“يومياً” الإنسان والتطور
8-3-2008
العدد: 190
الحلول الذاتية: “نعمل إيه”؟ “نعمل جمعية”!!
من أطيب العادات التى مازالت تجرى فى مصر، من وراء الحكومة، عادة النقوط، “وكذلك الجمعية” (النقدية) الأسرية أو الوظيفية التى يقبضها المحتاج أولا، ثم الذى يليه احتياجا وهكذا، يجرى هذا بطيبة وتعاون لا مثيل لهما، هذا القرض الحسن المسمى “النقوط” تمتد مدة السماح للدين فيه إلى سنوات طويلة، وليس من شروطه أن تسد الدين أكثر أو أقل مما أخذت، قاعدة هذا الطقس الأساسية هى: مِنْ كلٍّ حسب شهامته، إلى كلٍّ حسب حاجته”!!، تأتى مناسبة الزواج أو الطهور، فيدفع الأقارب والصديقات والمعارف ما تيسر، وينتظرون شهوراً أو سنين عددا حتى تحل مناسبة مماثلة عندهم فيتلقون أكثر أو أقل. هذه الحلول الذاتية مازال بعضها قائم وفاعل وطيب.
تقليد آخر أكثر تواترا، وأحكم انضباطا وهو الذى يعنيه تعبير “نعمل جمعية”، بالمعنى الشعبى لا الرسمى، أقصد الجمعيات التى تعملها ربات المنازل، والجارات، والموظفين والموظفات وهى ليست لها علاقة بوزارة الضمان، ولا منح الخواجات، ولا “الإن، جى، أوه!” NGOS ، هذا التقليد هو من أنْبَل تجليات الحلول الذاتية.
خيل إلى يوما أن الحلول الذاتية هى التى تبقى حياة الشعب المصرى حتى الآن، خمسة ملايين فى الخارج، كل واحد منهم له أسرة من خمسة أفراد، خمسة فى خمسة بخمسة وعشرين، يروجون حولهم حركة اقتصادية لنفس العدد، أصبحوا خمسين مليون، والباقى يدبر حاله بالشَّقى أو بالسرقة، أو بالرشوة أو بالوصول أو بالعمل أو بالشحاذة، أو بالاستثمار المشروع وغير المشروع، إيش أدخل الحكومة فى أى من هذا!(؟)
يقوم الشباب فى بعض الشوارع عندما تتكدس العربات وتشل حركة المرور بتنظيم المرور أيضا بالحلول الذاتية،
خطر فى عقل ببالى: يا ترى هل هناك حلول ذاتية مماثلة فى السياسة أيضا؟ جاءنى الجواب جاهزا منذ أيام: القذافى عملها، أو أعلنها ونشرتها صحيفة الأهرام، وهو يصرح: “إن العالم يتحول الآن إلى التجربة الليبية وأن بلاده من الآن سوف تكون بلا حكومة، وأن القطاع الإدارى أخطبوط يلتهم أموال الشعب..إلخ”، لا تضحك وارجع إلى الأهرام 3/3/2008 صفحة 5، لا تضحك فما نحن فيه أدعى للضحك.
حين تضيق الحال بأحد أفراد الأسرة الكبيرة أو أحد الجيران، أو الزملاء الموظفين، ويعرض أزمته بالصدفة، أو يفكر بصوت مسموع وهو يتمتم “طب نعمل إيه”، يرد عليه أحد الزملاء ليخفف عنه ضاحكا “نعمل جميعة”، وإما يعملونها بصحيح، أو على الأقل يضحكون للقفشة.
هل توجد طريقة نعمل بها جمعية تقوم بإدارة أحوال البلد؟ نحل بها غياب السياسة؟ أعنى غياب السياسات (بالله عليكم ما هو الفرق؟ أنا أقول لكم: “سياسات” جمع سياسة، هل هذا صعب؟)
المهم: سيوزع القذافى – أطال الله عمره – خمسة آلاف دينار لكل أسرة بواقع ألف دينار لكل شخص، عالبركة، وهو يقول إن العالم سيحذو حذوه، ونحن جزء من العالم! (أليس كذلك؟)
لاحظت فى تشكيل الأحزاب الجديدة، بعدما استبعدت أى سوء ظن، أننا بدأنا فى ممارسة شكل آخر موازيا لهذه المحاولات، أعتقد أن بعض الشرفاء عندنا حين يرون الحال المائل، ثم يرونه وهو يميل أكثر فأكثر، وهم لا يستطيعون عدْله أو إيقاف ميله، وفى نفس الوقت لا يستطيعون الإنسحاب من مسئولية تواجدهم على هذه الأرض، هؤلاء النفر الطيبون حين يجتمعون ويتساءلون “طيب نعمل إيه” فيقول أحدهم مخلصا “نعمل حزب” (مقابل “نعمل جمعية” كما ذكرنا) طيب، ولكن مَنْ يقبض الأول؟ قال لك: “الحزب الوطنى”، فيسأل أحد السذج ومن يقبض بعده؟ ويكتشف حسنوا النية – بعد أو قبل تكوين الحزب، باللجنة أو بالقضاء- أن الحزب الوطنى هو الذى يقبض الأول والثانى حتى الأخير، مع أنه لم يشترك ابتداءً فى “الجمعية”، لأنه ليس حزبا من أصله.
المفروض فى نظام الجمعية أن الذى يقبض يمشّى حاله من قبضيته، ثم يحل محله التالى فى الشهر التالى، وهكذا “هذا ما يمكن تسميته “تداول القبضية” لكن فى سياستنا الراسخة ممنوع على الأحزاب حكاية تبادل السلطة هذه، حتى الحزب الوطنى ممنوع، ستقول لى “كيف”؟، فأنبهك أنك لم تأخذ بالك أنه لا يوجد شئ اسمه الحزب الوطنى بالمعنى السياسى، وبالتالى ليس له فرصة أن يشكل الحكومة، الحكومة هى التى تشكله؟
قال لك: طيب “نعمل إيه”؟
قال لك: “نعمل جمعية”.