
ياسين: اصل والدتى كانت حنونه مش قادر اقولك قد إيه…….(حكى حكاية طويلة نسبيا كيف أنه حين نزف دما فى مستشفى الصدر، وضعت أمه يدها على صدره فتوقف الدم)
د.يحيى: والنبى الله يخليك أنا خايف أكمل معاك يا ياسين تتألم أكتر من كده
ياسين: عادى
د.يحيى: إحنا اتكلمنا فى الكورة والعيال، والتفويت، والصعبانية، والانتقام والحاجات دى مش كده، دى المنطقة الأولانية، وقلت لك إنها مؤلمة، وفعلا طلعت مؤلمة، المنطقه التانية بقى اللى هى مؤلمة يمكن أكتر، هى اللى كنت حاتبتدى انت بيها، حكاية البنت الحلوه الصغيرة اللى انت كنت خاطبها وبعدين سبتها، وهى اتجوزت بعد شهرين ما انت سيبتها
ياسين: بنت مين ؟
د.يحيى: الخطيبة الأولانية
ياسين: آه، دى إتجوزت خلاص
د.يحيى: هى اتجوزت الواد اللى كانت بتكلمه قدام الدكان، ولا اتجوزت واحد تانى
ياسين: دكان إيه ؟
د.يحيى: إستنى بس، إنت قعدت خاطبها كام سنة
ياسين: مش كام سنة، مفيش أشهر
د.يحيى: كام شهر؟
ياسين: يعنى بتاع ثلاث شهور ولا شهرين، حاجه كده
د.يحيى: هوا صحيح انت سيبتهاعلشان فرق السن
ياسين: علشان فرق السن
د.يحيى: إنت مصدق نفسك؟
ياسين: أنا ماعرفتش فرق السن إلا بعد ماسيبتها، وندمت
د.يحيى: ماعرفتش فرق السن إلا بعد ماسيبتها!! يبقى سيبتها علشان سبب تانى
ياسين: هو حكاية السن ماكانش السبب قوى يعنى
د.يحيى: إمال سيبتها ليه؟ علشان كلمت الواد ده وضحكت معاه
ياسين: كانت رايحة تشترى حاجه من البقال وبعدين سمعت انا صوت عالى، بابص على الصوت العالى لاقيتها هى
د.يحيى: ما هى لازم تكلمه بصوت عالى يا أخى، إمال يعنى حاتوشوشه ؟ الله !!
ياسين: لأه، دى كانت بتضحك وهى بتكلمه
د.يحيى: يعنى انت عايزها تعيط ؟
ياسين: لا الضحك كان عالى
د.يحيى: إزاى يعنى؟
ياسين: الساعه 12 بالليل واحده تضحك بصوت عالى، خطيبتك تضحك مع البقال وتلتفت على مين الى بيضحك بصوت عالى، تلاقيها هى !!
د.يحيى: يمكن بتضحك بصوت عالى علشان يديها شوية زيتون زياده
ياسين: لأه لأه معنديش أنا كده
د.يحيى: يا راجل البنت دى كانت بتحبك، وانت اللى قايل كده بعضمة لسانك
ياسين: هى كانت بتحبنى آه، بس أنا لما لقيت الوضع كده صرفت نظر
د.يحيى: اقول لك على حاجة يا ياسين وصلتنى من كلامك كده وماتزعلش
ياسين: آه
د.يحيى: هى كانت بتحبك أكتر ما كنت انت بتحبها
ياسين: هى فعلاً كانت بتحبنى أكتر
د.يحيى: عرفت منين؟ إنت عرفت منين؟
ياسين: هى اللى كانت بتقول لى
د.يحيى: طيب بتكذّبها ليه؟ هى حاتكذب عليك ليه؟ إوعى تكون فاكر إنها كانت بتحبك صُعبانية، أنا حاسس إنه كان حب بحق وحقيقى
ياسين: ما أنا بقول لك كانت بتحبنى
د.يحيى: إنت فاكر، أنا قلت لك حانقول كلام يمكن يوجع
ياسين: حصل
د.يحيى: يا ياسين يابنى، إنت كده حمار يا ياسين، الحب من النوع ده نادر، دا نعمة ربنا
ياسين: نعمة ربنا !!! خلاص ما دام إنت شايف كده
د.يحيى: يا راجل انت غـلـّبت الشك على النعمة، حرام عليك فى حق نفسك، معلشى حصل خير، بس نتعلم، ده قسمه ونصيب
ياسين: آه قسمة ونصيب
د.يحيى: بس نتعلم وتفتكر إنها كانت بتحبك، وتدعيلها
ياسين: هى كانت بتقول إنها كانت بتحبنى آه
د.يحيى: إيه اللى “بتقول” !! هى كانت بتحبك فعلا، هى حاتكذب ليه يعنى!؟
ياسين: ماشى، مش حاتكذب، بس ما هو كل واحد راح لحاله
د.يحيى: إنت عارف إنت سيبتها ليه؟ حاقولك كلمة صعبة بس هى علم بقى، ما انا دكتور وبتجيلى أفكار عشان نفهم سوا، يمكن صح
ياسين: آه
د.يحيى: إنت سبتها علشان كانت بتحبك، خفت من الحب ده
ياسين: لأه
د.يحيى: ما أنا عارف إنه لأه، عارف إنك حاتقول لأه، بس فوِّتها، فوت لى شويه، بس خلى بالك أنا مابافوِّتلكش، والله واخد كل كلمة جد، تاخد انت برضه كلامى، يمكن، هوه ينفع إن واحد يسيب حد علشان الحد ده بيحبه؟، مش ملاحظ إن الكلام ده كلام زى ما يكون بالشقلوب؟
ياسين: أنا قلت لحضرتك أنا لما شفتها بتتكلم مع البقال صرفت نظر
د.يحيى: واحده بتحبك، وطيّبه، وصغيرة، وحلوة، وعاوزاك، الدنيا اتهدّت لما كلمت البقال؟
ياسين: الساعه 12 بالليل وتضحك ؟!
د.يحيى: الساعه 12 بالليل، إيه يعنى ماهى بتضحك قدام الناس كلها، مش أحسن ماتكون كذابه ومنافقه
ياسين: ماعنديش أنا كده
د.يحيى: طيب إشبع باللى عندك
ياسين: لما ربنا يأذن
د.يحيى: حايأذن إزاى من غير ماتفتـَّح مخك وقلبك وتتعلم من اللى فات
ياسين: ما أنا اتعلمت
د.يحيى: إتعلمت إيه يا شيخ؟ دا الظاهر إنك اتعملت إنك تشك أكتر وتسيب التانيه بعد إسبوعين. مش ده اللى حصل؟
ياسين: التانية حاجة تانية، أنا سبتها من الأول، من غير حاجة، قوام قوام.
د.يحيى: أديك استسهلت تسيب وتعيش ناشف لحد ماتنكسر، وما يلمكشى غير بطن أمك، وبعدين تسيبك، تتفركش.
ياسين: ما هو كل حاجه بتاعة ربنا
د.يحيى: يا راجل حرام عليك كده تلزق فى ربنا الحاجات اللى ” مش هيا”، ربنا خلقنا علشان نعيش مع بعضينا ياشيخ
ياسين: … أنا لما حاشوف بنات عشان اخطب تانى، حاشرّط ماتطلعش بره الشارع
د.يحيى: يابن الحلال خليها فى سرك، خلى الطريق مستور، ماتطلعش بره الشارع إيه وبتاع إيه، دى إهانة، ما انت عارف، مش التانية كانت منقبة، يا راجل خليها فى سرك
ياسين: يعنى
د.يحيى: المهم، أهى البنية الأولانية اتجوزت، وادى احنا زى ما انت شايف، أنا عارف أنا عمال أقلب فى مواجع وخايف عليك، لكن قول لى، هو فيه حد حبك غيرها، غير أمك؟ فيه حد غير دول؟
ياسين: لأه
د.يحيى: أنا مش قصدى ستات بس، أنا قصدى حد ستات أو رجاله
ياسين: واحد صاحبى
د.يحيى: واحد صاحبك !، طيب، فين هو دلوقتى
ياسين: كان شغال فى دار للأيتام
د.يحيى: لسه صاحبك
ياسين: آه، ما هو إتجوز
د.يحيى: ولما إتجوز لسه بيحبك زى زمان؟ زى قبل ما يتجوز ؟
ياسين: ده أصله مش صاحب، ده أخ
د.يحيى: ما أنا عارف، بس برضه باسأل: لسه بيحبك زى قبل ما يتجوز
ياسين: إحنا الإثنين يعنى، قصدى يعنى، بنستريح لبعض يعنى فى الأسرار
د.يحيى: بصراحة عندك حق، هو ده من علامات الحب والصحوبية برضه
ياسين: كل واحد عنده صاحب بيحكى له على سره
د.يحيى: صح، إيه السر بقى اللى ماقلتهوش للدكتور عدلى وقولته لصاحبك، أنا بيتهيألى فيه سر إنت ماقولتهوش للدكتور عدلى وقلته لصاحبك
ياسين: لأه
د.يحيى: ياراجل ؟!!
ياسين: سر إيه ؟
د.يحيى: والله ماعرف، أهوه كلام….
مش عاوز تسالنى فى حاجه أنا يا ياسين، فى حالتك، أو فى غير حالتك إسألنى فى أى حاجة
ياسين: أنا مش عارف حالتى إيه الصراحة
د.يحيى: عندك حالة نفسية، حاتفرق إيه لما تعرف إسمها، المهم ربنا موجود، وانت واد جدع، واتكسرتْ، بس حاتقوم بالسلامة، بفضل ربنا والعلم والجدعنه بتاعتك، والجدعنة اللى حانحاولها سوا سوا، ينفع؟
ياسين: هوا إيه اللى ينفع ؟
د.يحيى: اللى أنا قلته؟
ياسين: أنا بقولك يادكتور أنا عصبى لدرجة باقول حاجات وحشه على نفسى والناس علقت عليها من ساعة ما أمى اتوفت مابقتش انا، بقيت عامل زى التايه
د.يحيى: تايه؟ ولا يتيم؟ ولا وحيد؟ إنت بتقول شعرت بالوحده، هى الوحدة توهان
ياسين: هى وحده، وتوهان، فى نفس الوقت
د.يحيى: إوصف لنا التوهان شويه، الوحده يمكن عارفينها، إنما التوهان أشكال وألوان
ياسين: يعنى مابقتش مركِّز فى حاجه، بقيت أحس إنى أنا تايه توهان
د.يحيى: يعنى إيه توهان الكلمة دى كبيره شوية
ياسين: ماعرفشى، أهو توهان بقى..، مش مركز فى حاجة
د.يحيى: يعنى إيه
ياسين: ماعرفشى قبل كده قمت من النوم وقمت طلعت فوق لجارى وقلت له عايز محمد، عايز ابراهيم، وما كانشى قصدى.
د.يحيى: محمد وإبراهيم دول مين؟ جيرانك؟
………
ياسين: أنا باتمنى من ربنا إنه هو يأخذنى
د.يحيى: لأه بلاش
ياسين: علشان أستريح
د.يحيى: لأه بلاش
ياسين: والله العظيم
د.يحيى: لأه بلاش، أديك طول ما انت عايش يابتستغفر، يا تزوّد حسناتك، خليك قاعد لحد سبحانه وتعالى ما يعملها بمعرفته
ياسين: أنا زهقت من الدنيا خالص
د.يحيى: ما تقولشى الكلام ده، الكلام ده حرام
ياسين: والله العظيم
د.يحيى: (ينظر فى ورق المشاهده الشيت”):طيب نيجى بقى للأصوات اللى إبتديت بيها. إنت بتقول إنك بتشوف: “واحد راجل يقعد يضحك وباشوف راجل لابس أبيض فى أبيض يجى وأنا داخل فى النوم وبعدين ساعات أشوف راجل تانى يقعد يضحك برضه وانا داخل فى النوم، يعنى باشوفه فى ثوانى وبابقى عاوز أزقه”
مش انت اللى قايل الكلام ده للدكتور عدلى ؟
ياسين: آه
* * * *
ثانياً: المتن مع الهوامش:
| د.يحيى: هما منطقتين اللى شاغلنّى جامد فى اللى سمعته عنك من الدكتور عدلى ياسين: ماشى عادىد.يحيى: الأولانية: لما حاولت تلعب مع العيال الكورة فى الشارع وإنت عندك 5 أو 6 أو 7 سنين والمنطقة التانية حكاية البِنيّة اللى انت شكّيت إنها كلمت جارهم البقال، قصدى الخطيبة الأولانية، فالمنطقتين دول حسيت انهم بيوجعوا قوى، وماخدوش حقهم شويتين.ياسين: أنا أساساً…. (يسكت، لا يكمل…)د.يحيى: لأه، واحدة واحدة، حانمسك مين فيهم الأول ؟
ياسين: البنت. د.يحيى: ليه مانمسكش الكورة والعيال الأول، مش دى كانت قبل دى، كنت أصغر، مش كده؟. ياسين: آه. د.يحيى: آه إيه؟. ياسين: ماشى، بس أنا حاكيلك حاجة حاجة. د.يحيى: طيب ما الحاجة الأوّلانية أوّلانية، والتانية تانية ياسين: حكاية الكورة ديه لما كنت باحط فى دماغى إنى أنا أجرى زى العيال كنت أحب أجرى زيهم وألعب كورة وكده،… ساعتها على طول تانى يوم أحلم بحلم إنى أنا بطير
د.يحيى: إنك بتطير؟! ياسين: آه يعنى أمسك حاجة كده، اعملها كده وكده، (يشير بيديه وكأنه يقود) أحس إنى أنا بطير، وباجرى د.يحيى: ياخبر !!، ربنا يخليك يابْنى ياسين: آه د.يحيى: إزاى إنت فاكر الحلم بالوضوح ده ياحبيبى! ياسين: وافرحْ د.يحيى: وتفرحْ!
ياسين: وأفرح واحس إن وانا باقوم من النوم باحس إنى أنا مافيش حاجة.
د.يحيى: كان عندك كام سنة ياسين: يعنى وأنا فى سنة خامسة أو ساتّه د.يحيى: ياااااه يعنى عشرة احداشر سنة؟
ياسين: آه ولحد وقتنا هذا، يعنى من قيمة سنتين كنت باحلم الحلم ده، يعنى كنت باحلم إنى عاوز أجرى ألعب كورة .
د.يحيى: تصور يا ياسين يا ابنى إن ساعات النفساويين يشوفوا فى أحلام الطيران دى كلام أباحه، الظاهر ماخدوش بالهم إن فيه ناس بيلعبوا كورة ورجليهم واجعاهم ياسين: … بس إيه، فى نفس الوقت بيصعب عليا وأنا بازُكّ، يعنى إيه مابرضاش ألعب كورة علشان إيه مافيش حد يضحك عليا.
د.يحيى: ما بترضاش، بس بتبقى عايز، مش كده؟ طب ده فى سن عشر سنين وانت فى سنة خامسة تقريبا، طيب ولما كنا فى ثالثه كان نفس الحكاية العيال يلعبوا، وانت تتفرج عليهم من بعيد…. ؟؟؟ ياسين: أنا كان صحابى بيلعبوا كورة فى الوقت ده، فى أى وقت كنت باحب أجرى زييهم.
د.يحيى: ماكنتش بتقف جون مثلاً.
ياسين: كنت اقف جون وكنت ماباعرفش أدافع بالكورة كنت باحطّ فى نفسى، وتانى يوم كنت باحلم إنى باجرى وأقوم من النوم على أساس إن مفيش حاجة.
د.يحيى: فيه حاجة حصلت لى وانا صغير أنا شخصياً زى كده بس ما كانتشى رجلى واجعانى، ما كنتش باعرف ألعب فكانوا ينسونى فى التقسيمة، ويقولوا روح مع أى فريق زى ما انت عاوز، أقوم أحط نفسى مع أى فريق، واقعد أجرى جنب الخط، ولا حدشى منهم ياخد باله منى، ومالمسشى الكورة مع الفريق ده طول الهافتايم، أقوم أروح مع الفريق التانى،حتى من غير ما اقول لهم، وبرضه ما حدش يباصى لى طول الهافتايم التانى.
ياسين: مش شرط د.يحيى: شرط إيه ياراجل ده الواحد بيتوجع وجع جامد ياشيخ حرام عليك. ياسين: مش شرط الكورة يعنى، واحد ضايقنى وعارف نقطة ضعفى إيه إنى أنا مش حاعرف أجرى د.يحيى: آه ياسين: ماشى، بس لو أنا مسكته وانا واقف حاعـَـفْرتـُه د.يحيى: (يشير إلى عضلاته) باين كده ياسين: حافشّ غِـلّى فيه، آه، ماهو أصله عارف نقطة ضعفى وبيضايقنى وبيجرى، فالحتة دي بتحزّ فيّـا أوى د.يحيى: إنت بتشوف الميكى ماوس ساعات فى التلفزيون ياسين: آه د.يحيى: وبتشوف القط والفأر بيعملوا إيه
ياسين: إنت فاهم كلامى؟
د.يحيى: آه فاهم، وحاسس كمان ياسين: أيوه د.يحيى: … حاجة صعبة يا ياسين يابنى، تقوم إنت تعمل إيه بقى لما يحصل كده لما حد منهم يغيظك ويضايقك ويجرى، علشان عارف إنك إنت مش حاتحصله، تقوم إنت تعمل إيه بقى؟ ياسين: باستنّاه، بادّيله إنى أنا مافيش حاجه من ناحيتى خالص د.يحيى: هل بتروح لاغى بقى الغضب ياسين: يعنى ….، لمّا ما اقدرشى، أقوم ساعتها انسى وانبسط وخلاص، وأبتدى أعامله بحنـّيه، بس لو مسكته ماسيبهوش، يعنى مرة كان فيه واحد قبل كده إيه، قال لى “يا اعرج” وعرف نقطة ضعفى وجرى، أنا سيبته يجرى مطرح مايجرى، بس حسيت إن هو إيه حايجرى فى حته معينة وحايمشى عادى، وفعلاً مشى ببطء، بعد كده رحت مسكته إديته قلمين، نسيتُه نفْسُه د.يحيى: قدّها وقدود، كان عندك كام سنة ساعتها ياسين: كان برضه فى سنة 6 أو فى سنة 5، جه كان ماشى فى ممر كده فى شارعنا د.يحيى: وكان جسمك مليان وشديد كده ساعتها أوى زى دلوقتى ياسين: لأه د.يحيى: إمال ازاى قدرت عليه؟ ياسين: غـِلّ بقى، أنا فيا نوع من الغل شوية د.يحيى: عندك حق ياسين: لما بيكون فيه حد بيضايقنى ماباعرفش أمسكه ولاّ ماعرفش أجيبه د.يحيى: عندك حق ياسين: باحطّ فى نفسى د.يحيى: عندك حق، بس إنت قلت حاجه كده قبل ده، قبل حكاية إنك مسكت الواد ده وإديته قلمين نسيته نفسه ياسين: بقى يشوفنى يخاف منى د.يحيى: قلت إنك إنت لما ما تقدرش تعمل كده تريح بقى وتنبسط وخلاص، أنا فاكر حاجة كده ياسين: ما هو مش كله بقى يعنى د.يحيى: إنت قلت ألفاظ معينة مهمة بس أنا مش حافظها دلوقتى، أظن إنك بتنسى وتريّح لما تلاقى نفسك مش قادر ياسين: آه، بس أحط فى دماغى د.يحيى: جوه جوه ؟ ياسين: آه د.يحيى: تروح نايم وحلمان بالطيران برضه؟ ولاّ الطيران بس فى الكورة ؟ ياسين: لأه باحط فى دماغى ما أحلمش بيه، ومرة كنت قبل كده كنت لابس جزمه طبية د.يحيى: برضه فى سنة 5 ابتدائى؟ ياسين: لأه فى سنة أولى إعدادى مدرسة أبو بكر الصديق د.يحيى: ماشى ياسين: الواد ده كان بيعايب عليا، وأنا كنت لابس الجهاز وكان يقعد يناقر فيّا، ويعايب عليّا، قلت سيبه، فى يوم من الأيام حاجيبه، مرة ماشى شفته، اتداريت وخليته ماشى بالعجلة رحت مكعبله، وإصطدته بقى فى حته مقطوعه كلها زراعة اللى جنب مساكن الجامعة، ماسيبتهوش، وافتريت فيه.
د.يحيى: كان عنده كام سنة ؟ ياسين: كان من دورى، كان ساعتها فى أولى إعدادى أخذنا سنة 6 وطلعنا أولى إعدادى. د.يحيى: هو قليل الأدب؟ ياسين: لأ، هو مش قليل الأدب د.يحيى: يعنى إيه “يا اعرج” دي، هو إنت اللى عرّجت نفسك ياسين: لأه مش أنا، ربنا سبحانه وتعالى، بس إيه ممكن يجمعنا كلنا سُلام بس بيميز علشان الواحد يشوف إيه، يشوف السليم والمعوق، ويحمد ربنا على كده د.يحيى: تصور الدكاترة دول يمكن مش فاهمين الحكايه دى، إزاى يجمعنا كلنا سُلام ؟ ياسين: يعنى مثلاً ممكن ربنا سبحانه وتعالى يجمعنا سُلام د.يحيى: يجمعنا سُلام ولا يجعلنا سُلام؟ ياسين: يجعلنا سُلام د.يحيى: أنا آسف، عشان ودانى، يجعلنا سُلام، إمال إيه اللى حصل؟ ياسين: آه علشان الواحد يشوف الحلو والوحش د.يحيى: إنت واد جدع، طول عمرك جدع، سيبك انتَ ياسين: الله يخليك د.يحيى: إمال إيه بقى اللى جرى، خيبت كده ليه
ياسين: مش عارف، أنا خيبت لما أمى اتوفت، ماباقيتش مجمّع أى حاجه خالص لدرجة إنى ممكن أقول كلام وحش على نفسى، والناس تعلق عليّا .
د.يحيى: يبقى كده بقى علاقتك بربنا مهزوزه شوية، لامؤاخذه يعنى، ماتزعلش منى ياسين: لأه مافيش حاجه د.يحيى: يعنى ربنا موجود واسترد وديعته، مش نسلم أحسن ياسين: حضرتك عاوز تقول إيه ؟ د.يحيى: عاوز اقول إن ربنا موجود واسترد وديعته، حاقول إيه أكتر من كده ياسين: آه،… يعنى إيه استرد وديعته ؟ د.يحيى: يعنى إحنا ودايع، هو اللى جابنا وهو اللى يأخذنا، مش إحنا ملكُه، وقت لما يقرر ياخذنا ياخدنا، حانقول له بتعمل كده ليه ؟ ياسين: لأه د.يحيى: طيب يا اخى إمال إيه ؟ ياسين: اصل والدتى كانت حنونه مش قادر اقولك قد إيه…….(حكى حكاية طويلة نسبيا كيف أنه حين نزف دما فى مستشفى الصدر، وضعت أمه يدها على صدره فتوقف الدم) د.يحيى: والنبى الله يخليك أنا خايف أكمل معاك يا ياسين تتألم أكتر من كده ياسين: عادى د.يحيى: إحنا اتكلمنا فى الكورة والعيال، والتفويت، والصعبانية، والانتقام والحاجات دى مش كده، دى المنطقة الأولانية، وقلت لك إنها مؤلمة، وفعلا طلعت مؤلمة، المنطقه التانية بقى اللى هى مؤلمة يمكن أكتر، هى اللى كنت حاتبتدى انت بيها، حكاية البنت الحلوه الصغيرة اللى انت كنت خاطبها وبعدين سبتها، وهى اتجوزت بعد شهرين ما انت سيبتها ياسين: بنت مين ؟ د.يحيى: الخطيبه الأولانيه ياسين: آه، دى إتجوزت خلاص د.يحيى: هى اتجوزت الواد اللى كانت بتكلمه قدام الدكان، ولا اتجوزت واحد تانى
ياسين: دكان إيه ؟
د.يحيى: إستنى بس، إنت قعدت خاطبها كام سنة ياسين: مش كام سنة، مفيش أشهر د.يحيى: كام شهر؟ ياسين: يعنى بتاع ثلاث شهور ولا شهرين، حاجه كده د.يحيى: هوا صحيح انت سيبتهاعلشان فرق السن ياسين: علشان فرق السن د.يحيى: إنت مصدق نفسك؟ ياسين: أنا ماعرفتش فرق السن إلا بعد ماسيبتها، وندمت د.يحيى: ماعرفتش فرق السن إلا بعد ماسيبتها!! يبقى سيبتها علشان سبب تانى ياسين: هو حكاية السن ماكانش السبب قوى يعنى د.يحيى: إمال سيبتها ليه؟ علشان كلمت الواد ده وضحكت معاه ياسين: كانت رايحة تشترى حاجه من البقال وبعدين سمعت انا صوت عالى، بابص على الصوت العالى لاقيتها هى د.يحيى: ما هى لازم تكلمه بصوت عالى يا أخى، إمال يعنى حاتوشوشه ؟ الله !! ياسين: لأه، دى كانت بتضحك وهى بتكلمه د.يحيى: يعنى انت عايزها تعيط ؟ ياسين: لا الضحك كان عالى د.يحيى: إزاى يعنى؟ ياسين: الساعه 12 بالليل واحده تضحك بصوت عالى، خطيبتك تضحك مع البقال وتلتفت على مين الى بيضحك بصوت عالى، تلاقيها هى !! د.يحيى: يمكن بتضحك بصوت عالى علشان يديها شوية زيتون زياده ياسين: لأه لأه معنديش أنا كده د.يحيى: يا راجل البنت دى كانت بتحبك، وانت اللى قايل كده بعضمة لسانك ياسين: هى كانت بتحبنى آه، بس أنا لما لقيت الوضع كده صرفت نظر د.يحيى: اقول لك على حاجة يا ياسين وصلتنى من كلامك كده وماتزعلش ياسين: آه د.يحيى: هى كانت بتحبك أكتر ما كنت انت بتحبها ياسين: هى فعلاً كانت بتحبنى أكتر د.يحيى: عرفت منين؟ إنت عرفت منين؟ ياسين: هى اللى كانت بتقول لى د.يحيى: طيب بتكذّبها ليه؟ هى حاتكذب عليك ليه؟ إوعى تكون فاكر إنها كانت بتحبك صُعبانية، أنا حاسس إنه كان حب بحق وحقيقى ياسين: ما أنا بقول لك كانت بتحبنى د.يحيى: إنت فاكر، أنا قلت لك حانقول كلام يمكن يوجع ياسين: حصل د.يحيى: يا ياسين يابنى، إنت كده حمار يا ياسين، الحب من النوع ده نادر، دا نعمة ربنا ياسين: نعمة ربنا !!! خلاص ما دام إنت شايف كده د.يحيى: يا راجل انت غـلـّبت الشك على النعمة، حرام عليك فى حق نفسك، معلشى حصل خير، بس نتعلم، ده قسمه ونصيب ياسين: آه قسمة ونصيب د.يحيى: بس نتعلم وتفتكر إنها كانت بتحبك، وتدعيلها
ياسين: هى كانت بتقول إنها كانت بتحبنى آه
د.يحيى: إيه اللى “بتقول” !! هى كانت بتحبك فعلا، هى حاتكذب ليه يعنى!؟ ياسين: ماشى، مش حاتكذب، بس ما هو كل واحد راح لحاله د.يحيى: إنت عارف إنت سيبتها ليه؟ حاقولك كلمة صعبة بس هى علم بقى، ما انا دكتور وبتجيلى أفكار عشان نفهم سوا، يمكن صح
ياسين: آه
د.يحيى: إنت سبتها علشان كانت بتحبك، خفت من الحب ده ياسين: لأه د.يحيى: ما أنا عارف إنه لأه، عارف إنك حاتقول لأه، بس فوِّتها، فوت لى شويه، بس خلى بالك أنا مابافوِّتلكش، والله واخد كل كلمة جد، تاخد انت برضه كلامى، يمكن، هوه ينفع إن واحد يسيب حد علشان الحد ده بيحبه؟، مش ملاحظ إن الكلام ده كلام زى ما يكون بالشقلوب؟ ياسين: أنا قلت لحضرتك أنا لما شفتها بتتكلم مع البقال صرفت نظر د.يحيى: واحده بتحبك، وطيّبه، وصغيرة، وحلوة، وعاوزاك، الدنيا اتهدّت لما كلمت البقال؟ ياسين: الساعه 12 بالليل وتضحك ؟! د.يحيى: الساعه 12 بالليل، إيه يعنى ماهى بتضحك قدام الناس كلها، مش أحسن ماتكون كذابه ومنافقه ياسين: ماعنديش أنا كده
د.يحيى: طيب إشبع باللى عندك
ياسين: لما ربنا يأذن د.يحيى: حايأذن إزاى من غير ماتفتـَّح مخك وقلبك وتتعلم من اللى فات ياسين: ما أنا اتعلمت د.يحيى: إتعلمت إيه يا شيخ؟ دا الظاهر إنك اتعملت إنك تشك أكتر وتسيب التانيه بعد إسبوعين. مش ده اللى حصل؟
ياسين: التانية حاجة تانية، أنا سبتها من الأول، من غير حاجة، قوام قوام.
د.يحيى: أديك استسهلت تسيب وتعيش ناشف لحد ماتنكسر، وما يلمكشى غير بطن أمك، وبعدين تسيبك تتفركش. ياسين: ما هو كل حاجه بتاعة ربنا د.يحيى: يا راجل حرام عليك كده تلزق فى ربنا الحاجات اللى ” مش هيا”، ربنا خلقنا علشان نعيش مع بعضينا ياشيخ ياسين: … أنا لما حاشوف بنات عشان اخطب تانى، حاشرّط ماتطلعش بره الشارع د.يحيى: يابن الحلال خليها فى سرك، خلى الطريق مستور، ماتطلعش بره الشارع إيه وبتاع إيه، دى إهانة، ما انت عارف، مش التانية كانت منقبة، يا راجل خليها فى سرك ياسين: يعنى د.يحيى: المهم، أهى البنية الأولانية اتجوزت، وادى احنا زى ما انت شايف، أنا عارف أنا عمال أقلب فى مواجع وخايف عليك، لكن قول لى، هو فيه حد حبك غيرها، غير أمك؟ فيه حد غير دول؟ ياسين: لأه د.يحيى: أنا مش قصدى ستات بس، أنا قصدى حد ستات أو رجاله ياسين: واحد صاحبى د.يحيى: واحد صاحبك !، طيب، فين هو دلوقتى ياسين: كان شغال فى دار للأيتام د.يحيى: لسه صاحبك ياسين: آه، ما هو إتجوز د.يحيى: ولما إتجوز لسه بيحبك زى زمان؟ زى قبل ما يتجوز ؟ ياسين: ده أصله مش صاحب، ده أخ د.يحيى: ما أنا عارف، بس برضه باسأل: لسه بيحبك زى قبل ما يتجوز ياسين: إحنا الإثنين يعنى، قصدى يعنى، بنستريح لبعض يعنى فى الأسرار د.يحيى: بصراحة عندك حق، هو ده من علامات الحب والصحوبية برضه ياسين: كل واحد عنده صاحب بيحكى له على سره د.يحيى: صح، إيه السر بقى اللى ماقلتهوش للدكتور عدلى وقولته لصاحبك، أنا بيتهيألى فيه سر إنت ماقولتهوش للدكتور عدلى وقلته لصاحبك ياسين: لأه د.يحيى: ياراجل ؟!! ياسين: سر إيه ؟
د.يحيى: والله ماعرف، أهوه كلام…. مش عاوز تسالنى فى حاجه أنا يا ياسين، فى حالتك، أو فى غير حالتك إسألنى فى أى حاجة
ياسين: أنا مش عارف حالتى إيه الصراحة
د.يحيى: عندك حالة نفسية، حاتفرق إيه لما تعرف إسمها، المهم ربنا موجود، وانت واد جدع، واتكسرتْ، بس حاتقوم بالسلامة، بفضل ربنا والعلم والجدعنه بتاعتك، والجدعنة اللى حانحاولها سوا سوا، ينفع؟
ياسين: هوا إيه اللى ينفع ؟ د.يحيى: اللى أنا قلته؟ ياسين: أنا بقولك يادكتور أنا عصبى لدرجة باقول حاجات وحشه على نفسى والناس علقت عليها من ساعة ما أمى اتوفت مابقتش انا، بقيت عامل زى التايه د.يحيى: تايه؟ ولا يتيم؟ ولا وحيد؟ إنت بتقول شعرت بالوحده، هى الوحدة توهان
ياسين: هى وحده، وتوهان، فى نفس الوقت
د.يحيى: إوصف لنا التوهان شويه، الوحده يمكن عارفينها، إنما التوهان أشكال وألوان ياسين: يعنى مابقتش مركِّز فى حاجه، بقيت أحس إنى أنا تايه توهان د.يحيى: يعنى إيه توهان الكلمة دى كبيره شوية ياسين: ماعرفشى، أهو توهان بقى..، مش مركز فى حاجة د.يحيى: يعنى إيه
ياسين: ماعرفشى قبل كده قمت من النوم وقمت طلعت فوق لجارى وقلت له عايز محمد، عايز ابراهيم، وما كانشى قصدى.
د.يحيى: محمد وإبراهيم دول مين؟ جيرانك ؟ ……… ياسين: أنا باتمنى من ربنا إنه هو يأخذنى د.يحيى: لأه بلاش ياسين: علشان أستريح د.يحيى: لأه بلاش ياسين: والله العظيم د.يحيى: لأه بلاش، أديك طول ما انت عايش يابتستغفر، يا تزوّد حسناتك، خليك قاعد لحد سبحانه وتعالى ما يعملها بمعرفته
ياسين: أنا زهقت من الدنيا خالص.
د.يحيى: ما تقولشى الكلام ده، الكلام ده حرام ياسين: والله العظيم د.يحيى: (ينظر فى ورق المشاهده الشيت”):طيب نيجى بقى للأصوات اللى إبتديت بيها. إنت بتقول إنك بتشوف: “واحد راجل يقعد يضحك وباشوف راجل لابس أبيض فى أبيض يجى وأنا داخل فى النوم وبعدين ساعات أشوف راجل تانى يقعد يضحك برضه وانا داخل فى النوم، يعنى باشوفه فى ثوانى وبابقى عاوز أزقه” مش انت اللى قايل الكلام ده للدكتور عدلى ؟ ياسين: آه |
تفضيل ياسين أن يبدأ بالحكى عن فسخ الخطبة قد يدل على أن خبرة الإعاقة طفلا هى أكثر قسوة وإيلاما، فهو الذى فسخ الخطبة، أما الخبرة الأولى كما سنرى، فهم (أقرانه أو الناس) هم الذين أزاحوه جانبا، أو أشفقوا عليه “من فوق”، مما قد يشير إلى أن هذه الخلفية كانت أكثر إيلاما.
هذا الحلم التعويضى المباشر، قد يؤكد الفرض الذى ذهبنا إليه أن مستوى الحلم المحكى هو أقرب إلى التأليف (لالتزييف) الذى يتشكل بسرعة فائقة فى بضع ثوان، يجرى هذا (لكنه يحكى على زمن ممتد) بإرادة غير واعية، لكنها إرادة ما، قبيل اليقظة، (وأحيانا قبيل النوم: انظر حلقة الغد)، فيُحكى على أنه الحلم، وهو كذلك لكنه ليس كل الحلم، وليس الحلم الأساسى انظر “الايقاع الحيوى ونبض الإبداع”.
يبدو أن الحلم التعويضى، والتصحيحى، له فائدة نافعة بعض الوقت، ليس فقط بتجاوز الإعاقة بالجرى بل بالطيران (الذى يستغنى عن حركة الأطراف جميعا) أثناء الحلم، هذا بالإضافة إلى أثر التصحيح التعويضى الناجح الممتد إلى ما بعد الحلم حتى “الفرحة“.
الحلم تغير برغم أن الموضوع واحد “لعب الكرة”. حين كان طفلا كان يحلم وفى نفس الليلة تقريبا حين يعجز أن يلعب أو يرفض، كان يحلم بأحلام الطيران، لكن يبدو أنه فى سن 31 (منذ سنتين) وقد عادت الرغبة البسيطة الأولى للانطلاق فى الحلم، فهو حلم الآن، بمجرد الرغبة فى اللعب، لقد سمح لنفسه بالعوزان: يحلم بأنه “عاوز العب كورة”، بديلا عن الطيران، وكأن رغبته فى أن يلعب كرة مثله مثل أقرانه كُبتت ولم تمت حتى ظهرت إلى عهد قريب بعد ربع قرنٍ فى حلمٍ ما، فرقٌ بين أن علمه أنه “يلعب كورة”، وبين أنه “عاوز يلعب كورة؟!
التذكرة ببداية سابقة، فى سن أصغر هى أكثر إيلاما، حيث أن العجز والمقارنة يكونان أوضح وأقسى.
أعتقد أن سؤال الطبيب –أنا- سخيف هنا، والأرجح أنه تصور أن حارس المرمى يتحرك أقل، ناسيا أنه يحتاج لحركة ولمرونة واندفاعت أدق توقيتا وأسرع مبادرة، ويبدو أن هذا الخطأ فى التقدير ورد أيضا لأقران ياسين حين سمحوا له أن يشاركهم بأن يقف حارس مرمى فقاسى أكثر، كما جاء فى جوابه.
وظيفة الحلم الجديدة هنا امتدت من التعويض إلى الانكار الطيب: “إن مافيش حاجة”
لا أظن أن حكى الطبيب هنا مناسبا أو مفيدا لكنه حدث ففضلت اثباته.
وكأن المريض يعترض على تذكرة الطبيب له بالقط والفار فى التليفزيون ومتابعتهما، فمن ناحية مستوى المريض الاجتماعى الاقتصادى الثقافى لا يحضره هذا التشبيه بسهولة، ومن ناحية أخرى فإن ملاحظة ياسين بذكائه المهاجم هكذا، لا تشبه ملاحقة القط للفأر، وربما لهذا أرجع ياسين الطبيب (!!) إلى الموضوع بتساؤله “انت فاهم كلامى؟” ربما كنوع من الاعتراض والنقد!.
ربما لهذا أسميته “الفهد”.
تعبير “خِبْت ليه” يعلن موقف الطبيب من اعتبار اختيار “الحل المرضى” هزيمة بشكلٍ ما، حتى لو كان الحل التعويضى (العادى) أكثر إرهاقا وظلماً، أما اعتراف المريض الطيب بأنها “فعلاً خيبة” فهو من ناحية تأكيد لفرض “اختيار المرض”، ومن ناحية أخرى شجاعة من المريض، ودرجة طيبة من البصيرة التى قد تعينه فى العلاج”.
يبدو هنا أنه فضّل إنكار الموقف المثير للغيرة، والألم، والمتسبب فى “فسخ الخطوبة” مازال قائما (لاشعوريا غالبا).
اعتراف المريض حتى الآن (أثناء المقابلة) بصدق حب هذه الخطيبة الصغيرة (17 سنة) لم يهتز أبدا، لا بفسخ الخطوبة، ولا بزواجها بسرعة هكذا، وربما كان هذا ما دعانا إلى ترجيح فرض أنه تركها خوفا من الحب والاقتراب، جنبا إلى جنب مع إثارة الغيرة والشعور بالنقص والرعب من المنافسة.
اكتشفت أن وضع الفروض دون النظريات التفسيرية الصعبة هكذا مباشرة أمام كثير من المرضى هو أقرب السبل للتواصل، وعادة ما يقبلها المريض – ليس إيحاءاً – أكثر مما يفعل كثير من الأطباء.
ربما بدا هذا التحدى والإغاظة من الطبيب فيه بعض اللوم، لكن لعل المقصود به هو تعميق جرعة الواقع أملا فى تعلمّ باقٍ.
الخطيبة الثانية لم تمثل له موضوعاً أصلاً، والأرجح أن هناك ما يفسر قبولها به فهى تحمل “بكالوريوس” وهو لا يحمل الإعدادية، وهى منقبة وليست جميلة، ولم يصله حباً منها، وإن كانت كل من المقابلة والمشاهدة لم تتطرق إلى استقصاء ذلك بدقة.
التلويح بأن هناك ما لم يُقَل، دون الإلحاح فى البحث عنه، يوثق العلاقة مع الطبيب، لأنه يرجح احتمال قبول الأماكن المجهولة لكل من الطرفين، وهذا – فى رأيى – يتيح جرعة أصدق من السماح، وهى تصل للمريض عادة، وتنشط الحوار فى المعلوم، جنبا إلى جنب مع احترام المجهول.
مناقشة المريض فى التحذير من أن تحل اللافتة التشخيصية محل الوجود الكلى، هى مفيدة فى أغلب الأحوال.
لا يحدث مرض بهذه الجسامة والزخْم إلا فى وعى مختلف نسبيا ونوعياً عن حالة الوعى العادى، خاصة فى بداية المرض، وربما هذا هو ما جعل المريض يشعر باختلاف نوعى يسميه أحيانا “توهان” وهو أمر قد لا يرصده الفاحص، حيث لا يظهر على المريض فى صورة سلوك محدد.
هذا أقرب إلى الانشقاق Dissociation الذى تكرر لاحقاً، وهو يشير إلى تغير الوعى دون إلزام بتشخيص محدد.
“الحزن اليائس” هنا الذى يُعْلَن بالرغبة فى الموت، هو أكثر دلالة من أعلان الرغبة فى الانتحار أو محاولته.
|
(يتبع، غداً نعرض تفاصيل واضطراب الإدراك، وتداخل مستويات الوعى بين الحلم، والخيال، والهلوسة).