“يوميا” الإنسان والتطور
1-6-2008
العدد: 275
استشارات مهنية (2)
مقدمة:
كنت أحسب أن الرد سوف يكون سهلا مختصرا كما أمارسه فى التدريس والإشراف، ولكن يبدو أن المسألة ستحتاج إلى مراجعة مستمرة للتعديل، فأنا لم أستطع أن أرد اليوم إلا على حالة د. مشيرة، وأجّلت حالة د. أميمة إلى الأسبوع القادم لمّا وجدت أن الرد قد طال بما لم أكن أتوقعه.
(ياترى هل نستطيع أن نكمل؟ وماذا لو أتت لى عشر حالات فى الأسبوع؟).
وبما أننا نجّرب معا سوف يتم عرض الاستشارات كالتالى:
أولا: ننشر الحالة كلها على بعضها كما وصلتنا من المستشير حتى لا نقطع السياق والتسلسل.
ثانياً: نرد عليها فقرة فقرة (انتقائيا) بما تيسر من رأى اجتهادى.
ثالثا: نعقب فى النهاية تعقيبا شاملا وتوصيات محدودة.
(طبعا قد يتغير هذا النمط من العرض بعد الممارسة والاستماع إلى اقتراحات أخرى)
****
الحالة:
د. مشيرة أنيس:
الحالة اللى عايزة أعرضها عمرها (25) جائتنى مع زوجها أول كشف هى منتقبة زوجها ملتحى (وأفتكر أنه برضه فى أواخر العشرنيات) متزوجة من سنة ونصف وحصل حمل ولكن لم يكتمل وهى حاليا حامل فى (5) شهور بعد الزواج بأسبوعين سمعت صوت خبط جوه الدولاب وزوجها سمعه بعد ما نبهته له, فخافت جدا من البيت بتاعها لدرجة أنهما باعوا الدولاب وفعلا اختفى الصوت، وبعدين نقلت مع أهل زوجها وصاروا لا يتركونها تنام لوحدها، طبعا لفت على الشيوخ لفك الأعمال والسحر, واحد منهم قال لها أن ده جنى وحايجيلها فى صورة زوجها، فخافت أكتر وأكتر لدرجة أنه مرة دخل عليها من غير ما تحس بأنه فتح باب الشقة، فخافت جدا ووقفت تبص له لحد ما قال لها إنه زوجها مش العفريت.
هى الآن تصف لى حالها انها على طول خايفة ومرعوبة من شقتها ومستحيل تنام طول ماهى فيها حتى وزوجها معاها، فالخوف يزيد أكثر معاه هو بالذات، بتقول عن نفسها قبل الزواج أنها أصلا بتخاف جدا من الجن والعفاريت وأنهاقلقة بطبعها, لكن طبعا زاد جدا بعد الزواج بسبب الأحداث اللى حصلت، نفسها تعيش حياة طبيعية فى شقتها وحست أنها محتاجة العلاج بسبب الطفل اللى جاى كمان، أتفقت معاها أن أحنا هنقعد جلسه مع بعض كل أسبوع وأن بعد كده كمان ممكن تدخل علاج جماعى لكن قدام شوية هى رفضت العلاج الدوائى عشان الحمل
أنا فسرت لها الأعراض وقلتلها إن اللى حصل إن هى انسانة قلوقة أصلا، وعندها خوف من الجن والعفاريت من قبل كده، بالإضافة للخوف الطبيعى من الزواج والمسئولية والعلاقة الجنسية، وكأن الخوف بدل ماتقول إنه من جوه خلّته بيجى من بره، أأمن، والمسئولية كده مرميه على حاجة بعيد عنها، وإن احنا لازم مع بعض ترجع تتحمل مسئولية الخوف ده، وأن دى أول خطوة فى العلاج.
ـ أيه الدواء اللى كان مناسب فى الحالة، لو كانت رضيت بالعلاج؟
ـ أنا مش متأكدة قوى من حته التفسير اللى أنا عملته ليها وللأعراض من أول قعدة ده صح واللالأ؟
ـ حاسة انى مش عارفة حاعمل معاها إيه، متصورة كده إن المرة الجاية هافتح الكلام عن علاقتها وإحساسها بزوجها, أيه رأى حضرتك؟
ـ لو زوجها طلب حضور الجلسات المفروض أعمل ايه؟ أفتكر أنى حارفض حضوره.إيه رأى حضرتك؟
ـ فى كلامنا مع بعض عن الجن والأعمال أنا قلتلها إنى بأحترم الفكرة دى وأؤمن بوجودها بس مش بالصورة دى (وحاولت ما أقولش أنى لا أؤمن بالأعمال عشان ماتحسش أنى بأحكم عليها وبرضه عشان أكسبها) بصراحة حسيت بمأزق بجد0
ـ صحيح إحساسى المبدئى أنها حالة سهلة وواضحة، مش متأكدة قوى من الحكاية دى، وحاسه إن الموضوع مش بالسهولة اللى أنا متخيلاها0
****
التعقيب والملاحظات، فالردود:
(1) الحالة اللى عايزة أعرضها عمرها (25) جائتنى مع زوجها أول كشف، هى منتقبة، زوجها ملتحى (وأفتكر إنه برضه فى أواخر العشرنيات) متزوجة من سنة ونصف وحصل حمل ولكن لم يكتمل وهى حاليا حامل فى (5) شهور؟
لا أعرف إن كان قد وصلك شىء من النقاب واللحية ابتداءً أم لا، الأغلب أن المريضة لم تمانع من خلع النقاب أمام طبيبة (أنثى) لكن خبرتى تقول إن ذلك (الإمتناع) يحدث معى أحيانا وليس غالبا، وحين أفهمها أننى كطبيب نفسى أقوم بقراءة وجهها مثلما أستمع إلى كلامها تماما توافق غالبا، ثم إنى أعتذر لمن لا توافق، وأرد لها الكشف شاكرا ثقتها المبدئية، وأنصحها بالذهاب لمن يقبل هذا الحاجز أو يستطيع أن يخترق، أو بطبيبة زميلة، ليس هذا هو ما أريد توصيله لك، لكننى أريد أن أنبه يا مشيرة إلى أن موقفك من ضرورة أو وجوب أو جواز لبس أو خلع النقاب (وهو موقف شخصى تماما ليس له علاقة مباشرة بفتوى رسمية ولكن بموفقك عموما) لابد وأن يؤثر على علاقتك بالمريضة بشكل ما، ثم إنى لا أدرى هل أنت محجبة أم لا، وهذا أيضا ليس مربط الفرس، لأن الحجاب لا يعنى شيئا فى ذاته، وإنما علاقتك أنت بالفكرة ومصادر الإلزام ومساحة السماح هو المهم.
(2) بعد الزواج بأسبوعين سمعت صوت خبط جوه الدولاب وزوجها سمعه بعد ما نبهته له, فخافت جدا من البيت بتاعها لدرجة أنهما باعوا الدولاب وفعلا اختفى الصوت؟
هذا ما يسميه الأطباء عادة وبسرعة: “هلوسة سمعية”، وأرى أن التسرع بمثل هذه التسمية – مع أنها قد تكون صحيحة علميا إلى درجة ما – لا يفيد، المهم هنا أن زوجها قد سمعه معها، فهو إما شاركها العرض (وليس بالضرورة المرض) وهذا ما يسمى المرض الثنائى “المعدى” (الجنون المزدوج) Folie ā, deux contaminée وهى تسمية فرنسية مفيدة، وتحدث ببساطة نتيجة رابط عاطفى شديدا يجعل الآخر(القريب السليم) يصدق المريض حتى يتقمصه ويشاركه توهما أو فعلا، هكذا شارك الزوج الطيب زوجته سماع “الخبطة داخل الدولاب” وبالتالى يصعب نفيها أكثر، قد نستبعد أن الصوت هو هلوسة (لأن آخر ليس مريضا أقرها) وقد نعزو ذلك إلى فروق ثقافية، حيث مجرد ذكر الجن فى القرآن (ذكره وليس الإقرار بتأثيره) يجعل بعض غلاة المتدينين يتعاملون مع الأحداث بيقين يسمح بتصديق ذلك حتى السمَعَ، دون أن يصل إلى درجة المرض.
(3) وبعدين نقلت مع أهل زوجها وصاروا لا يتركونها تنام لوحدها طبعا، لفت على الشيوخ لفك الأعمال والسحر, واحد منهم قال لها إن ده جنى وحايجيلها فى صورة زوجها، فخافت أكتر وأكتر لدرجة إنه مرة دخل عليها من غير ما تحس بأنه فتح باب الشقة، فخافت جدا ووقفت تبص له لحد ما قال لها إنه زوجها مش العفريت.
سبق أن أشرت فى أكثر من موقع إلى إسلوبى فى التعامل مع هذه المواقف، وهو اسلوب غير ملزم لغيرى، ولا أنصح بإتباعه إلا من يصدقه علميا تماما، ويمكن الرجوع إلى بعض جوانبه فى وثيقة شرائح Kasr traditional healing وأستطيع أن أوجزه فيما يلى:
أولا: لا أرفض خبرة المريض ابتداء، فأصدقه من حيث المبدأ.
ثانيا: أجيب على سؤاله لى “هل تعتقد فى وجود الجن أم لا؟” بأننى أعتقد، لكنّ لى تسميات أخرى، وتفسيرات أخرى لما حدث ولكيفية التعامل معه.
ثالثا: لا أسارع بالتسمية العلمية التى تفسر لى الظاهرة حسب فروضى، وكل ما أطرحه فى هذه المرحلة – بطريق غير مباشر – هو أن يكون هذا الذى نسميه “جنا” هو من داخلنا، فى داخلنا، وبالتالى قد يمكننا أن نتعامل معه أقرب وأوضح، وفى بعض الأحيان –حسب ثقافة المريض وتعليمه – أسميه “الذات الأخرى” أو “حالة الذات” أو ما تيسر من تسميات علمية.
رابعا: أعرض أن نترك كل هذا جانبا، لنتعامل معه فيما بعد بشكل علمى علاجى منظم، ولا نعود إلى ذكره – إلا معا، مع الطبيب – لدرجة أننى أمزح أحيانا وأخطر المريضة أن تحيله علىّ إن استطاعت، وأنا سأتصرف، هى تسميه جنا، وأنا أتصرف مع الذات الأخرى وتصدقنى غالبا.
خامسا: ننتبه إلى بقية الأعراض، والأهم إلى محاولة استمرار الحياة عملا ونوما وعلاقات مع تجنب هذه المسألة مؤقتا.(ما أمكن ذلك، وهو ممكن عادة)
سادسا: مع تطور العلاج وتنوع التفاعلات ونمو الثقة يمكن الرجوع إلى بعض ذلك، ابتداء من داخلنا، واحتمال تعددنا، وانفصال بعضنا عنا مثلما يحدث أثناء النوم وذلك بتفاصيل إكلينيكية هادئة متدرجة غير مباشرة.
قلت فى البداية أنا لا أنصح أحداً أن يسلك هذا السبيل إلا إذا اقتنع به، وربما مارسه تحت إشراف أيضا.
نرجع الآن إلى هذه الحالة بوجه خاص، وإلى دور الشيوخ الأفاضل أو النصابين (فيهم وفيهم) هذا الشيخ أضاف إلى إمراضية مريضتنا إيحاءً ضارا بأن اقترح – آسف “قرر” – أن الجنىّ سيأتيها فى صورة زوجها، وهو ليس من حقه بهذه الصورة (برغم أن الفكرة لها ما يبررها من وجهة نظر خاصة من حيث أن ذواتنا الداخلية قد تكون نابعة بعض الوقت من ذوات خارجية منطبعة imprinted ويمكن مراجعة نقدى فى “خالتى صفية والدير” لـ بهاء طاهر عدد أكتوبر 1998 مجلة الإنسان والتطور” واكتساب صفية شكل زوجها البيه بعد وفاته)، لكن هذا الشيخ ألقى بهذا الإيحاء الآمر هكذا دون النظر فى آثاره من ناحية، ودون البحث فى جذوره من ناحية أخرى، فهو – ونحن فى حدود ما وصلنا- لا نعرف شيئا عن طبيعة علاقة هذه السيدة بزوجها، خصوصا أن المسألة ظهرت بعد الزواج بأسبوعين، وأن زوجها سمع الصوت مثلها، وأنه وافق على التخلص من الدولاب ومن فيه، نحن لا نعرف شيئا عن علاقتهما قبل الزواج فى فترات الخطوبة (إن وجدت) ولا عن علاقتهما الجنسية فى هذين الأسبوعين، ولا بعد ذلك، وهى أمور شديدة الأهمية والدلالة، وقد بلغ من تأثير ما ألقاه الشيخ فى وعى هذه السيدة أنها رأت زوجها بعد ذلك عفريتا حتى اضطر أن ينبهها أنه زوجها.
أن أحتوى زوجى (أو حبيبى أو أبى أو أمى) أو يحتوينى إلى هذه الدرجة فيصبح ذاتا بداخلى قابلة للتعتعة والإسقاط، ليس مرضا فى ذاته، وليس أيضا واردا أن يصل إلى الوعى، بهذه الصورة إلا فى حالة المرض (أو الإبداع)، لكن أن يحدث تدخل خارجى من مثل هذا الشيخ، فى ظروف مرضية، كهذه، فإن ذلك يساهم فى أن يدعم أن المصدر هو من خارجنا “جانا”، ولبست ذاتا منطبعة، وبالتالى يصبح الإحتواء “جسما غريبا” قابلا أن يسقط للخارج، وهذا ما حدث فى هذه الحالة غالبا، وهو أمر خطير، إذ يترتب على ذلك فصل تعسفى فيما بين الذوات المفروض أنها تتفاعل معا جدلا للنمو، مما نتج عنه الأعراض اللاحقة كما حدث فى حالتنا.
(4) هى الآن تصف لى حالها انها على طول خايفة ومرعوبة من شقتها ومستحيل تنام طول ما هى فيها حتى وزوجها معاها، فالخوف يزيد أكثر معاه هو بالذات؟
إذن فقد صار زوجها (الداخلى) جسما غريبا خارجيا مخيفا سواء بمن هو، أو حين يصل الأمر إلى كونه هو الجان (كما قرر الشيخ).
(5) بتقول عن نفسها قبل الزواج أنها أصلا بتخاف جدا من الجن والعفاريت وأنها قلقه بطبعها، لكن طبعا زاد جدا بعد الزواج بسبب الأحداث اللى حصلت؟
أعتقد أن هذا هو من ضمن العوامل المهيئة للمرض، وهو يؤكد تأثير مثل هذه الثقافة الفرعية الخاصة المتدينة تقليديا، المستلمة للتأثير الخاجى هكذا.
(6) نفسها تعيش حياة طبيعية فى شقتها وحست أنها محتاجة العلاج بسبب الطفل اللى جاى كمان أتفقت معاها أن أحنا هنقعد جلسه مع بعض كل أسبوع وأن بعد كده كمان ممكن تدخل علاج جماعى لكن قدام شوية هى رفضت العلاج الدوائى عشان الحمل؟
برغم كل التأثيرات الثقافية، واستهواء الزوج ومشاركته بعض المرض، وتأثير الشيخ وما ترتب عليه، فمريضتنا تتمتع بدرجة من البصيرة والعلم جيدة، من حيث رغبتها فى الحياة الطبيعية، والاعتراف – برغم ما أسمته جاناً- بحاجتها للعلاج النفسى، وأيضا إدراكها للشائع – وهو علمى جزئيا- لتأثير الأدوية النفسية على الحمل، وكذلك حرصها على استكمال مسيرتها العلاجية والحياتية،
كل ذلك طيب وهو الذى يمكن استثماره.
(7) أنا فسرت لها الأعراض وقلتلها أن اللى حصل أن هى انسانة قلوقة أصلا وعندها خوف من الجن والعفاريت من قبل كده بالإضافة للخوف الطبيعى من الزواج والمسئولية والعلاقة الجنسية وكأن الخوف بدل ماتقول أنه من جوه خلته ييجى من بره، أأمن، والمسئولية كده مرمية على حاجة بعيد عنها وأن أحنا لازم مع بعض ترجع تتحمل مسئولية الخوف ده وأن دى أول خطوة فى العلاج.
أنا واثق يا مشيرة أنك لم تقولى لها كل هذه التفسيرات مرة واحدة، وهى تفسيرات جيدة متواضعة، وأظن (أو أرجو) أن تكون قد تدرجت العلاقة بينكما فى هذا الاتجاه (أو أعمق كما ذكرنا) إلى أن تكتشف المريضة بنفسها ولو جزئيا ما فسرته لها، أما كيف؟ فكل شيخ/طبيب (وشيخة/طبيبة) له طريقته، أنا شخصيا لا أربط الخوف الشائع قبل المرض أو قبل الزواج أو كسمة فى الشخصية بظهور مثل هذا العرض، بقدر ما أربط إشكالة العلاقة بآخر(ربما لم تر زوجها باعتباره آخر موضوعيا بما هو، إلا ليلة الدخلة)، كما أننى أركز على ضعف فرص النمو وحدود مساحة السماح، المسألة-عندى- يا مشيرة ليست مسألة خوف من الداخل يسقط للخارج هكذا ببساطة، بقدر ما هى تحديات العلاقة بين البشر، وخاصة فى مثل هذه الثقافة، وفى ظل هذه الظروف التى لا أعلم عنها إلا أقلها.
لا توجد فرصة طبعا لأحدثك عن ما وصل إليه حالنا من اختزال العلاقات البشرية: الجنسية والعاطفية والمعرفية والفكرية، إلى قشور متطايرة تسمح بتفكيك أية واحدية وإسقاط بعضها (فوّتى هذه قد تتاح فرصة لشرحها فيما بعد)
أما حكاية “احنا لازم مع بعض نرجع نتحمل مسئولية الخوف ده وإن دى أول خطوة فى العلاج” فهى العلاج النفسى الحقيقى الذى تقومين به مع التركيز على ثلاث كلمات رائعة تدل على موقف مهنى صحيح كلمات “مع– بعض“& “مسئولية” وهى مسئولية متعددة تشمل مسئولية الخوف، ومسئولية الصحة، و مسئولية وجودنا كله بما خلقنا الله به وإليه، الأمر الذى عادة يتدرج مع نمو المعالج والمريض معا.
أعلم أن هذا كلام كبير وأن هناك ألف حاجز وحاجز يحول دون توصيله وتفعيله، خصوصا حين تصبح التعليمات الدينية صادرة من سلطات خارجية جامدة قد ترد بها المريضة أو زوجها عليك أولا بأول، مع أنه لا يوجد فى الدين الصحيح ما يحول دون أى من ذلك،
تكفينا هذه الإشارات الآن وهيا أحاول أن أرد على أسئلتك تحديدا.
(8) أيه الدواء اللى كان مناسب فى الحالة لو كانت رضيت بالعلاج؟
ياه يا مشيرة! لماذا بدأت بهذا السؤال؟ ما علينا
مسألة إعطاء الدواء، أى دواء، مسألة فنية إكلينيكية شديدة الدقة، وأنا لى طريقتى، يمكن الرجوع إلى بعضها فى وثيقتين فى شرائح mode of action وأيضا Drug & Group therapy. ومع ذلك فهذه حالة محددة، وعلينا أن نواجه المسئولية ورأيى:
أولا: بما أن الصوت اختفى بنقل الدولاب، فيمكن ألا تعطى أدوية أصلا، خاصة وهى حامل وتقر مشكورة ضرورة الحذر من ذلك
ثانيا: إذا كان الخوف قد وصل إلى التدخل فى النوم والإعاقة فى العلاقات (ليس فقط الزوجية) فيمكن أن تستعينى بجرعة قليلة من النيوروليتات nercoleptic التقليدية (فأنا لا أستعمل النيوروليتات الحديثة الباهظة الثمن والتى كادت تختفى من السوق مع تزايد الرشاوى لإحلال الأدوية الأحدث الأقل فاعلية والبالغ ثمنها مئات الأضعاف)، ما علينا، أنا أفضل ذلك فى هذه الحالة عن استعمال المنومات أو حتى مضادات الاكتئاب.
ثالثا: قد تضاف جرعة مضادة للاكتئاب (التقليدية أيضا ذات الثلاث دوائر) بعد الشهر الخامس من الحمل إذا لزم الأمر، والأفضل الإستغناء عنها تماما.
رابعا: مع استمرار العلاج (النفسى) والمتابعة يمكن أن تظهر أعراض جديدة نتعامل معها أولا بأول، لكن هذا يتوقف على طبيعة الأعراض ، فالأرجح عندى أن هذا الصوت الذى اختفى هكذا هو “صورة صوت”image وليس صوتا حقيقيا دالا على تحريك مستوى مستقل من المخ الأقدم، الصوت “الصورة” هو نابع من “الخيال” imagination أما الصوت الحقيقى فهو إدراك perception لصوت داخلى حقيقى، وهذا أمر يطول شرحه،
لو أن الصوت كان من النوع الأخير لتكرر وألح، ولكان الأمر يتطلب نيوروليتات جرعة أكبر كثيرا.
(9) أنا مش متأكدة قوى من حته التفسير اللى أنا عملته ليها وللأعراض من أول قعدة ده صح واللالأ؟
عدم التأكد هو أمر جيد، لأن الممارسة الإكلينيكية هى سلسلة من الفروض التى تتحقق أو لا تتحقق، هى تتحور باستمرار لصالح المريض، فاطمئنى إلى شكك الإيجابى هذا الذى يدل على مسئوليتك وليس على حيرة معجّزة.
(10) حاسة انى مش عارفة هأعمل معاها إيه متصورة كده إن المرة الجاية هأفتح الكلام عن علاقتها وإحساسها بزوجها, أيه رأى حضرتك؟
طبعا سوف يحدث، ولكن ليس بالضرورة “المرة الجاية”، ولو أنى أعملها بطريقتى فى “المرة الأولى”، لكن حذار، كما قلت لك، كل شيخ وله طريقة، خصوصا وأنا أغوص دون تردد إلى تفاصيل التفاصيل وبشكل مباشر، فنحن لا يمكن أن نعرف حقيقة العلاقات إلا من حقيقة العلاقات، (ويكفى هذا مؤقتا حتى نرى إلى أين سيذهب بنا هذا الباب؟)
(11) لو زوجها طلب حضور الجلسات المفروض أعمل ايه, أفتكر أنى هأرفض حضوره. أيه رأى حضرتك؟
بالعكس، ومهما بلغ تدينه التقليدى (بدليل اللحية ونقاب الزوجة) فهذا (حضوره) أمر وارد، بل أمر واجب، شريطة أن تحذرى من تدخلات الأحكام الدينية التقليدية الواردة من خارج سياق نفع الناس، وأن تتذكرى دائما أنه “لا ضرر ولا ضرار” وقد يحتاج الأمر إلى ما يسمى العلاج الثنائى Marital Therapy أو العلاج الزواجى إذا ثبت أن هذه الأعراض هى تعبير مباشر عن صعوبة العلاقة وقهر الخارج.
(12) فى كلامنا مع بعض عن الجن والأعمال أنا قلتلها أنى بأحترم الفكرة دى وأؤمن بوجودها بس مش بالصورة دى (وحاولت ما أقولش أنى لا أؤمن بالأعمال عشان ماتحسش أنى بأحكم عليها وبرضه عشان أكسبها) بصراحة حسيت بمأزق بجد0
إحترام أن الجن ورد فى القرآن (كما يبدأ حديث هؤلاء الناس عادة) لا يعنى احترام تأثير الجن على حياة الأنس، حتى تفسير الجن الذى ورد فى القرآن، وخاصة هؤلاء الجن الذين استمعوا إلى القرآن وانشرحوا له أو اهتدوا به له عندى فهم استوحيته من داخل الداخل، لست فى حل من شرحه أو ذكره الآن، المهم أن احترامك لفكرة الجن هو جيد كما ذكرنا فى البداية على شرط أن يلحقه حقنا – كعلماء وأطباء- فى تسميات أخرى وتفسيرات أخرى (إرجعى إلى أول الإستشارة) أما إخفائك عنها أنك لا تؤمنين بالعمل، فهذا وارد وقد يكون مفيدا مرحليا، مع أننى أؤمن – بتفسير علمى آخرلا داعى لذكره الآن- بالتأثير السئ من بعض الناس على بعضهم، ليس فقط بالإيحاء، ولكن إيمانى بذلك –من خلال دراسات مطولة- لا يتوقف عند مرحلة الإيحاء مما لا داعى لذكره هنا الآن، كما أنه لا يترتب عليه أى استسلام له، بل بالعكس فإن الله علمنا كيف نمنع هذا التأثير المحتمل، والعلاج النفسى الحقيقى يدعم مقاومة الشخص المستهدف من أى تأثيرات بيئية أو داخلية، بشرية أو طبيعية، وبالتالى لا يعود هذا المستهدف يتأثر مهما بلغت قوة المؤثر، ولهذا حديث آخر.
(13) هل صحيح إحساسى المبدئى أنها حالة سهلة وواضحة أنا مش متأكدة قوى من الحكاية دى وحاسه أن الموضوع مش بالسهولة اللى أنا متخيلاها؟
هى حالة تبدو سهلة وطيبة، وإحساسك هذا جيد وعلمى (خصوصا أن الصوت اختفى) وبصيرة المريضة مشجعة، وتعاون زوجها وارد، وكل هذا يبرر إحساسك الصحيح، أما عدم تأكدك فأرجو أن ترجعى إلى الرد على سؤالك الثانى وكلامى عن الخبرة الإيجابية، والتردد المفيد.
شكرا مشيرة، وفقك الله
****
تعقيبات على الحالة السابقة
أ. نادية حامد
مازلت أرجو مراجعة إعطاء تعقيبات على مقالات الإشراف على العلاج النفسى.
د. يحيى:
حاضر، يبدو أن هذا أفضل خاصة لمن لا يعرف طبيعة هذا الإشراف الذى قد لا تستغرق مناقشة الحالة فيها سوى بضع دقائق.
د. نعمات على
تعجبت من رفض المريضة (الجروب أو أى شىء آخر إلا العلاج النفسى الفردى؟ وعن ضغط المعالج على ذلك كأن يوجد علاقة متبادلة ومنفعة بينهما لا أعرف؟؟!
د. يحيى:
هى حرة كما تعلمين
أ. أحمد صلاح عامر
أنبه إلى حتمية الإلمام بكل التفاصيل لإزالة الغموض داخل الحالة فى جلسات العلاج النفسى للوقوف على أرضية صلبة تساعدنا خلال مساعدة المريض فى كل تفاصيل حياته، إنه جهد أعاننا الله عليه فأنا احبه وأشفق على نفسى منه.
د. يحيى:
هذا صحيح، ولكن الإشراف يقتصر عادة (لكونه بضع دقائق لا أكثر) على مناقشة نقطة محددة، وأنه كما تعرف، مسموح الرجوع إلى نفس الحالة مرة ومرارا فى جلسات الإشراف التالية.