“نشرة” الإنسان والتطور
29-11-2008
السنة الثانية
العدد: 456
تعتعة
قصة هذه القصة!!!!
كتبت هذه القصة سنة 1980 ثم نشرت أخيراًَ كنشرة فى باب الإبداع الشخصى يوم الإثنين الماضى وقد سبق أن نشرت فى مجموعة محدودة مجهولة.
وحين قرأها الصديق حافظ عزيز، وهى بعدُ مسودة للنشر هنا، وهو يقرأ معظم النشرات قبل صدورها ناقدا، متقنا، عنيدا، ويصحح بعض الأخطاء، كما يصارع بعض الأفكار، فأكاد أقتله وهو يقترب من منطقة الإبداع خشية أن يضطرنى أن أعيد النظر فيه، أقول حين قرأ هذه القصة أصر على أنها نشرت من قبل، مع تأكده وتأكدى أنه لم يقرأ الكتيب المجهول القديم الذى احتواها، صدقتُ إحساسه “بالقراءة السابقة” دون أن آخذه دليلا على أنه الواقع، لأننى شخصيا أعانى من هذه الظاهرة Deja-lu ليس فقط لما أكتب، وإنما أحيانا لما أقرأ، يحدث ذلك لى حين أقرأ معرفة جديدة علىّ، لم تمر بى قبل ذلك، أو معلومة لم تظهر صحتها إلا حديثا، فيخيل إلىّ يقينا أننى قرأتها قبلا،
حدث هذا بشكل متواتر أثناء إعدادى لامتحان دبلوم الطب النفسى سنة 1963 وقد فسرت ذلك بأننى مارست الطب النفسى لمدة أربع سنوات قبل ذلك دون أن أقرأ أيا من مراجعِهُ بطريقة منظمة كافية، كان المرحوم أستاذى الدكتور عبد العزيز عسكر يصر أن نأخذ دبلوما فى الأمراض الباطنة العامة، قبل دبلوم الأمراض العصبية والطب النفسى، فاضطررت أن أكرس وقتى للطب الباطنى وأن أكتفى بقراءة الطب النفسى فى مرضاى مباشرة، حتى حصلت على دبلوم الطب الباطنى العام، ثم رحت أستعد لدبلوم التخصص، فغمرتنى هذه الظاهرة “وهم القراءة السابقة”، فانتبهت إلى تفسيرها، بأن المعلومات التى كنت أقرأتها فى كتب الدراسة آنذاك، سبق أن عايشتها فعلا فى مرضاى قبل أن أقرأها.
لكن يا ترى هل كان الأمر كذلك مع الصديق حافظ عزيز؟
طلبت من السكرتارية البحث عن احتمال نشر هذه القصة سابقا فى إحدى النشرات التى اقتربت حتى الآن من خمسمائة نشرة، فأخطرونى تأكيدا أنها لم تنشر، أخبرت حافظ بذلك وأن يراجع الأمر معهم، ففعل وتأكد من صحته، برر لى حافظ أننى ربما هممت بنشرها سابقا، فسلمته مسودتها، ليراجعها، ثم عدلت عن ذلك، فلم أستطع أن أنفى هذا الاحتمال خصوصا بعد أن استشهد بابنى محمد، فرجح تفسيره.
عدت أقرأ القصة من جديد، وقرأت بعض التعقيبات عليها بعد نشرها هنا فى الموقع، وتعجبت لما ذهبت إليه هذه التعقيبات من تفسيرات سياسية لم أقصد إليها طبعا، خصوصا إذا رجعنا إلى تاريخ كتابتها منذ أكثر من ربع قرن، وقدرت أن هذه التعقيبات الجديدة تستحق إعادة النظر نقدا.
ولما كنت قد خصصت يوم السبت لنفس التعتعة التى تنشر فى الدستور فى نفس الأسبوع، فقد جاء نصيب هذه القصة أن تنشر مرتين:
وها هى القصة مع مقدمتها كما نشرت فى الدستور أرجو أن يكون فيها ما يبرر ما فعلت (غير ضيق الوقت)
الوقت صباح الجمعة، وأنا أهم بكتابة تعتعة اليوم، وإذا بالسكرتارية تقدم لى تعليقات أصدقاء الموقع الخاص بى، …… جاءت التعليقات باعتبار أنها قصة ترمز إلى الحالة السياسية، الآن، هنا أو هناك، وأنا لم أعد أحب حكاية الرمز هذه، لا فى الإبداع ولا فى النقد، ولا فى الأحلام ، ولا فى قراءة مرضاى نصوصا حية، مع أنه بدون الرمز لا تكون لغة، وتضيع حياتنا هباء ونحن لا نعرف كيف نختصر المعانى إلى ما يمثلها، المهم: أعدت قراءة القصة، وفهمت – قليلا- لماذا ذهبت تأويلات الأصدقاء إلى ما ذهبت إليه، ووجدت أنه “لو كان الأمر كذلك” فقراء الدستور أولى .
خذ مثلا حكاية التوريث، لم يعد فيها شىء يقال أكثر مما قيل، و”أصبح الأمر كذلك” من واقع الإعلام الرسمى على الأقل، حتى كاد المتابع يتصور أنه قد تم فعلا، وأن ثمة رئاسة فعلية، ورئاسة شرفية موكل بها إلقاء مهمات السفر، وبعض التصوير، وإلقاء الخطب الرسمية جدا، وأن الوقت المتبقى هو مخصص تماما لتجهيز الاحتفالات، وربما لتنسيق التبرير إن لزم الأمر، مثل: أن ذلك أدعى للاستقرار، أو: واشمعنى راجيف غاندى، واالراحل غير المأسوف عليه دبليو بوش، وزوج المرحومة بنازير بوتو، واسم النبى حارسه وضامنه بشار الأسد بعد المرحوم والده والمرحوم أخيه، وأنه: ملك الملوك إذا وهب، لا تسألن عن السبب…، “الوطنى” يفعلا ما يشا، فالزم حدودك بالأدب! ولكن عنوان قصة الموقع القديمة هو” لزوم ما لا يُحكى”، وليس: “ما هو لزم حكى ما لم تعد ثم فائدة من الحكى فيه”.
فلماذا ذهبت التعقيبات إلى غير ما قصدته، وغير ما يعنيه العنوان.
إيش عرفنى؟
القصة (كلاكيت، تانى مرة)
-1-
.. قالت “تماضر” إنها تعرف “ما حدث” بالتفصيل، وإن كانت لا تريد، ولا ترضى، أن تتحدث فيه؛ لأنها لا تقبل أن يتحدث أحد عنها شخصياً بمثل ذلك، خاصة فى غيبتها، وبالتالى، فهى لن تتحدث عما حدث. ثم راحت تحكى وتحكى وتحكى، وكأنها لا تحكى كل شىء بالتفصيل الممل، وكانت على يقين من أنها لم تخالف تحفظها المبدئى…
وأكملت.
-2-
فانبرت “إقبال” تبرر “ما حدث” مؤكدة أنها لم تكن تعرف، ولم تكن تتعمّد أن تعرف، وأنها لم تدركه بحجمه الحقيقى، إلا بعد زمن طويل جداً. جداً. وحتى الآن، هى لم تـُــلِـم بكل أبعاده، ثم إنها حين أدركت حقيقة ما جرى، وبعد الدهشة الأولى، علمت يقينا أنه لم يحدث من أصله، أو على الأقل لم يحدث كما صّوروه أو تصوروه .
وصمتت.
-3-
أما “اعتماد” فإنها لم تبال أصلا بما حدث، وقالت إن المهم هو ما يحدث، لا ما حدث. وقالت إنها تفضل أن يحدث الآن، إن كان لا بد أن يحدث، وإنها خائفة، وإنها تشعر بقشعريرة غير مناسبة، وإنها فى أشد الحاجة إلى ألا تكون وحيدة، وأن تعيش لحظتها هذه بوعى متفجر وطازج، وقالت إنها أخيراً تشعر أنها تستطيع. صحيح أن ما يحدث الآن، ما يمكن أن يحدث الآن، لا يختلف كثيراً أو قليلاً عما حدث، لكنها تستطيع.
ثم تراجعتْ.
-4-
أخذت تماضر ترسم مثلثـّا بسبابتها على سطح المائدة، ووضعت فى وسطه نقطة غير ظاهرة، فنهرتها إقبال. وتذكرت ـ بدورهاـ كيف أصيبت بالهلع حين وقعت قدمها أثناء ذهابها إلى المدرسة الابتدائية، على الشق الفاصل بين بلاط رصيف الشارع، وكانت حريصة طول الوقت، طول العام، ألا يحدث هذا مرة ثانية أبداً.
وكانت اعتماد ـ فى اللحظة ذاتها ـ تأخذ شهيقا طويلاً هادئاً، وكأنها ترتشف شرابا شهياً. وطال الشهيق ناعماً عميقاً، حتى كادت تطير من على الأرض بلا أجنحة.
فابتسمت تماضر راضية .
-5-
وحين عادت “أم محمد” من مهمة التسوّق المحدودة التى قد كلَّفْنَهَا بها، وجدتهن فى هذه الحالة من النشوة والبلبلة والندم والأمل والحسرة والحركة فى المحل، فلم تذكر لهن ما رأته فى الجمعية التى كانت استهلاكية، مع أنها كانت فى أشد الحاجة لأن تقوله لأى أحد.
نظرت “أم محمد” إليهن مجتمعات يتهامسن بصوت عال، ثم نظرت إلى كل واحدة على حدة، وقدّرت أنه لا لزوم لأى كلام، مادام الأمر كذلك
(انتهت القصة)
فزورة
أضفت أربع كلمات متجاورة فى متن القصة خلافا لما نشر يوم الإثنين قبل الماضى، ومن يعثر عليها له جائزة منى ( لم أحددها بعد)