“نشرة” الإنسان والتطور
21-12-2008
العدد: 478
السنة الثانية
التدريب عن بعد(27)
أزمة وجود فردى؟ أم حل مشكلة اجتماعية اقتصادية؟
د.محمد ابراهيم: صباح الخير يادكتور يحيى
د.يحيى : صباح النور يا محمد
د.محمد ابراهيم: هو شاب عنده 25 سنة بيشتغل مهندس معمارى إتحجز هنا فى المستشفى قبل كده، قعد لمدة شهر ونصف تقريباً، كان تشخيصه فصام بارنوى. كانت الأعراض عند الدخول إن الأهل بيراقبوه، و كان فيه تدهور على مستوى الشغل وعلى المستوى الإجتماعى
د.يحيى : عمره خمسة وعشرين سنة ! ومتخرج إمتى ؟
د.محمد ابراهيم: متخرج من أربع سنين سنة 2002
د.يحيى :يعنى صغير وجدع، متخرج صُغيْر، ما سقطشى يعنى
د.محمد ابراهيم: آه، مااتأخرش فى الدراسة خالص، كان متفوق فى دراسته، هو مهندس شاطر، وهو قعد فى المستشفى تقريباً هنا 45 يوم وكان صعب جداً، وماكانش فيه بصيرة خالص، من أول ما دخل لحد ما خرج وهو مصمم إن أهله بيراقبوه وعاملين له حاجة مش كويسة، وبعيدن لما جه يخرج، كل اللى قدرنا عليه إن احنا اتفقنا إننا حا نركن الأفكار دى على جنب مدة كده، وننتظم فى الدوا والشغل
د.يحيى :كده تمام، إحنا مش وظيفتنا نحارب أفكار معينة، إحنا وظيفتنا نمشى المراكب الواقفة ، الله نوّر.،…..، هى دى كانت دى أول مرة يعيا فيها؟
د.محمد ابراهيم: لأ، دى تالت مرة
د.يحيى : هوا عييى أثناء الدراسة
د.محمد ابراهيم: لأ ، أثناء الدراسة لأ، المرض كله بدأ بعد ما سافر، قبل مايجى هنا كان بقاله 3 شهور مسافر بره مصر كان فى الإمارات، عيى هناك، عيى وهوّا فى الإمارات
د.يحيى : فيه تاريخ أسرى للأمراض بتاعتنا
د.محمد ابراهيم: لأ، خالص، المهم إنه بعد ما خرج من المستشفى المرة دى، وبعد الاتفاق ده، فجأه الدنيا اتحسنت خالص و بقى عنده بصيرة، بطل اللى كان بيقوله، وفهم كل اللى حصل له، وكانت دى أول مرة فعلاً من أول ما بدأ العلاج يبقى شايف الحاجات بحقيقتها، لأنه قبل كده دخل فى مرحلة علاج كان بيعديها والسلام، أهو يتلم كده وخلاص، لكن المرة دى، الظاهر وصلت له حاجه حقيقية فعلاً من خلال الفترة الطويلة اللى قعدها فى المستشفى والحاجات اللى اتعملت معاه، وبقى منتظم على الدواء تماماً لدرجة إنه هو اللى بيتخانق مع أهله لو نسيوا الدواء ، عشان أنا كنت مكلفهم إنهم هم اللى يتأكدوا إنه خد الدوا عشان أضمن، لكن اللى حصل إنه هو اللى خد المبادرة منهم، وبقى لازم ياخد بنفسه الجرعة مظبوطة وكمان انتظم فى الشغل
د.يحيى : بيجيلك هنا جلسات العلاج النفسى فى المستشفى؟
د.محمد ابراهيم: لأه، بيجيلى فى العيادة، وانتظم فى الشغل كويس، وكل حاجه ماشية كويس جداً، يعنى، ورتب الحاجات
د.يحيى : السؤال ايه بقى بعد كل الحاجات الحلوة دى؟
د.محمد ابراهيم: السؤال دلوقتى هو بيفكر فى السفر تانى، يعنى هو احنا كنا اتفقنا إنه مايفكرش فى السفر دلوقتى، بس لسه التأشيرة فيها مساحة كده إنه هو ممكن يسافر
د.يحيى : بقاله معاك أد إيه؟
د.محمد ابراهيم: بقاله معايا ..، بقاله معايا، إحنا ماشيين بانتظام بقالنا دلوقتى تقريباً 5 شهور
د.يحيى : مرة فى الأسبوع مش كده؟
د. محمد ابراهيم: أيوه
د.يحيى : الحالة الماديه إيه من غير السفرياية دى
د.محمد ابراهيم: مش قوى، متوسطة، شغله هنا يعنى بيجيب له حوالى ألف جنية فى الشهرـ أنا مش عارف أوافق على سفره، ولا لأ؟
د.يحيى دى مشكلة متكررة سواء فيه علاج نفسى، أو لأ، إنت بتواجه نفس السؤال كتير لو حالة دخلت المستشفى وخرجت متحسنة، يعنى قصدى أسألك : إيه علاقة ده بعلاقتك بيه من خلال العلاج النفسى لمدة خمس شهور؟ قصدى يعنى إن احنا ممكن نفحص الموقف ده بصفة عامة، إنما احنا هنا بنحدد مهمتنا إننا نشوف سوا ازاى العلاج النفسى ممكن يساعدنا فى اتخاذ قرار مناسب، مش كده ولا إيه.
د. محمد ابراهيم: أيوه كده، ما هو عشان كده أنا باسأل هنا السؤال ده
د.يحيى : بصراحة هو أنا ماباعرفش أجاوب على السؤال ده بشكل محدد، لا بالنسبة للعلاج النفسى، ولا بالنسبة للعيانين عموما ، بالاقى نفسى إذا جاوبت إنه لأ ما يسافرشى، وهى دى الإجابة الصحيحة للحالة دى فى تصورى لمدة سنة على الأقل، لو أقول العيان ده ما يسافرشى وانا عارف ظرووف البلد، ألاقى نفسى باظلمه، إذا جاوبت إنه يسافر ، أفتكر حالات عندى سافروا ورجعوا مرتين ثلاثة، رجعوا مكسورين مكسورين مكسورين ، كل مرة الكسرة بتزيد وبتسيب بلاوى.
د.محمد ابراهيم: هو ده اللى أنا قلقان منه بصراحة ، يعنى أنا ميال إنى أحافظ على القليل الموجود هنا، أحسن مايطلع بره ويتبهدل ويرجع تانى
د.يحيى : هو أصل الإجابة شديدة الصعوبة ، أظن احنا شاورنا هنا مرة وعشرة على حكاية الفرق بين مستوى الضروره ، ومستوى الحرية فى الاختيار، وأظن اتكلمنا ومش حانبطل نتكلم عن الإنتقال من مستوى الضرورة إلى مستوى الحرية عشان نبقى بنى آدمين، هى نقلة حضارية للفرد وللمجتمع برضه، وهى نقلة شديدة الدلالة وما عنديش مانع أكرر الكلام فيها لوسمحتم : لو انت فى مستوى الضرورة ماتقدرش تتكلم على مستوى الحرية …، يعنى كلمة أختار ، فعل الاختيار، هو ناقص تماما أو مش موجود لو انت فى مستوى ما فيش فيه فرصة للاختيار من أصله، الضرورة مافيهاش إختيار، يا تقبل يا تموت ..، فين الاختيار بقى !!!؟ لما يجيلك واحد لسه بيعافر فى مستوى الضرورة .. الواحد حايقول له إيه؟ لكن لو كان عدّى ده وبقى يمارس حياته، ولو جزئيا فى مستوى الحرية، يعنى ولو يكون مستور ربع ربع.. أهى المسألة تمشى بصعوبة، يعنى بالنسبة للحالة دى، لو قدرنا نستحمل سنة، وهوا بياخد الدوا وكويس زى ما انت بتقول، يبقى أضمن بصراحة، يعنى أنا ..، ماعنديش إجابة واضحة لسؤالك! إذا قدرت تشوف حل وسط .. إنه يأجل السفر.. يبقى أحسن. الجدع ده باين عليه جدع، يعنى ما اتوقفشى فى دراسته، واتخرج صغير، ولما عيى وخد فرصة حقيقية استرد بصيرته، وعرف طبيعة العيا بتاعه، وبيجيلك بانتظام، خسارة نضيع ده كله بأى استعجال، أنا حسب رؤيتى رجوعه بدرى كده، مهما كانت ظروف مدة التأشيرة ما فيهوش ضمانات كافية، التحسن المهم ده ما يصحش يخلينا ننسى إن الآلام جوه شديدة الإلحاح والضغط .. يروح هناك حايلاقى نفسه مكشوف، ولوحده، هنا لما بتتحرك الآلام بدرجة مناسبة، واحنا بنسمح بده، بيلاقيك جنبه، ثم ما تنساش إن عمره ما عييى هنا وهو بيدرس، وهو صغير فى السن، وأول ما سافر عيى مرة واتنين، أنا عارف إن الإمارات أحسن شوية من السعودية، وطبعا من العراق زمان، المسألة هناك مش الغربة والوحدة وبس، المصيبة الإهانات الظاهرة واللى من تحت لتحت، لما يكون واحد اتفك من الضغوط دى لدرجة الضلالات اللى بتقول عليها، وإن أهله بيراقبوه وعايزين يؤذوه، مش يمكن معنى كده إن الأهل هما اللى عايزينه يسافر،
د.محمد ابراهيم: يمكن، أنا مش متأكد
د.يحيى : إنت لازم تحط فى اعتبارك نوع الضغوط، وتناسبها مع نوع الشخصية، مش بس نوع المرض، الضغوط فى غربة أكل العيش مع الناس دول بيبقى فيها إذلال وإهانة خفية مش قليلين..، والإهانه دى بتتضخم لمايكون واحد اتكسر ويا دوب لم نفسه بفضل اللى انت بتقول عليه إن وصل له حاجة حقيقية فى العلاج المرة دى، أظن أهم حاجة بنوصلها، أو بنحاول نوصلها ، هى الاحترام، احترام المرض، وبعدين احترام تجاوز المرض، مش كده ولا إيه ؟ تقوم بعد كده تروح رايح راميه فى الضلمة لوحده ؟ تنتظر إيه بالله عليك لو انت مطرحه،. لكن قول لى، أنا فهمت إن هوه بيشتغل هنا دلوقتى، مش كده ؟
د.محمد ابراهيم: أيوه، بيشتغل هنا،…. آه
د.يحيى : يعنى تقدروا تستحملوا مثلا من 6 أشهر إلى سنة
د.محمد ابراهيم: ربنا يسهل
د.يحيى : فيه حاجه كده لازم أقولها علشان تبقى المناقشة ضمن الإشراف على العلاج النفسى مش مجرد متابعة وتوصيات:
لما يكون عندك حالة زى دى، بس ما فيهاش السؤال ده، المأزق ده، بيبقى مستوى شغلك واستغلال العلاقة العلاجية فى حدود عادية، لأن السيف مش على رقبتك، لكن فى حالة زى دى، بنحتاج علاقة أعمق شوية، وبنحتاج تقمص أكثر إيلاما، وإننا نحط فروض وتصور يخلى الحكاية مش كلها نصايح وتوصيات، ونخلى العلاقة حاضرة وفعالة مش بس فى وقت جلسة العلاج، لأ طول الوقت، واحنا ثقافتنا واحترامنا لحق الاعتماد يسمح بده،
مافيش حد فيكوا بيحضر القصر العينى مش كده؟ أنا حاحكي لكم على بنت عندنا فى العلاج الجمعى فى القصر العينى، كان الشغل مهم جدا لها كجزء أساسى فى مسيرة علاجها، حتى وصل إنه يكاد يكون شرط لاستمرارها فى العلاج الجمعى معانا، وكانت كل ما تشتغل تسيب الشغل، فاحنا مرة فى جلسة بعد ما ناقشنا موضوع الهرب المتكرر بتاعها ده، ووصلنا لها معنى إنها واحدة مننا، وإن لنا حقوق عندها لو فيه علاقة، قعدنا نشتغل فى الحتة دى فى الجروب لحد ما قلنا لها إن إذا كان لينا قيمة عندها، وبتفتكرنا صحيح وهى مش معانا ، يبقى لما تقرر تمضى الاستقالة من أى شغلانة جديد، تحضر وجوهنا فى خيالها واحد واحد، وتتف علينا واحد واحد، وبعدين تمضى، مش معنى كده إن احنا بنحرمها من حق التصرف لوحدها، لأ دى كانت رسالة تؤكد الدور الإيجابى فى العلاقة، يعنى اللى بلغها هوا إن احنا حانبقى معاكى فى القبول والرفض، وإن ده حقنا عليكى لصالحك وصالحنا، حاجة زى كده، يعنى زى ما يكون بلغناها إنك إنتِ من حقك ترفضى الشغل، على شرط ترفضينا معاه بالمرة، ونتيجة لكده قدرت البنية تستمر فى الشغل مدة أطول، ويبدو إن من خلال ده قدرت تعرف إيه المعنى الإيجابى فى إنها تشتغل وهى بتتعالج ، قصدى من الحكاية دى إيه لما نييجى نربطها بحالتك يا محمد، وطبعا حالتك أصعب، لأن العلاقة ثنائية مش جماعية زى العلاج الجمعى، قصدى إن فى العلاج النفسى، ومع حالة ذهانية زى دى، يعنى مستشفى وضلالات، وست أسابيع، وعيا تلات مرات فى سن صغيرة كده، كل ده بيحتاج منك إن العلاقة تبقى أعمق وأوثق، واللى يحصل يحصل، الحكاية لما توصل للدرجة دى ما تستحملشى موقف تقول فيه للعيان “إنت حر فى قراراتك” والكلام السطحى ده ، بيبقى المأزق جامد قوى، مأزق كينونه مش مجرد قرار سفر، الكسرة هنا بتعلن مأزق كيانى متعلق بإهانة وجوده أكتر من أكل عيشه، وساعتها بنعيد تقييم البصيرة على مستوى الاقتناع والتفكير، يعنى مش كفاية إنه يقولك خلاص أنا عرفت إنى عيان، أو إنى كنت عيان واتعلمت من الخبرة دى وكلام من ده، لأن الإهانة لو اتجددت وجرحت، مش حايحوش أثرها إنه عرف إن اللى كان فيه كان عيا وكلام من ده، لما المسألة بتبقى عيا وضلالات وهلاوس لفرد بذاته، بيقى تخطينا تناولها باعتبارها مشكلة عامة، وآراء وكده، السفر هنا بيبقى امتحان لوجود فرد، مش رأى فى مشكلة اقتصادية أو اجتماعية، واخد بالك، فمن هنا بييجى دور العلاج النفسى إنه مسألة فردية جدا وخاصة جدا ، ما هياش مسألة قرارات وخطب، السفر هنا ممكن يكون بيهدد وجود فرد، مش بيعلن أزمة بطالة مثلا ، احتمال السحق لكيان بنى آدم بذاته، غير تقديم استجواب فى مجلس الشعب عن عدم حماية أبناءنا فى الخارج، واخد بالك .
د.محمد ابراهيم: يعنى اعمل إيه دلوقتى؟
د.يحيى: يا راجل ما انت عملت كل اللى عليك، خدت الحكاية جد، وحملت هم الجدع، وفهمته وشاركته، وبتشاركه، ومظبط الدوا، يعنى حا تعمل إيه أكتر من كده
د.محمد ابراهيم: يعنى يسافر ولا ما يسافرشى؟
د.يحيى: الله !! إنت كل اللى عليك إنك تاخد كل الكلام ده على بعضه، وتهضمه، يمكن يوجهك انت وهو ويصبركوا شوية، ومافيش مانع تقول له إنك استشرتنا من غير ذكر اسمه، وده طبيعى فى العلاج النفسى، إحنا مش بنمارس حاجة عيب فى السر، ومن حق العيان والمعالج إنه يعرف أنك مش لوحدك، وإن ده علم، وإنك عضو فى مؤسسة مسئولة، وده مش حايقلل من صورتك قدامه أو حا يخلى شكلك مهزوز، بالعكس ، ده يمكن يطمنه زى ما يطمنك، يعنى تأجل شوية، وعلى ما ينقطع الجريد يفعل الله ما يريد،
د.محمد ابراهيم: يعنى إيه؟
د.يحيى: يعنى فيه قرارات سليمة بتيجى لوحدها لما تستوى على نار هادية وتاخد وقتها !! إوعى تفكر إنها حاجة سهلة، إحنا كلنا محتاسين فى الحكاية ديه ، وده مش عيب
د.محمد ابراهيم: شكرا